قصة قصيرة من الصين 

قصة قصيرة من الصين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الصين سنة 1911 كان بيحكمها نظام إمبراطورى من 2000 سنة و أخر حكامها كانوا من سلالة إسمها تشينج .. الإمبراطورة ( تسى شى ) ماتت سنة 1908 و قبل ما تموت إختارت ولى عهد ليها إسمه ( بو يى ) كان طفل عنده أقل من 3 سنين وقت الوفاة .. طبعاً على الورق كان هو الإمبراطور لكن فعلياً كان فى إمبراطورة إسمها ( يهينارا جينج فين ) كانت وصية على العرش لحد ما الطفل ( بو يى ) يكبر ..
 
الإمبراطورية كانت بتحتضر .. أسرة حاكمة مستولية على خير البلد و معزولة تماماً عن الشعب اللى تخطى عدده 500 مليون نسمه .. وزراء فاسدين و بيقبلوا رشاوى عشان يقنعوا الإمبراطورة بتمرير قرارات مصيرية .. و أمراء حرب كل واحد فيهم بيحكم حتة من الصين و مجمع حواليه جيش بيصرف عليه من إيرادات الإقطاعيات اللى تحت إيده و باقى الشعب فعلياً كان مش لاقى ياكل ..
 
ـــــ
 
وسط الجو الفاسد ده ظهر سياسى معارض إسمه ( صن ياتسن ) حاول يغير الواقع المزرى ده لكن طبعاً مقدرش لوحده و تم نفيه خارج الصين .. لف الراجل لفة حلوة من أمريكا لأوروبا لليابان و بدأ يروج لقضية الحرية و إنهاء الحكم الإمبراطورى و إنشاء الجمهورية و بدأ كمان يجمع تبرعات من الصينيين المغتربين فى الخارج و يمول بيها إنتفاضات فى الداخل الصينى ضد النظام الإمبراطورى و للأمانة الراجل فشل أكتر من مرة و الإنتفاضات مكانتش بتحقق أى نجاح ..
 
النظام الإمبراطورى مع كثرة الفساد المستشرى فيه بدأ يحس بأزمة مالية .. فلوس البلد بتروح فين ؟ .. بتتوزع زى ما قلتلكم فى أول فقرة على البلاط الإمبراطورى و الحاشية و الوزراء و أمراء الحرب و جنودهم .. يعنى الضرر اللى كان بيمس الفقراء بس بدأ يوصل بالتدريج للطبقة العليا .. البلد مفيهاش فلوس و الشعب لو نفضته مش هتطلع منه أكتر من اللى بتاخده فى صورة ضرايب و إتاوات .. من هنا بدأت الإنتفاضات تحقق شوية آثار مش بطالة .. ليه ؟ .. لإن النظام الحاكم مبقاش لاقى فلوس كفاية يصرف بيها على الأمن العام للدولة سواء أمنه الشخصى أو حتى أمن المقاطعات المترامية الأطراف .. هنا بدأ الإجهاد و العجز يصيب النظام .. يقوم يعمل إيه ؟ .. بالظبط كده .. يقترض من الخارج ..
 
أربع دول حبت تستفيد من الوضع ده و عرضت تمد يد المساعدة للسلطة فى الصين .. قرض ب 600 مليون جنيه إسترلينى .. بريطانيا و ألمانيا و فرنسا و الولايات المتحدة .. على الورق القرض كان موجه لتطوير البنية التحتية فى الصين و مد خطوط السكك الحديدية و لكن فى الواقع القرض كان موجه لشراء أسلحة و دفع رواتب الجنود لقمع الإنتفاضات المتتالية اللى كان بيمولها ( صن ياتسن ) .. القروض مكانتش بدون مقابل طبعاً .. الصين هتاخد ال 600 مليون إسترلينى و فى المقابل هتتخلى عن سيادتها عن بعض أراضيها و ممتلكاتها لصالح الدول دى .. شاندونج للإمبراطورية الألمانية .. هونج كونج للإمبراطورية البريطانية .. أما السكك الحديدية فهيستفيد منها الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا .. فى فيلم صينى ضعيف فنياً إسمه ( ثورة 1911 ) تم إنتاجه عام 2011 بمناسبة مرور 100 سنة على الثورة و قام ببطولته جاكى شان بيحكى قصة الموضوع ده و إزاى قدر ( صن ياتسن ) إنه يقنع مسئولى البنوك الأوروبية على رفض تمويل النظام الإمبراطورى فى حفلة غذاء قال يعنى عشان الفلوس دى هتساهم فى إطالة عمر النظام و هتبقى ضد ثورات الحرية و كده .. يا سلام .. شوف إزاى يا أخى .. أوروبا و أمريكا إتخلوا عن مطامعهم فى الصين عشان ( صن ياتسن ) الجامد قالهم متديلهومش فلوش عشان هما وحشين و إحنا حلوين ..
 
ـــــ
 
الحقيقة إن الدول الأربعة فعلاً مصرفوش القرض للنظام الإمبراطورى و بالفعل النظام سقط و تم إقامة الجمهورية و لكن مش عشان ( صن ياتسن ) أقنعهم إن ده تصرف وحش و كده .. الموضوع تم فى إطار صفقة إن المصالح الأجنبية فى الصين هتستمر و لكن مع النظام الجديد .. يعنى إنتوا تساعدونا نوصل لكرسى الحكم و عنينا ليكوا و مش هنختلف .. و للأمانة برضه عشان منظلمش ( صن ياتسن ) و نقول إنه خاين للقضية و كده فالتواجد الأجنبى فى الصين موجود من قبل كده بكتير و إتأكد وجوده أكتر بعد 1901 بعد إنتهاء ثورة الملاكمين و دى ثورة قام بيها بالأساس لاعبى الفنون القتالية التقليدية زى ” الكونج فو ” و ” الوو شو ” و عشان كده تم تسميتها بالإسم العجيب ده .. الإنتفاضة دى كانت ضد الوجود الأجنبى و حملات التبشير المسيحى و قتلوا فيها عشرات الآلاف من الأجانب و الصينيين المسيحين بإعتبارهم سبب حضور الأجانب للصين ..
 
المهم الإنتفاضة إنتهت بتحالف 8 دول و تدخلهم عسكرياً فى الصين حفاظاً على أرواح مواطنيهم و أجبروا النظام الإمبراطورى على تعويض الضحايا و كمان أجبروهم على وجود قوات أجنبية على أرض الصين و تمركزهم فى نقاط معينة بطول خط سكة حديد بيربط بين بكين العاصمة و تيانجين و مش كده و بس .. الإتفاق إداهم الحق إنهم يعملوا تدريبات و مناورات عسكرية على أرض الصين .. يعنى من الأخر الأرض دى بتاعتنا و نعمل فيها اللى إحنا عاوزينه و محدش يقدر يفتح بقه .. فلما نقول إن ( ياتسن ) عمل صفقة فهو مش خاين لكنه كان بيحاول إزاحة نظام فاسد طبقاً لما هو متاح قصاده من أوراق تفاوض فى الوقت ده ..
 
عشان مطولش عليكم .. المقصود إن السياسة و الإقتصاد وجهان لعملة واحدة و إن السياسة هى فن الممكن و إن سياسة لوحدها بدون إقتصاد ممكن يوقع دول و أنظمة حاكمة .. نظام حكم لمدة 2000 سنة وقع لمجرد إنه ملقاش تمويل يسنده فى وقت زنقة ..
 
ـــــ