شبح الفقاعة العقارية ( 1 )

شبح الفقاعة العقارية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــ

 
* تعريف الفقاعة الإقتصادية :
 
( هى الزيادة الخادعة فى قيمة منتج ما بسبب الطلب المتزايد عليه فتحدث مضاربات سعرية غير محسوبة بدقة تؤدى فى النهاية إلى إظهاره بقيمة أعلى من قيمته الحقيقة )
 
و بكده فمفهوم الفقاعة بالأساس غير مرتبط بالعقارات و إنما هو نشاط إقتصادى غير منطقى و غير متسق مع المعطيات على الأرض ممكن يحصل لأى منتج تانى بخلاف العقارات ..
 
ـــــ
 
* طب إيه هو العامل المسئول عن الزيادات السعرية دى ؟
 
الإجابة بكل بساطة هى #قانون_الندرة .. قانون الندرة هو القانون الإقتصادى الأول اللى اتعلمه البشر .. البشر فى العصور القديمة كانوا عايشين كصيادين متجولين و لو قبيلتين مثلاً بيدوروا على مصدر للغذاء و وجدوه فى نفس الوقت مكانش بيبقى قدامهم غير إنهم يحاربوا بعض على المصدر ده لإن الغذاء وقتها مكانش متوفر و لو مفازوش بالمصدر اللى لاقوه ده فالله أعلم ممكن يلاقوا مصدر تانى إمتى ..
 
ندرة مصادر الغذاء وقتها هو اللى إدالها قيمة لدرجة إن فى ناس ممكن تموت فى سبيلها .. و العكس طبعاً فى حالة الوفرة .. أى حاجة متوفرة و بكثرة طبيعى جداً إن ميبقاش عليها طلب و بالتالى ميحصلش عليها حروب ..
 
مع الوقت و بعد اختراع وسائل التبادل اللى أخر أشكالها كان النقود قانون الندرة برضه كان حاضر .. الحاجة النادرة غالية و الحاجة المتوفرة رخيصة .. الأمر واضح و بسيط و مش محتاج شرح أكتر من كده على ما أظن ..
 
ـــــ
 
* هل الندرة هى المتسببة فى أى فقاعة عقارية ؟
 
بمعنى تانى .. إيه هى أسباب الفقاعة العقارية ؟
 
الحقيقة الندرة فى حالة الفقاعة مظلومة شوية لإن الفقاعة الإقتصادية أحياناً بتحصل لأسباب بعيدة عن الندرة خالص و عشان كده فى ناس كتير مبتعرفش تحدد الأسباب الحقيقية ليها أو حتى مواعيدها لإن ملهاش قواعد و بتحصل حتى و الإقتصاد صحى و لا يشترط أبداً إنها تحصل و الإقتصاد منهار ..
 
ـــــ
 
1 – فى حالة الإقتصاد الصحى ممكن نقول إن التوسع فى منح القروض العقارية من البنوك سبب رئيسى .. الإقتصاد قوى .. الناس دخلها كويس .. طبيعى جداً إنهم يفكروا فى إمتلاك مقتنيات أكثر .. شقة .. عربية .. سلع استهلاكية .. دخلهم كويس لكن معندهومش مدخرات .. يعملوا إيه ؟ .. بالظبط كده .. يروحوا البنك و ياخدوا قروض عشان يشتروا شقق .. البنوك توافق و تضخ سيولة كبيرة أوى للقطاع العقارى .. فجأة تلاقى شركات الإستثمار العقارى إن الطلب بيزيد عندها فتبتدى تزود تعاقداتها بالتدريج لحد ما الصورة تتضح قدامها .. مع الوقت بيكتشفوا إن فى طلب عارم على العقارات و إنهم لازم يبدأوا فى فتح مشاريع عقارية جديدة فيستلفوا هما كمان من البنوك عشان يغطوا ” الطلب المتوقع ” منهم .. بتفضل العملية تزيد و تزيد لحد ما بيحصل إنكسار لموجة الشراء و دى برضه محدش يعرف يتوقعها إمتى لإن مفيش جهة بتكون متابعة حجم الطلب الفعلى لإن متابعته أمر صعب جداً و بيتطلب جمع بيانات من أطراف السوق كلها .. بنوك .. مؤسسات تمويلية .. شركات إستثمار عقارى .. شركات تأمين .. و مستهلكين .. مين اللى هيجمع البيانات دى و مين اللى عنده القدرة على كده ؟ ..
 
