الصراع العثمانى المملوكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثامن :
ــــــــــــــــــــــ
أول رد فعل لسليم الأول على قتل رسله كان إحضار قادة المماليك اللى كان مقعدهم فى القلعة و قتلهم كلهم .. 54 قائد تم قطع رؤوسهم فى دقايق .. بعدها جهز جيش مكون من 15 ألف جندى و حط فى قيادته واحد إسمه ( جانم السيفى ) و ده كان أمير الفيوم فى عهد المماليك قبل ما ينشق عنهم .. سليم طلب منه يتحرك عشان يواجه طومان باى اللى الأخبار قالت إنه إتحرك بالفعل من المنيا و جاى على الجيزة .. إتجمع الجيشين قرب أطفيح و بدأ التجهيز للمعركة ..
ـــــ
المعركة دى كانت أول معركة بين الطرفين يبقى عدد المماليك فيها أكبر من عدد العثمانيين .. سليم الأول أخطأ فى حساب قوة المماليك لإنه مكانش عارف تحديداً طومان باى قدر يجمع قد إيه من القوات فى الصعيد فبعتله 15 ألف جندى على حسب ما كان بيشوف فى المعارك اللى فاتت .. فى الواقع طومان باى قدر يرجع بجيش مكون من 16 ألف مملوك بخلاف 7 آلاف من العربان ..
عشان العثمانيين يوصلوا لأطفيح كان لازم يركبوا سفن تعديهم للبر الثانى من الجيزة و بالفعل عدوا و أرسوا السفن و بدأوا فى تنظيم صفوفهم و عملوا اللى متعودين عليه .. إيه بقى اللى هما متعودين عليه ده .. باشا العسكر كان بيأمر كل حملة البارود سواء بنادق أو مدافع إنهم يضربوا ضربة واحدة فى الهواء فى نفس اللحظة .. تخيلوا بقى قوة الصوت و إهتزاز الأرض و سحب الدخان اللى من كثرتها كانت بتغطى على الشمس و بتحول النهار لليل .. الموضوع ده كان هدفه إلقاء الرعب فى صفوف أعداءهم .. مين بقى اللى شاف الموضوع ده لأول مرة .. العربان .. أول ما العثمانيين عملوا كده العربان اللى مع طومان باى سابوه و مشيوا بعد ما قالوا لبعض :
( و من يطيق هذا الأمر المهلك ؟ .. لا يقاتل هؤلاء إلا مجنون أو فارغ من الحياة .. و لكن نحن نرتفع عن هؤلاء إلى بعد .. فكل من رأينا الكسرة عليه نهبناه )
و دى الصراحة كانت عادة العربان .. طول عمرهم عايشين فى الجبال و ملهومش إنتماء لحد .. اللى يقدروا عليه بينهبوه .. نهبوا العثمانيين و نهبوا أهل البلد الغلابة و لو طالوا حد من المماليك هينهبوه .. طومان باى نفسه قضى 15 سنة من عمره بيجرى وراهم و ياما قتل و سجن منهم بعد ما قضى على كتير من حركات تمردهم ..
ـــــ
المماليك متهزوش من اللى حصل و ده لإن أولاً قواتهم كانت مساوية لقوات العثمانيين و ثانياً لإنه خطتهم المرة دى كانت ممتازة .. طومان باى قسم جيشه نصين .. نص تحت قيادته و ده اللى كان فى المواجهة و النص التانى كان تحت قيادة ( شار بك الأعور ) و ده لف من ورا جيش العثمانيين و إشتبك مع الحراسة القليلة اللى كانت بتحرس السفن الراسية فى النيل .. ( شار بك ) قدر إنه يستولى على كل سفن العثمانيين تقريباً و مفلتش منه غير سفينتين بس .. بعت السفن لمعسكر طومان باى و خد جيشه و هجم على العثمانيين من ورا .. فجأة لقى العثمانيين نفسهم متحاصرين من ناحيتين و بعدد جنود مش قليل و ده موقف مكانوش متعودين عليه .. خلال ساعتين بالكتير كانت المعركة إنتهت و جنود العثمانيين بتهرب ناحية السفن و عندها إكتشفوا عدم وجودها فبدءوا يجروا بمحاذاة النيل .. خسائر العثمانيين فى المعركة دى قربت من 10000 جندى أما المماليك فخسايرهم مزادتش عن 3000 جندى ..
