ما بين محمد الفاتح و فلاد الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأخير :
ـــــــــــــــــــــ
بعد الهجوم اللى قام بيه فلاد الثالث مع صفوة جنوده على معسكر الجيش العثمانى و خسارته ل 50
% تقريباً من فرقته قرر الانسحاب بسرعه تجاه مدينة ترجوفيشت .. فى المقابل أمر
محمد الفاتح جيشه بالتوجه للمدينة .. فلاد الثالث فى المرحلة دى كان عنده يقين إنه
مهزوم و طبعاً بعد اللى حصل ده مكانش فى أى فرصة للتفاوض و عليه قرر الإنتقام من
العثمانيين و لكن بشكل دنىء و خسيس كالمعتاد ..
لو تفتكروا كنت قلتلكم إن فلاد الثالث كان أسر آلاف من المسلمين البلغار و الأتراك
لما توغل فى الحدود العثمانية و كمان أسر حوالى 1000 جندى عثمانى من حملة حمزة بك
.. كل دول تم ترحيلهم لترجوفيشت كورقة ضغط يستخدمها عند اللزوم و ده كان الوقت
المناسب بالنسبة له .. حوالى 25 ألف مسلم تم وضعهم على خوازيق على جانبى الطريق
لترجوفيشت .. جيش محمد الفاتح كان ماشى حرفياً و على يمينه و شماله جثث المسلمين
المدنيين اللى أسرهم فلاد الثالث و على رأسهم جثة قائده حمزة بك ..
ـــــ
رغم كل الفظائع دى إلا إن مسيرة الجيش إستمرت لحد ما وصل لترجوفيشت و هناك عسكر
الجيش و مدخلش المدينة لإن مكانش فى حرب أساساً .. هرب فلاد الثالث كالمعتاد و ساب
المدينة باللى فيها لمحمد الفاتح اللى نظم أمورها و ساب ( رادو الوسيم ) أخو فلاد
الثالث كقائد للقوات العثمانية فى ترجوفيشت و بالمناسبة رادو كان أسلم من فترة طويلة
و إسمه بقى عبد الرحمن و على حد علمى حارب فى فتح القسطنطينية كمان ..
بعدها بيأمر الفاتح الجيش بالرجوع للقسطنطينية بعد ما بيستولى على كم كبير من
الغنائم من ترجوفيشت .. سبايا بقى و ثروات و محاصيل زراعية و مواشى و ده بخلاف
الأطفال اللى خدهم من هناك عشان يربيهم فى الدولة العثمانية لإستتخدامهم كجنود
إنكشاريين فى المستقبل .. فى إتجاه إسلامبول عدى محمد الفاتح فى السريع كده على
مدينة إسمها ( برايلا ) و سواها بالأرض لإن كان فيها قوات تابعة لفلاد .. بعدها
راح لمدينة أدرنة أقصى شمال غرب تركيا حالياً و عمل إستقبال مهيب لجيشه على إعتبار
إنه إنتصر فى معركته ضد فلاد الثالث ..
الحقيقة هو محصلش حرب بشكل فعلى بين الطرفين و ده بسبب أسلوب حرب العصابات اللى
إنتهجه فلاد بحكم الفارق العددى الكبير بينهم لكن رغم كده فمحمد الفاتح يعتبر
منتصر لإنه حقق أغلب أهدافه من غزو فالاكيا .. شال فلاد الثالث من العرش و عين أخوه
رادو مكانه .. رجعت فالاكيا مرة تانية تابعة ليه .. كسب غنائم كبيرة جداً عوضته عن
توقف فتوحاته فى اليونان .. فبمقاييس الربح و الخسارة الفاتح يعتبر منتصر حتى لو
مكانش فيه مواجهة مفتوحة بين الطرفين مع الإعتراف إن خسائر العثمانيين البشرية
مكانتش قليلة ..
ـــــ
فى الوقت ده إتحول جيش فلاد الثالث لأقرب ما يكون للجماعات المتمردة فى زماننا الحالى
.. جيش متفرق و غير منظم و مواجهاته مع العثمانيين غير حاسمة بتنتهى غالباً بتراجعه
ناحية الغرب .. من مظاهر إنحطاط الراجل ده اللى حصل فى أحد المواجهات مع العثمانيين
بقيادة رادو .. فلاد كان متحصن فى أحد القلاع غرب ترجوفيشت و كان معاه فى الوقت ده
زوجته .. فجأة بيحصل هجوم للعثمانيين على القلعة و بدل ما يواجه فلاد قدر
الإستطاعة يقرر إنه يسيب مراته و ياخد رجالته و يهرب فالست بتلاقى نفسها لوحدها و بلا
حماية و تحس إنها هتقع أسيرة فى إيد العثمانيين فترمى نفسها من فوق القلعة و تموت
فى الحال .. راجل ناقص و الله ..
