سيرة صلاح الدين الأيوبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثالث :
ــــــــــــــــــــــ
الدول و الممالك كانت تقوم بالأساس على الأتباع .. كلما كان أتباعك أقوياء و مخلصين كلما إمتد عمر دولتك .. الإخلاص فى ذلك الزمان كان عملة نادرة بالفعل لأن كلما قام ملك بتوليه أحد مماليكه لأحد الأقاليم يبدأ مباشرة فى التجهيز لبناء دولته .. بعضهم نجح و الكثير منهم فشل .. من بين مماليك الدولة السامانية كان هناك رجلاً يدعى ألب تكين ..
عام 961 توفى نصر بن نوح أحد ملوك الدولة السامانية فتنازع الملك فيها أشقاءه المطالبين بالعرش إنضم ألب تكين لأحد أطراف النزاع و لكن الشقيق الذى راهن عليه خسر معركة الفوز بالعرش فاضهده منصور بن نوح الحاكم الجديد للسامانيين و قام بعزله فهرب تكين و استقر فى مدينة غزنة شرق أفغانستان حالياً مؤسساً مملكة صغيرة الحجم و ضعيفة إلى حد ما حتى أن ألب تكين إدعى أن مملكته تتبع السامانيين خشية أن يغيروا عليه .. بعد حوالى عامين سيتوفى تكين و سيخلفه إبنه أبو إسحاق إبراهيم ثم سيخلفه بيلجا تكين الذى سيسير على نفس منهج من سبقوه و سيعلن أنه تابع للسامانيين و مدافعاً عنهم و عند وفاته سيحاول أحد القادة إسمه بورى تكين أن يستأثر بالملك و بالفعل سيسيطر عليه لمدة عامين قبل يثور ضده الناس فيضطر قادة الجيش أن يعزلوه عام 977 قبل أن يتفقوا على رجلاً يدعى سُبُكْتَكين ..
سبكتكين كان ذكياً فأعلن فى البداية ولاؤه للسامانيين بل و قمع الثوار الخارجين على حكم الدولة السامانية و حارب معهم الدولة البويهية و مقابل ذلك كوفىء بولاية خراسان .. لم يتسرع سبكتكين فى إعلان العداء للسامانيين و قرر الإبتعاد عن مناطقهم و مد نفوذه شرقاً ناحية الهند فسيطر على مناطق واسعة من أراضيها فلما رأى الأفغان سطوته خضعوا له و دانت له أقاليمهم مؤسساً بذلك الدولة الغزنوية على رقعة جغرافية تشمل أجزاء من باكستان و أفغانستان و إيران و على أساس ما سبق فبعض المؤرخين يرى أن ألب تكين هو مؤسس الدولة الغزنوية بحكم أنه أول من إنفصل عن البيت السامانى و لو نظرياً أما البعض الأخر فيرى أن مؤسس الدولة هو سبكتكين حيث أنه أول من وسع حدود الدولة و جعل لها كيان واضح بين الممالك المحيطة و على هذا فيختلف تاريخ تأسيس الدولة بين 961 تاريخ هجرة ألب تكين و 977 تاريخ تولية سبكتكين ..
خلف سبكتكين إبنه محمود بن سبكتكين المعروف بإسم محمود الغزنوى فأستكمل مسيرة والده بل يمكن القول أنه تفوق عليه فدانت له دول باكستان و شمال الهند حالياً و أنهى حكم السامانيين تماماً و استحوذ على أراض تخص دولة القراخانات فأصبحت دولته تمتد من شمال الهند شرقاً إلى حدود العراق غرباً و من سجستان فى إيران حالياً جنوباً إلى خراسان و جزء من تركمانستان حالياً شمالاً .. دولة عظيمة لكن جرى عليها ما جرى على من هى أقوى منها .. هزيمة فى معركة دندان أكان أمام الدولة السلجوقية جعل نفوذها يتراجع كثيراً و محى كثيراً من هيبتها فى أعين جيرانها ..
حاولت الغزنويين على مدار عشرات السنين إسترجاع تلك الهيبة مجدداً و لكن بسبب الخلافات الداخلية من جهة و تطور الدولة السلجوقية من جهة أخرى بدأ ملكهم فى الإنحسار تدريجياً و بدأت الأقاليم تؤخذ منهم غصباً واحد بعد الأخر قبل أن تتمكن الدولة الغورية من الإستيلاء على أخر أقاليمهم ملتان و بيشاور قبل أن يحاصروا لاهور عاصمتهم و يتمكنوا من القبض على خسرو مالك أخر ملوكهم و إعدامه مع أبنائه الثلاثة عام 1190 فسقطت بمقتلهم الدولة الغزنوية ..
