مظاهر فساد دولة العبيديين

وحتى يتفهم القارىء ضرورة القضاء على الدولة العبيدية التى انتسبت زوراً وبهتاناً إلى آل بيت النبى ﷺ فإنه يجب علينا سرد بعض الممارسات الفاسدة التى فرضتها تلك الدولة على مواطنيها وعندها ربما يتضح لنا الدور العظيم الذى لعبه صلاح الدين الأيوبى فى القضاء عليها :

1 – فى البداية يجب أن نعلم أن عبيد الله المهدى مؤسس الدولة ورغم اختلاف الناس حول نسبه إلا أن غالب الفقهاء والمؤرخين أعادوا نسبه إلى العراق وأن إسمه الحقيقى هو ( سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح ) وأنه استقر فى مدينة سَلَمية قرب مدينة حمص وكانت مقراً للشيعة الباطنية فأبلى بينهم بلاءاً حسناً حسب إعتقادهم فأحبوه وقدموه .. وفى تلك الفترة توفى واحد من ذرية الإمام جعفر الصادق فنقلوا الإمامة إلى سعيد بن أحمد حسب هواهم وما ترائى لهم على الرغم من كونه ليس من ذرية آل البيت .. بعدها ذهب اثنان من أتباعه إلى اليمن وإفريقيا لنشر المذهب والتبشير بقدومه فتبعه جهال الناس وضعاف الإيمان فكانوا الدعامة الأولى لتأسيس الدولة العبيدية فى غرب إفريقيا

2 – لما دخل عبيد الله إلى مدينة المهدية واستقر له الأمر أظهر التشيع للناس وبدأ فى سب زوجات النبى ﷺ وأصحابه الكرام واستثنى منهم بعض الصحابة على رأسهم على بن أبى طالب رضى الله عنه حتى أنه من فرط وقاحته أمر بأن تعلق رؤوس الأكباش على أبواب الحوانيت على أن يوضع فوقها قراطيس مكتوب عليها أسماء الصحابة ومن كبر عليه الأمر من أهل السنة واعترض على ما يحدث قتله أنصار عبيد الله

ولم يكتفى غلاتهم بهذا وإنما زادوا على ما سبق بأن رفعوا منزله عبيد الله المهدى فأنزلوه منزلة الإله وبعضهم جعله من الأنبياء والرسل فجعلوا يخاطبون جهال الناس وعوامهم بما يتقبلونه فمرة جعلوه ابن رسول الله ومرة جعلوه إلهاً يرزق الناس ويجازيهم حتى وصل الأمر ببعضهم أن يصلوا حيث تواجد فإن كان موجوداً فى مدينة بالشرق صلوا إليها وإذا انتقل إلى مدينة بالغرب غيروا وجهتهم نحوها وقد أشعر كثير منهم أشعاراً تدل على ذلك

3 – إجبار أهل السنة على التشيع خاصة فى مهد دعوتهم فى غرب إفريقيا حيث كان يتم دعوتهم بالحسنى أولاً فإن أبى الناس أخذوهم فحبسوهم فى دار البحر – سجن العبيدين – حتى يقضى فيهم عبيد الله المهدى وقد أحصوا من قتل داخل أسوار سجنهم فقط فوصل عددهم أربعة آلاف شخص ما بين عالم وفقيه وطالب علم وذلك دون من قتلوا فى شوارع القيروان والمهدية

4 – تحريم الفتوى على مذهب الإمام مالك ومن علموا عنه أنى أفتى على ذلك المذهب أوجبوا ضربه وسجنه وأحياناً قتله ليكون عبرة للجميع حتى أنهم كانوا يطوفون بالمتوفى فى شوارع المدينة ثم ينادوا فى الناس أن هذا جزاء من يذهب مذهب مالك

5 – قام العبيديين بتغيير الأذان فزادوا فيه ( حى على خير العمل ) وأسقطوا من أذان الفجر ( الصلاة خير من النوم ) ومن يثبت مخالفته يتم معاقبته وقد روى أن أحد المؤذنين نسى أن يقلها فى أحد الأيام فقبضوا عليه وقطعوا لسانه ووضعوه بين عينيه ثم قتلوه بعد أن طافوا به فى المدينة ليعلم به الناس .. ولم يكتفوا بذلك وإنما أبطلوا صلاة التراويح وزاد غلاتهم فى منع تداول كتب أهل السنة ومنع أئمتهم من التدريس ونشر المذهب وليس هذا كل شيء وإنما بالغ عبيد الله المهدى فى إسقاط الفرائض عن أتباعه بعضها أو كلها فكان يبطل عنهم الصلاة ويسمح لهم بالزنى وشرب الخمر

6 – وبخلاف ما سبق فقد إتخذ العبيديين كافة الإجراءات القمعية التى تضمن لهم إستمرار دولتهم مثل منع التجمعات حيث كان لهم بوقاً يضربونه فى أول الليل فما رأوا أحد فى الشارع بعده إلا ضربوا عنقه .. أيضاً أزالوا أسماء حكام الأدارسة والأغالبة السنيين الذين حكموا البلاد قبلهم من على القلاع والحصون ووضعوا أسماءهم مكانها واستولوا على ما بها من أسلحة وثروات بخلاف كثير من التجاوزات مثل إجبار الناس على الإفطار دون إنتظار لرؤية هلال شوال ودخولهم بخيولهم إلى المساجد وحجتهم فى هذا أنها خيول عبيد الله المهدى وبالتالى فإن أبوالها طاهرة حسب زعمهم ..

كل ذلك وأكثر وصل إلى مصر وقد زادوا عليها مظاهر بدعية مثل التوسل بالقبور وإقامة الموالد وهى مظاهر ما أنزل الله بها من سلطان حتى مكن الله لصلاح الدين فى مصر فساهم بالشق الأكبر والأهم فى إزالة كل تلك المظاهر وعادت مصر مرة أخرى إلى أحضان المذهب السنى ..

ــــــ

من كتابى : ( صلاح الدين والدنيا )

ــــــ

مصادر :

ــــــــــــــــــــ

سير أعلام النبلاء للذهبى – الجزء الخامس عشر – الطبقة الثامنة عشر ص 141 : 151

جهود علماء المغرب فى الدفاع عن عقيدة أهل السنة لإبراهيم التهامى ص : 291

رياض النفوس فى طبقات علماء القيروان وإفريقية لأبو بكر عبد الله المالكى – الجزء الثانى ص : 423

صلاح الدين الأيوبى وجهوده فى القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس – على محمد الصلابى – ص 141 : 147

ـــــــ