قصة قصيرة من تشيلى

by author page

0 comments مقالات متنوعة
قصة قصيرة من تشيلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
أوجستو بينوشيه ديكتاتور تشيلى سجن فى أول 3 شهور من إنقلابه العسكرى أكتر من 40 ألف معتقل و خلال 3 سنين بس زاد عدد المعتقلين ل 100 ألف و مات حوالى 3200 شخص فى معسكرات الإعتقال من كتر التعذيب و هرب أكتر من 20 ألف معارض سياسى بره البلد .. من كثرة عدد المعتقلين و عدم وجود سجون كافية لإحتواءهم قرر بينوشيه تحويل بعض المبانى السكنية لمعسكرات إعتقال .. يعنى الجنود يدخلوا على أى مبنى يعجبهم و يحولوه لسجن و لو عينهم زغللت على مبنى فيه سكان يخرجوهم و طبعاً محدش يقدر يفتح بقه ..
 
ـــــ
 
بينوشيه مكانش مجرد ديكتاتور عادى .. الراجل ده كان جزار بالمعنى الحرفى للكلمة .. فى أول سنين حكمه كان الإختفاء القسرى ده أمر بيتكرر بشكل شبه يومى و لما كان أهالى الضحايا بيحاولوا يسألوا عنهم كانت الإجابة إننا منعرفش عنهم حاجة .. بعد سقوط نظام بينوشيه إتعرف إن كتير جداً منهم كان بيتشحن فى طيارات و يترموا أحياء وسط المحيط و بكده يا هيموتوا من التعب يا هتاكلهم أسماك القرش .. خلال فترة حكم بينوشيه تم تسجيل أكتر من 28 ألف حالة تعذيب و ده العدد اللى قرر أصحابه إنهم يتكلموا و غالباً فى أضعافهم قرروا إنهم ميتكلموش .. الراجل كان دموى لدرجة إنه كان مدى الضوء الأخضر لقتل المعارضين فى الشوارع فكان عادى جداً إن الجنود يفتحوا النار على أى مظاهرة أو حتى تجمع عادى لمجرد الشك فيهم .. من فرط دمويته أمر جنوده بإقتياد عدد كبير من المعتقلين – يقال إن العدد فى حدود 5000 شخص – للإستاد الوطنى و أمر بقتلهم بالرصاص الحى ..
 
ـــــ
 
دموية بينوشيه مكانتش موجهة للداخل بس و لكن إمتدت كمان خارج حدود تشيلى .. قائد الجيش فى عهد آييندى كان راجل محترم إسمه كارلوس براتس قدر إنه يحبط إنقلاب عسكرى ضد الرئيس المنتخب فى 29 يونيو 1973 لكن فى إطار خطة القضاء على آييندى تم إجباره على الإستقالة بعد ما البرلمان صوت ضد وجوده و كمان حصل تمرد فى أحد وحدات الجيش و ده اللى إستغله باقى الجنرالات لإجباره على الإستقالة .. الإنتقام موقفش عند الإقالة و بس .. الراجل بعد ما ساب منصبه قرر إنه يسيبلهم البلد بحالها و راح عاش فى الأرجنتين هو ومراته .. بينوشيه قرر إنه يقتله و بالفعل تم إغتياله هو و زوجته بعد ما حطوله قنبلة فى عربيته ..
 
ـــــ
 
الموضوع موقفش عند كارلوس براتس .. أورلاندو ليتيلييه سفير تشيلى السابق فى الولايات المتحدة و ده واحد من أشهر المعارضين لبينوشيه و إتقبض عليه فعلاً بعد الإنقلاب مباشرة و لكن تم الإفراج عنه بعد سنة و هاجر بعدها لأمريكا و عاش هناك .. ليتيلييه تم إغتياله على إيد واحد من ضباط الشرطة السرية فى عهد بينوشيه إسمه بيدرو إسبينوزا .. الراجل ده تمت محاكمته و إدانته بالقتل سنة 2014 و اعترف إن كل ده تم بأوامر مباشرة من بينوشيه و الحقيقة هو مكانش محتاج يعترف بده لإن فى الوقت ده محدش فى جهاز الشرطة السرية كان يقدر يهرش بدون موافقة السفاح المسبقة .. طريقة القتل إزاى .. نفس اللى حصل لكارلوس براتس .. سيارة مفخخة و فى لحظة الراجل بقى أجزاء ..
 
