الحاجب المنصور .. ما له وما عليه ( جـ 8 )

الحاجب المنصور .. ما له وما عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثامن :
ــــــــــــــــــــــ

الحملات العسكرية للمنصور بن أبى عامر كانوا حوالى 52 حملة كلهم إنتهوا بإنتصاره ومفيش ولا معركة واحدة إنتهت بخسارته .. المراجع التاريخية مذكرتش تفاصل كل الغزوات بسبب ضياع بعضها خاصة مراجع إبن حيان القرطبى اللى يعتبر واحد من أبرز اللى أرخوا لعصر المنصور فى كتابه ( أخبار الدولة العامرية ) .. طبعاً مش هقدر أسرد كل تفاصيل الغزوات ولكن ده مش هيغير حاجة من الواقع وهو إن ربنا سبحانه وتعالى كتب النصر لمحمد بن أبى عامر فى كل غزواته اللى دخلها لحد ما اكتسب بسببها لقب المنصور .. إبن خلدون لما حب يوصف غزوات محمد بن أبى عامر قال :

( وردّد الغزو بنفسه إلى دار الحرب فغزا اثنين وخمسين غزوة فى سائر أيام ملكه .. لم ينكسر له فيها راية .. ولا فل له جيش .. ولا أصيب له بعث .. ولا هلكت له سرية )

وهنا لازم نقول حاجة فى حق المنصور وهى إنه كان الحاكم الوحيد من حكام الأندلس اللى كان بيسعى دايماً للهجوم .. يعنى كان دايماً فعل مش رد فعل .. كل اللى سبقوه أو حتى اللى جم بعده كان هدفهم الأول هو الدفاع عن حدود الدولة ومكانش عندهم الرغبة الكافية للتوسع لغاية ما جه المنصور وبدأ يدخل معارك فى الشمال والجنوب بهدف توسيع حدود دولته والقضاء على أى عدو ممكن يهدد طموحه ..

ـــــ

أول 4 أو 5 غزوات إتكلمنا عن أغلبهم فى الأجزاء اللى فاتت وكانت إما بخروجه لوحده أو بالمشاركة مع صهره ( غالب الناصرى ) وده طبعاً قبل ما ينقلب عليه ويقتله .. بعدها وتحديداً فى أوائل سنة 371 هجرياً خرج المنصور 2تجاه مملكة ليون عشان يعاقب ملكها ( راميرو الثالث – Ramiro III de León ) بعد ما وقف فى صف ( غالب الناصرى ) ضده ..

فى الأول عدى على مدينة إسمها ( سمورة – Zamora ) موجودة فى شمال مدينة ( شلمنقة – Salamanca ) وهناك ضرب عليها الحصار ولكن لحصانة المدينة أهلها مستسلموش بسرعة وهو كان عاوز يخلص الغزوة بسرعة قبل دخول الشتاء ففك الحصار وإبتدى يخرب القرى اللى حواليها .. حرق البيوت وإستولى على الأموال وقتل كتير من أهلها واللى إتبقى منهم هرب للشمال تجاه مملكة ليون ..

( راميرو الثالث ) لما لقى الوضع ميطمنش طلب التحالف مع ( جارسيا فيرنانديث – Garcia Fernandez ) ملك قشتالة و ( سانشو جارسيث – Sancho Garcés Abarca II ) ملك نافارا عشان يوقفوا زحف المنصور .. الملكين بيوافقوا على التحالف بالفعل وبيخرج ال 3 جيوش وبيقابلوا جيش المنصور فى منطقة إسمها ( روضة – Rueda ) قرب مدينة إسمها ( شنت منكش – Simancas ) وهناك بينجح المنصور فى الإنتصار كالمعتاد بعد ما قتل آلاف من جيش التحالف .. بعدها على طول يقرر إنه يتحرك ناحية مملكة ليون وفى الطريق وكالمعتاد هجم على القرى اللى حواليها وإستولى على اللى يقدر عليه .. حاول ( راميرو الثالث ) إنه يوقفه ولكن مقدرش فتقدم جيش المنصور لحد ما وصل لأبواب ليون ولكن لحسن حظ ( راميرو ) إن فصل الشتاء كان على الأبواب وبالتالى مقدرش المنصور يضرب حصار طويل على المملكة فتراجع لقرطبة بعد ما حصد مكاسب ضخمة جداً من الغزوة دى ..