ـــــ
بعد عزل فلاد عن عرش فالاكيا بيخسر الإيراد اللى كان جايله من الضرائب على شعبه و
بالتالى مبيبقاش عنده القدرة لدفع رواتب الجيش فابتدى المرتزقة يبعدوا عنه واحد
ورا التانى و مبقاش جنبه إلا أتباعه من الفالاكيين و اللى أعدادهم بتقل تدريجياً خاصة
بعد المعارك اللى دخلوها قصاد رادو و العثمانيين .. يعمل إيه فلاد فى المشكلة دى
.. مكانش قدامه غير إنه يطلب الدعم من أقرب حلفاؤه .. ماتياس كورفينوس ملك المجر و
قائد الحملة الصليبية .. يدخل فلاد على كورفينوس و يطلب منه مساعدة مادية لإكمال
حربه ضد العثمانيين فيفاجىء برد كورفينوس عليه .. إزاى أدى مساعدة لواحد خاين زيك
و خلال دقايق يلاقى فلاد الثالث نفسه محبوس فى أحد سجون المجر ..
القصة بإختصار و لو رجعتم للجزأين اللى فاتوا هتلاقوا إن ماتياس كورفينوس مكانش
عاوز يحارب العثمانيين .. محدش من ملوك أوروبا وقتها كان عنده رغبة فى كده الصراحة
و كلهم إتنصلوا من رئاسة الحملة و سابوها لكورفينوس اللى كان عنده 16 سنة وقتها ..
كورفينوس كان طمعان فى الفلوس اللى هتجيله من وراء الحملة و بالفعل صرف منها شوية
على الجيوش اللى فى خط تماس مع العثمانيين و احتفظ بالباقى و بقى محتاج تبرير
يقوله للبابا عن فارق المبلغ ده فكان لازم حد يشيل الليلة و يبقى هو المذنب فى
ضياع أموال الكنيسة الكاثوليكية فملاقاش قدامه أحسن من فلاد الثالث ..
كورفينوس زور خطاب المفروض إن اللى كتبه فلاد الثالث و قال فيه إنه – فلاد يعنى –
على إستعداد للتصالح مع العثمانيين و الإنفصال عن الحملة المكونة ضدهم و ختم
الجواب بختم فلاد و عرضه على البابا و استشهد كورفينوس بالفظائع اللى عملها فلاد فى
إقليم ترانسلفانيا و اللى سكانه كلهم مسيحيين عشان يثبت التهمة عليه .. بكده
إستفاد كورفينوس بالفلوس اللى فى خزنته على اعتبار إن فلاد سرقها و أنهى الحملة
بأقل خسائر ممكنة و حافظ على بلده و لو مؤقتاً و خلص من فلاد اللى كان عامله دوشة
و كل شوية بيطلب مساعدته ..
ـــــ
سنة 1463 يتسجن فلاد الثالث فى المجر لفترة توصل ل 10 سنين و يخرج بعد وساطة إبن
عمه شتيفان الرابع حاكم مولدوفا بسبب إن العثمانيين بدءوا يغزوا أرضه و كان عاوز
مساعدة حقيقية من واحد زى فلاد بيكره العثمانيين بجد .. بعد خروجه من السجن إتعرض
عليه إنه يتحول للكاثوليكية و يسيب الأرثوكسية فوافق بهدف الحصول على دعم كورفينوس
ليه ..
الوضع كان عجيب جداً وقتها و الصراع على ملك الدنيا كان على أشده زى ما انتوا شايفين
كده .. فلاد نسى اللى عمله فيه كورفينوس .. كان عنده إستعداد يتخلى عن شرفه و
كرامته و حتى عقيدته مقابل إنه يرجع لعرش فالاكيا بس للأمانة مكانش لوحده اللى كده
.. يعنى إبن عمه شتيفان الرابع اللى إتوسط عشان يخرجه من السجن كان حليف
للعثمانيين بل إنه حارب فلاد نفسه إرضاءاً لمحمد الفاتح و كورفينوس اللى كان حليف
لفلاد و بيبعتله فلوس كل شويه إنقلب عليه و سجنه .. يعنى طبيعة الحياة وقتها كانت
عجيبة و كلها دسائس و مؤامرات ..
ـــــ
سنة 1475 يموت عبد الرحمن أو رادو الوسيم حاكم فالاكيا و معاها يبتدى طموح فلاد
يزيد عشان يسترجع عرش فالاكيا تانى و مع دعم ملك المجر ليه بقى معاه فلوس يقدر
يجند بيها جيش و تتجدد معاركه مع العثمانيين .. فى أواخر ديسمبر 1476 و فى أحد المعارك
دى بيتقتل فلاد الثالث و بتتقطع راسه و تروح للسلطان محمد الفاتح اللى بيأمر إنها
تتعلق على خازوق خشب وسط مدينة أدرنة ..
