سيرة صلاح الدين الأيوبى ( جـ 1 )

سيرة صلاح الدين الأيوبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــ

حال الدولة الإسلامية قبل ميلاد صلاح الدين الأيوبى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واقع الحياة السياسية قبل صلاح الدين كان مأساوياً .. بالطبع لم يحدث الإنهيار فجأة بل احتاج الأمر قرابة الثلاثمائة عام من التراجع المستمر .. الخلافة العباسية بدأت فى الضعف تدريجياً و تحول أسلوب الإدارة فيها من المركزية إلى اللامركزية خاصة بعدما استحدثت مناصب تشبه إلى حد كبير مناصب الوزراء فى يومنا الحالى فتركزت القوة العسكرية فى يد هؤلاء الوزراء فصاروا ملوكاً و سلاطين كل منهم يرغب بالإستقلال بأحد أقاليم الدولة .. بالطبع أغلبهم كان يدين بالولاء فى النهاية إلى الخليفة العباسى إلا أن عدم إمتلاك الخلافة لوسائل الردع الكافية جعل هؤلاء الأتباع و المماليك يرون فى نفسه الأحقية و الأهلية فى الإستيلاء على أراضٍ أكثر و بالتالى ملك أكبر حتى وصل الأمر فى أحد مراحل السقوط بثناء الخليفة و تشجيعه على أن تكون السلطة فى يد أكثر القادة قوة و سطوة و هو ما زاد من رغبة الجميع فى الإستئثار بها و السعى لها ..

فى واقع الأمر نحن مقبلون على واحد من أكثر عصور الدولة الإسلامية تراجعاً و إنحطاطاً ..

ـــــ

أراضى الخلافة العباسية كانت شاسعة بحق و إدارة دولة بذلك الحجم يعد أمراً صعباً خاصة فى زمان لم تتوفر فيه سبل التكنولوجيا المتوفرة فى عصرنا الحالى و هو ما كان يجعل رد الفعل بطيئاً نسبياً مما سمح لأى شخص يملك بعض أدوات التمكين من الإستقلال بحكم أحد الأقاليم و بما أن معقل الخلافة العباسية كان فى العراق شرقاً فقد صار قيام دولة مخالفة لها فى المذهب و الفكر أمراً صعباً فكان الحل هو الإبتعاد عنها قدر المستطاع و التوجه غرباً .. تحديداً أقصى إقليم إفريقيا فى ما يعرف الآن بدول المغرب العربى .. عبيد الله بن الحسين المهدى بالله بدأ فى الدعوة لنفسه خليفة للمسلمين و أشاع أن نسبه يتصل بالإمام الحسين و هو ما يعنى أنه ينتسب بالتبعية إلى السيدة فاطمة الزهراء إبنة النبى محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ..

و بغض النظر عن مدى صحة النسب أو خطأه خاصة أن هناك من المؤرخين من ينكره فالرجل استطاع إستمالة الناس و إقناعهم بضرورة القتال بإسم المهدى المنتظر إنتظاراً لخروجه القريب حسب إعتقاده .. على هذا الأساس نشأت الدولة العبيدية فى ولايات المغرب الإسلامى و التى تطورت لاحقاً لتصل لمرحلة الخلافة الفاطمية التى سيطرت على شمال إفريقيا بالكامل بالإضافة إلى الشام و الحجاز و استمر عمرها قرابة 260 عام ..

و إذا أردنا التدليل على حجم الإنشقاق فى العالم الإسلامى وقتها فيجب علينا ذكر بعض الدول و الممالك التى نشأت و استقلت فى ظل الخلافة العباسية و أيضاً قبل ظهور الخلافة الفاطمية و حتى بعدها و إذا ما كنا قد أتينا على ذكر الخلافة الفاطمية فسأقوم بالتركيز على إقليم إفريقيا فى هذا الجزء على أن أخصص الجزء القادم للدول التى نشأت فى مناطق سيطرة الخلافة العباسية فى آسيا ..

و جدير بالذكر أننى سأقف على ذكر الممالك التى تأسست و اندثرت حتى تاريخ وفاة الملك الناصر صلاح الدين لتوضيح حالة الحياة السياسية من قبل ميلاده و حتى وفاته و توحيداً للمعايير سأقوم بإستخدام التاريخ الميلادى فيما هو آت من أحداث و ذلك تسهيلاً على القارىء و مسايرة لما هو متعارف عليه فى يومنا الحالى من إستخدام للتاريخ الميلادى بشكل أكبر ..

