فتنة الأندلس – ج 1

الأندلس رغم كل اللى مر عليه من فتن وثورات إلا إنه فضل تحت حكم الأمويين لسنين طويلة لحد ما قدر الحاجب المنصور إنه يسيطر عليه بعد ما استغل صغر سن الخليفة الأموى ( هشام المؤيد بالله ) وانفرد بحكمه لمدة 22 سنة تقريباً .. الخليفة كان موجود نظرياً لكن الحاكم الفعلى للبلاد كان الحاجب المنصور .. 22 سنة من حكم الفرد الواحد لدرجة إن أى حد فكر يقف قصاده تم التخلص منه مهما كانت درجة قرابته منه .. المنصور إحتجز الخليفة الشرعى .. قتل حماه .. قتل حتى إبنه .. كل ده فى سبيل الحفاظ على الجاه والسلطان .. 22 سنة من الحكم الفردى طبيعى إنه يفرز حالة من الإنسداد والتجريف السياسى .. الدولة كلها مكانش فيها شخصية تقدر تشيل المسئولية بعد الحاجب المنصور إلا إبنه ( المظفر عبد الملك )

المظفر كان حاكم مقبول .. كان عنده شوية من قوة ودهاء أبوه وده مكنه من إدارة الأمور بسلاسة لمدة 7 سنين لحد ما توفى فجأة فى أوائل سنة 399 هجرياً وهو عنده 34 سنة .. طب بعد وفاة عبد الملك مين اللى يقدر يشيل مسئولية حكم البلاد ؟! .. مفيش .. ودى أكبر مساوىء الحكم الفردى فى أى مكان وزمان .. بعد وفاة الحاكم القوى المتغلب دايماً اللى بييجى وراه بيبقى أقل منه فى كل شيء .. بوفاة المظفر بتبدأ مرحلة تاريخية معروفة بإسم ( فتنة الأندلس ( .. حوالى 23 سنة من الإنهيار العسكرى والإقتصادى كانت سبب رئيسى فى ظهور ما عرف لاحقاً بعصر ملوك الطوائف .. فتنة الأندلس كانت المرحلة الوسيطة بين الأندلس الأقوى عسكرياً عبر تاريخه وبين أندلس ملوك الطوائف الأضعف عسكرياً عبر تاريخه ..

ـــــ

كل شيء بدأ مع وفاة المظفر لإن منصب الحجابة كان بيتداول بالوراثة مش بالكفاءة .. عشان كده المنصب وصل لعبد الرحمن بن الحاجب المنصور .. الأخ غير الشقيق للمظفر عبد الملك .. أمه تبقى ( أوراكا بنت سانشو جارسيا ) ملك مملكة نافارا .. عبد الرحمن كان أشبه الناس بجده وعشان كده أمه كانت دايماً بتناديه بسانشو وكعادة الأسماء الإسبانية المعربة بقى إسمه المتعارف عليه هو ( عبد الرحمن شنجول ) .. ورغم إنه لما وصل لمنصب الحجابة أطلق على نفسه لقب الناصر إلا إن الناس رفضت اللقب لإنها كانت بتكرهه .. أصوله الإسبانية وصداقته لكثير من الإسبان بالإضافة لإنحلاله وشربه للخمور واهتمامه باللعب واللهو كانت أسباب كافية لكراهيته ..

شنجول كان السبب الأساسى لظهور الفتنة .. هاجم كبراء الدولة واستهزء بمراسمها وحط من شأن الخليفة زيادة عن اللزوم بل وأجبره على تعيينه ولى لعهده .. يعنى كان عاوز ينزع الخلافة من البيت الأموى ويحولها للبيت العامرى ودى حاجة أبوه نفسه رغم ما وصله من سطوة مقدرش يعملها لعلمه بإرتباط الناس بالخلفاء الأمويين .. الإعلان ده خلى باقى أمراء بنى أمية يتآمروا عليه وبالفعل استغلوا خروجه فى غزوة لممالك الشمال واقتحموا قصر الخلافة وقتلوا والى المدينة وخلعوا الخليفة ( هشام المؤيد بالله ) .. بعدها هاجموا مدينة الزاهرة اللى بناها الحاجب المنصور ونهبوها ولما خلصوا خالص عينوا خليفة جديد هو ( محمد المهدى بالله ) وعينوا إبن عمه ( سليمان بن هشام ) ولى لعهده ..

