دولة المرابطين ( جـ 8 )

دولة المرابطين :

ــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثامن :
ـــــــــــــــــــــ

بعد ما انتهت معركة الزلاقة حصل حاجتين .. يوسف بن تاشفين ساب الأندلس و رجع تانى للمغرب و ألفونسو السادس رجع بجيشه المهزوم لقشتالة .. بعد سفر إبن تاشفين قرر ألفونسو إنه يحرك جزء من جيشه ناحية حصن إسمه ( حصن لييط ) و ده فى جنوب شرق الأندلس قرب مملكة مُرسية و ده عشان يبقى له قاعدة داخل الأراضى الإسلامية يستخدمها كنقطة دعم أثناء حروبه مع ملوك الطوائف ..

بعد رجوع إبن تاشفين للمغرب رجع ملوك الطوائف لعادتهم فى النزاع على الملك و بدءوا فى الإغارة على بعض من تانى .. فى الوقت اللى هما كانوا بيقطعوا بعض بالشكل ده ألفونسو جمع صفوفه و طلب المدد من الممالك المسيحية القريبة منه .. الواقع وقتها كان عجيب جداً .. الإنتصار فى الزلاقة معلمش الملوك دول أى حاجة و الله .. بمجرد رجوع المرابطين للمغرب رجعت الفرقة بينهم و لا كأنهم كانوا صف واحد من شهور .. ألفونسو السادس شاف كده و إتأكد إنه بالمدد اللى جاله يقدر يسيطر على أجزاء تانية من ممالك الطوائف .. حاصر فالنسيا و هجم على مُرسية و لوركا و غيرهم من المدن و رجع إبتزازه ليهم تانى .. عندها صحى ملوك الطوائف من غفلتهم و رجعوا تانى يستنجدوا بيوسف بن تاشفين ..

ـــــ

بعد إرسال الوفود وافق يوسف بن تاشفين على نجدتهم للمرة التانية سنة 481 هجرياً – 1088 ميلادياً و منها إتحرك لحصار حصن لييط اللى كان بيمثل الخطر الأكبر وقتها لإنه كان داخل أراضى المسلمين .. أثناء الحصار حصلت حاجة عجيبة جداً .. يا أخى ملوك الطوائف دول لا منهم و لا كفاية شرهم .. لازم يعملوا كارثة يهدوا بيها كل اللى المرابطين بيحاولوا ينجزوه ..

قبل التعاون مع المرابطين كانت مملكة مُرسية تحت قيادة واحد إسمه ( محمد بن طاهر القيسى ) و فى إطار الصراع اللى كان بين الملوك و بعضهم حاول ( المعتمد بن عباد ) إنه يغزوها عشان يضمها لمملكته و عمل كل اللى يقدر عليه عشان يدخلها لدرجة إنه طلب العون من ملوك برشلونة عشان يساعدوه و رغم كده فشل .. فى أحد الحملات عليها لقى ضالته فى واحد إسمه ( عبد الرحمن بن رشيق ) و ده كان قائد حصن فى مملكة ألميرية و الراجل الحقيقة كان عنده طموح يعمل حاجة فانضم للمعتمد بن عباد بعد ما قاله إن عنده خطة هيقدر بيها يسيطر على مُرسية .. كده عبد الرحمن بن رشيق رسمياً تابع لإبن عباد و ضمن القادة بتوعه .. خطته كانت عبارة عن منع الإمداد عن مُرسية عن طريق السيطرة على مدينة إسمها ( مولا ) لإن أغلب إمدادات مُرسية كانت بتيجى منها .. نجح عبد الرحمن بن رشيق فعلاً في السيطرة على المدينة و بالفعل أهل مُرسية ثاروا على محمد بن طاهر و فتحوا المدينة لجيش إبن رشيق .. عمك إبن رشيق دخل المدينة من هنا و قال للمعتمد بن عباد المملكة دى بتاعتى أنا و شوف إنت رايح فين ..

طبعاً المعتمد إتضايق جداً من اللى حصل و حاول يرجع المدينة تانى لكن مقدرش .. لما المرابطين دخلوا و حاصروا حصن لييط كان إبن رشيق ضمن القادة اللى حاضرين لإن الحصن كان داخل أراضيه فانتهز المعتمد بن عباد الفرصة و إتشاكل مع عبد الرحمن بن رشيق لدرجة إنهم رفعوا السيوف على بعض .. يوسف بن تاشفين جمع الفقهاء و العلماء و طلب منهم الفتوى فأفتوه بإن المدينة من حق المعتمد و إن ابن رشيق هو اللى غلطان فأمر بأسره و تسليمه للمعتمد على شرط إنه ميقتلوش .. ينتهى الموضوع على كده .. لأ طبعاً .. رجالة ابن رشيق اللى كانوا فى مُرسية خرجوا من المدينة و قرروا الإنتقام .. إتحولوا من جنود لقطاع طرق .. وقفوا على الطرق و هاجموا قوافل الإمدادات اللى جاية لجيش المرابطين فاضطر المرابطين إنهم يفكوا الحصار عن الحصن بعد 4 شهور رغم إنهم كانوا قريبين جداً من فتحه .. العزاء الوحيد إنهم كبدوا القشتاليين المحاصرين في الداخل خسائر مهولة .. 80 % أو أكتر من الجنود اللى جوه إتقتلت بفعل القذائف اللى إتحدفت عليهم ..

