الحاجب المنصور .. ما له و ما عليه ( جـ 3 )

الحاجب المنصور .. ما له و ما عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثالث :
ـــــــــــــــــــــ

( الحكم المستنصر بالله ) قضى أخر سنتين فى حياته مريض وقيل إنه كان مشلول .. أحياناً المرض كان بيزيد عليه فكان بيحتجب عن العامة لفترات طويلة ممكن توصل لشهر أو أكتر .. فى الفترة دى مكانش بيدخل عليه إلا عدد قليل جداً من المقربين ليه .. الطبيب بتاعه .. الحاجب المصحفى .. ( فائق ) و (جؤذر ) قادة الصقالبة …… ثانية واحدة .. هو أنا محكيتلكومش عن ( فائق ) و ( جؤذر ) .. ولا قلتلكم مين هما ( الصقالبة ) ؟!!

لااااا .. ده إحنا نرجع لورا شوية بقى ..

ـــــ

لو تفتكروا سلسلة الصراع العثمانى المملوكى كنت شرحتلكم بدايات المماليك وإزاى إن النخاسين خطفتهم من بلادهم فى آسيا الوسطى وباعتهم فى مصر لحد ما بقوا عماد الجيش وسيطروا على السلطة فى مصر .. أهو الصقالبة دول هما مماليك الأندلس وإن كان وضعهم مختلف شوية ..

الصقالبة أصولهم بترجع للدول السلافية اللى هى سلوفاكيا وسلوفينيا وصربيا وكرواتيا وبولندا وبلغاريا وحتى شمال إيطاليا و بعض دول البحر الأبيض المتوسط .. إيه بقى اللى كان بيحصل .. النخاس من دول كان ينزل على البلاد دى ويسرق الأطفال الصغيرة من أهاليها ويجرى يبيعهم فى الأندلس .. أول ما الأطفال دى بتكبر بيتم إختيار أفضلهم ويتشحنوا على القصر .. الولاد بتخدم فى الجيش والشرطة والأعمال الإدارية والبنات فى الحرملك وطبعاً ولاءهم التام بيبقى لدولتهم الجديدة لإن ببساطة هما ميعرفوش أى حاجة عن دولهم القديمة ..

ـــــ

الإعتماد على الصقالبة بدأ مع وصول ( عبد الرحمن الداخل ) للسلطة فى الأندلس وفضل يزيد بالتدريج لحد ما وصل لذروته فى عهد الحكم المستنصر اللى كان بيحب الصقالبة جداً وكان بيتغاضى كتير عن عقابهم حتى لو غلطوا وكان دايماً بيقول :

( هم أمناؤنا وثقاتنا على الحرم .. فينبغى للرعية أن تلين لهم وترفق فى معاملتهم فتسلم من معرتهم إذ ليس يمكننا فى كل وقت الإنكار عليهم )

عدد الصقالبة فضل يتعاظم لحد وقت وفاة الحكم لدرجة إن عدد المتصلين منهم بقصر الخلافة بس كان وصل ل 5000 فرد .. من بين العدد ده برز إسم إتنين من قادتهم هما ( فائق ) و ( جؤذر ) ودول كانوا مسيطرين على حوالى 1000 صقلبى يعنى كان تحت إيدهم قوة مش بطالة أبداً .. بالصدفة مكانش موجود مع الحكم المستنصر لحظة وفاته غير الإتنين دول فأول ما إتأكدوا من وفاته منعوا عنه الزيارات تماماً حتى طبيبه الخاص معرفش يدخله ..

قعد الإتنين مع بعض وفكروا فى مستقبلهم بعد وفاة الحكم .. الراجل قبل ما يتوفى عَيّن ( هشام ) إبنه اللى عنده 12 سنة فى ولاية العهد وهو اللى هيبقى خليفة من بعده وده هيشكل خطورة مزدوجة .. أولاً خطورة على البلد كلها لإن هشام كان لسه صغير وميقدرش يتحمل المسئولية وثانياً خطورة عليهم هما شخصياً لإن غالباً هيتم تهميشهم لصالح أهل الثقة للخليفة الجديد و أمه ( صبح البشكنجية ) .. يعنى إمتيازاتهم ووضعهم الإجتماعى هتتأثر كتير بتولى هشام للمسئولية .. بعد تفكير عميق وصل الإتنين لقرار إن هشام مينفعش يبقى على العرش وإستقروا على إختيار واحد تانى من الأمويين هو ( المغيرة بن عبد الرحمن الناصر ) أخو الخليفة المتوفى واتفقوا إنهم يخلوا هشام ولى لعهده لحد ما يكبر ويقدر يتحمل المسئولية فيكون ده فى صالح البلاد وفى صالحهم ..