ـــــ
فى بلاد ما وراء النهار نشأت دولة تنحدر أصولها من قبائل الأويجور التركية .. عاشت تلك القبائل بالأساس فى تركستان و هى مساحة الأرض التى تمتد من غرب الصين شرقاً إلى أذربيجان و تركيا غرباً .. فى ذلك المحيط الواسع هاجرت و إنتشرت عديد القبائل التركية و استقر كل منها فى مكان فصار موطناً لهم ..
تركستان تنقسم جغرافياً إلى قسمين و هى تركستان الشرقية و التى تقع داخل الحدود الصينية حالياً و يسكنها المسلمين الأويجور و تركستان الغربية و هى الاكبر مساحة حيث تمتد من قرغيزستان شرقاً مروراً بطاجيكستان و أوزبكستان و تركمانستان و كازاخستان وصولاً إلى تركيا غرباً ..
فى ما يعرف حالياً بدولة منغوليا أسس الأويجور دولتهم عام 744 و استمرت حتى عام 840 قبل أن تسقط على يد القرغيز فاضطر أهلها أن يهاجروا تجاه تركستان الشرقية قبل أن يتحدوا مع عدة قبائل تركية أخرى مؤسسين دولتهم الجديدة قبل أن تنفصل تلك الدولة بعد أقل من عشر سنوات إلى قسمين .. الأولى هى خانية إديقوت و الثانية هى محور حديثنا .. خانية القراخانات الإسلامية ..
يعود أصل الإسم إلى أن حاكم المملكة كان يطلق عليه لقب قرة خان و هو لفظ تركى ينقسم إلى جزئين .. ( قرة ) و تعنى أسود و هو كناية عن النبل و العراقة و ( خان ) و هو لقب الحاكم و لهذا فقد عرفت المملكة تاريخياً بإسم مملكة الخانات السود .. جدير بالذكر أن شعب مملكة القراخانات دخل بالإسلام عام 960 بعد إسلام زعيمها ستوق بجراخان ..
إستمر تطور الدولة تدريجياً حتى ثبتت أقدامها و توسعت فى ضم المناطق المحيطة بها و التى كانت خاصة بالدولة السامانية فضمت بخارى و سمرقند و توغلت فى الحدود الصينية إلى أن بدأ التنافس بينها و بين مملكتين كانوا هم الأكبر فى المنطقة وقتها هم المملكة الغزنوية و المملكة السلجوقية فحاربوا الغزنويين فترة ثم هادنوهم فترة ثم هادنوا السلجوقيين بعدما اشتد عودهم فصاروا تبعاً لهم منذ عام 1141 حتى زالت دولتهم على يد الدولة الخوارزمية و الإستيلاء على سمرقند عاصمتهم ..
ـــــ
فى تركستان الغربية و تحديداً غرب كازاخستان حالياً كانت تعيش قبائل الأوجوز التركية و التى تضم تحت رايتها 23 قبيلة .. أحد تلك القبائل كانت تدعى قبيلة قنق .. من تلك القبيلة سيبرز رجلاً على المستوى العسكرى يدعى سلجوق بن دقاق .. بروزاً سيجعله يترقى فى المناصب حتى يصل إلى أن يكون أحد قادة بيجو ملك الترك فى تلك المنطقة .. سلجوق كان قيادياً فذاً و كان عادلاً أيضاً لذلك أحبه الجنود و أطاعوه و هو ما أثار مخاوف زوجة الملك فقامت بتحذيره منه و من إحتمالية إنقلابه عليه و إستئثاره بالملك ..
إنتشرت الإشاعات و وصلت إلى مسامع سلجوق الذى استشعر خطورة الوضع فجمع أتباعه و رحل إلى منطقة تسمى جَنَد توجد اليوم فى المنطقة الواقعة بين شمال غرب أوزبكستان و جنوب غرب كازاخستان و كان ذلك قرابة عام 1000 .. بذلك الإرتحال صار سلجوق على مرمى حجر من أراض دولة الإسلام و هو ما أتاح له الفرصة للتعرف عليه أكثر و ما أن تعرف عليه حتى أعلن إسلامه و تبعه قومه بالكامل .. فور إسلامه قرر الإغارة على الترك الوثنيين بغية نشر الإسلام فى أراضيهم و هو ما استحسنه حكام الدول الإسلامية المحيطة به ..
