دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــ
إذا كان التشرذم و التفرق و الخيانة هى صفات برزت أثناء الخلافة الأموية فى الأندلس و من بعدها ممالك الطوائف فحال الممالك المسيحية فى الشمال مكانش أفضل منهم .. الفرق الوحيد إن الملوك فى الشمال كانوا بيتقاتلوا مع بعض لتوحيد السلطة تحت راية واحدة عشان يتمكنوا من طرد المسلمين من الأندلس أما ملوك الطوائف فكانوا بيتقاتلوا لتوسيع ملكهم .. يعنى لهدف دنيوى بحت بدون خطة توسعية مستقبلية ..
الشمال الإسبانى وقتها كان متقسم لعدة ممالك كلها أقل فى القوة و المساحة من دولة الأمويين فى الأندلس و ده قبل إنهيارها طبعاً .. فى المقابل الخلافة الأموية إنهارت و إتقسم الأندلس بعدها إلى 7 قطاعات رئيسية ضمت 22 دويلة صغيرة ..
تعالوا نجيب الحكاية من أولها ..
ـــــ
الشمال المسيحى زى ما قلنا حالته مكانتش مستقرة و كان متقسم هو كمان لممالك و دول أبرزهم مملكة نافار و مملكة قشتالة و مملكة ليون و اللى سيطر عليهم ملك إسمه ( سانشو جارسيز ) و ده كان ملك لنافارا بالأساس قبل ما يتمكن من ضم المملكتين التانيين و يوحد الشمال المسيحى تحت رايته .. بعد فترة ( سانشو ) هيتوفى و هتتقسم مملكته بين ولاده الأربعة و عشان مندخلش فى تفاصيل كتير فالأبناء هيتصارعوا على الحكم لحد ما ينجح واحد منهم فى توحيد الممالك تحت رايته .. الراجل ده كان إسمه ( فرناندو الأول )
( فرناندو ) بقى على عكس أبوه مكتفاش بتوحيد الممالك الشمالية و بس و لكن أضاف ليها رغبته فى السيطرة على الجنوب الإسلامى .. مكانش عنده رغبة إنه يخرج المسلمين من الأندلس نهائياً لإنه عارف إن ده محتاج وقت و تخطيط و إنفاق عسكرى مهول مكانش متوفر ليه وقتها .. الراجل الحقيقة كان ذكى و قدر يستغل الظروف المحيطة و إمكانياته العسكرية المتاحة أحسن إستغلال .. وحد دولته سنة 429 هجرياً – 1037 ميلادياً يعنى بعد 7 سنين من إنهيار الخلافة الأموية .. فى الوقت ده كانت وصلت الصراعات بين ملوك الطوائف لمرحلة متأخرة .. الإبن يقتل أبوه عشان يستأثر بالحكم .. الأخ يستعين بملك من ملوك النصارى عشان يزيح أخوه من على العرش و يقعد مكانه و هكذا ..
المهم فرناندو وقتها كان بيفكر فى إيه ؟
ـــــ
( فرناندو ) فى الوقت ده كان حابب يعوض سنين الذل اللى أجداده كانوا بيدفعوا فيها الجزية للمسلمين و لقى إن الظروف مهيأة لقلب الآية .. حكام الأندلس لازم يدفعوا الجزية لمسيحيى الشمال مقابل تركهم على كراسيهم .. الراجل جهز جيش كبير و بدأ من غرب الأندلس من مملكة إسمها بطليوس – و ممكن ترجعوا للخريطة عشان تتابعوا – اللى كان بيحكمها بنى الأفطس .. سياسته العسكرية كانت ناجحة جداً .. يمسك المدن من أطرافها .. يخرب القرى اللى هى أماكن الزراعة و يهجر أهلها لمركز المدينة فالمحاصيل تقل فالحاكم ميلاقيش قدامه خيار إلا الحرب أو القبول بالجزية و بما إن الكل وقتها كان فى مرحلة ضعف فالكل كان بيقبل بالجزية .. يخلص ( فرناندو ) بطليوس و يروح على طليطلة فى الوسط و بسبب مناعة المدينة فميقدرش يقتحمها على طول و يقرر إنه يحاصرها .. شوية و يطلع الحاكم بالهدايا و العطايا و يقدم فروض الولاء و الطاعة و يقبل بالجزية .. يسيب طليطلة و يطلع على إشبيلية فى الجنوب و يتبع نفس السياسة .. تخريب و تهجير و قتل و فى النهاية قبول الحاكم بالجزية .. يسيب إشبيلية و يطلع على سرقسطة فى الشمال الشرقى للأندلس و ينجح فى فرض الجزية على حاكمها .. يخلص سرقسطة و ينزل على فالنسيا فى الشرق و يحاصرها و لما مقدرش يقتحمها قرر إنه يمثل إنه إنسحب و عشان حكام الطوائف وقتها كانوا فى غاية السذاجة بلعوا الطعم و أقاموا الإحتفالات و فتحوا الأبواب و خرج أهلها منها فرجعلهم ( فرناندو ) و هجم عليهم و قتل أعداد كبيرة منهم و رجع الباقى جوه أسوار المدينة لحد ما استسلموا ليه و قبلوا هما كمان بالجزية ..
