فنزويلا .. عندما يقتل الفساد وطناً ( جـ 3 )

فنزويلا .. عندما يقتل الفساد وطناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثالث :
ــــــــــــــــــــــ
فى نهاية عام 1993 وصل الإقتصاد الفنزويلى إلى قاع جديد و السبب ‏الرئيسى فى هذا أن سعر برميل النفط وصل إلى 24.57 دولار و هذا يعنى ‏أن الحكومة لن تجد موارد مالية للإنفاق على الدولة .. كان وارداً أن تتجاوز ‏الدولة محنتها لو ارتفع معدل الأسعار و لكن لتكتمل المأساه إنخفض سعر برميل النفط بعد خمس ‏سنوات إلى 17.30 دولار .. تلك كانت ضربة ‏قاصمة .. معدلات فقر متنامية .. فساد إدارى متغلغل داخل القطاع ‏الحكومى .. و حكومة عاجزة لا تستطيع فرض القانون بشكل كامل .. وسط ‏كل تلك الفوضى كان هوجو تشافيز يعمل على الأرض ..
ـــــ
فى البداية رفض تشافيز المشاركة فى الإنتخابات ظناً منه أنها لعبة يتحكم ‏بها الحزبين الأكبر فى البلاد #الحزب_الإجتماعى_المسيحى و ‏‏#حزب_العمل_الديموقراطى و هما ضلعى إتفاق #بونتو_فيجو و المسيطرين ‏على الحياة السياسية على مدار الأربعون عاماً السابقة .. على مدار عام ‏كامل ظلت الحركة الثورية البوليفارية منقسمة حول المشاركة فى ‏الإنتخابات .. فى المؤتمر الوطنى السنوى للحركة اجتمع مكتبها التنفيذى ‏لمدة 17 ساعة متواصلة قبل أن يصلوا إلى قرار ترشيح تشافيز .. بالطبع ‏كان هناك خطوات كثيرة يجب تحقيقها قبل الترشح رسمياً أولها تغيير إسم ‏الحركة ليكون #حركة_الجمهورية_الخامسة لأن النظام الإنتخابى كان يحظر ‏على الأحزاب المشاركة إستخدام إسم #سيمون_بوليفار ..
على الفور أنشأت الحركة فرقاً مكونة من علماء نفس و علماء إجتماع و ‏أساتذة جامعات و طلاب و متطوعين لإجراء إستطلاع رأى فى كافة أنحاء ‏البلاد و كانت النتيجة إيجابية جداً .. 70 % من العينة المستهدفة أيدوا ‏ترشح تشافيز للرئاسة و 57 % منهم قالوا أنهم سيشاركون فى الإنتخابات ‏و سيعطونه أصواتهم إذا ما قرر خوضها .. و بينما كان تشافيز يعمل على ‏الأرض فعلياً كانت إستطلاعات رأى المنافسين مختلفة تماماً .. تشافيز لم ‏يحصل سوى على 8 % فقط فى سباق الرئاسة ..
ـــــ
الإنتخابات كانت نزيهة بحق .. لأول مرة يتم إستخدام نظام التصويت الآلى .. ‏أشرف على الإنتخابات مجلس إنتخابى لا يتبع أى أحزاب .. حتى الموظفين ‏القائمين على الإنتخابات تم اختيارهم عن طريق يانصيب و لم يكونوا تابعين ‏لحزب أو جهة معينة .. و أخيراً تم دعوة المؤسسات الدولية لمراقبة ‏الإنتخابات .. إجتهد الجميع لإظهار الإنتخابات فى أنزه صورة ممكنة ..