سلجوق كان عنده أربعة أبناء هم ميكائيل و أرسلان و يونس و موسى برز منهم ميكائيل الذى سار على نفس الدرب الجهادى بعد وفاة والده حتى استشهد فى أحد المعارك تاركاً خلفه ثلاثة أبناء .. بيجو .. طغرل .. جغرى داوود .. إلا أن أحدهم لم يتسلم زمام الدولة الوليدة بعد وفاة والدهم و تولى المسئولية شقيقه أرسلان الذى واصل المسيرة حتى تم أسره فى أحد المعارك بينه و بين محمود بن سبكتكين ملك الغزنويين .. بأسر أرسلان وصلت مقاليد الأمور ليد واحد من أحفاد سلجوق ..
إذا شئنا الدقة فقد وصلت إلى المؤسس الحقيقى للدولة ..
طغرل بك محمد بن ميكائيل بن سلجوق ..
ـــــ
يعد طغرل بك هو المؤسس الحقيقى لدولة السلاجقة و الذى حكمها بدءاً من عام 1016 و استمرت لمدة 47 عام حتى وفاته فى 1063 .. توسعت على يديه الدولة حتى صارت حامية الخلافة العباسية و أقوى دولة فى المنطقة .. فى الواقع يرجع الفضل الأكبر فى الحفاظ على الخلافة العباسية إلى الدولة السلجوقية و مؤسسها طغرل بك حيث كانت المنطقة وقتها تحت سيطرة الدولة البويهية الشيعية و هو ما تسبب فى إضطرابات سياسية و مجتمعية بفعل الإختلاف المذهبى بين الشيعة المسيطرين على الحكم فعلياً و بين الخليفة السنى الذى لا يملك قوة فعلية بخلاف مكانته كخليفة للمسلمين و هو ما كان يهدد الخلافة العباسية بالزوال فى أى لحظة ..
قبل توجه السلاجقة إلى بغداد و إنقاذ الخلافة العباسية كانت الدولة فى عهد طغرل بك تتوسع بإضطراد حيث خاضت معارك ضد كل الممالك المحيطة بهم .. فى عام 1039 حدثت معركة داندان أكان التى أنهت حكم الدولة الغزنوية و مكنت السلاجقة من السيطرة على خراسان و حواضرها المعروفة وقتها مدينتى مرو و نيسابور .. بحلول عام 1046 سيتمكن السلاجقة من السيطرة على خوارزم و جرجان و طبرستان و مكران و كرمان و الرى و همدان مكونين دولتهم الكبرى فى خوارزم و خراسان و فارس و أذربيجان ..
و بينما كانت الدولة السلجوقية توسع نفوذها فى الشرق كانت الدولة البويهية فى العراق و فارس تتحلل داخلياً بفعل التنافس على الملك مما أفرق كلمتهم و شتتهم و هو ما شجع الخليفة العباسى القائم بأمر الله على الإستعانة بالسلاجقة لإزاحة البويهيين من البلاد و هو ما حدث بالفعل عندما استطاع طغرل بك أن يجبر الملك الرحيم البويهى على الهروب ثم قضى على مقاومة البساسيرى أحد رجال الدولة العباسية المتحالفين مع الفاطميين و أكثرهم خطراً على العباسيين وقتها .. بالقضاء على الدولة البويهية إعترف الخليفة بأحقية طغرل بك بما تحت يديه من أراض و رفعه لأعلى مرتبة ممكنة و لقبه بملك الملوك و هو ما يعكس إحترامه لدور السلاجقة فى الحفاظ على كرسى الخلافة فى يد العباسيين و فى المقابل فقد إحترم السلاجقة الخلفاء و وقروهم على عكس ما كان يعاملهم البويهيين .. بعد تسع سنوات تقريباً سيتوفى طغرل بك دون ترك ولد يخلفه فى الحكم و ستحدث بعض الإضطرابات فى البيت السلجوقى قبل أن يتمكن ألب أرسلان إبن شقيق طغرل بك من الإستحواذ على عرش المملكة و إستكمال مسيرة النجاح التى بدأها عمه مؤسس الدولة ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