Serife Baci Statue,Kastamonu,Turkey

الصراع العثمانى المملوكى ( جـ 4 )

الصراع العثمانى المملوكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الرابع :
ـــــــــــــــــــــ

سنة 921 هجرياً – 1515 ميلادياً و بعد ما انتهت معركة جالديران رجع سليم الأول على إسلامبول و بدأ يفكر فى الإنتقام من الطرفين اللى وقفوا ضده أثناء حربه ضد الصفويين .. ( علاء الدولة بوذقارد بن سليمان ) حاكم إمارة ذى القدر و ( قنصوة الغورى ) سلطان المماليك .. كل اللى كان محتاجه هو سبب للحرب .. تلكيكة يستغلها عشان يجبر الطرفين على الدخول فى حرب معاه .. سبحان الله يا أخى التلكيكة جت لحد باب قصره .. إزاى .. تعالوا نرجع شوية لورا عشان نعرف أصل القصة ..

ـــــ

إمارة ذى القدر كان بيحكمها واحد إسمه ( سليمان بن محمد ) .. بعد ما مات إتنقل الحكم لعياله واحد ورا التانى .. من ضمن الأبناء دول كان فى واحد إسمه ( شاه سوار ) .. شاه سوار ده دخل فى خلافات مع إخواته على الملك و قامت بينهم حروب قدر إنه ينتصر فيها و كبرت مملكته لحد ما المماليك شافوا إنه ممكن يمثل خطر عليهم فطلعوا ضده أكتر من حملة عشان يهزموه .. 3 حملات فشلوا لكن فى الرابعة قدروا إنهم يحاصروه جوه قلعة إسمها ( قلعة زمنطو ) .. شاه سوار لقى إن مفيش مفر من الإستسلام فاتفق مع قائد المماليك فى الحملة الأمير ( يشبك الداوادار ) على الإستسلام بشرط ضمان سلامته و سلامة أسرته إلا إن يشبك الداوادار خان عهده معاه و قبض عليه هو و أسرته و خدهم متسلسلين للقاهرة و هناك أمر السلطان ( قايتباى ) بإعدام شاه سوار على باب زويلة .. لحد كده تمام .. نرجع بقى لسليم الأول ..

سليم و هو قاعد فى قصره بيفكر فى حجة مناسبة لبدء الحرب مع علاء الدولة دخل عليه واحد من أولاد شاه سوار إسمه ( على ) و قاله إن فى خلافات بينه و بين عمه علاء الدولة – اللى هو جد سليم – بسبب مُلك أبوه و طلب مساعدته فى إستعادة ملكه .. سليم طبعاً مكدبش خبر و قاله من عنيا و على طول بعت رسالة لقنصوة الغورى بيطلب منه إنه ينزع إمارة ذى القدر من علاء الدولة و يسلمها لعلى بن شاه سوار إلا إن الغورى رفض .. و هو ده بالظبط اللى كان مستنيه سليم ..

سليم كان هدفه من الرسالة دى إقامة الحُجة على قنصوة الغورى .. ليه .. لإن علاء الدولة لما منع تجار بلاده من بيع المؤن للعثمانيين سليم أرسل للغورى و قاله على اللى حصل فساعتها الغورى قاله إن علاء الدولة راجل عاصى و لو قدرت عليه إقتله .. يبقى ليه دلوقت يا عم غورى مش عاوز تعزله من الإمارة .. طيب .. طالما انت مش عاوز تعزله أنا بقى اللى هعزله .. و بالفعل خلال أيام كان جيش العثمانيين بيتحرك تجاه إمارة ذى القدر ..

ـــــ

أول ما الجيشين إتجمعوا خرج ( على بن شاه سوار ) فى حركة سينمائية من بين جيش العثمانيين و وجه كلامه لجنود علاء الدولة و قالهم :

( من عرفنى فلقد كفى .. و من لم يعرفنى فأنا ابن شاه سوار .. أين من رُبى فى إنعام أبى ؟ .. أين المحبون لى و لوالدى ؟ .. فليأتوا تحت سنجق من حمانى من عدوى – يقصد سليم الأول – و لا بد لكل إنسان من يحبه و يُبغضه )
خلال دقايق كان ربع جيش علاء الدولة تقريباً بيتفرق عنه و بيروح ناحية العثمانيين .. مش محتاج أقولكم عاللى حصل بعد كده .. المعركة مكملتش ساعة تقريباً إلا و العثمانيين إكتسحوا جيش علاء الدولة و مش بس كده .. ده قتلوا علاء الدولة و أغلب عياله و كل القادة الكبار فى جيشه .. اللطيف فى الموضوع إن سليم أمر جنوده بقطع راس جده علاء الدولة و عياله و إرسالها فى صناديق لقنصوة الغورى اللى كان معسكر بجيش المماليك فى حلب .. أول ما الغورى شاف الرؤوس إتضايق جداً لدرجة إنه قال للى حواليه :

