ما بين محمد الفاتح و فلاد الثالث ( جـ 1 )

ما بين محمد الفاتح و فلاد الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــــ

الإنسان ممكن يقبل الإختلاف على أى شخصية تاريخية على إعتبار إن الناس مش زى بعضها و إن كل إنسان له خلفيته الأيديولجية اللى بتخليه يقتنع بأفكار معينة .. السلطان محمد الفاتح واحد من الشخصيات دى .. الراجل متوفى من 538 سنة و لازال بيحظى بكثير من الهجوم و الدفاع عن شخصه ..

فى زماننا الحالى بيختلف عليه فريقين :

1 – اللى بيهاجموه هم دعاة القومية و دول أنصار فكرة الدولة و الحدود و الإستقلال السياسى و عليه فكل عرقية لها الحق فى تشكيل دولتها الخاصة دون الإنصياع لقوة قاهرة أكبر منها ..

2 – اللى بيدافعوا عنه هم المؤمنين بفكرة الإمبريالية و اللى بتتبعها فكرة وجود كيان جامع تحت سيطرته عدد كبير من الأقليات و فى حالتنا الحالية فاحنا بنتكلم عن الخلافة الإسلامية اللى نتج عنها دول زى الدولة الأموية و العباسية و العثمانية ..

ـــــ

إنك تهاجم أى شخص لإن توجهه مضاد لقناعاتك فده مفهوم و مقبول عقلاً و منطقاً لو إلتزمنا بمنطق الحياد .. أما اللى مش مقبول بقى هو إنك متكتفيش بالطعن فى الشخص اللى بتكرهه و لكن كمان تمجد فى أعداؤه و تصورهم بمظهر الأبطال الأبرياء حتى لو كانوا شوية أوغاد من أقذر ما أنجبت البشرية ..

ده اللى حصل حرفياً لما قريت مقال صاحبه بيدعى على محمد الفاتح أكاذيب لا أصل لها و فى نفس الوقت بيدافع عن فلاد الثالت و بيصوره على إنه مناضل ضد طغيان الفاتح و تغاضيه التام عن كل الجرايم اللى ارتكبها فى حق شعبه أولاً و فى حق المسلمين البلغار و الأتراك ثانياً .. لا و الأدهى إنه بيعتبر دى بطولات يجب الفخر بها .. و الله لو ( فلاد الثالث ) نفسه هو اللى كاتب المقال مكانش كتبه كده ..

فى الواقع المقال إستفزنى جداً و حجم الأكاذيب اللى كانت فيه مينفعش السكوت عنها فعشان كده قررت أرد عن الفاتح غيبته و أسرد قصة فلاد الثالث المجرم اللى بيحاول البعض دلوقت قلب حقيقته و تحسين صورته على خلاف الواقع ..

ـــــ


فلاد الثالث إسمه الحقيقى هو ( فلاديسلاوس دراجوليا ) .. أبوه هو ( فلاد الثانى – دراكول ) حاكم إقليم فالاكيا أو والاكيا حسب ما تحب تقرأها ( Wallachia ) .. فالاكيا هو إقليم مكانه تحديداً جنوب دولة رومانيا دلوقت .. حاجة كده أقرب للمحافظات أو المقاطعات فى زماننا الحالى ..

( فلاد الثانى ) اللى هو أبو ( فلاد الثالث ) كان عضو فى تنظيم سرى إسمه تنظيم التنين و كان هدف التنظيم ده هو إحداث قلاقل ضد الدولة العثمانية و لكن بشكل غير مباشر .. بعد 6 سنين من حكمه للإقليم و تحديداً سنة 1442 بيحصل عليه إنقلاب من الإقطاعيين فى فالاكيا و بالفعل بينجحوا و فجأة بيلاقى فلاد الثانى نفسه خسران كل حاجة و بقى يدور على أى دعم ..

