دولة المرابطين ( جـ 9 )

دولة المرابطين :

ــــــــــــــــــــــــــ

الجزء التاسع :
ــــــــــــــــــــــ

المرابطين بعد ما سيطروا على غرب الأندلس إتجهوا للشرق و النتيجة كانت متشابهة جداً .. مدن زى دانية و شاطبة و مرسية و لوركا و ألميريا و البسيط بقوا تحت سيطرتهم فى شهور معدودة .. مدينة زى فالنسيا هي اللى إستعصت عليهم شوية بسبب سيطرة القشتاليين عليها لكن فى النهاية خضعت لهم .. مفضلش بس من ممالك الطوائف إلا طائفة سرقسطة و دى المرابطين سابوها تحت قيادة ملوكها من بنى هود بسبب رسالة بعتها المستعين بالله بن هود إلى يوسف بن تاشفين قاله فيها :

( نحن بينكم و بين العدو سد لا يصل إليكم ضرر .. و قد قنعنا بمسالمتكم فاقتعوا منا بها إلى ما نعينكم به من نفيس الذخر )

و سرقسطة كانت ثغر و على حدود ممالك الشمال زى برشلونة و أراجون و نافارا فقبل يوسف بن تاشفين بعهده و أمر جيوشه بالتوجه للشمال لإستعادة كل الأراضى اللى كان إستولى عليها القشتاليين فى عهد ملوك الطوائف .. طبعاً الموضوع أكبر من كده بكتير و كان فى معارك كتير بين المرابطين و بين القشتاليين كان أغلبها لصالح المرابطين .. المهم إنهم فى النهاية إستعادوا ممالك الطوائف كلها .. كلها ما عدا طليطلة .. أحصن مدن الأندلس ..


سقوط طليطلة يا جماعة كان جرح عظيم لأمة المسلمين .. ألفونسو دايماً مع كل إنسحاب ليه كان بيحتمى فيها بدل ما يروح لقشتالة فى الشمال .. يعنى طليطلة كانت أحصن و أقوى من قشتالة نفسها .. مدينة محاطة بالجبال من 3 جهات و جهة واحدة بس كانت فى مواجهة أي عدو و الجهة دى كانت مليانة حصون و أسوارها عالية و مدعمة بشكل كبير لدرجة إن قذائف المجانيق مكانتش بتقدر تحرك منها و لو حجر واحد .. كل القوة و العزة دى راحت على إيد ملوك الطوائف .. ملوك الطوائف اللى كانوا عاملين فيها رجالة و بيهاجموا المدينة و هى تحت سيطرة ( يحيى بن ذى النون ) و اللى بعد كده محركوش و لو جندى واحد ناحيتها و هى تحت الحصار أو حتى بعد ما وقعت فى إيد ألفونسو .. تخيلوا مدينة بالحجم ده و العز ده تبقى مقر حكم ألفونسو بعد كده و تبقى مقر جباية الجزية اللى بيدفعها ملوك العار و الذل و الخيانة بعد ما كانت فخر الدولة الأموية فى الأندلس .. يالا .. حسابهم عند ربنا يقى ..

ـــــ

يوسف بن تاشفين يا اخوانا مكانش قائد عادى .. كان قائد فذ .. مكانش بس مهتم بالدولة في حياته و إنما إهتم بيها بعد حتى بعد مماته .. بعد إنتهاء المعارك مع القشتاليين كان عمر يوسف بن تاشفين وصل ل 97 سنة تقريباً قضى أغلبهم فى الجهاد .. كان بيجاهد بنفسه مش قاعد متنعم فى القصور و يدوبك بيسير الجيوش .. في الوقت ده صحته بدأت تعتل بحكم السن فرجع للأندلس عشان ينظم أمورها للمرة الأخيرة و الحقيقة الراجل مسابش حاجة تقريباً إلا و حددها لإبنه و ولى عهده الأمير على بن يوسف .. نظم الأندلس إدارياً و قسمها ل 6 ولايات بس .. قرطبة .. غرناطة .. إشبيلية .. مُرسية .. فالنسيا .. سرقسطة .. فرح العمدة اللى كان موجود ده مكانش ينفع يستمر .. أمر بوضع القيادة العسكرية و ولاية المدن و القضاء في أهل الخبرة و الكفاءة من قبيلة لمتونة دون غيرها لثقته الكبيرة فى حسن إدارتهم ..

