ما بين محمد الفاتح و فلاد الثالث :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ــــــــــــــــــــــ
محمد الفاتح لما سمع عن اللى عمله فلاد الثالث بالقرى البلغارية مقررش الهجوم عليه
مباشرة .. بعتله رسالة تفكره بتاريخ أسلافه مع الدولة العثمانية و حجم المساعدات
اللى قدمتها الدولة لوالده و ليه هو شخصياً فكان دايماً يماطل فى الرد لحد ما يظبط
أموره مع ولى عهد المجر و حليفه الوحيد فى الوقت ده ( مايكل سيلاجى – Michael Szilágyi ) .. مماطلة فلاد مش هتطول لإن الأخ سيلاجى هيتقبض عليه أثناء
معركة مع العثمانيين فى مدينة إسمها سوكول فى أقصى جنوب غرب رومانيا حالياً و اللى
هيقبض عليه قائد عسكرى عثمانى إسمه ( علاء الدين ميهال أوغلو – Alauddin Mihaloğlu
Ali Bey ) .. بموت سيلاجى بيتزنق فلاد و كان لازم
يدى رد للعثمانيين و إلا فهى الحرب ..
ـــــ
رد فلاد على محمد الفاتح كان مراوغ برضه .. وافق إنه يدفع الجزية اللى تم تقدريرها
ب 10 آلاف دينار بندقى و دى عملة كان معترف بيها وقتها على شرط إلتزام محمد الفاتح
بكل بنود معاهدة قديمة كانت إتوقعت فى عهد جده بايزيد الأول و بالفعل بيوافق محمد
الفاتح على المعاهدة .. يسكت فلاد بقى على كده .. لأ برضه .. بتستمر غارات جيشه
على القرى البلغارية و هدفه الأساسى من الغارات دى إنه يستولى على أموال التجار
الأتراك اللى كانوا هناك .. فلاد كان عنده مشكلة أزلية فى التمويل لإن حلفاؤه
كانوا قليلين و هو مكانش ملك لدولة كبيرة يقدر يسخر إيراداتها لطموحه العسكرى
فمكانش قدامه إلا الهجمات دى لزيادة دخله ..
فى نفس الفترة دى كان على رأس مملكة المجر ملك صغير فى السن إسمه ( ماتياس كورفينوس
– Matthias Corvinus ) .. كورفينوس فى
الوقت ده كان عنده 16 سنة و رغم إنه فى قرارة نفسه مكانش عنده الرغبة الحقيقية فى
محاربة العثمانيين إلا إنه لقى نفسه على رأس الحملة الصليبية بسبب عدم حماسة ملوك
أوروبا لرئاستها و ده طبعاً خلاه الحليف الأول و الأهم لواحد زى فلاد الثالث ..
بعد سنة بعت محمد الفاتح 2 من رسله لفلاد الثالث عشان يحصلوا منه الجزية المتأخرة
عليه و اللى مدفعهاش من حوالى 3 سنين .. فى المقابل فلاد الثالث مكانش معاه فلوس
يدفع و أساساً مكانش عنده النية إنه يدفع بعد ما اتسند على حليف جديد فلقى إن دى
فرصة ذهبية لإشعال الحرب من طرفه .. طلب من الرسل العثمانية نزع العمائم اللى
كانوا لابسينها إحتراماً ليه فرفضوا لإن أولاً تقاليدهم كانت بتمنعهم من كده و
ثانياً لإن أساساً إقليمك ده تحت رعايتنا كعثمانيين و إحنا جايين ناخد منك الجزية
فإزاى تجبرنا على خلع العمائم يعنى .. فلاد كان عارف الرد مسبقاً و كان عارف برضه
هيعمل إيه .. أمر رجالته إنهم يكتفوا الرسولين و يمسمروا العمائم فى رؤوسهم
بمسامير حديد ..