لو إنت مخدتش بالك فالراجل توغل بجيوشه من أقصى الشمال الغربى مروراً بالوسط و الجنوب و الشمال الشرقى وصولاً للشرق .. يعنى الراجل كان بيتمشى فى البلد براحته و جيوشه كانت متحاصرة حرفياً وسط جيوش المسلمين و رغم كده مفيش حاكم واحد كان عنده الجرأة إنه يلتف عليه أو حتى يفكر إنه يتحالف مع جاره لحصاره .. ذل ما بعده ذل كانوا بيعيشوه حكام الأندلس وقتها ..
ـــــ
بعد فترة يموت ( فرناندو ) و كالعادة يقسم مملكته بين أبناءه و كالعادة برضه الإخوات هيحاربوا بعض لحد ما ينتصر منهم واحد إسمه ( سانشو الثانى ) .. اللى يهمنا فى الموضوع ده إن ( سانشو الثانى ) ده هيحبس أخوه ( ألفونسو الثانى ) لحد ما هتقدر أخته فى تهريبه من السجن .. ألفونسو فى الوقت ده كان ملوش أى سلطة بعد ما كان ملك مملكة ليون .. مجرد شخص مطرود فى الظروف الطبيعية مش هيلاقى حتة يقعد فيها .. إنما عشان إحنا فى عصر ملوك الطوائف اللى كله خزى و ذل و عار فتخيلوا الراجل لقى مين اللى فاتحله دراعاته ؟ .. ( المأمون بن ذى النون ) حاكم طليطلة .. حاكم أحصن مدينة أندلسية .. المأمون إستقبله أحسن إستقبال و وفرله كافة وسائل الترفيه الممكنة .. 9 شهور و ألفونسو عمال يلف فى المدينة و يسجل نقاط ضعفها و أفضل طرق الهجوم عليها و المأمون فى الطراوة .. بعد 9 شهور ( سانشو الثانى ) هيتقتل أثناء حصاره لمدينة ( سامورة ) اللى كانت تحت حكم أخته و بموته أصبحت مملكة النصارى فى الشمال بدون ملك فاستقر القادة هناك على إستدعاء ( ألفونسو الثانى ) عشان يدير شئون المملكة .. ( ألفونسو ) اللى عرف كل خرم إبره فى طليطلة بسبب سذاجة المأمون بن ذى النون ..
ـــــ
( ألفونسو ) بقى ملك على قشتالة و ليون سنة 466 هجرياً – 1072 ميلادياً يعنى بعد 44 سنة من إنهيار الخلافة الأموية .. الحضيض يا اخوانا .. الأندلس وقتها كان فى الحضيض حرفياً .. و زى ما السقوط درجات فالصعود كمان درجات .. الجد ( سانشو جارسيز ) كان كل هدفه توحيد الممالك المسيحية .. و الأب ( فرناندو الأول ) كان كل هدفه تحصيل الجزية من حكام الأندلس المسلمين .. أما الحفيد ( ألفونسو الثانى ) فكان هدفه إستعادة الأندلس مرة تانية لأحضان أوروبا المسيحية .. إبتزاز بقى و زيادة حجم الجزية و معارك خاطفة و سريعة و إستيلاء على أراضى على أطراف الأندلس و فى المقابل ملوك الطوائف متحركوش خطوة واحدة لإنهم خايفين يخسروا ملكهم و اللى تحت إيدهم من ثروات ..