عندها بقى بتحصل المشكلة .. الشركات شغالة بناء بأقصى طاقة ليها و الناس فعلياً بطلت تطلب و على ما الشركات تكتشف ده بتكون أغلب سيولتها إتحولت لعقارات غير مباعة .. سيولتها دى اللى هى أساساً مستلفاها من البنوك .. العجلة اللى كانت دايرة بأقصى سرعة ليها بتقف فجأة و وقتها الشركات دى بتبقى مهددة بشكل كبير بالإفلاس أو على أحسن الفروض بتسليم عقاراتها للبنوك سداداً لديونها و خسارة جزء كبير من رأس مالها .. الكلام ده حصل فى دول متقدمة كتير زى اليابان فى أواخر الثمانينات و حصل فى أمريكا فى 2008 و اللى طبعاً سببت أزمة مالية عالمية كلنا فاكرينها لحد النهاردة ..
 
ـــــ
 
2 – فى حالة الإقتصاد الضعيف أو المتباطىء الوضع بيبقى مختلف شوية .. الإقتصاد مش قادر ينمو .. الناس دخلها قليل .. عاوزة تشترى بس مش قادرة بسبب إرتفاع الأسعار .. العملة المحلية قيمتها متذبذبة و فى تناقص مستمر .. أصحاب رؤوس الأموال بيدوروا على طريقة تحفظلهم قيمة فلوسهم فمبيلاقوش أنسب من العقارات .. طبعاً فى حاجات تانية بجانب العقارات زى الذهب أو العملات الأجنبية و لكن فى المجتمعات اللى اقتصادها ضعيف غالباً بيبقى الثابت فى عقول مواطنيها إن العقار هو أنسب إختيار لحفظ القيمة .. فجأة بيتحول الجزء المتبقى من مدخرات الشعوب دى و بيتم ضخه فى السوق العقارى .. و بيحصل نفس السيناريو السابق .. الشركات بتشتغل بأقصى طاقة ليها و بيحصل التشبع اللى قلنا عليه و برضه محدش بيقدر يقول ستوب يا جماعة نقف لحد كده .. فجأة الشركات بتلاقى نفسها فى نفس المأزق اللى فات .. فلوسها متجمدة و مش عارفة تبيع مش لإن الناس مش عاوزة تشترى .. لأ .. لإن الناس مش قادرة تشترى .. و طبعاً ده وضع أصعب بكتير من الحالة الأولى ..
 
و جدير بالذكر هنا إن أسعار العقارات فى حالة إزدياد مستمر مهما كانت الظروف و ده راجع لعوامل زى التضخم و أسعار الفايدة .. و كل ما كانت شركات القطاع العقارى على قدر عالى من الحرفية و المهنية فده بيديها ميزة إنها تقيس حجم الطلب الفعلى للسوق فبالتالى متتجاوزهوش و بالتالى مخاطرتها تظل فى الحدود الآمنة ..
 
ـــــ
 
* طب إمتى نقدر نقول إن فى فقاعة عقارية ؟
 
الفقاعة العقارية لا يمكن الجزم بحدوثها إلا مع نتائجها و ده وضع غريب جداً .. يعنى طول ما الأسعار زى ما هى أو بتزيد فصعب نؤكد حدوثها .. إحنا بنتأكد من حدوثها لما نلاقى أسعار العقارات نزلت ..
 
ـــــ
 
* طب السيناريو بيبقى شكله إيه ؟
 
السيناريو بيبقى واضح جداً و لكن دايماً الشركات بتحاول تخليه غامض .. الموضوع مش نصب أبداً و لكنه تصرف طبيعى بسبب عدم الرغبة فى الخسارة .. الشركات عندها عقارات عاوزة تبيعها و فلوسها محبوسة فيها و بالتالى فهى هتستخدم كافة الوسائل المتاحة عشان متحسسش العملاء إن فى أزمة لإن لو العملاء حسوا بكده محدش هيشترى و هيبقى كل من يمتلك عقار خسر فبتاخد إجراءات لا تعكس وضعها الحقيقى .. يعنى مثلاً :
 
– يرفعوا الأسعار بدل ما ينزلوها عشان يدوا إنطباع للعملاء إن الدنيا تمام و إن الطلب عالى و الدليل إن سعر المتر مبينزلش
 
– يعملوا حملات دعائية بيشارك فيها أعلام المجال العقارى و كلهم هيأكدوا على إن مفيش أزمة
 
– يعملوا دعاية عن إحتمالية دخولهم مشاريع عقارية جديدة سواء سياحية أو سكنية
 
لو الأسلوب اللى فوق ده مجابش نتيجة و العملاء مستوعبهوش فبيضطروا إنهم يدخلوا على الأسلوب اللى العملاء بيفهموه .. التسهيلات ..
 
– يعملوا تسهيلات فى السداد على 140 سنة
 
– يخفضوا الفوائد لأقل حد ممكن 0.000015 %
 
– يخفضوا دفعة التعاقد ل 0.0025 % من قيمة الوحدة
 
– يخفضوا دفعة الحجز و المصاريف الإدارية و أى مصاريف مستخبية
 
يعملوا كل اللى فات إلا حاجة واحدة .. إنهم يخفضوا سعر المتر بشكل مبالغ فيه .. لإن لو عملوا كده يبقى ده إعتراف واضح و صريح بحدوث الفقاعة ..
 