فى حاجة هنا يجب الإشارة ليها و هى إن المماليك كانوا أمهر من العثمانيين بمراحل فى الفروسية .. العثمانيين بحكم إنهم إمتلكوا الأسلحة النارية قبل المماليك بسنين فكان أغلب تدريباتهم بتركز على مهارة التصويب و سرعة حشو البارود و ما شابه و بالتالى أهملوا كتير من تدريبات الفروسية أما المماليك فكانت الفروسية هى محور حياتهم و تدريباتهم .. عشان كده المماليك كانت بتنتصر فى المواجهات الفردية بسهولة و مكانش بيوقفهم غير ضرب النار و ده تفسير اللى حصل فى المعارك اللى دارت بينهم .. كانت المماليك دايماً بتنتصر فى الأول و بتصد العثمانيين و تكبدهم خساير كبيرة و لكن فى النهاية عدد و تسليح العثمانيين كان بيخليهم ينهزموا .. فى معركة أطفيح الوضع كان مختلف .. عددهم كان أكبر و تخطيطهم كان مميز و ده اللى مكنهم من الإنتصار يومها ..
ـــــ
خبر الهزيمة كان صعب جداً على سليم .. الراجل إستولى على الشام كله خلال أيام بسبب خيانة خاير بك و كان فاكر إن السيناريو هيتكرر فى مصر .. الوضع فى مصر إختلف لإن دى كانت أخر فرصة للمماليك للحفاظ على ملكهم و بالتالى إستبسلوا فى الدفاع عن البلد حتى مع قلة أعدادهم و ضعف تسليحهم .. الإستبسال ده ظهر جداً فى المعركة اللى جاية .. معركة الجيزة ..
معسكر طومان باى الرئيسى كان فى منطقة دهشور و كان فى فرقة مكونة من 2000 عسكرى بقيادة ( شار بك الأعور ) موجودة قرب مدينة أبو النمرس حالياً .. سليم بعد خسارته لمعركة أطفيح قرر إنه يبعت رسول لطومان باى عشان يتفاوض على الصلح .. الحرب دى كانت عجيبة جداً يا جماعة و الله .. محاولات الصلح فيها كانت كتير جداً و رغم كده و لا محاولة نجحت .. لا سليم كان عاوز ييجى مصر من الأساس و لا طومان باى كان عاوز يحارب سليم و لا كان هيحصل أى حاجة من الكلام اللى بنحكيه ده لو كل طرف منهم مداش ودانه للى حواليه .. المهم .. سليم بعت المرة دى واحد من قادة المماليك المنشقين إسمه ( خُشقدم ) و طلب منه التفاوض على شروط الانسحاب .. ( خُشقدم ) و هو رايح على دهشور قابل فرقة ( شار بك ) فى سكته فعرض عليهم رسالة سليم إلا إن الكلام معجبهومش و عليه الطرفين مسكوا فى بعض و قدر ( خُشقدم ) إنه يهرب و يرجع لسليم بعد ما المماليك قتلوا عدد من الفرقة اللى كانت معاه و بكده إتقتل رسل سليم للمرة الثالثة و ده كان كافى أوى بالنسبة له لإستمرار الحرب للنهاية ..
