فتنة الأندلس – ج 2

قبل ما ندخل فى التفاصيل لازم نوضح خريطة القوى فى الأندلس عشان محدش يتلخبط .. القوى العسكرية فى الأندلس فى الوقت ده كانت متقسمة على 3 أطراف .. أولاً : الأمويين ودول بيمثلوا الأمراء أحفاد الأمويين الفاتحين ومؤيديهم من العرب .. ثانياً : البربر ودول كانوا القوة العسكرية الأكثر تنظيماً وقتها بحكم إنهم كانوا الذراع اليمنى للدولة العامرية .. ثالثاً : الفتيان الصقالبة ودول جنود مرتزقة أصولهم سلافية بالأساس وكانوا يعتبروا الذراع اليسرى للدولة العامرية ..

ـــــ

زى ما قلنا فى الجزء اللى فات الخلافة بعد ما وصلت لسليمان المستعين بالله خاف من سيطرة البربر على قرطبة مركز الخلافة فقرر توزيعهم على ولايات الثغور بحجة مكافئتهم لكنه الحقيقة إنه كان يقصد تشتيت قواتهم لضمان عدم إنقلابهم ضده .. القادة دول كان بينهم إتنين من نسل حكام دولة الأدارسة فى المغرب الإسلامى هما ( على بن حمود ) اللى تولى مدينة سبتة و ( القاسم بن حمود ) اللى تولى مدن الجزيرة الخضراء وطنجة ..

على الجهة الأخرى الفتيان الصقالبة كانوا موجودين فى قرطبة وقت خلافة ( هشام المؤيد بالله ) وكانوا بيعتبروه خليفتهم الشرعى خاصة بعد وفاة الحاجب المنصور فلما إنقلب عليه ( محمد المهدى بالله ) إستمروا فى قرطبة واستمر ولائهم لهشام وبسبب ولائهم ده إنتهز بعضهم الفرصة وقتلوا المهدى بهدف إرجاع هشام تانى للخلافة ولكن بعد إنتصار سليمان المستعين بالله وحلفاؤه البربر إضطروا يخرجوا من قرطبة ويلجأوا للولايات الشرقية اللى هما أصلاً كانوا مسيطرين عليها من أول الفتنة ..

الصقالبة دول كان ليهم قائد معروف إسمه ( خيران الصقلبى )

ـــــ

نرجع بقى لعلى بن حمود سليل دولة الأدارسة اللى تم إخضاعها على يد الحاجب المنصور .. راجل سليل ملوك وعنده إحساس دائم بإستحقاقيته للملك إمتداداً لشجرة عائلته وكان دايماً شايف إنه أحق بالملك من الأمراء الأمويين لكنه مكانش لاقى فرصة مناسبة لتحقيق رغبته .. مع الوقت وبسبب أحداث الفتنة شاف فى ضعف الدولة وإضطراب حكومتها فرصة ذهبية عشان يوصل لهدفه .. بص على الخريطة ملقاش قوة يقدر يستعين بيها فى خطته إلا الفتيان الصقالبة اللى هما أعداء البربر الرئيسيين فقام بمراسلة قائدهم خيران الصقلبى اللى كان متمركز فى ألميرية وعرض عليه خطته وبعتله رسالة إدعى إنها من الخليفة هشام المؤيد بالله فيها تعيين رسمى ليه كولى للعهد مع وعد بتنصيبه خليفة من بعده .. الرسالة لاقت قبول من الصقالبة ومن بعض ولاة الأقاليم الجنوبية وعليه طلب خيران من على بن حمود إنه ييجى الأندلس وعندها يتفقوا على كل حاجة ..

ـــــ

فى أواخر سنة 406 هجرياً عبر ( على بن حمود ) مضيق جبل طارق وإجتمع بأخوه القاسم فى الجزيرة الخضراء ومنها عدى على الأقاليم الجنوبية لحد ما اتقابل مع الصقالبة فى ملقا وهناك إنضم ليهم واحد من قادة البربر الصنهاجيين المعارضين لسليمان إسمه ( زاوى بن زيرى ) وده بالمناسبة يبقى إبن ( زيرى بن مناد ) أبو السلالة الزيرية اللى حكمت جزء كبير من المغرب العربى .. المهم إن كل دول جمعوا صفوفهم وبعد شهور قرروا يتحركوا ناحية قرطبة فخرجلهم سليمان المستعين بالله ومعاه حلفاؤه البربر وإتقابلوا فى معركة كبيرة إنتهت بهزيمة سليمان وأسره هو وأبوه وأخوه ..

