فنزويلا .. عندما يقتل الفساد وطناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الخامس و الأخير :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد وفاة تشافيز دخلت فنزويلا مرحلة الرئيس #نيكولاس_مادورو و كونه إمتداداً للراحل تشافيز فقد إستمر على نفس نهجه فى إدارة البلاد .. شعارات رنانة .. برامج حمائية للشعب .. إلقاء اللعنات على الإمبريالية الأمريكية و الرأسمالية المتوحشة التى تنهش أجساد الشعوب الفقيرة .. الرجل كان وفياً لأبعد حد لثورة تشافيز البوليفارية و لكنه بالرغم من هذا لم يصل إلى ما وصل إليه سابقه .. تشافيز كان يملك قبولاً عاماً .. كاريزما لا تخطئها عين .. كون أصوله ترجع إلى أسرة فقيرة جعله بطلاً شعبياً فى أعين الشعب .. مادورو لم يكن كذلك ..
ـــــ
ما صعب من مهمة مادورو هو هبوط أسعار النفط حيث استلم قيادة البلاد و سعر برميل النفط 101.4 دولار .. بعد أقل من عامين هبط سعر البرميل إلى 50.79 دولار و بعد أقل من عام أخر وصل سعر البرميل إلى 35.77 دولار .. عندها اصطدمت طموحات الرجل و شعاراته الرنانة بإرث تشافيز الإشتراكى .. دولة لا تنتج إلا منتج واحد إنخفض سعره بنسبة 65 % خلال أقل من ثلاث سنوات .. تلك كارثة بلا شك .. حجم الإقتصاد الفنزويلى تقلص بنسبة 52 % خلال تلك السنوات الثلاث .. و النتيجة ؟
– إنخفض إيراد العملة الأجنبية للدولة فانهار #البوليفار عملة فنزويلا المحلية لمستويات قياسية اضطرت معها الحكومة لاستنزاف إحتياطيها الدولارى حتى وصل الإحتياطى إلى 12 مليار دولار فقط
– بالتوازى مع إنخفاض الإحتياطى وصل الدين الخارجى إلى رقم قياسى قرابة ال 150 مليار دولار فى 2018
– للحفاظ على الحد الأدنى من تدفق السيولة الأجنبية اضطرت الحكومة لبيع ما يقرب من 225 طن ذهب فى ثلاث سنوات حيث صنفت كأعلى دولة تبيع مخزونها الذهبى
– لم يتوقف الأمر عند إنخفاض الإيراد الدولارى و إنما امتد إلى الإيراد بالعملة المحلية أيضاً حيث انخفض معدل الضرائب و الجمارك بسبب إنخفاض عدد الشركات الصناعية و التجارية فى البلاد
– مع انهيار البوليفار اضطر الشعب لتجميد ثرواته فى صورة عقارات أو ذهب أو عملات أجنبية أو حتى عملات إفتراضية كالبيتكوين
– باستمرار إنخفاض أسعار النفط عجزت الدولة عن توفير الحاجات الأساسية للشعب من الغذاء و الدواء فارتفعت أسعارها بشكل جنونى و اضطر معها الشعب للنزوح نحو الجارة كولومبيا
– انتشرت الجريمة و ارتفع معدل القتل خارج إطار القانون و صارت المواجهات بين الشعب و الجيش و الشرطة أمام المتاجر الكبرى أمراً شائعاً
– ذلك الوضع المأساوى كانت تُنبىء به الأرقام إلا أن أحداً لم يتمكن من إيجاد حل .. التضخم فى عام 2014 كان تقريباً 140 % و فى 2015 وصل إلى 181 % و فى 2016 وصل إلى 700 % و فى 2017 وصل إلى 1600 % ثم 13000 % فى 2018 و دخل معها مرحلة التضخم المفرط – #Hyper_inflation حتى وصلت تقديرات الخبراء إلى مليون % بنهاية عام 2019
ـــــ
إذا ما نظرنا للأسباب السابقة نجدها أسباباً إقتصادية تكررت فى كثير من الدول حول العالم .. ألمانيا و زيمبابوى كنموذج صارخ للتضخم المفرط .. البرازيل و تشيلى و بيرو كنماذج إقليمية إقتربت كثيراً من تلك المرحلة .. إذاً لماذا اخترنا الفساد كسبب أساسى لما وصلت له البلاد حتى وضعناه عنواناً لهذه السلسلة ؟
كل شيء يبدأ من الإستبداد السياسى ..