ألفونسو طول الفترة دى كان بيحاول يلاقى طريقة يفك بيها الحصار عن الحصن عشان ينقذ اللى باقى من قواته لكن مكانش قادر بسبب وجود المرابطين .. أول ما عرف إن الحصار إتفك إتحرك بجيش عشان يحررهم و بالفعل حرر الباقيين منهم .. وصلت الأخبار لإبن تاشفين فأمر بإقامة معسكر و إستنى ألفونسو يجيله إلا إن الزلاقة كانت لسه معلمة على قفاه فمرضيش يروحله و إكتفى بتحرير الباقيين من جنوده بس و بعدها رجع لقشتالة تانى ..

ـــــ

بعد فراغ الحصن و تسليمه للمعتمد بن عباد قرر يوسف بن تاشفين الرجوع تانى للمغرب إلا إن ملوك الطوائف أساءوا السيرة للمرة الثالثة و حاربوا بعض تانى و كتير منهم عمل معاهدات مع ألفونسو و رجعوا يدفعوا الجزية تانى و ألفونسو طبعاً إستغل فرقتهم دى و ضاعف الجزية عليهم و بالتالى هما كمان ضاعفوا الضرائب على شعوبهم و عاشت الناس فى ذل و ضيق بسبب التصرفات دى ..

الوضع ده خلى العلماء و الفقهاء يتوافدوا على يوسف بن تاشفين يترجوه إنه يزيح حكام الأندلس المتواطئين دول و يمسك المرابطين مكانهم و قالوله إن أهل الأندلس مُجمِعين عليه .. و رغم كثرة الوفود و تواليها إلا إن يوسف بن تاشفين رفض يهاجم الأندلس غير بعد ما وصلته الفتاوى من كبار علماء و فقهاء الأمة الإسلامية و كلهم أجمعوا على وجوب تدخله لحماية المسلمين فى الأندلس سفه و ضعف حكامهم .. و للأمانة فى رواية ذكرها عبد الواحد المراكشى يمكن أنا مش مقتنع بيها أوى و لكن للأمانة العلمية يجب ذكرها .. الرواية بتقول إن يوسف بن تاشفين كان عنده رغبة فى السيطرة على الأندلس من قبل حتى فتوى العلماء و إنه كان بيقول للمحيطين بيه :

( كنت أظن أنى قد ملكت شيئاً فلما رأيت تلك البلاد – يقصد الأندلس – صغرت فى عينى مملكتى .. فكيف الحالة فى تحصيلها ؟ )

المهم إن سنة 483 هجرياً – 1090 ميلادياً يقرر يوسف بن تاشفين عبور البحر للمرة الثالثة و لكنه حط خطة يختبر بيها ولاء ملوك الطوائف قبل ما يعزلهم .. أول ما دخل الأندلس معداش عليهم و توغل لوسط الأندلس لحد ما وصل طليطلة مقر حكم ألفونسو السادس و قرر إنه يحاصرها و يستنى لفترة عشان يشوف مين من ملوك الطوائف هيساعده و يمده بالمؤن .. و لا واحد منهم ساعده .. و لا ملك واحد بعتله رسول حتى عشان يستفسر منه عن سبب عبوره .. يا جماعة الناس دى كانت عايشة فى ذل و ضعف يقترب جداً لمستوى الخيانة .. خيانة ذكرها إبن حزم نصاً لما وصف طباعهم فقال :

( لو وجدوا فى اعتناق النصرانية وسيلة لتحقيق أهوائهم و مصالحهم لما ترددوا )

دول حكام أغلبهم رجع يدفع الجزية لألفونسو و يستعين بيه فى حربه ضد إخوانه حتى بعد ما هزموه فى الزلاقة و شافوا ضعفه أثناء حصار حصن لييط .. كارثة حقيقية إن الناس دى كانت على رأس ممالك إسلامية و الله ..

ـــــ

بعد فترة قصيرة فك إبن تاشفين الحصار عن طليطلة بعد ما تأكدت شكوكه و رجع تانى للجنوب و ابتدى يقسم جيوشه للسيطرة على ممالك الطوائف .. بدأ بغرناطة و ملقا اللى كانوا تحت إيد عبد الله بن بلقين و أخوه تميم بن بلقين .. شهرين من الحصار خلوهم يطلبوا الأمان من يوسف بن تاشفين اللى قبل منهم و نفاهم لمدينة أغمات وسط المغرب و وفرلهم مسكن لائق بيهم ..