فى أواخر محرم سنة 407 بيدخل على بن حمود قصر الخلافة وبيدور على هشام المؤيد بالله لكنه مش بيلاقيه .. بيجيب سليمان وبيسأله عنه فمبيلاقيش منه إجابة .. فى البداية ظن إنه مخبيه عشان يساوم على حياته لكن مع الوقت ظهر فعلاً إنه ميعرفش مكانه وعندها بيأمر على بن حمود بإعدام سليمان وأبوه وأخوه .. بعدها دعى الناس لتنصيبه خليفة على الأندلس لحين ظهور هشام المؤيد بالله لإنهم وقتها مكانوش متأكدين من وفاته بنسبة 100 % وبالفعل بيتم تنصيبه خليفة على البلاد ..

بمجرد ما تم تنصيب على بن حمود رسمياً بدأ فى عقاب البربر اللى كانوا فى صف سليمان وتتبعهم وقضى على كتير منهم .. ومش بس كده .. ده أى حد حاول يعارضه وقتها أو حتى ينصحه كان بيتم عقابه بالمثل حتى لو كان عربى أو صقلبى .. استبد بالحكم بشكل كبير جداً ومكانش له حد قريب منه إلا البربر الصنهاجيين بزعامة ( زاوى بن زيرى ) فى غرناطة وأهل قرطبة اللى كان بيعاملهم باللين والرحمة .. غير كده كله إتأذى منه جامد ..

ـــــ

خيران الصقلبى من البداية مكانش عاجبه اللى حصل .. الصقالبة ولائهم الوحيد كان للأمويين فقط وإستجابتهم لعلى بن حمود كان بسبب ظنهم إن هشام المؤيد بالله لسه عايش ولكن لما دخلوا قرطبة ولقوه مختفى وإنه غالباً مات سابوا قرطبة ورجعوا تانى لشرق الأندلس وهناك إختاروا أمير أموى تانى إسمه ( عبد الرحمن بن محمد ) وبايعوه كخليفة ولقبوه بالمرتضى ..

وكالعادة .. بدأوا فى تجميع قواتهم فاستجاب ليهم والى سرقسطة وكل ولاة المشرق الأندلسى وقالوا نتحرك على قرطبة لكنهم عدلوا خطتهم لإنهم عرفوا إن ( على بن حمود ) إتقتل على يد ثلاثة من الخدم الصقالبة اللى كانوا عايشين فى قرطبة .. قتلوه فى الحمام يوم 2 ذى القعدة سنة 408 هجرياً إنتقاماً منه بسبب أفعاله .. أول ما خبر الوفاة وصل لأخوه القاسم قام رايح على قرطبة ونقل جثمان أخوه على سبتة وتم مبايعته على الخلافة بعد 6 أيام بس من قتل أخوه ..

الصقالبة شافوا إن الخطر الأكبر مش فى قرطبة نفسها ولكن فى البربر الصنهاجيين فى غرناطة وإنهم لو هزموهم فالقاسم بن حمود مش هيلاقى أى حليف يقدر ينقذه .. وبالفعل بيتحركوا على غرناطة فى أوائل سنة 409 هجرياً وهناك بيتواجهوا فى معركة كبيرة جداً إستمرت لأيام إنتهت بهزيمة الصقالبة ومقتل المرتضى وبإنتهاءها بيرجع القاسم على قرطبة وبيعيد ترتيب أمور الأندلس من جديد ..

ـــــ

القاسم بن حمود حاول يستخدم سياسة مختلفة غير السياسة اللى إتبعها أخوه وعشان كده قرر إنه يهدى الجو شوية لإن البلد وقتها كانت ملتهبة جداً وتركيبة القوى فيها إتغيرت كتير عن الأول .. العرب وقتها كانوا ضعفوا جداً والأمراء الأمويين مبقاش عندهم القدرة على الطمع فى الرجوع للسلطة .. البربر الصنهاجيين إختلت أمورهم نسبياً لإن قائدهم ( زاوى بن زيرى ) قرر الإعتزال وساب الأندلس كله وراح على تونس بعد ما حس إن البلاد دى بلاد حرب وإنها لا يمكن تستقر لحد لفترة طويلة .. الصقالبة كانوا قوة لا يستهان بيها حتى مع هزيمتهم لإنهم حاكمين الشرق كله وحلفاؤهم فى سرقسطة على تماس مع الممالك المسيحية وفى حالة الضغط عليهم ممكن يحصل تحالف بينهم وبكده البلد تنهار أكتر ما هى منهارة ..