( زال و الله ملكنا )

ـــــ

كده الموضوع مفيهوش كلام .. قنصوة الغورى إتأكد إن علاقته بسليم الأول إتأثرت جداً و كان لازم حل سريع .. الحل من وجهة نظره كان خدعة سياسية .. إجراء يحفظ ماء وجهنا و ميبينش إننا خايفين من سليم و فى نفس الوقت يحفظ لنا دورنا الإقليمى .. إحنا هنقول إننا جينا حلب عشان نتوسط للصلح بين سليم الأول و إسماعيل الصفوى .. طبعاً ده كان رمى جتت من الأخر .. محدش أساساً طلب منك الوساطة دى و مين أصلاً اللى قالك إن سليم عاوز يتصالح معاهم .. ده لو كان طال إنه يبيدهم كان عملها .. بس طبعاً الغورى مكانش قدامه أحسن من الحل ده عشان يخرج من الورطة دى ..

بخصوص نزول المماليك لحلب ففى هنا موقف مؤسف ذكره إبن زنبل الرمال فى كتابه آخرة المماليك و هو إن غالبية جيش المماليك دخل على مدينة حلب و خرجوا الرجالة من بيوتهم و إغتصبوا نساءهم و أبناءهم و نهبوا ممتلكاتهم و أسواقهم و أهل حلب شافوا منهم ما لا يطاق لدرجة إن إبن زنبل قال :

( فلما خرجوا من عندهم دعا عليهم الكبير و الصغير .. و الغنى و الفقير .. لما حصل لهم من ضررهم )

ـــــ

حاول تتخيل الموقف و تعيش تفاصيله .. قنصوة الغورى فى الوقت ده كان متوتر جداً .. بلاده منهكة إقتصادياً و على المستوى الداخلى المماليك كانوا متربصين ببعض و كله عينه على منصب السلطان .. و بسبب سوء إدارته للملف السياسى خلق خصومة مع عدو كان حليف لحد وقت قريب و المشكلة إن العدو ده منتشى بإنتصار عريض على الصفويين .. إيه الحل .. الغورى من شدة توتره مكانش عارف يدخل لسليم من أنهى حتة .. يظهر ضعفه و يحاول يكسب وده بس فى المقابل هتضيع هيبة الدولة نهائياً و مش بعيد المماليك نفسهم هم اللى يقتلوه .. و لا يظهر الكبرياء و يحاول يأثر على سليم الأول نفسياً يمكن ده يجيب نتيجة .. الغورى مال للإختيار الثانى ..

قرر إنه يبعت وفد لسليم الأول يشرحله سبب حضورهم لحلب و إن الوساطة هى هدفهم و لكن بدل ما يبعت وفد من المشايخ و المفوهين بعت وفد من 11 مملوك .. 10 جنود على رأسهم مملوك إسمه ( مغلباى الداوادار ) و أمرهم إنهم يلبسوا أحسن و أفخر الملابس و يتجهزوا بأعلى تجهيز و يركبوا أقوى الخيول .. من الأخر كان عاوز يورى سليم مدى قوة المماليك و للأمانة الفكرة دى كان ممكن تجيب نتيجة لو الطرف التانى مكانش واحد خلقه ضيق زى سليم الأول ..

ـــــ

فى المقابل سليم كان رتب الأحداث فى دماغه و خد قراره خلاص .. طلبت منكم المساعدة و رفضتم .. طلبت المساعدة من علاء الدولة و رفض .. علاء الدولة غدر بيا و هاجم مؤخرة جيشى و إنتم كنتوا بتأيدوه فى ده .. طلبت منكم عزله من الإمارة و إرجاع الحكم لابن شاه سوار و رفضتم .. إتحالفتم فى السر مع الصفويين و جواسيسى قالولى على كل اللى حصل بينكم .. حركتوا جيشكم لحلب و ده إجراء يخلينى أتحفز ضدكم أكتر .. كل دى حاجات مرت بعقل سليم قبل ما وفد المماليك يوصل .. ما بالك بقى بعد ما يشوفه ..