ـــــ

الدول و الممالك التى نشأت فى إقليم إفريقيا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– أول الممالك التى سنأتى على ذكرها هى الدولة الإدريسية و التى تأسست عام 788 فى مدينة فاس المغربية على يد إدريس بن عبد الله و على الرغم من زوالها بعد قرابة 200 عام بوفاة الحسن بن كنون أخر حكامها عام 985 إلا أن حكم الأدارسة تضائل قبل وفاته بكثير بسبب غلبة الدولة الفاطمية من ناحية و تغول الأمويين فى الاندلس من ناحية أخرى

– من الممالك التى قامت على أنقاضها الدولة العبيدية أيضاً دولة الأغالبة و التى أسست على يد إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمى عام 800 فى مدينة القيروان فى تونس حالياً و إستمرت سيطرتها على أجزاء واسعة من دول الجزائر و تونس و ليبيا حالياً لأكثر من مئة عام حتى استطاعت الدولة الفاطمية إنهاء أمرها عام 909

– الدولة الثالثة هى الدولة الرستمية و التى سيطرت أيضاً على أجزاء واسعة من دول ليبيا و تونس و الجزائر بالإضافة لشمال المغرب و قد تأسست الدولة على يد عبد الرحمن بن رستم عام 776 فى مدينة تيارت الجزائرية حالياً و قد سيطرت على مناطق واسعة شمالى دول المغرب الإسلامى و استمرت حتى عام 909 عندما اسقطتها الدولة الفاطمية

– رابع الممالك كانت مملكة أودجست الإسلامية و التى تأسست فى جنوب المغرب الأقصى أو موريتانيا حالياً حيث كان سكانها من أحد فروع قبائل صنهاجة الأمازيجية أيضاً و كانوا يعرفون بالملثمين .. بمجرد دخول أمازيج المنطقة الإسلام قرروا التوسع فى إفريقيا و نشر الدين فى أقرب الممالك لهم و هى مملكة غانا و التى كانت تسيطر على مناطق من دول مالى و موريتانيا حالياً .. تأسست الدولة على يد يَتْلُوثان بن تكلان قرابة عام 800 و قد إتخذ مدينة أودجست عاصمة للدولة بعد أن هزم ملك الأفارقة الذى كان يحكمها .. إستمرت الدولة حتى إندمجت تحت راية دولة المرابطين التى قامت فى المغرب

– أما فى مصر فقد أسس أحمد بن طولون الدولة الطولونية عام 868 بعد أن قام الخليفة العباسى محمد المعتز بالله بتولية القائد بايكباك التركى ولاية مصر و لكنه رفضها و فضل البقاء بجانب دائرة صنع القرار خشية التغيير المستمر للولاة و قام بندب إبن زوجته أحمد بن طولون بدلاً منه .. مع الوقت استطاع أحمد بن طولون السيطرة على مصر و الإستقلال بها عن الخلافة العباسية حتى أنه ضم إليها بلاد الشام بعد فترة .. استمرت الدولة فتية طوال حياته و لكنها تصدعت بشده بعد وفاته عام 884 و تولى ابنه خُمارويه المسئولية حتى سقطت تماماً عام 905 و عادت مرة أخرى تحت مظلة الخلافة العباسية

– الدولة التالية التى قامت فى مصر كانت الدولة الإخشيدية و التى تأسست على يد محمد بن طُغج الإخشيد عام 935 بعد أن ولاه الخليفة أبو العباس محمد الراضى بالله أمور مصر و مع الوقت توسع الإخشيديون و سيطروا على الشام معلنين دولتهم الخاصة و التى توسعت أيضاً فى صعيد مصر و بعض مناطق الحجاز و لكن كعادة الممالك وقتها و بسبب عدم الإستقرار المسيطر على المناخ العام زالت دولتهم بعد إستطاعة الدولة الفاطمية دخول مصر على يد القائد جوهر الصقلى عام 969

ـــــ

إستقرار الأمور للخلافة الفاطمية فى شمال إفريقيا لم يقف أمام النزعات الإنفصالية و حب الإستئثار بالسلطة حيث ظهرت عدة ممالك إتسمت بإستقلاليتها و قد زادت تلك الممالك بالتدريج مع ضعف و ذبول الخلافة الفاطمية ..