ـــــ
بعدها إستمرت المناوشات بين الطرفين فكان فلاد يهجم بقوات صغيرة على القوات
العثمانية يقتل شوية و يأسر شوية و يحطهم على الخوازيق و على ما يبدو إن محمد
الفاتح مكانش حابب يفتح جبهة حرب فى فالاكيا و كانت طموحاته متوجهة لليونان فقرر
إنه يستخدم الحيلة للخلاص من فلاد .. بعتله رسالة يعرض عليه فيها إنه ييجى له
إسلامبول ( الإسم الجديد للقسطنطينية ) عشان يتفاوض معاه و ينهوا حالة الحرب اللى
بينهم دى .. الحقيقة فلاد كان تعلب و عارف إنه لو راح للفاتح مش راجع فرد عليه
برسالة قاله فيها إن بلده منهكة من كتر الحروب و إنه مش هيقدر يدفع الجزية دلوقت و
طلب تأجيل ده لحين ميسرة أما عن الحضور لإسلامبول فبرضه مش هيقدر يجيله لإنه خايف
إن ملك المجر يستولى على أرضه فى غيابه و قاله إنه لو حابب إنه ييجى يبقى يبعت
قائد عثمانى يدير البلد فى غيابه ..
محمد الفاتح إتأكد إنه بيكدب و إنه مبيحاربش ملك المجر و لا حاجة بعد ما وصلته معلومات
التحالف اللى تم بينهم و رغم كده إلا إنه قرر إنه يستمر معاه للأخر و قاله إنه
هيبعتله جيش صغير بقيادة والى مدينة نيكوبوليس و كان إسمه ( حمزة بك – Hamza
Bey ) و الهدف المعلن كان حماية الممتلكات
العثمانية فى فالاكيا لكن الهدف الحقيقى كان القبض على فلاد و ترحيله لإسلامبول ..
فلاد زى ما قلنا كان مكار و كان عارف اللى فيها .. نصب كمين للفرقة العثمانية فى
ممر جبلى ضيق و أمطرهم بالسهام فقتل منهم عدد كبير و أسر الباقيين .. بعدها إتنكر
فى زى قائد عثمانى و راح لحصن مدينة جورجيو و ده اللى كانت فيه باقى فرقة حمزة بك
و أول ما وصل أمر الجنود بفتح الأبواب و طبعاً ده مكانش صعب لإنه بيعرف يتكلم تركى
كويس .. إتفتحت الأبواب من هنا و على طول دخلت فرقة فلاد و قتلت كل اللى فى الحصن
مستغلين عنصر المفاجأة ..
ده كان إعلان حرب واضح و صريح .. فلاد شاف إنه لازم يستغل الفرصة و يحقق أكبر
مكاسب ممكنة لإن محمد الفاتح كده مش هيسيبه فجهز جيشه بالكامل و هجم على المدن البلغارية
المسلمة و قتل كتير من أهلها و إستولى على ممتلكاتهم و بخلاف ده أسر منهم أكتر من
20 ألف أسير و خدهم معاه لفالاكيا و كان ظنه إنهم ممكن يبقوا ورقة تفاوضية مع محمد
الفاتح بعد كده ..
ـــــ
وقتها محمد الفاتح كان على رأس جيش محاصر لمدينة كورينث فى جنوب اليونان
حالياً و أول ما وصلته الأخبار قرر رفع الحصار و الرجوع للقسطنطينية بهدف تجهيز
جيش للهجوم على فالاكيا و عزل فلاد الثالث .. الجيش العثمانى حجمه كان حوالى 100
ألف مقاتل ما بين جنود و فرسان و خدم و إداريين .. فى نفس الوقت قوات الفالاكيين
كانت 20 ألف جندى بالكتير فاتأكد فلاد إنه بالشكل ده هيخسر الحرب فطلب المساعدة من
ماتياس كورفينوس إلا إنه رفض و لو تفتكروا أنا قلتلكم فى الأول إن كورفينوس مكانش
متحمس لقتال العثمانيين و الوحيد اللى كان فاتح صدره فى الحملة هو فلاد ..
فلاد عمل المستحيل وقتها عشان يجيله أى دعم من أى حد لدرجة إنه عرض إنه يتخلى عن
الأرثوذكسية و يتحول للكاثوليكية يمكن ده يشجع ملوك غرب أوروبا على دعمه لكن محصلش
و بالتالى مكانش قدامه إلا جمع أكبر عدد ممكن من أهل فالاكيا نفسهم .. شباب صغير و
أطفال لم يبلغوا الحلم و بنات و سيدات و شيوخ حتى إنه تجاوز خلافاته مع الإقطاعيين
المتبقيين فى فالاكيا و وعدهم بإمتيازات مادية فى حالة دعمهم للحرب مع العثمانيين
و قدر بالعافية إنه يوصل جيشه لحوالى 30 ألف فرد ..