حدد كمان عدد أفراد الجيش المرابطى في الأندلس ب 17 ألف مقاتل .. و مش بس كده .. ده حدد كمان أعداده فى كل ولاية .. يعنى حط 4000 فى سرقسطة .. 7000 فى إشبيلية .. 3000 فى غرناطة .. 1000 فى قرطبة .. 2000 متوزعين على القلاع  الحصون .. و أمر إن الأندلسيين هما اللى يحموا الحدود الشمالية للبلاد لأنهم كانوا أعلم بقتال القشتاليين .. و أمر بتحسين أجور الجنود دايماً و تشجيعهم و بث روح الجهاد فيهم على طول و مكافأة المتميزين منهم .. الراجل ده يا جماعة عاش للجهاد و أرسى نظام مبنى على الجهاد من الألف إلى الياء لحد ما مات على الجهاد ..

بعد كل الإجراءات دى أتم يوسف بن تاشفين أخذ البيعة لإبنه الأمير على و بعدها رجع للمغرب سنة 498 هجرياً – 1104 ميلادياً و خلال شهور أصابه مرض شديد ألزمه الفراش لمدة سنة و شهرين لحد ما توفى بسببه يوم 3 محرم سنة 500 هجرياً و كان عمره وقتها 100 سنة .. إتوفى بعد ما أسس دولة قوية عظيمة مترامية الأطراف من الأندلس شمالاً لحد الكاميرون جنوباً ..

رحم الله القائد البطل المجاهد أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين

ـــــ

على بن يوسف بن تاشفين إستمر على نهج أبوه في الجهاد .. أغلب الظن إنه خاف إن الناس تظن إنه أقل من والده فركز كل جهود دولته على الجهاد و الراجل نجح في النقطة دى الصراحة .. القشتاليين بعد الهزائم المتتالية قدام المرابطين دبت بينهم الخلافات و رجعوا تانى لللإقتتال بينهم و بين بعض خاصة بعد وفاة ألفونسو السادس و بالتالى خدوا سنين على ما قدروا يتوحدوا مرة تانية .. الوقت ده إستغله على بن يوسف أحسن إستغلال .. هاجم مملكة كتالونيا و مملكة أراجون و مملكة نافارا و مملكة قشتالة و ليون .. بمعنى تانى إنه فتح خطوط جهاد تجاه كل الممالك المسيحية فى الشمال مرة واحدة و طبعاً مفيش مملكة منهم قدرت تستعين بجارتها بسبب الخلافات اللى بينهم ..

المرابطين وقتها مش بس إستعادوا الأراضى اللى تم الإستيلاء عليها فى عهد ملوك الطوائف .. ده امتد الأمر لإستعادة كل الأراضى اللى كانت موجودة أيام الدولة الأموية .. معارك كتير حصلت خلال 14 سنة تقريباً بين المرابطين و نصارى الأندلس كانت الغلبة فيهم للمرابطين إستعادوا فيهم مدن زى لشبونة و بورتو و كويمبرا و إيفورا و شنترا و شنتاريم فى البرتغال و ده بخلاف باقى الأراضى اللى كانت باقية فى إسبانيا لحد ما حصلت معركة إسمها معركة كُتندة سنة 514 هجرياً – 1120 ميلادياً .. المعركة دى إتهزم فيها المرابطين و رغم إنها مكانتش معركة حاسمة إلا إنها كانت البداية الحقيقية لتراجع المرابطين .. ليه بداية التراجع ؟ .. لإن الهزيمة دى مجاتش لوحدها .. بوادر التراجع و الإنهزام حصلت بالتزامن معاها فى الجنوب .. فى المغرب تحديداً .. محمد بن تومرت ظهر بدعوته الجديدة و إبتدى يكسب أتباع جدد ..

ـــــ

فى الوقت اللى على بن يوسف أولى أهمية كبيرة جداً للجهاد و حقق فيه نجاح ملحوظ فشل فى إنه يحقق نفس النجاح على المستوى الإدارى و الدينى .. المرابطين نجحوا إزاى فى بدايتهم .. اهتموا ببناء شخصية الإنسان المسلم و تأهيله فأسسوا الأربطة و بدأوا تفقيه الناس فى الدين و بالتوازى مع ده إهتموا بالشق العسكرى فرفعوا مستوى التدريبات البدنية لأقصى درجة فالنتيجة كانت إن الجندى المرابطى أصبح لائق جداً من الناحية البدنية و الناحية الدينية فى نفس الوقت و نتيجة ده كانت واضحة زى ما شفنا فى الأجزاء اللى فاتت .. اللى حصل فى عهد على بن يوسف كان مختلف شوية ..

