الصراع السياسى فى حقبة النظام الجمهورى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف بدأ الصراع ؟
القصة طويلة لكن يمكن إختصارها قليلاً لو أننا سلطنا الضوء على ثلاث شخصيات رئيسية .. ( صن ياتسن – sun yat-sen ) .. ( شيانج كاى شيك – Chiang Kai-shek ) .. ( ماو تسى تونج – Mao Zedong )
قبل سقوط النظام الإمبراطورى ظل ( صن ياتسن ) منفياً خارج الصين يروج لحرية بلاده ويجمع التبرعات لدعم الإنتفاضات ضد النظام الحاكم .. أثناء زيارته لليابان تعرف إلى شاب يدعى ( شيانج كاى شيك ) كان قد قرر الإنخراط فى العسكرية بحكم مناهضته للنظام الإمبراطورى وعليه سافر إلى اليابان للتدرب على الأساليب العسكرية الحديثة .. ( شيانج ) أعجب بفكر الزعيم ( ياتسن ) وقرر الإنضمام للرابطة الثورية المتحدة .. لاحقاً سيكون ( شيانج ) على رأس إحدى الفرق العسكرية أثناء ثورة عام 1911 ..
خلال السنوات الإثنى عشر التالية سيلتزم ( شيانج ) بالدفاع عن قضية تحرر الصين من النظام القديم .. سيعارض أمراء الحرب الموالين للنظام الإمبراطورى .. سيعارض الشيوعيين .. سيعارض كل التوجهات التى تدعو إلى الإمبريالية والإقطاع .. سيترقى فى المناصب حتى يصل لمنصب رئيس أكاديمية ( وامبوا ) العسكرية وهو ما سيؤهله ليكون رئيس الحزب القومى ( Kuomintang ) وبالتالى رئيس السلطة التنفيذية بحلول عام 1925 بعد وفاة ( صن ياتسن )
لم يتغير الأمر كثيراً على المستوى السياسى خلال فترة حكم ( صن ياتسن ) ومن وراءه ( شيانج كاى شيك ) فالدول الإستعمارية ظلت مسيطرة على الداخل الصينى المهترىء وبالطبع لم تكن لتقوى الصين على فرض إرادتها على تلك الدول العظمى .. الديموقراطية لم تكن موجودة بشكل حقيقى ولم يكن هناك تداول فعال للسلطة وقد يكون ذلك بسبب التوترات السياسية التى اتسمت بها تلك الفترة .. اليابان تحتل إقليم منشوريا الصينى كبداية وأمراء الحرب الموالون للنظام الإمبراطورى لازالوا يبحثون لأنفسهم عن مكاسب مرضية بعد أن جردتهم الثورة من مكاسبهم القديمة والشيوعيون منتشرين فى القرى ودائماً ما يحاولون تأجيج الثورة ضد القوميين .. توترات سياسية إستمرت طوال فترة حكم الحزب القومى .. توترات ؟! .. هل إقتصر الأمر على مجرد توترات ؟! .. بالطبع لا .. نحن نتحدث عن حروب سقط فيها ملايين من الشعب الصينى ..
كيف بدأ الصراع إذاً ؟
***
بداية الصراع الدموى بدأ بوفاة ( صن ياتسن ) .. بوفاة الرجل بدأ أمراء الحرب بالتفكير فى مصالحهم الشخصية .. هم بالأساس لم يكونوا مقتنعين بفكرة الجمهورية ولكن سقوط النظام الإمبراطورى أجبرهم على قبول الواقع الجديد .. من سيخلف الراحل ( ياتسن ) ؟ .. من سيملأ الفراغ السياسى بعد رحيله ؟ .. بوفاته بدأت الخلافات تدب فى حزب الكومنتانج فقام ( شيانج ) بإقصاء العناصر الإشتراكية بعد تسوية سياسية مع جوزيف ستالين رئيس الإتحاد السوفييتى .. ستالين وافق لشراء رضا قادة الكومنتانج اليمينيين على أمل تحالف الفصيلين لاحقاً خاصة بعد أن قام ( شيانج ) بفصل بعض اليمينيين المتعصبين من الحزب تعويضاً لليساريين المطرودين .. بصعود اليمين وجد ( شيانج كاى شيك ) طريقه ممهداً لزعامة الحزب وبالتالى الجلوس على كرسى ( صن ياتسن ) إلا أن زعامته للحزب ظلت مهددة بإستمرار فقرر بعد عام واحد الزواج من ( سونج مى لنج –Soong Mei-ling ) الأخت الصغرى لزوجة الراحل ( ياتسن ) ليستفيد من ثقل إسم عائلة زوجته السياسى والمالى ويرسخ فى نفوس سياسيى الحزب أنه الإمتداد الطبيعى لياتسن ..
بعد إستقرار الأمر له فى الحزب بعد طرد الشيوعيين منه قرر ( شيانج ) أن يقوم بحملة عسكرية على أمراء الحرب الذين رفضوا الإنصياع للنظام الجمهورى الجديد .. ولكن ماذا ينقص ( شيانج ) أيضاً للقيام بحملته ؟ .. بالطبع .. بعض الدعم الداخلى لن يضر .. خطة ستالين بدأت فى الوضوح الآن .. تحالف بين القوميين من حزب الكومنتانج وبين الشيوعيين .. تحالف هش بالطبع إلا أن ستالين أَمُل أن ينجح الشيوعيين فى تغيير بعض قناعات القوميين ومن ثم تصبح الصين كلها تابعة دبلوماسياً للإتحاد السوفييتى .. ماذا تبقى الآن ؟ .. لا شيء .. فلتبدأ إذاً حملة إبادة أمراء الحرب أو كما عرفت تاريخياً بإسم الحملة الشمالية ..