مقاومة الفالاكيين كانت قوية لكن فى النهاية العدد و التجهيز كان فى صف العثمانيين
فكانت المعارك تنتهى بخسائر من الطرفين يتراجع بعدها الفالاكيين لكن بعد ما يعملوا
كل اللى فى إمكانهم لتعطيل تقدم العثمانيين .. سمموا المياه .. قتلوا المواشى ..
حرقوا البيوت و الزروع .. نصبوا فخاخ لإصطياد الجنود .. حولوا مجارى الأنهار
فاتحولت السهول لمستنقعات طينية .. بعتوا مرضى السل و الطاعون للتسلل لمعسكرات
العثمانيين فانتشرت الأمراض دى فى صفوف الجيش بشكل سريع ..
و عشان محدش يستصعب الفكرة دى فأحب أقولك إن الموضوع مكانش صعب أوى كده .. أولاً
عدد الفالاكيين اللى وصلوا لمعسكر الجيش مكانش كبير بالشكل اللى يمثل خطر عليهم ..
تخيل 100 الف بنى أدم متجمعين فى معسكر كبير و دخل عليهم 100 و لا 200 فرد من كل
الإتجاهات فبالكتير هيدخل على كل فرقة واحد أو إتنين و لاحظ إنهم كانوا بيدخلوا
المعسكر و هما مش معروف إنهم مرضى .. يعنى كانوا مجرد فلاحين فقراء طالبين طعام أو
مأوى .. المهم إن رغم كل اللى فات ده إلا إن تقدم العثمانيين كان مستمر .. مستمر
ببطء لكن مستمر ..
ـــــ
من البداية و فلاد الثالث كان متأكد إن أى مواجهة مفتوحة مع العثمانيين معناها
إبادة لجيشه خاصة إن ثلث الجيش مكون من الفلاحين و الأطفال فالحل من وجهة نظره كان
حرب العصابات و ده أسلوب هو إحترفه بحكم قلة أعداد جيشه على الدوام .. هدف
العثمانيين كان الوصول لمدينة ترجوفيشت مقر حكم فلاد الثالث ثم محاصرتها و إجباره
على القتال أو الإستسلام و هدف فلاد كان واضح .. تعطيل العثمانيين و تكبيدهم أكبر
خسائر ممكنة قبل الوصول للمدينة ..
من المنطلق ده جهز فرقة من الجيش قدرت بحوالى 10000 جندى و دول كانوا صفوة جيشه و
قرر إنه ينفذ خطة مجنونة شوية .. خطة فيها شجاعة لكنها شجاعة غير محسوبة الحقيقة
.. إتنكر فى صورة قائد عثمانى للمرة الثانية و دخل على أحد جهات الجيش و أمر
الجنود بالدخول لخيامهم خاصة إن التعليمات العسكرية كانت بتفرض دخول العساكر
للخيام مع دخول الليل ما عدا قوات الحراسة المعتادة .. دخل فلاد و أمر الجنود
بدخول الخيام و لف فى الجيش لحد ما حدد الخيمة السلطانية .. هو إفتكر إنها الخيمة
السلطانية لكنها فى الحقيقة كانت خيمة الصدر الأعظم .. المهم إنه خرج تانى و إقتحم
مع فرقته معسكر العثمانيين مستغل قلة أعداد الجنود فى الحراسة و خلق فوضى شديدة فى
المعسكر و قتل عدد كبير من الجنود و وصل للخيمة اللى كان فاكر إن فيها السلطان
محمد الفاتح لكن ملقاهوش فيها طبعاً .. خساير العثمانيين كانت أكثر فى المجمل لكن لو
حولنا الخساير لنسبة مئوية فخسائر فلاد مكانتش هينة .. فلاد خسر حوالى 5000 مقاتل
من صفوة جيشه .. ده يمكن كان السبب فى إنه يرمى بأخر أوراقه الحقيرة ..
حوالى 25000 مسلم على الخوازيق فى الطريق إلى ترجوفيشت ..
ـــــ