على مدار عام 1998 بدأت نتائج إجتهاد تشافيز و حزبه فى الظهور .. بعد أن ‏كانت #ايرين_سايز ملكة جمال العالم عام 1981 و عمدة مدينة كاراكاس ‏هى صاحبة أوفر الحظوظ اتضح أن تلك ‏الشعبية فى إنخفاض مستمر .. شعبيتها إنخفضت من 70 % إلى 15 % ‏فقط خلال ستة أشهر خاصة بعد قبولها دعم الحزب الديموقراطى المسيحى .. أيضاً حاول رئيس حزب العمل الديموقراطى السابق #كلاوديو_فيرمين ‏إستغلال الوضع فكانت نسبة شعبيته فى حدود 35 % و لكنها و خلال أربعة ‏أشهر فقط إنخفضت إلى 6 % .. تفتت الأصوات و ذهبت إلى إثنين من ‏المرشحين هما #إنريكى_سالاس_رومر عمدة ولاية كارابوبو و رئيس حزب ‏مشروع فنزويلا و الأخر هو الضابط السابق #هوجو_تشافيز صاحب أخر ‏محاولة إنقلاب حدثت فى البلاد ..
تشافيز عرف من أين تؤكل الكتف .. بعد الدراسات الميدانية التى قام بها ‏حزبه تيقن أن الشعب يرفض الطغمة الحاكمة منذ أربعون عام .. هم ‏المتسببين فى الفقر و الفساد الإدارى الذى تغرق فيه البلاد .. حدد أهداف ‏حملته طبقاً لما رآه من الناس .. القضاء على الفقر .. القضاء على الفساد ‏‏.. إلغاء إتفاق بونتو فيجو الذى سمح للحزبين الكبيرين بالإستئثار بالسلطة ‏‏.. ثلاثة أهداف نجحت جميعها فى الوصول إلى قلوب الناس .. تشافيز إلى ‏القصر الرئاسى بنسبة فوز 56.2 % و بالفوز فى 17 ولاية من أصل 23 ..
الثورة البوليفارية نجحت أخيراً فى الوصول إلى السلطة ..
ـــــ
فى 2 فبرابر 1999 و أثناء حفل تنصيب تشافيز رسمياً كان من المفترض أن ‏يقول النص الرسمى للقسم الجمهورى إلا أن الرجل فاجأ الجميع و غير ‏كثيراً فى ألفاظه حيث قال :
‏( أقسم أمام الله و شعبى أننى و بناءاً على هذا الدستور ” المحتضر ” ‏سأقود التحولات الديموقراطية الضرورية لتأسيس الدولة .. الجمهورية ‏الجديدة سيكون لها #ماجنا_كارتا‏ تليق بها و ‏تليق بزماننا الحالى )
 
” ماجنا كارتا هى الوثيقة العظمى ‏للحريات و قد تم صياغتها فى إنجلترا فى القرن الثالث عشر ‏”
الرجل توعد الجميع بتغييرات جذرية على المستوى السياسى إلا أن أحداً ‏لم يتخيل ما سيفعله لاحقاً ..
ـــــ
لو نظرنا إلى هوجو تشافيز و سيرته فيمكننا تقسيمها إلى عدة مراحل و ‏هى فترته الثورية الشيوعية .. ثم فترته الرئاسية الأولى .. ثم فترته ‏الرئاسية الثانية و حتى وفاته .. فى فترته الثورية كان الرجل لا يطمح إلى ‏السلطة بشكل شخصى و إنما رغب فى تحقيق العدالة الإجتماعية ‏للشعب الفنزويلى الفقير .. فى فترته الرئاسية الأولى سنجد أن الرجل أقر ‏العديد من البرامج التنموية .. ‏‎#Plan_Planívar‏ أو خطة تخطيط الشوارع ‏خصص لها 21 مليون دولار و 70 ألف جندى لإصلاح الطرق و تأسيس ‏المستشفيات و تنمية المناطق الريفية و تقديم الرعاية الطبية المجانية و ‏التطعيمات و بيع المواد الغذائية بأسعار منخفضة .. لمحة إشتراكية واضحة ‏إلا أنه و بالرغم منها كان دائماً ما يشجع الإستثمار الأجنبى على القدوم ‏إلى فنزويلا و طبق العديد من توجيهات صندوق النقد الدولى كنوع من ‏الوسطية بين الرأسمالية و الإشتراكية ..