ـــــ
 
* يعنى إنخفاض سعر المتر هو الدليل على حدوث الفقاعة ؟
 
إنخفاض الأسعار هى أوضح دليل بكل أمانة لإنه مرتبط بسعر الوحدة النهائى و حجم أرباح الشركات .. الخصومات و التسهيلات دى كلها يمكن اعتبارها فى إطار التسويق و لا ضرر فيه أبداً .. و حتى لو التسويق المبالغ فيه من كل الشركات بيدى مؤشر على إن القطاع بيواجه صعوبة إلا إنه برضه مبيأكدش إننا دخلنا فى أزمة عقارية ..
 
الإعتراف بحدوث الفقاعة بيتوقف بالأساس على قدرة الشركات على تحمل واقع صعب أكيد هما أقدر الناس على تقييمه .. يعنى طول ما الشركات قادرة تتحمل ضعف المبيعات و فى نفس الوقت مركزها المالى قوى بتقدر عن طريقه سداد إلتزاماتها فهما مش هيخفضوا السعر تحت أى ضغط و ده لعدة أسباب من ضمنها إرتفاع تكاليف البناء عليهم مثلاً و كمان عشان ميدوش إنطباع للعملاء بالإنهيار زى ما قلنا فى الفقرات السابقة ..
 
الأزمة تظهر بكل قسوة و عنف لما الشركات تعترف بصعوبة الوضع و تبتدى تخفض فى السعر اللى بينهار ساعتها بشكل سريع و متتالى ..
 
ـــــ
 
* يعنى نقدر نقول إن زيادة الأسعار بسبب جشع الشركات ؟
 
لا طبعاً .. ده يبقى ظلم .. سعر الأرض زاد و تكاليف مواد البناء كمان زادت .. منقدرش ننفى إن فى بعض الشركات بتحط هامش ربح كبير جداً يصل لدرجة الإفتراء إلا إن أسعار غالبية الشركات بتبقى فى حدود الطبيعى إذا ما قارناها بإرتفاع التكاليف خاصة بعد التعويم إذا اتكلمنا على حالتنا فى مصر .. مينفعش إن شركة كانت بتشترى متر الأرض قبل التعويم ب 1000 جنيه مثلاً و بعد التعويم السعر يوصل ل 4000 أو 5000 جنيه و تبيع بنفس الأسعار القديمة .. و قيس على كده باقى التكاليف من أول المواد الخام مروراً بإيجار المعدات الثقيلة وصولاً للأجور اللى زادت برضه حتى و إن مكانش بنفس نسبة الأسعار ..
 
ـــــ
 
* واحد عامل فيها ناصح ممكن يطلع يقولى طب ما شركات العقارات لازالت بتكسب ما شاء الله أو على الأقل الشركات المقيدة فى البورصة المصرية ..
 
أقوله بكل بساطة لإن الشركات كلها تقريباً بتستهدف شريحة معينة من المجتمع و هى الشريحة ذات الدخل العالى جداً و بالتالى تقدر تدفع ثمن الوحدة سواء كاش أو على أقساط من غير ما يمثل لها أى أزمة و بيساعدها فى تحقيق الأرباح دى قناعة الفئات دى بجدوى إقتناء العقار لإن زى ما قلنا ثقافة الشعب المصرى عامة بتميل لحفظ القيمة فى عقار فتلاقى إن ممدوح بيه اشترى فيلا فى التجمع الخامس من شركة ( س ) ده غير إنه يملك 15 شقة فاخرة متوزعين على أفخم كومباوندات البلد و كمان عنده 5 أو 10 شاليهات متوزعين على أفخر المدن الساحلية .. كم سيولة غير طبيعى خرج من جيب ممدوح بيه و دخل جيب الشركات فحققت أرباح ..
 
لكن لحد إمتى ؟
 
و احنا عندنا كام ممدوح بيه يقدر يشيل عبء قطاع كامل مسخر كل جهوده لخدمة الشريحة دى بشكل أكبر من باقى شرائح المجتمع ؟
 
و الإستمرارية برضه معتمدة على ممدوح بيه نفسه .. هل هيفضل دخله على نفس المستوى فتفضل مشترياته بنفس الوتيرة و لا هيكتفى باللى عنده و يقرر إنه يحول سيولته المتاحة لنشاط إستثمارى تانى ؟
 
ده اللى الأيام هتثبته و ربنا يدينا العمر و أكتب عن الأوضاع وقتها ..
 
أو ممكن أكتبلكم عن تفاصيل أزمة الرهن العقارى اللى حصلت فى أمريكا ..
 
و ده موضوع شيق برضه بالمناسبة 🙂
 
ـــــ