ـــــ
 
تقف الإغتيالات لحد هنا .. مستحيل .. برناردو لايتون نائب رئيس الحزب الديموقراطى المسيحى فى تشيلى و اللى هرب هو كمان و خد زوجته معاه و عاشوا فى إيطاليا و تحديداً فى روما .. طريقة القتل هنا كانت متغيرة .. جوز عملاء من الشرطة السرية التشيلية طلعوا عليهم وضربوهم بالنار .. فى حد تانى .. كتييير .. خوسيه توها وزير الداخلية فى عهد آييندى إتقتل فى المستشفى و أدعت السلطات وقتها إنه شنق نفسه .. الشاعر الشيوعى الكبير بابلو نيرودا و اللى فاز بجايزة نوبل فى الأدب و ده بخلاف إنه كان سفير فى أحد فترات حياته .. الراجل كان مريض بالسرطان و دخل المستشفى بعد الإنقلاب مباشرة عشان يعمل فحوصات و كان مخطط إنه بعد ما يخلصها يهاجر للمكسيك .. بعد 12 يوم من الإنقلاب و أثناء ما كان نايم تم حقنه بمادة سامة .. حس الراجل بالموضوع و بلغ مراته و المساعد بتاعه باللى حصل و إتكل على الله بعدها ..
 
ـــــ
 
مكتفاش بينوشيه بكل اللى فات .. بخلاف إنه قتل رئيس جمهورية و قائد أعلى للجيش و وزير خارجية و وزير داخلية و نائب رئيس حزب و شعراء و سفراء و غيرهم من أصحاب المناصب الدبلوماسية إلا إنه قرر يضيف عليهم قتل رئيس سابق .. إدواردو فراى مونتالبا رئيس جمهورية سابق أيد بينوشيه فى الأول و كان فاكر إنه هيشيل آييندى و يسيب السلطة بعد كده و لكن بعد ما بينوشيه عدل الدستور و ألغى تعددية الإنتخابات و حولها لإستفتاء على شخصه المصون خرج و أعلن رفضه للتعديلات و قرر إنه يقود مظاهرات فى العاصمة ضده .. إغتيال مونتالبا بقى كان حلو .. لا و جديد .. إغتالوا الراجل بغاز الخردل .. سنة 1981 دخل مونتالبا المستشفى عشان يعمل عملية بسيطة خرج منها ميت و أسرته أكدت أكتر من مرة إنه إتقتل بغاز الخردل ..
 
ـــــ
 
إحنا بنتكلم يا جماعة عن جزار .. سفاح بمعنى الكلمة .. راجل حكم تشيلى بالحديد و النار بجد .. راجل مكنش بيتورع عن قتل معارضيه فى الداخل و الخارج .. راجل كان بيشحن الناس و يرميهم أحياء فى المحيط .. يعنى أخطر من خُط الصعيد و عتريس اللى كان عاوز يولع فى البلد بحالها عشان بيقولوا على جوازه من فؤادة باطل .. إحنا بنتكلم عن أسطورة فى الإجرام و الله .. المجرم ده بقى وقع إزاى ؟
 
ـــــ
 
إنتصارات بسيطة .. إحتجاجات تبان هينة و غير مؤثرة .. مع إنهيار الإقتصاد فى أوائل الثمانينات بدأ عمال المناجم فى الشعور بالخطر .. عاوزين مزايا أكبر و مرتبات أفضل رغم إن مرتباتهم كانت معقولة مقارنة بغيرهم إلا إن ده اللى حصل .. ظهر بينهم نقابى إسمه رودولفو سيجيل قال إن الإضراب هيتسبب فى قتل الناس و عليه قرر إنه يعمل خطة لطيفة مش موجهة للعمال و بس و لكن موجهة لكل الناس .. هنتحرك ببطء يا جماعة .. و الكلام هنا مش مجازى .. الكلام هيتنفذ حرفياً .. العمال هتشتغل على المكن ببطء .. الناس هتمشى فى الشوارع ببطء .. كل حاجة هتتحرك بالبطىء .. و ده معناه إنتاج أقل و عوائد أقل .. الفعل كان إحتجاجى بالأساس و مكنش الهدف منه التأثير على الإقتصاد اللى كان واقع بالفعل .. إيه الخطوة اللى بعدها .. الضوضاء ..
 
