دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الحادى عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ما راح محمد بن تومرت لمدينة ( تينمل ) بدأ في كسب أتباع جدد .. الراجل كان بيملك أسلوب خطابة ملهم و عنده من العلم اللى خلاه يأثر فى العقول و يكسب القلوب بسهولة .. راجل عابد زاهد مبيطلبش حاجة لنفسه و كمان صاحب منهج شافته الناس وقتها ممتاز .. إبتعاد الناس عن الدين تدريجياً فى بلاد المرابطين خلاهم يميلوا لكلام بن تومرت .. شوية و إبتدت الوفود تيجى لابن تومرت عشان تسمع منه فيقنعهم بمنهجه فيبقوا تحت طوعه لحد ما حس إنه بقى عنده القوة الكافية لتنفيذ مخططه .. كسر شوكة المرابطين ..
إدعى إنه المهدى المنتظر و رفع نسبه للنبى صلى الله عليه و سلم .. إدعى العصمة رغم إن العصمة عند أهل السنة من خصائص الأنبياء فقط .. أفتى بكفر المرابطين و وجوب قتالهم لإنهم يؤمنوا برؤية الله فى الآخرة و هو نوع من التجسيم لذات الله و ده محرم فى منهجه و بالمناسبة موضوع التجسيم ده كان السبب الرئيسى فى تسمية أتباع ابن تومرت بالموحدين .. ليه .. لإن إذا كان المرابطين كفرة حسب إعتقاده إذاً فأتباعه هم أعلم أهل الأرض و أتقاهم و أكثرهم إيماناً بوحدانية الله .. شايفين الدنيا سهلة إزاى .. إنحراف عجيب جداً فى منهج واحد المفترض إنه من أهل السنة و بينتمى للمدرسة الأشعرية ..
طيب هنا لازم تسأل نفسك سؤال .. الناس فى الفترة دى عقلها كان فين ؟ .. هل من المنطقى إنهم ينصاعوا ليه بالبساطة دى لمجرد إنه عنده علم و بيعرف يخطب كويس ؟ .. الإجابة لأ طبعاً .. ابن تومرت عمل حاجات كتير أوى عشان يقدر يسيطر عليهم ..
ـــــ
عشان تكون الصورة واضحة الناس وقتها مكانوش مجاذيب أي حد حافظ كلمتين فى الدين يقدر يضحك بيهم عليهم بل يمكن فى الفترة دى كتير من عامة الناس شككوا فيه و قالوا إزاى نسلم له عقولنا بالبساطة دى و عندها حس ابن تومرت إن سلطانه هيتأثر و مش هيعرف يحارب المرابطين خاصة إن الناس دى كانت زعماء قبائل و قوة عسكرية لا يستهان بيها .. محمد بن تومرت عشان يقدر يخلى كل البشر دى تحت طوعه إستخدم الحيلة .. إبتدا يرسم سيناريو فيه بعض الخوارق اللى تثبت عصمته و مهديته فى عقول الناس .. خد عندك مثلاً .. إتفق مع واحد من أتباعه إسمه ( أبو عبد الله بن محسن الونشريشى ) على إنه يعيش بين الناس كأنه مجنون .. يمشى و لعابه بيسيل على الأرض و هدومه تبقى مقطعة و ميعرفش يركب على أى دابة و إن ركب يقع من عليها و حالته تشبه أى مجذوب من اللى كنا بنشوفهم فى الأفلام .. إتفق معاه يمثل الدور ده لفترة لحد ما أهل القبائل كلها تعرفه و تتأكد إنه فعلاً مجنون .. طبعاً مش محتاج أقولك إن الونشريشى كان عنده علم و حافظ للقرءان بس كتم ده عن الناس حسب الاتفاق ..