إستيلاء بن تاشفين على غرناطة و ملقا خلى ملوك الطوائف يشكوا إنهم هيقابلوا نفس المصير .. على طول إتحرك المعتمد بن عباد و المتوكل بن الأفطس اللى هما من كبار ملوك الطوائف إذا جاز التعبير و بعتوا رسالة لإبن تاشفين يطلبوا مقابلته إلا إنه رفض مقابلتهم .. عندها إتأكد المعتمد من نواياه فقال للمتوكل بن الأفطس جملة شهيرة :

( و الله لابد أن يسقينا من الكأس التى أسقى بها عبد الله )

و الراجل مكانش غلطان الحقيقة .. يوسف بن تاشفين مضيعش وقت .. قسم جيشه أربع أقسام و حدد لهم 4 وجهات 3 منهم ضمن أراضى المعتمد بن عباد .. قرطبة .. رندة .. إشبيلية .. المهمة كانت واضحة .. إما إنك تدخل فى طاعة المرابطين و إلا فهى الحرب .. المعتمد مستسلمش .. حاول بشتى الطرق إلا إن المرابطين كانوا أقوياء فعلاً و مكانش فى أى مملكة فى الأندلس تقدر عليهم ..

رجع إبن تاشفين للمغرب و ترك الجيش تحت قيادة واحد من أشهر قاداته إسمه ( سير بن أبى بكر ) و الراجل الحقيقة كان محترف .. خلال فترة قصيرة جداً قدر مش بس يسيطر على المدن الكبيرة زى قرطبة .. ده كمان سيطر على مدن الضواحى زى قادش و طريفة و كارمونا و رندة لحد ما مملكة المعتمد إنحصرت فى مدينة واحدة بس هى إشبيلية .. المعتمد خلال الكام شهر دول عمل اللى يقدر عليه .. إستعان بألفونسو السادس اللى بالفعل بعتله جيش كبير للدفاع عن قرطبة إلا إنه فشل و المرابطين دخلوها .. خلى ولاده هى اللى تقود الجيوش لضمان الولاء و رغم كده فى نهاية المعارك كان خسر 6 من أبناءه .. فى النهاية إتقبض عليه هو و زوجته و بناته و إتنفوا كلهم لأغمات و على عكس معاملة يوسف بن تاشفين لملوك غرناطة و ملقا كانت معاملته للمعتمد و أهله فى غاية القسوة و عاش المعتمد 4 سنين فى الأسر و أهله مش لاقيين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لدرجة إن بناته إضطروا إنهم يخدموا فى البيوت عشان يوفروا أكل و شرب يكفيهم ..

ـــــ

المتوكل بن الأفطس هو كمان مكانش بعيد عن المصير ده .. بعد القبض على المعتمد عرف إن الدور عليه فمشى فى نفس الطريق و استنجد بألفونسو السادس عشان يسانده ضد المرابطين مقابل إنه يسيبله مدن و حصون رئيسية في مملكته زى مدينة لشبونة عاصمة البرتغال دلوقت .. ألفونسو وافق و بعتله جيش لكنهم فشلوا فى وقف زحف المرابطين ناحية بطليوس .. فى الوقت ده شعب بطليوس كان إتأكد إنه خلاص واقع واقع فعمل ثورة فى المدينة و قدروا إنهم يفتحوا البوابات للمرابطين اللى دخلوا المدينة بدون حرب حقيقية فلما المتوكل لقى الوضع كده خد أسرته و احتمى بقلعة المدينة إلا إن المرابطين حاصروهم لحد ما قبضوا عليه و رحلوه لإشبيلية و قبل ما يوصل هناك جاله الجنود و قالوله يجهز نفسه للموت هو و إتنين من أولاده فطلب إن أولاده يتقتلوا الأول عشان يحتسبهم و ياخد أجرهم فحصل كده فعلاً .. بعدها طلب إنه يصلى ركعتين فقتلوه و هو بيصلى حتى قيل أن كلامه إختلط بصلاته فلم يعد مفهوماً ما يقول ..

ـــــ

طبعاً مفهوم إن نهاية بعض ملوك الطوائف مأساوية و عشان اللحظة دى بس أنا كنت بأدك كل جزء على مساوئهم و إزاى تسببوا بضعفهم و فرقتهم فى إمكانية ضياع الأندلس و إزاى كانوا سبب رئيسى فى شقاء شعوبهم بعد ما أرهقوهم بالضرائب و المكوس عشان يدفعوا الجزية لألفونسو حفاظاً على ملكهم الزائل ..

مرحلة يوسف بن تاشفين قربت تنتهى ..

و بعدها للأسف هتبدأ مرحلة الأفول ..

لكل شيء إذا ما تم نقصان ..

و ده كان بداية النقصان لدولة المرابطين ..

ـــــ

‏ ‏‎

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

‏ ‏‎

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ : https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