روح بقى يا عم دراكول لأى حد من التنظيم السرى بتاعك عشان يساعدك .. طب روح للإمبراطور الرومانى المقدس .. طب حتى روح لبابا الفاتيكان فى غرب أوروبا .. لا .. إنت هتسيب دول كلهم و تروح تستنجد بمراد الثانى عشان يرجعك على العرش تانى .. يوافق مراد الثانى بعد ما يتفق معاه على كام شرط أولهم دفع الجزية و ثانيهم التبعية للدولة العثمانية و ثالثهم تسليم 2 من أبناؤه لتربيتهم فى القصر العثمانى كنوع من أنواع ضمان الولاء فى المستقبل .. يوافق ( فلاد الثانى ) على الشروط و عليه يهاجم العثمانيين فالاكيا و يرجعوا دراكول لمكانه تانى بعدها تم تسليم 2 من الأبناء حسب الإتفاق .. أولهم محور حديثنا ( فلاد الثالث ) و ثانيهم ( رادو الوسيم )

ـــــ

5 سنين قضاها ( فلاد الثالث ) فى القصر العثمانى .. دخل 11 سنة و خرج منه 16 سنة .. فى الفترة دى إحتك طبعاً بمحمد الفاتح اللى كان أكبر منه بسنتين .. شباب فى عمر المراهقة التنافس بينهم كان شديد فى المبارزة و الفروسية و العلوم و بالمناسبة فلاد مكانش بيعامل كرهينة و لكن كان بينال نفس المعاملة اللى بيتلقاها الأمراء العثمانيين على إعتبار إنه أمير .. درس فلاد فى الفترة اللغات الأجنبية و من ضمنها اللغة التركية و درس علوم المنطق و الاجتماع و الفلسفة حتى إنه درس علوم القرءان .. المهم إن التنافس بين الإتنين خلف كراهية فى نفس الشاب ( فلاد ) اللى مع الوقت بقى ناقم على العثمانيين و كاره لفكرة تبعية بلده ليهم لكن طبعاً مكانش قادر يبوح بده ..

سنة 1447 تم الإنقلاب فى فالاكيا على ( فلاد الثانى ) للمرة التانية بعد إتفاق بين الإقطاعيين و ملك المجر ( يوهان هونياد ) و المرة دى الإقطاعيين مكتفوش بعزله بس و لكن قتلوه هو و إبنه الكبير عشان ميطالبش بملك أبوه .. العثمانيين محبوش إن الإقليم يخرج عن سيطرتهم فحركوا جيش ناحية فالاكيا و قدروا فعلاً إنهم يطردوا المنقلبين و حطوا الشاب ( فلاد الثالث ) على عرش الإقليم خلفاً لوالده .. فلاد كان لسه صغير و مقدرش يدير الإقليم و ده طمع فيه ملك المجر اللى أغار مرة تانية عليه و شاله من الحكم و فجأة لقى فلاد الثالث نفسه فى نفس ظروف والده قبل كده .. يعمل إيه الشاب الصغير .. يلجأ مرة تانية للعثمانيين .. لأ .. زى ما قلنا هو كان بيكرههم و عاوز يستقل عنهم .. قرر المرة دى إنه يهرب لمولدوفا و يقعد هناك 4 سنين لحد ما اتأكد إنه مش هيلاقى عندهم الدعم الكافى فيقرر إنه يلجأ لأخر واحد تتخيلوا إنه يلجأ له .. لجأ لملك المجر ( يوهان هونياد ) اللى هو أساساً دعم قتل أبوه و الإنقلاب عليه .. تخيلوا .. الراجل لجأ للى ساهم فى عزل و قتل أبوه بل و عزله هو شخصياً و ملجأش لمحمد الفاتح اللى فى الوقت ده كان تولى زمام الدولة العثمانية ..

ـــــ

( فلاد ) بيقعد فى المجر تقريباً 5 سنين بتتوطد فيهم علاقته بالملك و بينسى تماماً موضوع قتل أبوه و الإنقلاب عليه .. أنا بقولكم الكلام ده عشان تعرفوا طبيعة الشخصية القذرة دى .. نسى فضل العثمانيين عليه و على أبوه رغم إن أبوه كان بيتآمر ضدهم فى الخفاء و نسى كمان جرائم ملك المجر فى حقه و حق أبوه لمجرد إنهم بيشتركوا فى كراهية العثمانيين .. الغاية تبرر الوسيلة و من وجهة نظره ده كان أنسب حليف متاح ..