وسط سيل الأفكار دى يوصل وفد المماليك بالهيئة اللى قلتلكم عليها .. أول ما شافهم سليم ركبه العفريت .. إتعصب جداً و قال لمغلباى :

( يا مغلباى .. أستاذك ما كان عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا ؟ .. و إنما أرسلك بهؤلاء العشرة يرعب بهم قلوب عسكرى و يخوفهم برؤية أجناده .. و لكن أنا أكيده بمكيدة أعظم من مكيدته )

و قام منادى على السياف بتاعه و أمره يعدم الوفد بالكامل لولا إن واحد من وزرائه إسمه يونس باشا إتوسله عشان يعفوا عنهم .. رفض سليم توسل وزيره و أصر على قتلهم فنصحه يونس باشا بالإبقاء على مغلباى الداوادار على الأقل فقبل سليم كلامه و أعدم العشر جنود بس .. أما مغلباى فأمر سليم رجالته إنهم يحلقوله ذقنه و يلبسوه طرطور و يركبوه على حمار أعرج و يرجعوه على حلب و قبل ما يمشى قاله :

( قل لأستاذك يجتهد جهده .. و ها أنا حضرت إليه كالبرق الخاطف و الرعد القاصف )

فلما وصل مغلباى على حلب بهيئته دى إسودت الدنيا فى عيون الغورى و مماليكه لإنهم بالأساس مكانوش خارجين للحرب .. دول كانوا رايحين حلب عشان ينهبوا شوية فلوس من أهلها و ياخدوا النفقة بتاعتهم من الغورى و يعرضوا وساطتهم على سليم و كان الله بالسر عليم .. حرب إيه اللى هيدخلوها على غفلة دى ..

ـــــ

المماليك يا جماعة مكانوش ضعاف .. بالعكس .. دول كانوا محاربين أقوياء جداً و مدربين أعلى تدريب .. مقاتلين لا يشق لهم غبار زى ما بيقولوا عشان محدش يتهمنى بتشويه صورتهم .. بس إحنا هنا بنتكلم عن فترة إنهيارهم و إنحطاطهم و الإنحطاط ده ملوش علاقة بالمهارة العسكرية و لكن ليه علاقة بأخلاقهم و تدينهم و الروابط الأخوية بينهم .. كل ده مكانش موجود .. إحنا هنا مش بنتكلم عن مماليك الفتوحات و الحرب ضد المغول و الصليبيين .. المماليك اللى رفعوا راية الإسلام فى الشام و قبرص و غيرهم .. إحنا بنتكلم عن مماليك تانية خالص الدنيا و الفلوس زغللوا عنيهم و نستهم أصولهم و هدفهم من الوجود فى مصر..

إبن إياس الحنفى مثلاً وصف ( قانى باى الرماح ) بعد وفاته و ده واحد من قادة المماليك المعروفين فقال فيه نصاً :

( لكنه كان عنده الطمع الزائد و الظلم و العسف .. و كانت معاملته أنحس المعاملات .. يأكل أموال الناس بغير حق .. و إن وضع يده على وقف أو تركة أكلها عن آخرها .. و إن إشترى من أحد شيئاً أكل ثمنه عليه .. و إن استعمل صنايعياً أو مسبباً قطع مصانعته فى أجرته و يخرج من بابه غير راض عنه )

و عشان محدش يفتكر إن ده حالة إستثنائية فأحب أقولكم إن ده كان الغالب على المماليك فى الوقت ده و العكس هو الإستثناء .. الأستاذ عبد المنعم عامر محقق كتاب آخرة المماليك لابن زنبل الرمال قال فى أول سطور مقدمته الآتى :

( لم تشهد بلاد مصر فى تاريخها السياسى فترة أظلم من تلك الحقبة التى خضعت فيها لحكم المماليك البحرية و الجراكسة .. فلقد حاق بأهل مصر فى هذه المدة ما ران على قلوب هؤلاء المماليك الحكام من الإستعباد و القهر .. و اشتدت الحياة على المصريين فى نظام الإقطاع الذى صار فيه الفلاح المصرى أجيراً تتنازع ثمار جهوده أهواء الغالبين و ذوى النفوذ من الحكام و الكشافة و من هم على شاكلتهم من التابعين )

طبقاً للمعطيات دى فدولة المماليك كانت فى طريقها للإنهيار المؤكد .. إن مكانش على يد العثمانيين فكان هيبقى على يد الصفويين أو حتى البرتغاليين أو الإسبان .. كانت مسألة وقت مش أكتر .. كل ما هنالك إن سليم الأول كان الأسرع ..

مرج دابق فى الإنتظار ..

و على الغورى مواجهة ما تسبب فيه ..

ـــــ