واحد من المواقف اللى تثبت قد إيه درجة الخنوع اللى كانوا فيها لما ألفونسو الثانى بعت واحد من القادة بتوعه إسمه ( إل سيد ) – و ده واحد من أشهر القادة فى التاريخ الإسبانى بالمناسبة – عشان يجبى الجزية من المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية سنة 472 هجرياً – 1079 ميلادياً فطلب منه إنه يساعده فى حربه ضد الأمير عبد الله بن بلقين حاكم غرناطة .. يعنى مش كفاية إنك مذلول و بتدفع إتاوة عشان تحافظ على ملكك فانت رايح تستعين بالبلطجى اللى بيسرقك عشان تحارب بيه واحد على نفس دينك عشان ملك دنيوى زائل .. و الله يا جماعة مهما الواحد يشرح مش هيقدر يبين حجم الذل و الخنوع اللى كانت الناس دى فيه ..
كل ده يهون قدام اللى جاى ..
الخيانة هتتمثل فى أقذر صورها وقت حصار طليطلة ..
ـــــ
طليطلة زى ما قلنا كانت أحصن مدن الأندلس .. مدينة محاطة بالجبال من 3 جهات و ملهاش غير مدخل واحد و خيراتها وفيرة و تقدر تتحمل الحصار لفترة طويلة .. فى الوقت ده كان ( المأمون ) حاكم طليطلة مات و مسك الحكم بعده حفيده ( يحيى القادر بالله ) و ده الحقيقة واحد من أفشل و أخس حكام زمانه .. خسر حكم المدينة لبنى الأفطس اللى فى غرب الأندلس بعد ما شعب المدينة ثار ضده فاستنجد بألفونسو عشان يرجعه تانى لمكانه و ده حصل فعلاً سنة 473 هجرياً – 1080 ميلادياً بعد ما اتنازله عن حصون و قلاع و كمان إداله فلوس بالهبل .. كل ده مكفاش ( ألفونسو ) اللى قرر إنه يحاصر المدينة بعد سنتين بالظبط ..
( ألفونسو الثانى ) كان عارف كل خبايا المدينة لكن بالرغم من ده إلا إن المدينة كانت محصنة فعلاً .. سنة 1082 بدأ حصار المدينة و هيستمر ل 15 شهر متواصلين .. 15 شهر و المدينة بتستغيث .. إن حد من ملوك الطوائف يستجيب .. أبداً .. الوحيد اللى إستجاب كان ( المعتمد بن عباد ) حاكم إشبيلية بس مستجابش للمدينة المحاصرة .. المعتمد لما حس إن محدش هيقدر يقف قدام جيش ( ألفونسو ) قرر إنه يوثق خيانته عن طريق معاهدة رسمية .. إنت يا عم ألفونسو حاصر طليطلة براحتك و إستولى عليها زى ما انت عاوز بس سيبلى كام قرية و حصن كده على أطرافها و الأهم إنك تسيبنى على حكم إشبيلية .. خزى و عار لا يوصف و الله ..
المهم إن بعد 15 شهر من الحصار و تحديداً أول سنة 478 هجرياً – 1085 ميلادياً نجح ( ألفونسو الثانى ) فى دخول طليطلة و من وقتها المدينة مرجعتش أبداً للمسلمين و لو ليوم واحد .. أحصن مدن المسلمين بتسقط دون أى مقاومة .. و رغم إن الكل كانوا متابعين الحصار و كانوا شبه متأكدين إن المدينة هتسقط لا محالة إلا إنها لما سقطت فعلاً حجم الصدمة كان كبير جداً عليهم .. تحس إن الحكام دول يا إما كانوا مجانين يا إما كانوا غايبين عن الوعى و إتفاجئوا باللى حصل ..
سقوط طليطلة كانت السبب فى إنهم يراجعوا نفسهم ..
سقوط طليطلة هيكون السبب فى عبور يوسف بن تاشفين للأندلس ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور : https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