فى اليوم الموعود و أثناء صلاة الصبح حضر للصلاة راجل لبسه مهندم و جميل و أول مرة الناس تشوفه فلما انتهت الصلاة سأله ابن تومرت و قاله إنت مين فرد عليه و قاله أنا أبو عبد الله الونشريشى فاندهش ابن تومرت بقى و قال للى حواليه :
( إن هذا الرجل يزعم أنه الونشريشى فانظروه و حققوا أمره )
فالناس بصت على وشه و ملامحه فاستغربوا شكله فى الأول لكن فى النهاية إتأكدوا إنه فعلاً نفس الشخص المجنون اللى بيلف على القبائل فسأله ابن تومرت عن سبب التغير ده فقاله :
( إننى أتانى الليلة ملك من السماء فغسل قلبى و علمنى الله القرآن و الموطأ و غيره من العلوم و الأحاديث )
فبكى ابن تومرت بين الناس و مثل قدامهم إنه متأثر من الآية الربانية دى .. تفتكروا ده كفاية .. لأ طبعاً .. عشان يأكد الصورة قدام الناس قاله هنختبر كلامك اللى بتدعيه ده فالونشريشى قاله موافق .. جابوله حصان فركبه بكل سهولة و يسر فالناس إنبهرت .. أه و الله .. سأله بن تومرت عن آية معينة فى القرءان فقرأها الونشريشى و بقى يكمل عليها .. أحد الروايات قالت إنه ختم القرءان كله فى 4 أيام .. سأله أسئلة صعبة جداً فى الفقه و الشريعة و الأصول فكان بيجاوب بكل بساطة لحد ما الناس إقتنعت بكلامه و سلموا إن دى علامة إلهية .. من وقتها و ابن تومرت سمى الونشريشى بالبشير عشان يأكد صورته الملائكية فى نفوس العامة فقام بينهم و قال :
( فهذا البشير مطلع على الأنفس مُلهَم و نبيكم يقول : إن فى هذه الأمة مُحَدَّثين و إن عمر منهم )
ـــــ
طب اللى فات ده مش كفاية .. و لسه فى ناس بتشكك حتى لو صوتهم بقى واطى .. يسكت ابن تومرت .. طبعاً لأ .. كمل إتفاقه مع الونشريشى و رسمله خطة جديدة .. فى يوم من الأيام طلع الونشريشى للناس و قالهم :
( إن الله تعالى قد أعطانى نوراً أعرف به أهل الجنة من أهل النار .. و آمركم أن تقتلوا أهل النار و تتركوا أهل الجنة .. و قد أنزل الله تعالى ملائكة إلى البئر التى فى المكان الفلانى يشهدون بصدقى )
إتحرك الناس و على رأسهم ابن تومرت لمكان البير و أول ما وصلوا صلى ابن تومرت ركعتين و توجه للبئر و قال :
( يا ملائكة الله .. إن أبا عبد الله الونشريشي قد زعم كيت و كيت )
و فجأة سمع الناس أصوات جاية من داخل البير بتأكد كلام الونشريشى .. الأصوات دى مكانتش أصوات ملايكة .. دى كانت أصوات أتباع ابن تومرت و كانوا جزء من الخدعة المعمولة على الناس .. تفتكروا الموضوع يقف لحد كده .. طبعاً لأ .. ابن تومرت عشان يضمن إن رجالته اللى فى البير ميفضحهوش بعد كده لو إختلف معاهم أمر الحاضرين بإنهم يردموا البير بالتراب و الحجارة على إعتبار إنه بقى مكان مقدس و كده فقالهم :
( إن هذه البئر مطهرة مقدسة قد نزل إليها الملائكة و المصلحة أن تُطَم لئلا يقع فيها نجاسة أو ما لا يجوز .. فألقوا فيها من الحجارة و التراب ما طمها )
الخدعة دى بن تومرت كررها بطريقة تانية فى إطار مخططه للسيطرة على عقول الناس و ده ذكره الإمام الذهبى فى كتابه سير أعلام النبلاء فقال نصاً :
( و قد بلغنى فيما يقال أن ابن تومرت أخفى رجالاً فى قبور دَوَارس و جاء فى جماعة ليريهم آية فصاح : أيها الموتى أجيبوا .. فأجابوه : أنت المهدى المعصوم و أنت و أنت .. ثم إنه خاف من انتشار الحيلة فخسف فوقهم القبور فماتوا )
و إستمرت خدع و ألاعيب ابن تومرت على الحال ده لحد ما انصاعت الناس ليه تماماً و أصوات التشكيك فى مهديته أو عصمته قلت جداً و بقى بالنسبة للناس فى مرتبة الأنبياء و العياذ بالله .. فتنة شديدة عمت البلد فى الوقت ده و عشرات الآلاف من الناس سقطوا فيها و الهدف النهائى من ده كله كان سياسى تحت غطاء دينى ..
ـــــ
الفترة دى كلها مكانتش هادية .. كانت فيه معارك كتير بين المرابطين و الموحدين بدأت تحديداً من سنة 517 هجرياً و هحاول أركز عليها فى الجزء الجاى إن شاء الله لكن اللى يهمنى دلوقت اللى حصل قبل واحدة من أكبر المعارك بين الطرفين و هى معركة البُحيرة اللى حصلت سنة 524 هجرياً .. قبل المعركة دى و بحكم التجهيز الكبير لها من الطرفين محمد بن تومرت حب إن الجيش كله تكون طاعته عمياء و رغم إن الغالبية العظمى كانت كده فعلاً إلا إنه كان شاكك فى بعض الناس و عشان كده إبتدع خطة دموية جداً إستخدم فيها تابعه الونشريشى مرة تانية ..