ـــــ
منذ أن تم الإنقلاب على تشافيز عام 2001 و الرجل لم يعد يثق بأحد سوى فرقته العسكرية و أعضاء حزبه و لكى يوسع قاعدة مؤيديه قام بدمج الأحزاب اليسارية كلها فى حزب واحد هو #PSUV كما ذكرنا من قبل .. و عليه أعطى الضوء الأخضر للجيش للتحكم فى مفاصل الدولة بشكل أوسع .. بدأ الأمر بشكل بسيط و على نحو غير صريح .. بعض الرشاوى المدفوعة لبعض القيادات الصغرى و الوسطى فى الجيش لتمرير شحنات بضائع مهربة .. فساد فى التعيينات الحكومية .. إستئثار القيادات العليا بإدارة المشروعات الكبرى فى البلاد .. تضييق على إنشاء المشروعات الجديدة خاصة تلك التى تتعارض مع التى يديرها العسكريين .. ذلك الفساد الإدارى جعل فنزويلا تحتل المركز 178 و الأخير فى مؤشر الحرية الإقتصادية ..
ـــــ
تلك الأسباب تعتبر مكررة أيضاً فى دول كثيرة فلم انهارت فنزويلا بينما مازال الباقون مستمرون .. الإجابة هى فساد رأس الدولة نفسها ..
تشافيز لم يكن فاسداً من الناحية المالية – على الأقل هذا ما يظهر لنا – و لكنه كان ديكتاتوراً .. الفساد السياسى لا يقل أبداً عن الفساد الإقتصادى .. سجن المعارضين و إغلاق الأفق السياسى بشكل كبير أسباباً جوهرية .. كل من كان ضد الثورة البوليفارية هو عدو خائن للوطن و لكى يتمكن تشافيز من إحكام قبضته على البلاد و يستطيع مواجهة هؤلاء الخونة أعاد إحياء فرق الكوليكتيفوس – #Colectivos
كوليكتيفوس هى فرق عسكرية بلباس مدنى تستخدم الدراجات النارية كوسيلة تنقل مميزة لها و هى مدعومة من نظام الرئيس تشافيز للسيطرة على الشوارع فى حالة حدوث أى مظاهرات من المعارضة .. بهذا صارت جهاز حكومى و لكن فى صورة منظمة مجتمعية كما اعتاد أعضاؤها توصيف أنفسهم .. يرى أعضاؤها فى أنفسهم أنهم حماة الديموقراطية و أن أنشطتهم تمتد لمساعدة المحتاجين و إمداد المناطق الفقيرة بالمساعدات إلا أن الواقع يقول أنها كانت سيفاً مسلطاً على كل من يتجرأ و يعارض الرئيس تشافيز .. هاجموا الصحفيين و مخرجين التلفاز المعارضين .. اعتدوا على المعارضين السياسيين و قيدوا حرياتهم .. أطلقوا غازات مسيلة للدموع على مبعوث الفاتيكان عام 2009 بعد أن اتهم تشافيز الكنيسة الكاثوليكية بالتدخل فى شئون حكومته .. و إذا ما وضعنا فى الحسبان إمداد تلك الفرقة بأحدث الأسلحة و أن أعضائها هم أعضاء سابقين بالقوات المسلحة و المخابرات الفنزويلية و أنهم غير خاضعين للمسائلة القانونية تحت أى ظرف تتضح الصورة أكثر ..
هل كوليكتيفوس هى نهاية الأمر ؟
بالطبع لا .. فلازال هناك #Cartel_de_los_Soles
ـــــ
#كارتيل_الشموس .. كلمة كارتيل عادة تطلق على عصابات المخدرات الكبرى فى الدول اللاتينية أما هنا فالمقصود بكارتيل الشموس هو النظام الحاكم الفنزويلى نفسه ..
رغم أن تشافيز أعطى الفرصة للجيش بالتوغل فى الحياة الإقتصادية إلا أن ذلك الأمر كان له ضوابط و حدود .. نعم لك الحق فى الإستفادة المادية و أيضاً ضمان عدم المسائلة إلا أنه فى النهاية كان هناك نظام إنتخابى نزيه لا يضمن لتشافيز بقاؤه فى السلطة مدى الحياة لذا فكانت هناك بعض الضوابط التى تحكمت فى تصرفات قادة الجيش أما فى عهد مادورو فالأمر تغير كثيراً .. سيطر الجيش على كل شيء و أى شيء .. التعدين .. الدواء .. الغذاء .. بالطبع شركة النفط الوطنية PDVSA .. و أخيراً تجارة المخدرات .. كارتيل الشموس سمى هكذا نسبة إلى الشموس التى تصطف على أكتاف القادة العسكريين فى الحرس الثورى البوليفارى ..
ـــــ
على الرغم من أن مسمى كارتيل الشموس متداول منذ عام 1993 إلا أن شهرته الطاغية بدأت منذ العام 2004 .. الصحفى #ماورو_ماركانو ينشر تقريراً صحفياً يتهم فيه صراحة #أليكسيس_مانيرو رئيس الحرس الوطنى و مدير الإستخبارات العسكرية بأنه يتاجر فى المخدرات .. تمر فترة قصيرة قبل أن تجد الشرطة جثة الصحفى ماركانو فى موقف سيارات يقع فى حى #راؤول_ليونى .. أفاد شهود العيان أن رجلان على متن دراجة بخارية أمطروه بوابل من الرصاص فسقط قتيلاً فى الحال ..