بسبب العوامل دى حاول القاسم إنه يغير فى تركيبة القوى العسكرية فبعت لخيران الصقلبى يستميله ويوعده بالمناصب لكنه رفض الإنصياع ليه فوجه نظره لواحد من نوابه إسمه ( زهير الصقلبى ) وولاه ولاية جيان وأداله قلعة رباح ودى مناطق كانت قوية وغنية وقتها .. بكده هو إن مكسبش ولاء الصقالبة فعلى الأقل ضمن تحييدهم وعدم إتفاق كلمتهم ضده .. الخطوة التانية إنه بدأ فى جلب الجنود السودان وتوسع فى الإعتماد عليهم عشان يستقوى بيهم ضد أى حركة غدر من البربر اللى كانوا حاسين إنهم الأقوى على الساحة وقتها .. الخطوة الثالثة إنه حاول يكسب دعم أهل قرطبة ويغير فكرتهم عن ولائهم الدائم للأمراء الأمويين فأسقط عنهم الضرائب والرسوم اللى كانوا بيدفعوها فى تجارتهم وعاملهم برحمة شديدة خاصة إن أخوه ( على بن حمود ) كان إنقلب ضدهم فى أواخر أيامه ونزع منهم سلاحهم لإنه كان خايف من إنقلابهم ضده بسبب ولائهم للأمويين ..

إجراءات كلها كانت كويسة لكن سبحان الله .. الضربة مجاتلوش من كل دول وجاتله من واحد من أهله ..

( يحيى بن على بن حمود )

ـــــ

يحيى وزى ما هو واضح من إسمه يبقى إبن على بن حمود الخليفة المقتول واللى شاف إنه أحق من عمه فى الخلافة .. ما هو الأندلس كان مستباح وقتها .. أى حد كان يملك بعض القوة العسكرية كان بيحلم بالمنصب .. والسبب ده هو اللى كان بيخلى أى حد يوصل لمنصب الخلافة إنه يخاف من كل اللى حواليه لإنه عارف ومتأكد إنه وصل للمنصب ده بسبب ظروف الفتنة مش بسبب أحقيته الشرعية ..

يحيى إتحرك من سبته فى المغرب وراح على أخوه إدريس اللى كان والى على مدينة ملقا وهناك كالعادة جمع جيش وصرف عليه فلوس كتير عشان يقدر يدخل قرطبة .. فى الوقت ده القاسم مكانش لسه قدر يكون جيش كبير يحميه وده أجبره على الهروب من قرطبة واللجوء لإشبيلية اللى كان والى عليها قبل ما يتولى الخلافة .. بعدها وتحديداً فى أول جمادى الأولى سنة 412 هجرياً بيدخل يحيى بن على لقرطبة وبتتم مبايعته كخليفة جديد للبلاد ..

ـــــ

دى مش أخر الفتنة .. لو فاكرين إن الأمور هتهدى بعد إنسحاب القاسم وتنصيب يحيى تبقوا غلطانين .. مكانش حد غلب .. كل اللى إنتوا قرأتوه فى الجزئين دول حصل فى 13 سنة بس .. 13 سنة إتقتل فيهم حوالى 5 خلفاء وإثنين حُجّاب بخلاف العشرات من أقاربهم وعشرات الآلاف من الجنود .. الأندلس وصل بيه الحال إنه يبقى له خليفتين فى نفس الوقت والإتنين خلافتهم مش شرعية .. العالم الإسلامى نفسه كان له خليفتين فى نفس الوقت .. خليفة فى الشرق فى بغداد وخليفة فى الغرب فى الأندلس ولو ضفنا عليهم فترة الدولة العبيدية الشيعية فالعالم الإسلامى وقتها كان له 3 خلفاء .. عالم إسلامى الفتن بتطحنه طحن وحكام الدنيا عمت عنيهم وشعوب عايشة فى ذل وهوان ..

الفتنة قربت تدخل مراحلها الأخيرة ..

ـــــ