الخطة كانت عبارة عن الآتى :
بما إن الونشريشى بشير من الله و ربنا أعطاه نور يقدر يعرف عن طريقه أهل الجنة من أهل النار – حاش لله – و الناس كلها مقتنعين بكده فليه منستغلش النقطة دى .. فى أحد الأيام صحى أهل القبائل كلهم على صوت المنادى :
( أيها الناس .. من كان منكم مطيعاً للإمام فليأت )
و خلال ساعات كانت كل القبائل كبيرها و صغيرها متجمعين عند ابن تومرت و جنبه كان واقف الونشريشى .. و خلال أيام عرضت الناس على الونشريشى فكان يقسمهم حسب اتفاقه مع ابن تومرت .. المطيعين ليه على اليمين و دول أهل الجنة طبعاً و اللى شاكك فى أمرهم على الشمال و دول أهل النار .. بعد ما انتهى من الفرز أمر ابن تومرت بقتل المشككين أو أهل النار حسب زعمه فكان الرجل يقتل بنى قرابته .. الإبن يقتل أباه و الأخ يقتل أخاه و لا يبالون .. بالسيف ماشى .. بالحجارة ماشى .. يرميه من على الجبل مفيش مانع .. خلال ساعات كان كل المشككين إتقتلوا .. المذبحة دى معروفة تاريخياً باسم ( فتنة التمييز ) لو حد حابب يقرأ عنها أكتر ..
ـــــ
بالمناسبة معركة البحيرة انتهت بهزيمة الموحدين و مش بس كده .. ده اتقتل فيها الونشريشى اللى هو البشير حسب زعم ابن تومرت لكن تم إخفاء جثته عن طريق ( عبد المؤمن بن على ) اللى أشاع بين الناس بعد الهزيمة إن الله رفع البشير إليه .. الخسائر موقفتش عند الحد ده و لكن إمتدت لمرض محمد بن تومرت نفسه و وفاته بعد 4 شهور تقريباً من المعركة ..
محمد بن تومرت اللى استغل علمه أسوأ إستغلال و إتحكم فى نفوس العباد و قتل المخالفين له لهدف سياسى و هو إقامة دولة الموحدين مات قبل ما يشوف دولته على أرض الواقع .. إبن تومرت اللى حاول يقتدى بالنبى صلى الله عليه و سلم فى تأسيس نظامه السياسى فاعتبر ( تينمل ) دار هجرة و قسم أصحابه طائفتين زى المهاجرين و الأنصار فالمهاجرين أول عشرة بايعوه و آمنوا بمهديته و الأنصار أول 50 آمنوا بيه من قبائل المصامدة و أسماهم أهل الخمسين بعدهم تيجى طبقة السبعين ثم طبقة الطلبة الحفاظ ثم طبقة أهل الدار ثم طبقات القبائل و خلى ترتيب القبائل حسب الولاء ليه و لدولته و بكده ضمن التنافس المستمر بينهم للوصول لأعلى ترتيب ممكن ..
أخيراً المعلوم عن محمد بن تومرت إنه مات فى 13 رمضان عام 524 هجرياً و هو يشهد بأن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و قبل ما يموت ترحم على الخلفاء الراشدين و تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين و روى إنه قبل وفاته جمع أقرب الناس ليه من طبقة العشرة و الخمسين و قالهم :
( إن الله سبحانه – و له الحمد – من عليكم أيتها الطائفة بتأييده .. و خصكم بحقيقة توحيده .. و قيض لكم من ألفاكم ضُلاّلاً لا تهتدون .. و عمياً لا تبصرون .. قد فشت فيكم البدع و استهوتكم الأباطيل .. فهداكم الله به .. و نصركم .. و جمعكم بعد الفرقة .. و رفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين .. و سيورثكم أرضهم و ديارهم ذلك بما كسبت أيديهم .. فجددوا لله خالص نياتكم و أروه من الشكر قولاً و فعلاً مما يزكى به سعيكم و احذروا الفرقة و كونوا يداً واحدة على عدوكم .. فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس و أسرعوا إلى طاعتكم و إن لا تفعلوا شملكم الذل و احتقرتكم العامة .. و عليكم بمزج الرأفة بالغلظة و اللين بالعنف و قد اخترنا لكم رجلاً منكم و جعلناه أميراً بعد أن بلوناه فرأيناه ثبتاً فى دينه متبصراً فى أمره و هو هذا – و أشار إلى عبد المؤمن بن على – فاسمعوا له و أطيعوا ما أطاع ربه .. فإن بدل ففى الموحدين بركة و خير و الأمر أمر الله يقلده من يشاء )
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة
الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور : https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