قصة أبو العاص بن الربيع وزينب بنت محمد ﷺ

قصة أبو العاص بن الربيع وزينب بنت محمد ﷺ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدأت قصتنا عندما فاتحت السيدة هالة بنت خويلد شقيقتها خديجة بنت خويلد فى أمر زواج إبنتها زينب من إبنها أبو العاص لَقِيطُ بن الربيع والتى بدورها فاتحت النبى ﷺ فوافق على طلبها بعد أن رأى منها قبولاً وبالفعل تم الزواج ورزقهم الله بأمامة وعلى وسارت حياتهما على أكمل ما يكون حتى أتى أمر الله ونزل الوحى على رسول الله ﷺ فتبعته السيدة زينب بينما رفض أبو العاص الإسلام واستمر على شركه ..
مع الوقت بدأت حرب قريش على رسول الله ﷺ تطال أقرب الناس إليه فبدأ الأمر بعمه أبو لهب الذى قال :
( إنكم قد فرغتم محمداً من همه .. فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن )
فأجبر أبناؤه عتبة وعتيبة على فسخ خطبتهما من أم كلثوم ورقية بنات النبى ﷺ وجاء الدور على أبو العاص بن الربيع فرغبوه فى تطليق زينب ووعدوه بتزويجه أى نساء قريش يرغب ولكنه رفض وقال لهم :
( لا والله لا أفارق صاحبتى وما أحب أن لى بامرأتى إمرأة من قريش )
واستمر الزوجان معاً وكل منهما على دينه حيث أن آيات التفريق بين المسلمين والكافرين لم تكن قد نزلت على النبى ﷺ بعد ..
ــــــ
مع إشتداد بطش قريش بالمسلمين أذن الله للمؤمنين بالهجرة فهاجر كثيرين إلا أن زينب بقيت مع زوجها حتى قررت قريش المسير إلى بدر فخرج بينهم أبو العاص ولكنه لم يعد لأنه وقع فى الأسر وبدأت قريش فى إرسال الفداء لتحرير أسراها فأرادت السيدة زينب رضى الله عنها أن تفتديه فبعثت قلادتها التى كانت أهدتها إياها والدتها السيدة خديجة يوم زواجها فلما رأى النبى ﷺ القلادة رق لها وقال :
( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذى لها فافعلوا )
فقال الصحابة :
( نعم يا رسول الله )
فأطلقوه وردوا معه القلادة وكان رسول الله ﷺ قد أخذ منه وعداً بإطلاق ابنته زينب لأن الله قد أمر بالتفريق بين المسلمين والكافرين فوعده أبو العاص بذلك ..
ـــــ
بعد عودته إلى مكة أخبر أبو العاص زوجته بما حدث وطلب منها أن تلحق بأبيها ولكنه من شدة حبه لها وعلمه بعدم قدرته على وداعها طلب من أخيه كنانة بن الربيع أن يرافقها حتى يسلمها إلى زيد بن حارثة الذى بدوره سيوصلها إلى رسول الله ﷺ فخرج بها كنانة فى وضح النهار فعلمت صناديد قريش بخروجهم وعلى الفور أمروا فرسانهم بتتبعهم فلحقوهم فى منطقة تسمى ( ذى طوى ) وبدأوا فى ترويع السيدة زينب فى هودجها فرفع كنانة قوسه وبدأ فى رميهم بالأسهم وهو يقول :
( والله لا يدنو أحد إلا وضعت فيه سهماً )
فناداه أبو سفيان :
( أيها الرجل .. كف عنا نِبَلَك حتى نكلمك )
فلما كف عنهم إقترب منه أبو سفيان وقال :
( إنك لم تُصب .. خرجت بالمرأة على رءوس الرجال علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد – يعنى هزيمتهم فى بدر – فيظن الناس إذا خرج بابنته علانية من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا ونكبتنا التى كانت .. وأن ذلك منا ضعف ووهن .. ولعمرى ما لنا حاجة فى حبسها عن أبيها ولكن أرجع المرأة فإذا هدأ الصوت وتحدث الناس أنا قد رددناها فسلها سراً وألحقها بأبيها )
فقبل منه كنانة وعاد بها وبعد عدة ليال خرج بها فسلمها إلى زيد ورجل من الأنصار فقدما بها إلى النبى ﷺ ..
ـــــ
استمر فراق الزوجين ست سنوات كاملة .. ست سنوات والسيدة زينب ترفض كل عروض الزواج التى قُدمت إليها أملاً وطمعاً فى إسلام زوجها ووالد أطفالها .. ست سنوات تخللها الكثير من الدعاء الصادق لأبى العاص بالهداية حتى استجاب الله عز وجل وهيأ الظروف لإسلامه ..
أبو العاص كان تاجراً ماهراً وكان مؤتمناً لدى الناس فكان يتاجر بأموالهم مع أمواله وفى إحدى رحلاته وأثناء عودة قافلته من الشام إعترضته إحدى سرايا النبى ﷺ فاستولوا على القافلة وأسروا من فيها إلا أن أبو العاص تمكن من الهرب منهم وظل مختبئاً حتى حل الليل فدخل إلى المدينة متخفياً يقصد بيت السيدة زينب ليستجير بها فرحبت به وانتظرت خروج رسول الله ﷺ وصحابته إلى صلاة الفجر وما أن بدأوا صلاتهم حتى نادتهم قائلة :
( أيها الناس .. إنى قد أجرت أبا العاص بن الربيع )
فلما سلم رسول الله ﷺ من صلاته أقبل على الناس فقال :
( أيها الناس .. هل سمعتم ما سمعت ؟ )
قالوا :
( نعم )
قال :
( أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم .. إنه يجير على المسلمين أدناهم )
ثم انصرف رسول الله ﷺ فدخل على ابنته زينب وقال لها :
( أى بنية .. أكرمى مثواه .. ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له )
ثم أرسل ﷺ إلى السرية التى أصابت مال أبو العاص وقال لهم :
( إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالاً .. فإن تحسنوا تردوا عليه الذى له فإنا نحب ذلك .. وإن أبيتم ذلك فهو فيء الله الذى أفاءه عليكم فأنتم أحق به )
قالوا :
( بل نرده عليه يا رسول الله )
فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتى بالحبل ويأتى الرجل بالشنة ( آداة لتخزين التمر ) والإداوة ( قربة الماء ) حتى إن أحدهم ليأتى بالشظاظ ( حبل صغير لربط الأكياس ) حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً فعاد بها إلى مكة وهناك أدى لكل ذى حقٍ حقه ثم وقف بينهم وقال لهم :
( يا معشر قريش .. هل بقى لأحد منكم عندى مال لم يأخذه ؟ )
قالوا :
( لا .. فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفياً كريماً )
فقال لهم :
( فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وما منعنى من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أنى إنما أردت آخذ أموالكم .. فلما أداها الله عز وجل إليكم وفرغت منها أسلمت )
ثم خرج عائداً إلى رسول الله ﷺ فأكرمه ورد إليه زوجته بعد فراق طويل وكان يثنى على أبى العاص فى مصاهرته خيراً فيقول :
( حدثنى فصدقنى ووعدنى فوفى لى )
ـــــ