ـــــ
سليم المرة دى زود عدد الجيش ل 30 ألف عسكرى و خرج بنفسه على رأس الجيش و فضل ماشى لحد ما قابل فرقة ( شار بك الأعور ) و إندلعت بينهم معركة ملحمية .. ليه ملحمية ؟! .. لإن فرقة المماليك رغم إنها كانت أقل كتير فى العدد إلا إنهم صمدوا من الصبح لحد غروب الشمس .. 2000 جندى مات و هرب منهم حوالى 1500 فرد و مبقيش مع ( شار بك ) إلا 500 فارس بحد أقصى كملوا المعركة مع العثمانيين لساعات و كبدوهم خساير لا تحتمل .. سليم الأول لما شاف إن خسائر جيشه فى إزدياد قال للى حواليه فى غضب :
( ما كنت أظن أن أقاسى من أحد مثل ما قاسيت فى يومى هذا .. و لا كنت أقول إنى بهذه العشرة آلاف فارس و راجل الذين هم من خيار قومى و يتبعها أكثر من عشرين ألفاً ألقى فى هذا الأعور الذى هو فى أقل من خمسمائة فارس ما لقيت منه و يفنى أكثر عسكرى )
بعدها خرج و صاح فى الجنود و قال :
( الحرب .. الحرب .. ما هذه الفترات ؟ .. أين تذهبون ؟ و إلى أى أرض تهربون ؟ .. انظروا لهم .. فإنه ما بقى منهم إلا الخمسمائة فارس .. انزلوا عليهم بجمعكم و ابطشوا عليهم بقوتكم و لا تبقوا منهم على أحد و اقطعوهم إلى أبد الأبد و أسرعوا فى الحركات )
كلام سليم كان له مفعول الحقيقة .. و رغم شجاعة ( شار بك ) الملحوظة إلا إن العثمانيين إتشجعوا و أجبروا المماليك على التراجع للخلف .. وسط التراجع ده يلاقى ( شار بك ) جيش مكون من كام ألف بيقرب منهم فافتكر إنهم جيش طومان باى لكنهم طلعوا من العربان الموالين لسليم الأول فقربوا منهم و شتموهم و فكروهم بماضيهم السيء معاهم و إزاى إنهم لما كانوا فى الحكم قتلوا منهم كتير ..
فى الوقت ده كان الليل بدأ يحل و انفصل الفريقين عن بعض .. بعدها بساعة دخل على فرقة المماليك خمس فرسان جايين من عند طومان باى و قالوا ل ( شار بك ) إنه مستنيهم فى ضيعة وردان ( قرية قرب أوسيم حالياً ) و بيطلب منهم يحصلوه على هناك .. فى الوقت ده العثمانيين كانوا نصبوا خيامهم و نزعوا سلاحهم لإنهم مبيحاربوش بلليل فاستغل ( شار بك ) الوضع و إتحرك بفرقته عشان ينضم لطومان باى ..
ـــــ
سليم إتعلم من اللى حصل فى المعركتين اللى فاتوا .. الحرب دى لازم تنتهى و بسرعة .. مش هينفع كل مرة تحصل معركة فيتنقل المماليك لمكان تانى و يفضل هو يلف وراهم فى البلد كلها .. الحل من وجهة نظره كان حرب شاملة يشارك فيها أغلب الجيش خاصة بعد ما إتأكد من القوة الحقيقية للمماليك .. ساب فى القاهرة عدد كافى لإدارتها و حراستها و طلع ورا طومان باى بأكثر من 80 ألف عسكرى .. عدد كان مهول جداً مقارنة بجيش المماليك اللى لا يتعدى ال 20 ألف جندى ..
وسط إجتماع قادة المماليك بيدخل عليهم واحد من العساكر و هو بينهج و يقولهم إن العثمانيين على مرمى البصر .. خلال أقل من ساعة كان العثمانيين واقفين و جاهزين للحرب .. المرة دى الوضع مختلف .. 80 ألف .. مدافع من كل الأحجام .. المدفع الصغير بيجره 4 أحصنة و الكبير بيجره 30 حصان .. بنادق .. أسلحة من كل شكل و لون .. و فوق ده سليم المرة دى قسم جيشه لخمس أجزاء .. هو بنفسه على رأس جزء .. يونس باشا الوزير الأول مع جزء .. جان بردى الغزالى مع جزء .. الإنكشارية مع قائدهم إياس باشا فى جزء .. و العربان الموالين للعثمانيين فى جزء لوحدهم .. الخمس أجزاء إتفرقت و حاوطت المماليك من كل الإتجاهات و هجموا مرة واحدة .. مهما كانت شجاعة المماليك مكانوش أبداً هيقدروا يصدوا هجوم بالشكل ده .. خسروا فى اليوم ده أكبر خسائر بشرية من ساعة معركة الريدانية و أصبح تعويضهم فى وقت قصير شبه مستحيل .. وسط كل ده قدر طومان باى إنه يهرب و معاه كام واحد من قاداته ..
هربوا و راحوا ناحية الغربية ..
هناك هيقابلوا ( حسن بن مرعى )
النهاية قربت جداً ..
ـــــ