لم يكتفى تشافيز بالعمل على الأرض و إنما أراد إيصال صوته إلى الشعب عبر كل ‏الوسائل المتاحة .. أسس صحيفتين .. أطلق برنامجين أحدهما إذاعى و ‏الأخر تلفزيونى .. خرج على الناس ليناقشهم فى مشاكلهم و عرفهم ‏حقيقة الوضع الإقتصادى و المدى الزمنى الممكن لحلها .. و على الرغم ‏من كل تلك الإيجابيات فى فترته الأولى إلا أن ديكتاتورية تشافيز بدأت ‏بوادرها فى الظهور أثنائها ..
تشافيز هو أول من سمح للجيش بالدخول فى مجالات الخدمة العامة .. ‏فى البداية كان تدخله طفيفاً إلا أنه مع الوقت أسس كثيراً من الجنرالات ‏شركات تجارية و استولوا على جزء كبير من الصناعة و التجارة المحلية ‏حتى انهارت تماماً و قد كانت شبه منهارة من الأساس و السبب أن هؤلاء ‏الجنرالات لم يكونوا متخصصين فى تلك الأعمال و تعاملوا معها على أنها ‏مصدر للربح لا أساس للإستثمار .. لم يكتفى بهذا و إنما قام بإنشاء حكومة ‏موازية كل أفرادها من العسكريين الموالين و أسند لها مهام من المفترض ‏أن تقوم بها الحكومة المدنية .. عين كثيراً من المقربين منه فى مناصب ‏مدنية حساسة .. صار عادياً أن يكون العسكريين من حركة الثورة البوليفارية ‏محافظين لولايات أو مديرين لشركات كبرى ..
ـــــ
ديكتاتورية تشافيز ترسخت دعائمها فى إبريل 1999 عندما أجرى إستفتاء ‏على صياغة دستور جديد للبلاد .. لم يقف الأمر عند هذا الحد و إنما استمر ‏لدعوته لإنتخابات جديدة للجمعية الدستورية التى ستقوم بصياغة الدستور ‏الجديد .. نجح فى الإستفتائين نجاحاً باهراً .. فى إستفتاء الدستور حصل ‏على موافقة 88 % من الشعب و فى إنتخابات الجمعية الدستورية نجح 95 ‏‏% من أنصاره .. لم تكن النتائج مزورة .. تشافيز نجح بنزاهة فعلاً .. الفقراء ‏من الشعب الفنزويلى كانوا يؤمنون بالرجل إيماناً كاملاً ..
بعد شهر من انتخابها قامت الجمعية الدستورية بالتصويت على منح نفسها ‏سلطات شبه كاملة على الدولة .. صار من حقهم إلغاء المؤسسات ‏الحكومية .. إقالة المسئولين الفاسدين من وجهة نظرهم .. إصلاح النظام ‏القضائى .. بإختصار صار أعضائها هم المتحكمين الفعليين فى مفاصل ‏الدولة و بما أن غالبية أعضاء الجمعية من أنصار تشافيز فقد كان تشافيز ‏يملك كل الصلاحيات اللازمة لإطلاق ثورته البوليفارية الخامدة ..
جمعية دستورية مؤيدة للرئيس ستضع دستوراً يعجب الرئيس .. ذلك أمر ‏واضح بلا شك .. فى ديسمبر 1999 تم الإستفتاء على الدستور و وافق ‏عليه 72 % من جملة المصوتين .. تم مد فترة الرئاسة إلى ست سنوات .. ‏تم السماح لتشافيز بالترشح لفترتين متتاليتين .. تم ضم مجلسى ‏الكونجرس فى مجلس تشريعى واحد تتبع أغلبيته لتشافيز .. أعطى ‏لنفسه الحق فى تشريع قوانين تمس حياة المواطنين .. تم إعطاء القوات ‏المسلحة الفنزويلية الحق فى حفظ النظام العام و المساعدة فى عملية ‏التنمية الوطنية بعد أن كان محظوراً عليها ذلك فى الدستور السابق له .. و ‏أخيراً تم تغيير إسم الدولة من جمهورية فنزويلا إلى جمهورية فنزويلا ‏البوليفارية ..
