دولة الأندلس زيها زى أى دولة مرت على صفحات التاريخ .. مر عليها فترات عز وإزدهار وبرضه مر عليها فترات تراجع وأفول .. لكن بإنهيار دولة الموحدين اللى كانت أخر دولة قوية تحكم الأندلس إنقسمت السلطة بين بنى مرين وبنى الأحمر ومر الأندلس بفترة طويلة من الضعف تسببت فى إنحسار مساحة الدولة فى عهد دولة بنى نصر لولايتين بس .. الولاية الأكبر وهى ( غرناطة – Granada ) والأصغر وهى ( ملقا – Málaga )
ورغم إن الفترة اللى عاشتها مملكة غرناطة إجمالاً كانت فترة تراجع أمام مملكة قشتالة إلا إن مراحلها الأخيرة كانت الأقسى والأصعب .. مش عشان فارق القوة العسكرية بين الطرفين – وده كان حقيقى بالمناسبة – ولكن عشان الفتن والصراعات اللى عاشتها المملكة الحزينة ..
ـــــ
غرناطة فى أواخر سنواتها كانت تحت حكم واحد من ملوك بنى نصر إسمه ( أبو الحسن على بن سعد ) .. أبو الحسن ولى أخوه ( أبو عبد الله محمد بن سعد ) المعروف بإسم ( الزَغْل ) على ملقة إلا إن الزغل بعد فترة أعلن العصيان والتمرد على أخوه لإنه كان شايف إنه السبب فى تراجع الدولة .. طبعاً قامت الحرب بين الأخين لكن الزغل وكما هى عادة حكام الأندلس فى فترات الإنحطاط إستنجد بملك قشتالة ( هنرى الرابع – Henry IV of Castil ) عشان يساعده فى حربه ضد أخوه ..
الحرب بين الأخين استمرت لسنين وكل ما كان ( أبو الحسن ) يقرب من هزيمة أخوه ( الزغل كانت القوات القشتالية تتدخل فتعدل الكفة بهدف إطالة فترة الحرب وإستنزاف القوات الإسلامية .. الوضع بالشكل ده أجبر أبو الحسن على توقيع معاهدة سلام مع أخوه كان نتيجتها إستقلال الزغل بملقا وعدم تدخل أخوه فى شئونها ..
ـــــ
فى شعبان 879 هجرياً – ديسمبر 1474 ميلادياً بيموت هنرى الرابع ملك قشتالة وبتتولى أخته ( إيزابيلا الأولى – Isabella I of Castile ) مكانه .. فى الوقت ده كان بقالها 5 سنين متزوجة من زوجها ( فرناندو الثانى – Ferdinand II ) ملك أراجون .. الزواج اللى تم أساساً فى ظروف غريبة وصعبة بحكم إن إيزابيلا كانت على خلاف مع أخوها هنرى اللى كان رافض الزواج ورافض كمان تنصيبها فى ولاية العهد .. كانت صعبة لإن إيزابيلا وفرناندو كانوا أبناء عمومة من الدرجة الثانية ودى درجة قرابة كانت بتستوجب موافقة الكنيسة عليها قبل إتمام الزواج .. كانت صعبة كمان لإن مملكة أراجون كانت على خلاف سياسى تاريخى مع مملكة قشتالة .. لكن سبحان الله مسبب الأسباب .. رغم كل ده فالزواج تم .. ومش بس تم .. ده اتفق بسببه إيزابيلا وفرناندو ورجال الدين فى المملكتين على هدف واحد بس ..
طرد المسلمين من الأندلس نهائياً ..
ـــــ
كان طبيعى إن أول تحرك لإيزابيلا وفرناندو يكون ضد غرناطة إلا إن الظروف أتاحت فرصة ذهبية للمسلمين هناك كان ممكن تطول فى عمر دولتهم لعشرات السنين قدام لكن للأسف حكامهم مستغلوهاش .. الموضوع ببساطة إن هنرى الرابع أخو إيزابيلا كان له بنت إسمها ( خوانا لا بلتيرانيخا – Joanna la Beltraneja ) .. البنت دى مع تولى إيزابيلا لعرش إسبانيا هربت على البرتغال ولجأت لملكها ( أفونسو الخامس – Afonso V of Portugal ) وإتجوزته وبدأوا فى المطالبة بعرش إسبانيا بحكم إن خوانا هى وريثة العرش الحقيقية مش إيزابيلا ..