هل ذكر أحدكم كلمة كوليكتيفوس ؟
ـــــ
التوسع فى الفساد بدأ منذ عهد تشافيز بالطبع .. ملايين الدولارات تعطى لرجال الجيش لإنفاقها على برامج إجتماعية فلا يتم إنفاقها بالكامل .. حصانة قانونية لفرق مكافحة المخدرات حفاظاً على ولائهم للنظام .. لكن الفساد فى عهد مادورو وصل إلى حدوده القصوى ..
فى سبتمبر 2013 تم إكتشاف واحدة من عمليات كارتيل الشموس عندما عثر على 31 حقيبة تحتوى على 1.3 طن من الكوكايين على متن إحدى طائرات الخطوط الجوية الفرنسية و بالطبع كانت تخص شخصيات دبلوماسية و عسكرية فنزويلية .. فى فبراير 2014 تم إيقاف قائد الحرس الوطنى فى مدينة فالنسيا الفنزويلية و تم إعتقاله بعد أن وجدوا فى سيارته 554 كيلوجرام من الكوكايين .. فى نوفمبر 2015 إعتقل أعضاء وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية #DEA إثنان من أقارب الرئيس نيكولاس مادورو ( إبن بالتبنى و إبن أخ ) أثناء محاولتهم إدخال 800 كيلوجرام من الكوكايين إلى الولايات المتحدة .. و أخيراً فى مايو الماضى وجهت واشنطن إتهامات مباشرة للرئيس مادورو و #ديوسدادو_كابيلو رئيس الحزب الحاكم و الرجل الثانى فى الدولة بكونهما يتاجران بالمخدرات و قضت بتجميد ممتلكات لهم فى الولايات المتحدة و معهم قائمة أبرز من فيها زوجة كابيلو و شقيقه و رجل أعمال من المقربين لمادورو ..
ـــــ
عندما يسيطر الفساد على مفاصل الدولة بهذا الشكل فيصعب على أى شخص صياغة واقعها المرير .. الفساد مستشرى فى جسد الدولة من رأسها إلى اخمص قدميها .. رئيس الدولة و نائبه متهمان بالإتجار بالمخدرات .. عصابات عسكرية مدعومة من الرئيس مباشرة لترويع المعارضين .. تضييق أمنى على أى متنفس سياسى .. إهمال فى تحديث البنية التحتية للمجال النفطى المصدر الأول للدخل فى الدولة يتسبب فى إنهيار الإنتاج المحلى من ثلاثة ملايين برميل يومياً إلى مليون و ربع برميل حالياً .. إهمال فى تنويع إقتصاد البلاد و عدم إعطاء الفرصة للقطاع الخاص و حصره فى مؤسسة واحدة لضمان ولائها للرئيس .. الإستمرار فى طباعة البوليفار بشكل جنونى حتى وصل سعر الدولار إلى 8 مليون بوليفار .. إنهيار سعرى أجبر مادورو على إستحداث عملة جديدة للدولة أطلق عليها إسم البوليفار السيادى أو #bolívar_soberano حيث يصبح البوليفار السيادى يساوى ألفاً من البوليفار القديم .. تغيير شكلى لن يقدم أو يؤخر بدون إجراءات فعلية على أرض الواقع ..
ـــــ
الدولة القابعة تحت وطأة الديون الخارجية بعد أن ارتمت فى أحضان الصين التى وجدتها فرصة للإستحواذ على بترول رخيص الثمن لن تستطيع الفكاك بسهولة من واقعها المزرى دون إصلاح سياسى حقيقى و تداول للسلطة بنزاهة و هو ما يدركه الشارع الفنزويلى و الذى يخرج فى مظاهرات متكررة رغبة منه فى إزاحة مادورو عن كرسى الرئاسة إلا أن السلاح الذى خزنه تشافيز يوماً لحمايته صار الآن يحمى مادورو و رجاله .. فى 2014 على سبيل المثال خرجت مظاهرات تحذر مادورو من الإستمرار فى سياسته إلا أنه قابلها بكل عنف رافضاً أى نصيحة قد توجه له و كان ضحية عنفه سقوط 43 قتيلاً و مئات المصابين و المعتقلين .. عناداً استمر إلى يومنا الحالى و ها هى نتائجه أطلت برأسها على الشعب المسكين .. شعباً فقد من وزنه 12 كيلوجرام فى المتوسط بسبب المجاعة .. فقر و مرض و نقص فى الأدوية و بنية تحتية إجتماعية و صناعية منهارة تماماً و العجيب أن هذا يحدث على أرض الدولة صاحبة أكبر إحتياطى للنفط فى العالم ..
متى تخرج فنزويلا من نفقها المظلم ؟
لا أحد يعلم تحديداً ..
ـــــ
فى الصورة :
ــــــــــــــــــــ
الرئيس نيكولاس مادورو يحمل مشروع العملة الجديدة ( البوليفار السيادى ) قبل إقرارها رسمياً ..
ــــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