ـــــ

سنة 372 هجرياً إبتدت أوضاع مملكة ليون تضطرب خاصة بعد هزائم راميرو المتكررة قصاد المنصور وبدأت بوادر الثورة تظهر فى ( جليقية – Galicia ) أقصى الشمال الغربى لإسبانيا وبالفعل بيخلعه أشراف المقاطعة وبيعينوا مكانه إبن عمه ( بيرمودو الثانى – Bermudo II of León )

فضل ( راميرو ) و ( بيرمودو ) فى حرب شبه متواصلة لمدة سنتين لحد ما قدر ( بيرمودو ) إنه يحقق نصر حاسم فى نهاية سنة 374 هجرياً وده خلى ( راميرو ) المهزوم يلجأ للمنصور عشان يساعده للرجوع لعرشه مرة تانية مقابل إنه يبقى تابع ليه .. المنصور وافق على طلب ( راميرو ) وبدأ التجهيز فعلاً لغزو ليون ولكن قبل التحرك الفعلى توفى ( راميرو الثالث ) فاتأجلت خطط الغزو .. فى نفس الوقت الوضع داخل مملكة ليون مكانش مستتب لبيرمودو الثانى لإن كان فى أمراء رافضين وجوده وبيتآمروا عليه .. ( بيرمودو ) لما لقى الوضع الداخلى بالشكل ده وإنه معندوش القوة الكافية لمواجهة الأمراء المتمردين دول لجأ للمنصور عشان يساعده فى القضاء عليهم فوافق المنصور وزوده بجيش قدر عن طريقه إنه يقمع كل حركات التمرد فى مملكته ..

طيب كل ده حصل لله فى لله .. لأ طبعاً .. المنصور بمساعدته لبيرمودو أصبح له الحق فى إبقاء حامية كبيرة للمسلمين فى ليون بالإضافة لإلتزام المملكة بدفع جزية سنوية لحكومة قرطبة .. بكده تحولت مملكة ليون ولأول مرة فى التاريخ لولاية تابعة لدولة الأندلس لدرجة إن ( بيرمودو الثانى ) مكانش بيقدر يتحرك خطوة واحدة إلا بعد موافقة المنصور عليها ..

ـــــ

بعد ما انتهت غزوة ليون رجع المنصور على قرطبة وبدأ التجهيز لغزوة تانية كانت من أهم غزواته على الإطلاق .. مكان المسلمين مفكروش يدخلوه من حوالى 200 سنة .. كونتية برشلونة ..

برشلونة يا جماعة كانت تحت سيطرة المسلمين من وقت الفتح الإسلامى للأندلس ولمدة 90 سنة لحد ما سقطت على يد إمبراطور الإمبراطورية الرومانية ( شارلمان أو كارل الكبير – Carolus Magnus ) سنة 185 هجرياً .. برشلونة كان عليها والى مسلم إسمه ( سليمان بن يقظان ) وشهرته ( سليمان الأعرابى ) .. الراجل ده إختلف مع ( عبد الرحمن الداخل ) وقرر إنه يتمرد عليه فاستعان بشارلمان للسيطرة على شرق الأندلس كله ولكن الحملة فشلت ومقدرش شارلمان غير فى السيطرة على برشلونة بس .. بعد كده قدر الكونتات القوط إنهم يستولوا على المدينة وأسسوا إمارتهم المستقلة فيها واللى مع الوقت إندمجت مع مملكة أراجون القريبة منهم .. وعلى فكرة .. ده واحد من الأسباب التاريخية اللى بيستند عليها إقليم كتالونيا فى المطالبة بالإستقلال عن إسبانيا لحد يومنا الحالى ..


ـــــ

خرج المنصور فى نهاية سنة 374 هجرياً وإتحرك من قرطبة تجاه ( غرناطة – Granada ) وبعدها عدى على مدن ( بسطة – Baza ) و ( لورقة – Lorca ) و ( مورسية – Murcia ) ومن هناك طلع على إقليم ( كتالونيا – Cataluña ) وهناك حصلت معركة عظيمة خارج أسوار المملكة مع جيش برشلونة بقيادة ( الكونت بوريل – Borrell II ) إنتهت بإنتصار جيش الأندلس وبعد أقل من أسبوعين كان جيش المنصور دخل المدينة بالفعل ..
دخول المنصور لبرشلونة مختلفش عن دخوله لأى مدينة تانية .. الدخول كان دموى جداً .. قتل كتير من أهلها وإستولى على ممتلكاتهم وحرق بيوتهم وأسر منهم آلاف .. حسب الروايات فبرشلونة بعد خرج المنصور منها كانت تقريباً هى والأرض سواء ..