بعد ال 5 سنين دول كان الوضع الإقليمى إتغير .. ( محمد الفاتح ) فتح القسطنطينية و بدء يشتبك مع ملك المجر اللى مبقاش فاضى يدعم الإقطاعيين المسيطيرين على فالاكيا .. و بعد كام مرسال على كام جواب قدر ( فلاد ) إنه يجمع جيش و هجم بيه على فالاكيا و استرد ملكه المسلوب منه و الكلام ده تحديداً سنة 1456 .. من هنا هيبدأ ( فلاد ) رحلة التجهيز لحرب العثمانيين ..

ـــــ

من باب الإنصاف لفلاد الثالث فنقدر نقول إنه عمل من الفسيخ شربات فى فترة قصيرة جداً .. عمره فى الوقت ده كان وصل ل 25 سنة و بقى أنضج بكتير عن الأول .. لما دخل فالاكيا لقى إن الإقليم خربان و الجرايم منتشرة فيه و مفيش تجارة لا محلية و لا حتى أجنبية .. الثروة متكدسة فى إيد الأعيان و اللى طبعاً كلهم ضده فحط ثقته كاملة فى جيشه بالإضافة للفلاحين و صغار التجار و بدأ ياخد قرارات بتدعم الشريحة دى و أهمل تماماً النبلاء و الإقطاعيين فى تولية المناصب و راقبهم خشية الإنقلاب عليه مرة تانية .. إبتدى يدى الفلاحين مناصب قيادية و كمان ابتدى يدربهم على فنون القتال عشان يكونوا سند ليه فى حالة حدوث أى إنقلاب ضده .. الإجراءات دى بالفعل جابت نتيجة سريعة و زاد حجم الإنتاج الزراعى و اتسع مجال التجارة و بدأ فلاد يجنى أموال طائلة من ورا الطفرة دى .. من هنا بقى بدأت وحشيته تظهر ..


الإنتقام كان شديد جداً .. فى الأول وحد العقوبات كلها فى عقوبة واحدة .. القتل .. هتقتل أو هتسرق أو هتزنى أو حتى هتكدب فعقوبتك هتكون القتل .. بعدها بدأ بقتل الإقطاعيين اللى كانوا لسه موجودين فى الإقليم و اللى هرب منهم و لجأ لأصدقائه فى إقليم ترانسيلفانيا فى الشمال مسابهومش .. سنة 1459 جهز حملة عسكرية كبيرة هجم فيها على مدينة براشوف و بعدها بسنة هجم على مدينة سيبيو .. فى براشوف قتل 30 ألف من التجار و الإقطاعيين و المؤيدين لهم و فى سيبيو قتل 10 آلاف .. المخيف فى الأمر إن عساكر ( فلاد ) قدرت تأسر آلاف من التجار و تابعيهم فلما ودوهم لفلاد أمر بتعليقهم على الخوازيق و قعد ياكل وسطهم .. الخوازيق هنا مكانتش بتموتهم على طول .. دول كانوا بياخدوا ساعات و أحياناً أيام عشان يموتوا ..فتخيل بقى حجم السادية اللى الراجل ده فيها و هو بيستمتع بالأكل وسط صراخ المعتقلين و هما بينزلوا على الخوازيق ..

ـــــ

فى نفس الفترة دى دعا بابا الكاثوليك لحملة صليبية جديدة ضد العثمانيين ملاقتش قبول أوى فى أوساط المسيحيين لكن فى المقابل تحمس ليها ( فلاد الثالث ) اللى كان بيتلكك لأى حاجة يكون فيها تماس مع العثمانيين و فوراً بدأ ينفذ مع نفسه دون الإنتظار لبداية الحملة فكان بيسطوا على القرى البلغارية المسلمة اللى فى نطاق سيطرة الدولة العثمانية و يقتل أهلها و يستولى على أموالهم بهدف إستفزاز محمد الفاتح اللى كان مشغول وقتها بمعارك توحيد الأناضول .. بمجرد إنتهاؤه من المعارك دى ابتدى يركز مع ( فلاد الثالث ) و قرر إن لازم يشوف حل معاه ..

و لكن تلك قصة أخرى ..

ـــــ