كل الناس فى الشوارع و البيوت تمسك حلل و تخبط عليها .. اللى فى العربيات يضربوا كلاكسات .. الشباب تمسك آلات نفخ زى الفوفوزيلا بتاعة جنوب أفريقيا كده و يقعدوا يزمروا طول الليل .. الإحتجاج إتكرر مرة كل شهر و إستمر حوالى سنة و خلال السنة دى الإحتجاجات إكتسبت زخم و الناس بدأت تقتنع بالخطوات التصعيدية السلمية لكن ده مفرقش مع بينوشيه .. قتل و إعتقالات و سجن و تعذيب كما هو معتاد .. القمع الزيادة أفرز تعاطف إضافى أجبر المعارضة على تجاوز خلافاتها .. الغريب إن رغم كل اللى فات ده كان فى برضه معارضة .. 11 حزب معارض قدروا يوحدوا رؤيتهم و يتجاوزوا أى خلاف بينهم و وجهوا طاقتهم لتوعية الشعب بحقوقه .. الكنيسة الكاثوليكية هى كمان كانت تتميز بإستقلالية و مكانش يقدر بينوشيه إنه يأثر على رأيها و اللى كان معارض ليه بالمناسبة .. من الأخر مع توالى السنين كرة الثلج بدأت تتدحرج و كان واضح إنها بتكبر .. الشرطة إكتشفت مخابىء أسلحة و بينوشيه نفسه إتعرض لمحاولة إغتيال و بقى واضح جداً إن السيناريو ملوش إلا نهايتين .. يا نهاية سلمية عن طريق إستفتاء يا نهاية دموية الشعب يشيل فيها سلاح و يواجه الجيش .. الحقيقة الكل إختار النهاية السلمية ..
 
ـــــ
 
سنة 1988 و بناءاً على الدستور اللى كتبه بينوشيه بنفسه كان لازم يعرض على الشعب إستفتاء يسمحله إنه يفضل فى الرئاسة لمدة 8 سنين إضافية و الشعب عليه إنه يختار بين أه و لأ .. الوضع وقتها كان وصل للذروة .. إقتصاد مهلهل و شعب جعان و مفيش حريات و الفشل بيضرب كل ركن فى البلد .. كان سهل أوى تعرف إن لو الإستفتاء نزيه فالراجل ده مستحيل ينجح .. كله كان واخد باله من الحقيقة دى إلا بينوشيه نفسه ..
 
بسبب الإضطرابات الداخلية و إحتمالية إندلاع حرب أهلية المقربين لبينوشيه نصحوه بإستحداث قوانين للإنتخابات عشان تطمن الناس بعدم التزوير .. القوانين تلخصت فى إن أى حزب معارض يقدر يجمع 35 ألف توقيع يقدر يبقى ليه ممثل فى اللجان الإنتخابية و هيبقى لرئيسه الحق فى الحصول على ربع ساعة فى التلفزيون كل يوم لمدة شهر قبل الإستفتاء .. و بالفعل فى أحزاب نجحت فى تجميع الأصوات و رؤساءها كانوا على قدر كبير من الشجاعة و الشرف .. طلعوا واجهوا الراجل بكل جرايمه و طلبوا منه أن يتنحى و ميترشحش للإستفتاء بناءاً على تصريحاته السابقة ..
 
ـــــ
 
حملة كبيرة إسمها ( لا ) إشتركت فيها كل الأحزاب المعارضة .. ركزت الحملة على المستقبل المشرق اللى هتعيشه البلد لو أسقطوا بينوشيه .. لو قلت لأ فده معناه مفيش تعذيب تانى .. مفيش إعتقال تانى .. مفيش فقر تانى .. مفيش قتل خارج القانون تانى .. التركيز كله على بكرة اللى أحسن من غير الديكتاتور .. أه و الله يا اخوانا .. الكلام ده تم السماح بيه فى التلفزيون و الجرايد و وسائل الإعلام .. و نجحت تشيلى فى النهاية إنها تطرد بينوشيه من قصر الرئاسة و كل ده حصل بعد ما المعارضة قدرت توصل صوتها للشارع .. و ده محصلش غير لما الزخم الشعبى زاد بالتدريج لحد ما الأمور كانت قابلة للإنفجار و البلد كان ممكن تدخل فى حرب أهلية لو إستمر القمع و عدم إعطاء مساحة من الحرية للناس .. لو شعب تشيلى كان استمر بالخنوع مكانش تم إجبار الديكتاتور على التنازل عن أى شيء ..
 
دلوقت تشيلى أغنى دولة فى أمريكا الجنوبية و ثالث أكبر إقتصاد فيها و بقت تحقق متوسط نمو 6 % و خفضت ضرايبها ل 10 % بعد ما كانت 50 % و الإستثمار المباشر زاد فيها بعد ما تم تسهيل إجراءات الشركات .. الشركة هناك بتاخد 7 أيام بس عشان تشتغل فعلياً .. معدلات الفقر فيها تراجعت من 45 % ل 14.4 % و البطالة تراجعت من 22 % ل 6.5 % ..
 
كل ده حصل لما الشعب قال ( لا )
 

ـــــ

 

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
 
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