***
حزب الكومنتانج تمركز فى مقاطعة جوانزو فى الجنوب بينما إنقسم أمراء الحرب على عدة جبهات حيث سيطروا على شرق ووسط وشمال البلاد أقواهم هو الأمير ( تشانج تشو لين ) الذى سيطر على إقليم مانشوريا ومقاطعة تشاندونج وبكين فى شمال شرق الصين .. الأمير الثانى هو ( وو بى فو ) الذى سيطرت قواته على مقاطعات هونان وهوبى وهينان وسط البلاد .. الأمير الثالث هو ( صن شوافانج ) الذى سيطرت قواته على مساحة واسعة فى جنوب شرق البلاد مثل مقاطعات فوجيان وجيانشى وتشيجيانج وأنهوى وجيانجسو ..
بدأت حملة شيانج من الجنوب وبالفعل استطاع أن يسيطر بسرعة على المقاطعات القريبة منه مثل جواندونج وهونان وخلال شهرين فقط تمكن من السيطرة على وسط البلاد بعد أن هزم قوات ( وو بى فو ) وبدأت حملته فى الإتجاه ناحية الجنوب والشرق فهزم قوات ( صن شوافانج ) فى خمسة أشهر أخرى .. وكما هى العادة بعد الإنتصارات دب الخلاف بين المعسكرين اليمينى والشيوعى .. الحزب القومى إتهم الشيوعيين بتحريض العمال والفلاحين على الإضراب وهو ما جفف مصادر تمويل الحكومة القومية ..
على الفور قرر ( شيانج كاى شيك ) الإنتقام فأمر مؤيديه من العصابة الخضراء بالتعامل مع الشيوعيين المضربين عن العمل .. العصابة الخضراء هى عصابة إجرامية ممولة بالأساس من رجال الأعمال الرأسماليين ومقرها مقاطعة شانغهاى وبشكل أو بأخر كانت هى من تدير المقاطعة مستفيدة من عوائد الإتجار فى المخدرات والدعارة .. العصابة الخضراء وبحكم أنها محمية من النظام الحاكم لم ترحم أحد .. خمسة آلاف قتيل شيوعى فى أيام .. بسبب تلك المذبحة إنتهى التحالف الهش بين الكومنتانج والشيوعيين مما دعى الحزب الشيوعى للإنتفاض فى كافة المقاطعات التى تواجد فيها إلا أن إنتفاضتهم لم تؤثر بشكل كبير على القوميين بسبب إتساع رقعة الأراضى التى صارت تحت سيطرتهم .. بعد الإنتهاء من الشيوعيين وأمراء الحرب أصبح جنوب وشرق ووسط البلاد فى قبضة القوميين ولم يبقى أمامهم إلا الشمال .. ورمزية الشمال تكمن فى بكين ومدينتها المحرمة .. مقر إقامة النظام الإمبراطورى على مدار ألفى عام ..
***
الطريق إلى بكين يمر بمقاطعة تشاندونج وتلك المقاطعة تحديداً مثلت مطمعاً لجيش الكوانتونج اليابانى إذ كان يسكن بها قرابة ألفى يابانى وهو ما اتخذه اليابانيين ذريعة للزحف ناحية تشاندونج لحمايتهم .. حاول ( شيانج ) دخول المدينة إلا أن الجيش اليابانى وقف له بالمرصاد .. الجيش اليابانى دعم أمراء الحرب سراً وعندما هُزمت قوات ( صن شوافانج ) أمير الحرب فى شرق البلاد قام الجيش اليابانى بالتوغل أكثر فى الداخل الصينى لعرقلة تقدم القوميين ناحية بكين وبالفعل تلاقى الجيشان فى مقاطعة هينان واندلع بينهما قتال أدى إلى مقتل أكثر من خمسة آلاف جندى صينى بالإضافة لعدد من قادة الجيش ولم يكتف اليابانيين بذلك بل أرسلوا إنذاراً لكل الأطراف المتقاتلة أنه فى حالة إندلاع القتال فى إقليم مانشوريا فإن هذا سيعنى التدخل المباشر من الجيش اليابانى للحفاظ على مصالحه ..
الجيش اليابانى تعامل بغطرسة شديدة مع الصينيين بحكم تجهيزه الأحدث وبسبب تلك الأفضلية قرر ( شيانج ) عدم المواجهة معهم والذهاب مباشرة تجاه بكين .. كما أسلفنا فإقليم منشوريا فى أقصى الشمال الشرقى لم يكن الهدف الأساسى من الحملة وإنما الهدف كان القضاء على ( تشانج شيوى ليانج ) أخر أمراء الحرب المتبقين أو الجنرال الصغير كما لقب بعد توليه القيادة بعد إغتيال والده ( تشانج تشو لين ) أمير حرب الشمال .. بكين كانت الهدف .. إذا سقطت المدينة المحرمة فى يد ( شيانج ) فلتنس الصين أمر جنرالاتها القدامى للأبد .. حسناً .. هذا هو ما حدث بالفعل .. تمكن القوميين من السيطرة على المدينة بعد تكتل أربعة جيوش عليها .. جمهورية الصين المتحدة قاربت على الظهور أخيراً ..
عهد جديد ينتظر الصين على ما يبدو ..
أم ترانى أخطئت ؟
***