زى ما قلنا على بن يوسف إهتم بالجهاد أوى و الاهتمام ده صاحبه تقصير فى توصيل الدين لعوام الناس .. كان فى علماء و فقهاء أه لكنهم إنصرفوا لتوافه الأمور و مسكوا فى الفروع و سابوا الأصول .. إنشاء الأربطة قل كتير عن الأول و الموجود منها قل نشاطه بشكل تدريجى و اختلف محتوى منهجه عن اللى تم تدريسه على يد الشيخ عبد الله ياسين مؤسس الدولة الفعلى .. تخيل إن خلافات و مناظرات تمتد بالشهور و أحياناً بالسنين بين مجموعة من المشايخ و العلماء على أحكام الوضوء مثلاً أو حكم إزبال الثياب أو تطويل اللحى أو تقصيرها إلى أخره .. أنا بدى أمثلة طبعاً مقصدش إن ده بس اللى كان بيحصل يعنى .. مجادلات فكرية و بحث و تعمق فى كتب الفقه يستمر لشهور شغل العلماء دى بنفسها و إبتعدوا عن الجماهير العادية اللى هى عماد الدولة فى النهاية فأصبح العلماء و المشايخ فى وادى و الناس فى وادى تانى خالص ..

سبب تانى جوهرى في تراجع المرابطين هو الحالة المادية لدولتهم .. الفتوحات و الغنائم الكتيرة و الإزدهار الإقتصادى إتسببوا فى ارتفاع المستوى المادى لعموم الناس .. تخيلوا فلوس كتير مع ناس إبتعدت عن الدين بالتدريج .. مش محتاج أقولكم النتيجة إيه .. بدأت تظهر مظاهر مغايرة خالص عن اللى كان موجود فى عهد المرابطين الأول .. السفور و الإختلاط إنتشر .. ملاهى للرقص .. بيع للخمور فى أماكن كتيرة حتى فى مراكش عاصمة الدولة .. حتى الولاة بدأوا فى زيادة الضرائب على الناس معتمدين على حالة الإزدهار المادى اللى عايشينها و مظاهر غيرها كتير ..

إنضمام الأندلس لدولة المرابطين فتح باب تانى على سكان الجنوب .. بلاد ساحرة طبيعتها خلابة و مستواها المعيشى أفضل و بالتدريج فتحت الدنيا دراعاتها للمرابطين سواء على مستوى الولاة و الحكام أو حتى الناس العاديين .. كل ده سمح لواحد زى محمد بن تومرت إنه يبتدى فى إعلان دعوته .. دعوته اللى إعتمد فيها على تغيير الواقع ده و اللى رفع فيها شعار ملهم لكل واحد ناقم على التراجع الدينى الواضح فى بلاد المرابطين .. شعار الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ..

ـــــ

محمد بن تومرت هو شخص أغلب الروايات الصحيحة عنه بتقول إنه من البربر و إتولد فى بلاد المغرب العربى مش معروف تحديداً فين و أدق التواريخ لميلاده كان حدود سنة 474 هجرياً .. نشأ فى أسرة متدينة جداً و بالتالى إتربى على طلب العلم و الحقيقة هو طلبه بزيادة حبتين .. محمد بن تومرت كان عنده رغبة عارمة فى تحصيل العلم و التفقه في الدين و ده خلاه مش بس يدرس المذهب السنى المالكى اللى كانت بتعتمده دولة المرابطين و لكن الموضوع تطور لدراسة كافة المذاهب التانية و المقارنة بينهم .. بوصوله لسن 26 أو 27 سنة قرر السفر عشان يحقق هدفه و بكل أمانة هو كان عنده عزيمة و مثابرة مش طبيعية .. شخص عايش عشان الهدف ده بس .. سافر قرطبة و وقتها كانت منارة للعلم و غنية عن التعريف طبعاً .. بعد قرطبة رجع على مدينة المهدية فى تونس و منها على الإسكندرية و القاهرة و منها على مكة و بعدها قعد فى بغداد لفترة قيل إنها 10 سنين قبل ما يقرر إنه يرجع على المغرب مرة تانية ..

خلال 14 سنة تقريباً قدر محمد بن تومرت يحصل مادة علمية مهولة لدرجة إن إبن خلدون لما وصفه كتب كده نصاً :

( أصبح بحراً متفجراً من العلم و شهاباً وارياً من الدين )

الراجل لف على منارات العلم فى العالم الإسلامى وقتها .. و لو حد فيكم سأل نفسه إشمعنى قعد فى بغداد 10 سنين دون باقى البلاد اللى زارها فالإجابة واضحة جداً .. بغداد كانت الأكثر ثراءاً من ناحية تعدد المذاهب .. فى بغداد درس مذاهب السنة و الشيعة و الخوارج و الرافضة و المعتزلة .. فى بغداد إتكونت شخصيته اللى هتكون سبب فى سقوط دولة المرابطين بعدين .. شخصية عجيبة أخدت من كل بستان زهرة حتى إنك متقدرش تحكم على الشخص ده أو تقدر تصنفه ..

محمد بن تومرت هيرجع للمغرب ..

و عندها نقدر نقول إن المرابطين فى خطر ..

و خطر كبير أوى كمان ..

ـــــ

‏ ‏لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

‏ ‏‎ لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ : https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