ـــــ

خطة زى دى عشان تنجح ملهاش إلا مسارين .. يا إما الإنقلاب بشكل دموى يا إما بإجماع أهل الحل والعقد .. جؤذر إختار الإنقلاب .. وهما قاعدين بيخططوا هيعملوا إيه قال لصاحبه فائق :

( ينبغى أن نحضر جعفر بن عثمان الحاجب فنضرب عنقه فبذلك يتم أمرنا )

فرد عليه فائق وقاله :

( سبحان الله يا أخى .. تشير بقتل حاجب مولانا وشيخ من مشيختنا دون ذنب ولعله لا يخالفنا فيما نريده مع افتتاحنا الأمر بسفك الدم )

جؤذر كان شاكك فى المصحفى وحاسس بتضارب المصالح بينه وبينهم عشان كده إقترح قتله وتنصيب المغيرة بالقوة لكن فائق إعترض وصمم على عرض الأمر على المصحفى يمكن يساندهم ويتم الأمر بإجماع الآراء فراحوا للحاجب المصحفى وعرفوه خبر وفاة الحكم ورغبتهم بتولى المغيرة منصب الخلافة بدل هشام فرد عليهم المصحفى وقال :

( هذا والله أسد رأى وأوفق عمل والأمر أمركما وأنا وغيرى فيه تبع لكما .. فاعزما على ما أردتما واستعينا بمشورة المشيخة فهى أنفى للخلاف .. وأنا أسير إلى الباب فأضبطه بنفسى وانفذا أمركما إلى بما شئتما )

هايل جداً .. كده يبقى الدنيا ماشية تمام والحاجب فى صفنا وهيقنع باقى الوزراء بخطتنا .. فى الواقع مصارحة المصحفى بالخطة كان أغبى قرار خدوه فى حياتهم ..

ـــــ

بعد وفاة ” الحكم ” القوة العسكرية فى قرطبة إتقسمت لقسمين .. قسم فى إيد الصقالبة والمغيرة ومن والاهم وقسم فى إيد رجال الدولة القدام اللى نقدر نسميهم رجال الدولة العميقة بتوصيف زماننا الحالى زى الحاجب جعفر المصحفى ورجالته اللى طبعاً قرار زى تولية المغيرة هيسحب البساط من تحت رجليهم لإنه هيبقى شايل الجميل ده للصقالبة اللى حطوه على العرش وهيتم الإنتقام من البطانة القديمة أو على أحسن الفروض هيتم تهميشهم وده طبعاً مكانش ينفع يتسكت عليه ..

خرج المصحفى من إجتماعه بفائق وجؤذر بعد ما حسسهم إنه موافق على خطتهم وعلى طول طلب حضور أنصاره ومؤيديه من قادة الدولة وقالهم :

( إن حبسنا الدولة على هشام أمنا على أنفسنا وصارت الدنيا فى أيدينا .. وإن انتقلت إلى المغيرة استبدل بنا وطلب شفاء أحقاده )

الكل خاف على نفسه وبدأت الآراء تجمع على قتل المغيرة قبل ما ينقلب على هشام وينتقم منهم فسكت المصحفى شوية وبصلهم وقال :

( من يكفينا المغيرة ؟ )

أول ما قالهم كده الكل سكت ومحدش فيهم عرض إنه يتولى قتله .. كلهم سكتوا إلا واحد .. واحد إتعود يستغل أنصاف وأرباع الفرص عشان يترقى فى المناصب ويوصل لهدفه ..

واحد إسمه ( محمد بن أبى عامر )

ـــــ

محمد بن أبى عامر لما لقى الكل خايف ياخد الخطوة وقف وسطهم وقال :

( يا قوم إنى أخاف فساد أمركم ونحن تبع لهذا الرئيس – وأشار إلى جعفر – فينبغى ألا نختلف عليه .. وأنا أتحمل ذلك عنكم إن أجذبنى إليه .. فخَفّضوا عليكم )

ففرح الحاجب المصحفى بكلامه وعلى طول خرجه على رأس فرقة مكونة من 100 جندى وبعتهم لبيت المغيرة عشان يقتلوه والواضح من الروايات إن المغيرة كان فى عداوة قديمة بينه وبين المصحفى ورجالته وأغلب الظن إنه كان موافق على الإنقلاب على هشام وإنه كان شايف نفسه أحق بالخلافة منه وللأمانة فالمغيرة كانت بتتوفر فيه سمات القيادة لدرجة إنه كان بيلقب بين الناس بفتى بنى أمية ..