ـــــ
أعيد إنتخاب تشافيز طبقاً للدستور الجديد و بدأ مع إنتخابه عهد الإشتراكية ‏الصريحة .. ألقى بنفسه و بلده فى أحضان كوبا .. كان يصدر إليهم النفط ‏بأسعار متدنية لأقصى درجة مقابل أن تبعث كوبا إليهم عدة آلاف من الأطباء ‏و المدرسين .. أمم كثيراً من شركات النفط الأجنبية و دمجها فى كيان ‏جديد هو شركة النفط الفنزويلية ‏PDVSA‏ .. ألغى كثيراً من الإتفاقات مع ‏الشركات الأجنبية و أعيد صياغة بعضها بحيث يكون لشركة النفط الحكومية ‏‏51 % من رأس المال .. عندها اتضح تماماً ما كان يخفيه تشافيز .. الرجل ‏إشتراكياً حتى النخاع و ما كانت بدايته الوسطية إلا قناعاً يخفى خلفه ما ‏يريد تحقيقه على أرض الواقع ..
ـــــ
فى الوقت الذى خشى فيه البرجوازيين على أموالهم و أعمالهم كانت البروليتاريا الكادحة فى صف تشافيز .. و رغم سطوة رأس المال إلا أن ‏مجتمع البرجوازيين لم يجد سبيلاً للقضاء على تشافيز الذى أحكم قبضته ‏على قطاع كبير من الجيش .. لم يكن أمامهم إلا الإنتظار حتى يتذمر الناس ‏من سياسته .. حدث هذا عام 2001 و للمصادفة حدث لأسباب غير ‏سياسية أو إقتصادية .. حملة جديدة من تشافيز لتغيير المناهج الدراسية ‏لترسيخ فكرة الثورة البوليفارية فى عقول الجيل الجديد .. رفض الآباء من ‏الطبقة الوسطى و الغنية تلك التعديلات و نزلوا غاضبين إلى الشوارع .. ‏بالطبع ثارت ثورة الرجل و وصف المتظاهرين بالأنانية إلا أنه تراجع فى النهاية ‏عن تلك التعديلات ..
استغلت المعارضة الحدث و أسست منظمة إجتماعية أسموها ‏‏#التنسيقية_الديموقراطية_للعمل_المدنى ضمت الإتحاد الفنزويلى لغرف ‏التجارة و الأحزاب السياسية المعارضة و كثير من نقابات العمال و عدداً لا ‏بأس به من وسائل الإعلام .. و اختاروا على رأس تلك المنظمة رجلاً يدعى ‏‏#بيدرو_كارمونا كان يشغل منصب رئيس الاتحاد الفنزويلى لغرف التجارة .. ‏و على الفور بدأت المنظمة فى مواجهة تشافيز بأفعاله .. صداقته مع فيدل ‏كاسترو .. تحويل الدولة إلى ديكتاتورية .. تركيز السلطات فى يده و يد ‏جمعيته التأسيسية .. إغداقه الأموال على العسكريين من حركته الثورية .. ‏إستيلاء الجيش على كثير من النشاطات التجارية .. إقالته لخبراء النفط فى ‏شركة النفط الوطنية و تعيين الموالين له بدلاً منهم مما أضر بالشركة ‏الوطنية الرئيسية فى البلاد .. كل تلك الإتهامات كانت كفيلة بإشعال ‏الشارع ضد تشافيز .. الآن حان الوقت لتنفيذ مخططهم السرى .. الآن حان ‏وقت الإنقلاب على تشافيز و ثورته المزعومة ..
القادم يبدو أصعب يا هوجو ..
ـــــ
فى الصورة :
ــــــــــــــــــــ
الرئيس الفنزويلى المنتخب هوجو تشافيز ( يساراً ) يؤدى اليمين أمام ‏رئيس الكونجرس لويس ألفونسو دافيلا ( يميناً ) فى 2 فبراير 1999 بينما فى المنتصف يقف الرئيس المنتهية ولايته رافاييل كالديرا ..
ــــــ‎
‏ ‏‎
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
‏ ‏‎
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
‏ ‏‎
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