الغريب فى الموضوع إن المنصور بعد ما انتهى من كل ده ساب برشلونة ورجع بالأسرى والغنائم على قرطبة وده الحقيقة مسبب للمؤرخين حيرة كبيرة جداً .. إنت بالفعل نجحت فى إقتحام مدينة عظيمة جداً وكانت بعيدة عن إيد المسلمين لحوالى 200 سنة .. إيه اللى يخليك تكتفى بالنصر العسكرى بس وتمشى من غير ما تسيب فيها حامية تحافظلك عليه ؟ .. أغلب الظن إن المنصور مكانش عاوز يحتفظ بالمدينة وهدفه من إقتحامها كان سياسى وإقتصادى بالأساس ومكانش له بعد دينى وده اللى غالباً بيفسر حجم الدمار اللى سببه فيها لإنه لو كان عنده النية فى الإحتفاظ بيها مكنتش دمرها بالشكل المبالغ فيه ده .. الله أعلم بالحقيقة ولكن غالباً ده الأقرب للصحة ..

ـــــ

سنة 375 هجرياً جهز المنصور جيش تانى عشان يواجه تمرد ( الحسن بن كنون ) فى المغرب .. التمرد ده مكانش بيحصل لأول مرة وإتكرر أكتر من مرة فى أوقات سابقة ..

( الحسن بن كنون ) كان زعيم دولة الأدارسة وفى عهده كانت الدولة الفاطيمة فى مرحلة توسع وبعد ما قدرت من القضاء على دولة القرامطة فى الشرق وجهت إهتمامها ناحية الغرب فهجموا على المغرب بغرض ضمها ليهم فاضطر ( الحسن بن كنون ) إنه يعلن ولائه للدولة الفاطمية عشان يتقى شرهم ولكن بمجرد خروجهم من المغرب رجع تانى فى كلامه وأعلن ولائه للدولة الأموية فى الأندلس ..

بعد فترة جهزت الدولة الفاطمية جيش تانى عشان تستولى على المغرب بقيادة حاكم الجزائر ( بُلُقين بن زيرى ) وعندها رجع ( الحسن بن كنون ) فى بيعته للأمويين للمرة الثانية ووقف فى صف الفاطميين ولكن المرة دى كان إنضمامه ليهم نهائياً لإنه حس إنهم بيمثلوا الخطر الأكبر عليه وإنه بكده هيتمكن من الحفاظ على دولته ..

فى الوقت ده كان على رأس الأمويين ( الحكم المستنصر بالله ) فأمر بتجهيز جيش وبالفعل حصلت مواجهة مع الأدارسة إنتهت بإنتصار الأمويين وإستسلام الحسن ومعاها تم ترحيله لقرطبة وبعد سنتين تم نفيه من الأندلس فملقاش أحسن من اللجوء للفاطميين فى مصر .. بعد فترة وتحديداً سنة 373 هجرياً جهز الفاطميين جيش جديد عشان يستولى على المغرب وحطوا على قيادته ( الحسن بن كنون ) .. خلال سنتين قدر الحسن من حشد كتير من قبائل البربر لحد ما خطره زاد وعندها وقف المنصور غزواته فى الشمال ووجه إهتمامه ناحية المغرب عشان يحافظ على حدود دولته الجنوبية ..

خلال أسابيع خرج جيش كبير من قرطبة بقيادة الوزير ( أبا الحكم بن عامر ) إبن عم المنصور وعدى البحر ووصل مدينة سبتة وهناك إنضم ليه عدد من القبائل على رأسهم قبيلة مغراوة وزعيمها ( زيرى بن عطية ) .. المنصور مكتفاش بكده وكان عاوز يقضى على خطر الأدارسة تماماً فبعت جيش تانى بقيادة إبنه ( عبد الملك ) .. عندها مكانش فى فرصة للحسن فى الإنتصار فاضطر إنه يستسلم بعد ما خد الأمان من الوزير أبا الحكم .. أول ما وصلت الأخبار للمنصور معجبوش الأمان اللى خده الحسن وقرر إنه ينقضه فبعت واحد من رجالته عشان يقتله وهو فى الطريق لقرطبة ..

ـــــ

المنصور مش هيكتفى بكل اللى فات .. حياته كانت عبارة عن صراع سياسى وعسكرى مبينتهيش .. مش هيكتفى بإستمرار غزواته ضد ممالك الشمال ولكن هيرفع السيف ضد أى متمرد فى دولته حتى لو كان إبنه ..
متستغربوش .. المنصور هيقتل إبنه ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