المهم .. وصلت فرقة المصحفى لبيت المغيرة فخبط عليه المنصور ودخل فلقاه قاعد فى البيت وهو مش دريان بأى حاجة من اللى حصلت .. وقف المغيرة وهو مذعور ولسه هيتكلم قام المنصور مقاطعه وقاله إن الخليفة الحكم المستنصر مات وإن هشام بقى الخليفة الجديد وإن وزراء الدولة سمعوا كلام عن تعاونه مع الصقالبة للإنقلاب عليه فبعتوه دلوقت عشان يتأكد من صحة الكلام ده ومن ولائه للخليفة الجديد .. طبعاً ليك إنك تتخيل شكل المنصور وقتها .. طريقة كلامه وحدة نظراته وأسلوبه اللى كله تشكيك فى نوايا المغيرة .. أسلوب طبيعى يخلى المغيرة ينهار خاصة وإنه شايف حواليه كل الجنود دى فقام على طول قال للمنصور :

( أعلمهم أنى سامع مطيع وافٍ ببيعتى فتوثقوا منى كيف شئتم )

سكت المنصور شوية وبص فى عنيه وكأنه بيكدبه فخاف المغيرة وانهار وقاله :

( ناشدتك الله يا أبا عامر .. إحفظ دمى وإنى خادم مطيع لكم ولمولانا هشام )

وفضل على حالته دى من الإستعطاف لحد ما رق ليه قلب المنصور فبعت رسالة للحاجب المصحفى عشان يعرفه باللى حصل وإن المغيرة قبل بولاية هشام ومش هينقلب ضده إلا إن المصحفى رد عليه برسالة كلها غضب وقاله :
( غررتنا من نفسك .. فانفذ لشأنك أو فانصرف نرسل سواك )

يعنى من الأخر كده إحنا إتغشينا فيك يا ابن أبى عامر فيا تقتله يا إما ترجع وهنبعت واحد غيرك .. مسك ( محمد بن أبى عامر ) الرسالة وبص للمغيرة ومكلموش .. ناوله الرسالة وبص لرجالته وخرج من البيت .. بعد دقايق خرج الجنود من البيت بعد ما خنقوا المغيرة لحد ما مات وعلقوا جثته على أساس إنه إنتحر وخلال ساعة بالكتير إنتشر الخبر بين الناس إن المغيرة إنتحر لإنه كان رافض مبايعة الخليفة هشام بن الحكم ..

ـــــ

أول ما الخبر وصل لفائق وجؤذر فهموا الخديعة اللى وقعوا فيها وإن جعفر المصحفى لعب بيهم وفهمهم إنه فى صفهم وعندها جؤذر قال لفائق :

( قد نصحت لك فلم تسمع منى )

ورغم الصدمة إلا إنهم حاولوا يطلعوا بأى مكاسب من ورا اللى حصل ده فخرجوا بسرعة للحاجب المصحفى و قالوله :

( إن الجزع أذهلنا عما أرشدك الله إليه .. فجزاك الله عن ابن مولانا خيراً وعن دولتنا وعن المسلمين )

وكانوا فاكرين إنهم بكده ضمنوا إستمرار إمتيازاتهم وحياتهم زى ما هى لكن ده كان مستحيل طبعاً .. الصقالبة كان ليهم باب مخصص فى القصر بيدخلوا ويخرجوا منه على سبيل التمييز يعنى فكان أول قرار إتاخد ضدهم هو قفل الباب ده بالحجارة وبقوا يدخلوا ويخرجوا زيهم زى باقى الناس .. بعدها تم تفريق قوتهم عن طريق تحويل 500 فرد منهم وضمهم تحت قيادة المنصور اللى قدر إنه يستميلهم بالأموال فحبوه وانصاعوا ليه ..

جؤذر لما شاف اللى بيحصل حب يضغط بورقة الإستقالة لإنه كان حاسس إن الخليفة مش هيستغنى عنه إلا إن إستقالته إتقبلت عادى جداً لإن الخليفة هشام مكانش له من الأمر شيء وكل الإجراءات دى كان بياخدها المصحفى والمنصور .. اللى حصل ده خلى رجالة جؤذر تثور وعلى رأسهم واحد إسمه ( درى الخازن ) اللى حاول إنه يقتل محمد بن أبى عامر لكن إتقبض عليه وإتقتل وبعدها بدأ المنصور فى مطاردة ومصادرة أموال الصقالبة الموالين لفائق وجؤذر لحد ما استتب الأمر للسلطة الجديدة وتم نفى فائق للجزائر الشرقية اللى هى دلوقت إسمها جزر البليار فى شرق الأندلس ..

الرسالة كانت واضحة .. الأندلس دى بتاعتنا إحنا .. وأى حد هيفكر يقرب منها فجثة المغيرة لسه متعلقة تقدروا تشوفوها وفائق وجؤذر برضه موجودين ورجالتهم فى القبور تقدروا تطلعوا على جثثهم ..

محمد بن أبى عامر لسه قدامه كتير ..

ده كده يدوبك لسه بيقول يا هادى ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