لما الخبر وصل لعبد الرحمن شنجول بعت رسالة ليهم بيعزل فيها نفسه من ولاية العهد وإنه إكتفى بمنصب الحجابة وقام رايح على قرطبة لإنه إفتكر إن الرسالة دى هتخلى الناس تتعاطف معاه لكن اللى حصل إنه أول ما حط رجله جوه البلد إتقبض عليه وتم إعدامه ..

ـــــ

بعد ما استتبت الأمور ل ( محمد المهدى بالله ) بدأ يتغير وطغيانه ظهر على السطح .. عادى البربر لإنهم كانوا الذراع اليمين للحاجب المنصور وولاده من بعده فعزلهم من المناصب وقلل فى أعطياتهم .. حبس الخليفة المخلوع هشام المؤيد بالله وأخفى الخبر عن الناس واستغل وفاة واحد إسبانى فيه شبه منه وأعلن عن وفاته عشان يضمن إنه ميطالبش بسلطانه المسلوب منه تانى .. يكتفى بكده ؟ .. لأ طبعاً .. إختلف مع ولى عهده وحبسه وحبس معاه كام أمير من المؤيدين لرأيه وسرح 7000 جندى من الجيش لإنه ظن إنهم موالين لولى عهده ..

التصرفات دى شجعت ( هشام بن سليمان ) وده يبقى عم الخليفة وأبو ولى العهد المحبوس إنه يتواصل مع البربر وبعض الجنود الصقالبة ويجمعهم على خلع ( محمد المهدى بالله ) وبالفعل كونوا جيش وفى المقابل خرج الخليفة بجيش وإتقابلوا فى أواخر شوال سنة 399 هجرياً فى ضواحى قرطبة فى معركة استمرت يومين وانتهت بإنتصار المهدى بالله ونتايجها كانت كارثية على الطرف الثانى .. تم أسر هشام بن سليمان وأولاده الإتنين واتقتلوا الثلاثة .. المهدى بالله مكتفاش بكده ولكن أمر بتتبع البربر المنسحبين من المعركة وحط مكافآت على رؤوسهم فهجم الناس على بيوتهم وقتلوا رجالهم واغتصبوا نساءهم والمحظوظين منهم بس اللى قدروا يهربوا ..

المحظوظين دول كان بينهم أمير أموى شهير هو ( سليمان بن الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر ) وكان من المعارضين لحكم محمد المهدى بالله فالبربر أمّروه عليهم وأطلقوا عليه ( سليمان المستعين بالله ) .. بعد فترة قصيرة قدروا إنهم يجمعوا نفسهم تانى وراسلوا ملك قشتالة عشان يدعمهم فى حربهم ضد المهدى بالله مقابل التنازل عن قلاع وحصون كانت على تماس مع دولته .. بالفعل بيوافق الملك على طلبهم وبيمدهم بجنود وفرسان قشتالية وبيكونوا جيش قوى بيتحرك فوراً لقرطبة ..

جيش البربر المدعوم من ملك قشتالة قابل جيش المهدى بالله فى معركتين وفى الإتنين إنتصر خاصة المعركة الثانية الحاسمة المعروفة بإسم معركة قنتش .. المهدى بالله لما تأكد من هزيمته حاول يستخدم الحيلة عشان ينجو بحياته فخرج الخليفة المخلوع هشام المؤيد بالله من الحبس وأظهره للناس وبعت رسالة للبربر قالهم فيها إن الخليفة الشرعى لسه عايش رغم إن هو بنفسه اللى أعلن وفاته قبل كده وجاب أعيان البلد تشهد على وفاته وكان هدفه من الحركة دى إنه يبطل مكانة سليمان المستعين بالله الروحية كخليفة .. البربر طبعاً مهتموش بكلامه وتمسكوا برأيهم فاضطر إنه يهرب ويروح لطليطلة لإن حاكمها كان لسه على ولائه ليه .. تانى يوم دخل البربر قرطبة ونصبوا سليمان المستعين بالله خليفة جديد فيها ..