الصراحة وفاة فلاد الثالث كانت غامضة أوى و مفيش معلومات مؤكدة عن طريقة وفاته و
لكن الأقرب و الأشهر هو اللى لسه قايله دلوقت .. فى روايات تانية بتقول إنه إتقتل
على إيد واحد من جنوده أو واحد من الإقطاعيين المناوئين ليه و لكن الروايات دى مش
منطقية أوى لإن فى شبه إجماع إن راس فلاد الثالث إنفصلت عن جسمه و ده مكانش هينفع
إلا فى حالة سقوطه فى المعركة مش نتيجة خيانة ..
ـــــ
دى كانت حياة فلاد الثالث و اللى بتبين قد إيه هو كان مجرم و سفاك للدماء و قاتل
للعزل و المدنيين الأبرياء و اللى ذكرتها الروايات الغربية مش الروايات العثمانية
بس .. راجل نسى فضل العثمانيين عليه و على أبوه و إزاى إنهم كانوا داعمين ليه
للجلوس على عرش فالاكيا بل إنه لجأ ليوهان هونياد اللى دعم الإقطاعيين فى قتل أبوه
.. قتل عشرات الآلاف من شعبه .. قتل 30 ألف فى براشوف و 10 آلاف فى سيبيو .. عيش
شعبه فى رعب بعد ما وحد العقوبات كلها فى عقوبة واحدة هى القتل حتى لو الجريمة كانت
مجرد كذبة .. رفض السلام مع محمد الفاتح رغم إن الفاتح وافق على طلباته .. قتل رسل
الفاتح رغم إن الرسل مؤمنين .. هاجم بلغاريا و روع الآمنين فيها و قتلهم و حرق
مزارعهم و أسر منهم أكتر من 20 آلف أسير و أعدمهم بالخوازيق .. جند النساء و
الأطفال و الشيوخ بالإكراه لحرب العثمانيين و أخيراً ساب مراته ترمى نفسها من فوق
القلعة اللى كان متمركز فيها و هرب ..
المصادر الأوروبية ذكرت بلاوى عن الكائن و الله الواحد ما عارف يكتبها إزاى .. تفاصيل
مرعبة عن أفعاله فى حق المخالفين ليه .. يعنى مثلاً كان بيعدم ضحاياه على الخوازيق
و يقعد ياكل وسطهم و هو سعيد بأصوات صراخهم و أنينهم .. كان بيسلخ جلود اللصوص و يرش
عليهم الأملاح و الحوامض عشان يكويهم .. كان بيشوى الأطفال أحياء قدام أهاليهم و
يأمرهم إنهم ياكلوهم .. كان بيقطع أثداء النساء و يشويها و يأمر أزواجهم بأكلها و
فى النهاية يعدمهم على الخوازيق ..
كان بيحرق ضحاياه أحياء و فى النقطة دى ليه قصة شهيرة بتقول إن لما معدلات الفقر
زادت فى فالاكيا بسبب إنفاقه العسكرى بدأت الناس فى الشكوى فأعلن إنه عامل وليمة كبيرة
للمحتاجين فاجتمع له عدد كبير من الفقراء و المشردين و المرضى فجمعهم فى قاعة و
سألهم :
( هل تريدون التخلص من فقركم و بؤسكم ؟ )
فجاوبوه بفرحة إن أيوه طبعاً نفسنا نتخلص من فقرنا فابتسم إبتسامة رضا و خرج من
القاعة و بعد لحظات كانت جنوده قافلة عليهم القاعة و حرقتهم أحياء ..
ـــــ
دى نماذج عن أفعال فلاد الثالث اللى بعض كتاب المسلمين للأسف عاملينه بطل لمجرد
إنه كان كاره للعثمانيين .. قلبوا الحق باطل و الباطل حق لمجرد خلاف سياسى و مجدوا
فى خنزير زى فلاد الثالث و شوهوا صورة بطل مسلم مجاهد زى السلطان محمد الفاتح اللى
الدولة فى عهده توسعت و شملت الأناضول بالكامل و بلغاريا و النصف الجنوبى لرومانيا
و جنوب مولدوفا و أجزاء من أوكرانيا و مقدونيا و ألبانيا و صربيا و البوسنة و أجزاء
من كرواتيا و المجر و لحد أخر يوم فى عمره جيوشه كانت معسكرة فى مدينة أوترانتو فى
أقصى جنوب إيطاليا لإنه كان بيجهز لفتح روما ..
ده محمد الفاتح اللى قضى حياته كلها فى الجهاد .. و فى النهاية سابوا ده كله و
مسكوا فى قانون الإخوة رغم إن مفيش رواية واحدة أشارت إنه قتل حد من إخواته و إن
القانون نفسه مشابه تماماً لعقوبة الإعدام لمن يحاول قلب نظام الحكم و اللى غالبية
دول العالم بتتعامل بيها فى زماننا الحالى ..
ـــــ