المشكلة دى تسببت فى حرب شعواء بين إسبانيا والبرتغال إستمرت لمدة 5 سنين تقريباً .. 5 سنين والحرب دايرة بينهم فى البر والبحر بشكل مستمر .. لو كان عند حكام المسلمين فى غرناطة وملقا شوية عقل كانوا تجاوزوا خلافاتهم وقرروا التوحد والوقوف فى صف ملك البرتغال ضد ملوك إسبانيا .. السياسة بتقول كده .. العقل بيقول كده .. الخوف من الفناء على يد العدو الأزلى بيقول كده .. يا أخى حتى لو محسمتش الحرب فى النهاية فعلى الأقل كنت أثبتلهم إنك قوة فاعلة فى المنطقة .. كنت قدرت تكتب معاهدة من منطلق قوة وانت ليك حليف قوى زى ملك البرتغال يخلى إيزابيلا وفرناندو يفكروا ألف مرة قبل ما يستولوا على شبر إضافى من أرضك .. لكن أبداً يا مؤمن .. 5 سنين محدش فى غرناطة وملقا قرر ياخد خطوة واحدة فى الحرب دى .. عايز تعرف عملوا إيه فى الفترة دى .. أقولك أنا ..
ـــــ
أبو الحسن ملك غرناطة كان متجوز إتنين ستات .. الأولى هى بنت عمه ( عائشة بنت محمد ) المعروفة بإسم عائشة الحرة .. والثانية سيدة إسبانية أرستقراطية وبنت قائد عسكرى إسبانى مرموق إسمها ( إيزابيل دى سوليس ) .. الأولى كان له منها 3 أبناء .. أولهم وأشهرهم هو محمد المعروف بإسم أبو عبد الله الصغير وثانيهما يوسف وأخرهم عائشة .. أما الثانية فأسلمت وأطلقت على نفسها إسم ثريا وأنجبتله ولدين .. سعد ونصر ..
الخلاف بين الزوجات كان سببه إن كل واحدة منهم عاوزة ولاية العهد تبقى فى أولادها هى لكن القرار طبعاً كان فى إيد أبو الحسن اللى كان ميال لثريا الإسبانية بسبب جمالها وذكاءها اللى مكنوها من السيطرة على قراره .. بسبب تأثير ثريا قرر أبو الحسن تحديد إقامة عائشة وولادها فسجنهم فى برج قمارش وده أطول أبراج قصر الحمراء لكنها قدرت بعد فترة إنها تهرب هى وولادها بمساعدة بعض المعارضين لزوجها من بنى سراج ..
ـــــ
فى الوقت ده كانت الحرب مع مملكة البرتغال انتهت بتوقيع معاهدة سلام ورجعت أنظار ملوك الإسبان تتحول لغرناطة من تانى .. سنة 1482 ميلادياً كانت عائشة الحرة استقرت هى وولادها فى منطقة جبال البُشرات وتزعم ابنها محمد أبو عبد الله الصغير حركة المقاومة ضد أبوه .. بعد فترة قصيرة نزل محمد على غرناطة نفسها وتمركز مع أنصاره فى حى البَيَّازين فى حين إن والده أبو الحسن كان فى منطقة الحمراء وبدأت المعارك بينهم تشتد داخل غرناطة نفسها .. سالت الدماء فى الشوارع حرفياً والجثث إتحولت لتلال وضعفت الدولة أكتر ما كانت ضعيفة بالأساس ..
حاول فرناندو الثانى إنه يستغل الأوضاع الداخلية فى غرناطة وهاجم أطراف المدينة وحاصر مدينة ( لوشة – Loja ) غرب غرناطة .. عندها بس تعالت أصوات الصلح عشان المملكة متروحش من إيد المسلمين وبالفعل اتحد الطرفين وخرج أبو الحسن على رأس جيش فك بيه الحصار عن حامية مدينة لوشة قبل ما يقرر الرجوع على غرناطة تانى ..