– أول تلك الممالك هى المملكة الزيرية و التى حكمها بنو زيرى بن مناد أحد أعلام قبائل صنهاجة الأمازيجية و الذى أسس دولته عام 971 مسيطراً على مناطق واسعة من المغرب الأوسط و الذى يشمل دول الجزائر و تونس و غرب ليبيا حالياً .. مع الوقت ضعفت دولة الزيريون بسبب كثرة الحروب التى دخلتها مع الجيوش الرومية بالإضافة للصراعات الداخلية مع الحماديون أبناء عمومتهم خاصة الأمير يحيى بن عبد العزيز أمير بجاية و أيضاً مع بنى هلال القادمين من مصر بتحريض من الخلافة الفاطمية ضدهم حتى كانت الطامة الكبرى بهزيمة أخر أمراء الدولة الأمير الحسن بن على أمام الأسطول البحرى لملك صقلية و دخول الروم لمدينة المهدية عاصمة الدولة الزيرية عام 1148

– ثانى الممالك كانت المملكة الحمادية و الحماديون هم أبناء عمومة الزيريون و قام بتأسيس الدولة حماد بن بلكين و هو من أحفاد مؤسس الدولة زيرى بن مناد عام 1014 و قد حكم جزء من الجزائر و تونس و المغرب حالياً و امتد نفوذ الدولة إلى صحراء الجنوب إلا أنه و بعد حوالى 40 عام فقط إنحسر نفوذها فى المنطقة الساحلية الجزائرية فقط حتى استطاعت دولة الموحدين من دخول عاصمتهم بجاية عام 1152

– ثالث الممالك كانت دولة المرابطين و هى الدولة التى تم تأسيسها عن طريق إتحاد عدداً من قبائل صنهاجة الأمازيجية خاصة بعد أن إستقرت فى منطقة الجنوب المغاربى بالقرب من مملكة أودجست السابق ذكرها و مع زيادة عدد المؤمنين بفكر المرابطين بدأت رغبتهم فى السيطرة على مزيد من الأراضى فبسطوا سيطرتهم بالتدريج على رقعة جغرافية إمتدت غرباً من حدود السنغال حالياً إلى تشاد و جنوب ليبيا شرقاً وصولاً إلى الأندلس شمالاً .. و رغم البداية المبهرة لدولة المرابطين إلا أنها مرت بعدة إنتكاسات فى نهاية عمرها الذى استمر 90 عاماً بسبب الثورات ضدهم فى المغرب و فى الاندلس حتى تمكنت دولة الموحدين من السيطرة على مراكش عاصمة المرابطين و قتل أخر أمراءها إبراهيم بن تاشفين عام 1147

– رابع الممالك كانت دولة الموحدين و التى بدأت فكرتها على يد ابن تومرت المهدى ثم تبلورت على يد أول أمراءها عبد المؤمن بن على و الذى تولى مسئوليتها عام 1133 .. امتد نفوذ الدولة ليشمل دولة المغرب حالياً بالكامل و شمال الجزائر و تونس حتى وسط ليبيا بخلاف سيطرتها على جنوب الأندلس .. دولة الموحدين كانت أخر معاقل الدفاع عن الأندلس و لكن بخسارتها لمعركة حصن العقاب عام 1212 لم تعد هناك قوة على الأرض تستطيع الدفاع عنه حتى سقط بالكامل فى يد الجيوش الإسبانية .. هزيمة أثرت على سمعة دولة الموحدين مما أسرع بإنهيارها على يد الدولة المرينية عام 1269

ـــــ

فى الجزء القادم نتعرف أكثر على أبرز ممالك الخلافة العباسية حتى نصل فى النهاية إلى الدولة السلجوقية و التى سيكون أحد رجالها عماد الدين زنكى .. ماذا ؟!! .. لا تعرفون من هو عماد الدين زنكى ؟!! .. إنه والد نور الدين محمود .. لا تخبرونى أنكم لا تعرفون من هو نور الدين محمود أيضاً ؟!

يا للهول ..

أنتم بحاجة لإعادة شحن بطارياتكم التاريخية من جديد ..

و لكن .. يوم أخر إن شاء الله ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على موقع الكاتب‎ :

http://kamel.wai-soft.com/wp

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :

https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