ـــــ

الفترة دى كانت من أسوأ فترات الفتنة بصراحة وعشان مندخلش فى تفاصيل كتير فأنا هحاول أقولكم نقط رئيسية للى حصل :

* فى 15 ربيع الأول سنة 400 هجرياً تم تنصيب سليمان المستعين بالله خليفة على قرطبة

* راسل المهدى بالله كونت برشلونة وأخوه عشان يدعموه فى حربه ضد البربر مقابل التنازل عن مدينة إسمها ” مدينة سالم ” بالإضافة لأموال يتم دفعها مقدماً وبالفعل بيوافق كونت برشلونة على طلبه وبيهزم جيش المهدى بالله جيش البربر وبيرجع المهدى خليفة على قرطبة فى 15 شعبان سنة 400 هجرياً

* فى أواخر ذى القعدة سنة 400 هجرياً جيش البربر بينجح فى تنظيم صفوفه وبيهزم جيش المهدى بالله خارج قرطبة ومع الهزيمة بيرجع المهدى على قرطبة عشان يحتمى فيها قبل ما يتخلى عنه حلفاؤه فى برشلونة

* فى 8 ذى الحجة سنة 400 هجرياً بينقلب بعض الجنود الصقالبة اللى كانوا موالين للدولة العامرية على المهدى بالله وبيهاجموه فى قصره وبيقتلوه وبيخرجوا هشام المؤيد بالله من السجن وبينصبوه خليفة

* فى ربيع الأول سنة 401 هجرياً هشام المؤيد بالله بيبعت راس المهدى بالله لجيش البربر وبيدعوهم لطاعته لكنهم بيرفضوا وبيجمعوا قواتهم وبيهجموا على مدينة الزهراء وبيحتلوها

* حاصر البربر قرطبة لفترة سنتين ونص فشلت خلالها الوساطة بين الطرفين أكتر من مرة لحد ما تجهز جيش البربر وجيش قرطبة لمعركتهم الحاسمة واللى إنتصر فيها جيش البربر فى أواخر شوال سنة 403 هجرياً

ـــــ

المرة دى – ولأول مرة – بيحكم سليمان المستعين بالله جزء كبير من الأندلس بدون صراع مع حد خاصة إنه سجن هشام المؤيد بالله اللى الروايات إختلفت عليه .. بعضها قال إنه فضل فى محبسه لحد ما مات وبعضها قال إنه هرب من قرطبة وعاش متخفى فى جبال ألميريا لحد ما مات ومحدش يعرف مكان مدفنه لحد النهاردة ..

فى الفترة دى حس البربر إن الأمور حسمت لصالحهم وإن شوكتهم بقت الأقوى وبدأت طلباتهم المالية تزيد فخاف المستعين بالله من إنقلابهم ضده وقرر إنه يوليهم ولايات الثغور بحجة مكافئتهم على وقفتهم معاه ضد المهدى بالله لكن الحقيقة إنه عمل كده عشان يفرق قواهم ويبعدهم عن قرطبة قدر الإمكان .. وبالفعل بيولى كل طائفة منهم ولاية ولكن اللى يهمنا منهم شخصين بس .. ( على بن حمود ) اللى تولى مدينة سبته وأخوه ( القاسم بن حمود ) اللى تولى الجزيرة الخضراء وطنجة ..

إشمعنى دول اللى هنركز عليهم ؟!

لإن الإتنين دول هما اللى هيحاولوا ينقلبوا على سليمان المستعين بالله بعد سنتين بالظبط ..

ـــــ