لما رجع أبو الحسن على غرناطة لقى أبوابها مقفولة فى وشه .. إبنه أبو عبد الله الصغير استولى على المدينة وأعلن نفسه ملك جديد عليها فاضطر أبوه إنه يلجأ لأخوه ( محمد الزغل ) فى ملقا .. أيوه .. هو أخوه اللى كان بيحاربه من كام سنة واللى تعاون مع هنرى الرابع ضده .. عادى بقى .. هى الدنيا زمان كانت كده .. عاوز الأنقح بقى .. أبو الحسن بقى ينصح أخوه الزغل بنصايح من شأنها تعلى إسمه بين الناس زى إنه اقترح عليه خوض معارك سريعة وخاطفة ضد حاميات الإسبان على حدود ملقا وبانتصاره فيها يرتفع شأنه بين الناس فينفضوا عن إبنه فى غرناطة وهيقبلوا بزعامة الزغل لإنه وقتها هيبقى فى نظرهم صاحب راية الجهاد ضد الإسبان ..
أبو عبد الله الصغير لما شاف الوضع بالشكل ده مكانش ينفع يسكت .. كان لازم هو كمان يعمل غارات مماثلة ولكن بسبب صغر سنة وقلة خبرته مقدرش يحقق النجاح اللى حققه عمه الزغل .. سنة 1483 ميلادياً حاول حصار مدينة إسمها ( اليُسَانة – Lucena ) قرب قرطبة لكنه فشل فى إقتحامها ورجع تانى على غرناطة .. وهو راجع اتعمله كمين من جيش إسبانى وتم أسره وبقت غرناطة بدون جيش تقريباً وده سمح لأبوه إنه يرجع على المدينة مرة تانية ويدخلها بكل سهولة ..
ـــــ
عاش أبو عبد الله الصغير سنتين كاملين فى الأسر تواصلت فيهم والدته عائشة الحرة مع فرناندو وإيزابيلا لإطلاق سراحه لكن كل مرة طلبها كان بيترفض لحد ما اتفق الطرفين على إطلاق سراحه مقابل شرطين :
1 – دفع فدية قدرها 11 ألف دوبلة ذهبية ( الدوبلة بتساوى 10 بيزيتا ودى كانت عملة إسبانيا لحد ما انضمت للإتحاد الأوروبى )
2 – دعم أبو عبد الله الصغير ضد والده بالقوة العسكرية مقابل تبعية غرناطة لمملكة قشتالة
سنة 1485 ميلادياً جمع أبو عبد الله الصغير أنصاره ونجحوا إنهم يدخلوا غرناطة مرة تانية وتجمعوا فى حى البَيَّازين ودارت نفس الحرب اللى دارت بينهم من سنين .. نفس الدم ونفس الضحايا ونفس الإستنزاف العسكرى والإقتصادى للدولة .. المرة دى تجمع الفقهاء بس مش عشان يصلحوا بينهم زى المرة اللى فاتت لإن حرفياً الصلح بينهم كان مستحيل .. الفقهاء تجمعوا المرة دى عشان ينزعوا السلطة منهم هما الإتنين لإنهم أصبحوا خطر على عامة المسلمين هناك .. نزعوها منهم وراسلوا عبد الله الزغل فى ملقا عشان يبقى حاكم على غرناطة بدالهم .. وفى الوقت اللى أبو الحسن وافق فيه على إختيار أخوه كحاكم للمملكة نماية فى إبنه رفض أبو عبد الله الصغير الإختيار ده .. أبو الحسن وافق لإن سنه وقتها كان كبر فعلاً ومبقاش قادر على جهاد الإسبان أو حتى الوقوف أمام إبنه أما أبو عبد الله الصغير فكان شايف فى نفسه الأحقية لحكم المملكة وإنه الوريث الشرعى والإمتداد الطبيعى لتداول السلطة ..
الأحداث لسه كتير .. والأندلس بيعيش أيامه الأخيرة للأسف ..
ـــــ