دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء السادس :
ـــــــــــــــــــــــــ
بعد سقوط طليطلة سيطر ألفونسو السادس بشكل عملى على الأندلس كله حتى و إن كان نظرياً دول الطوائف لازالت موجودة .. وقتها إتحول ألفونسو لبلطجى حقيقى .. يميل على واحد من ملوك الطوائف و يقوله سيبلى الكام حصن دول و يا ريت لو تسيبلى معاها كام مدينة فالملك الذليل ميبقاش قدامه إلا حلين يا يسيبله المدن و الحصون يا يضطر يدفع مقابلهم جزية مضاعفة و كل ده و هى أرضه بالأساس لكن نقول إيه .. ذل ما بعده ذل ..
كل ملوك الطوائف كانت بتدفع الجزية و محدش منهم قدر يعترض على إستيلاء ألفونسو على أراضيهم إلا واحد بس إسمه المتوكل على الله بن الأفطس حاكم بطليوس فى غرب الأندلس .. الراجل إتاخد منه بالفعل كام مدينة و حصن فى شمال مملكته و هو مدافعش عنهم أساساً فألفونسو قرر إنه يبتزه أكتر فبعتله يطلب منه الجزية فالمتوكل لما لقى إن كله رايح و إنه كده كده ميت فليه ميخدش موقف يتحسبله و يمكن يتوفق و ميدفعش جزية .. قرر إنه يرفض دفع الجزية لألفونسو .. و مش بس كده .. ده بعتله رسالة فى غاية القوة قاله فيها :
( وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع فى المقادير و أحكام العزيز القدير يرعد و يبرق .. و يجمع تارة ثم يفرق .. و يهدد بجنوده المتوافرة و أحواله المتظاهرة .. و لو علم أن لله جنوداً أعز بهم الإسلام و أظهر بهم دين نبيه محمد أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله و لا يخافون .. بالتقوى يعرفون .. و بالتوبة يتضرعون .. و لئن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله و ليعلم المؤمنين و ليميز الله الخبيث من الطيب و يعلم المنافقين .. أما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم فبالذنوب المركوبة و الفرق المنكوبة .. و لو اتفقت كلمتنا علمت أى صائب أذقناك كما كانت أباؤك مع أبائنا .. و بالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك .. أهدى ابنته إليه مع الذخائر التى كانت تفد فى كل عام عليه – ( يقصد الحاجب المنصور اللى بسبب فتوحاته فى الشمال إضطر الملك سانشو إن يجوزه بنته أوراكا عشان يستميله ” راجع الجزء الرابع ” ) – أما نحن إن قلت أعدادنا و عدم من المخلوقين استمدادنا فما بيننا و بينك بحر نخوضه و لا صعب نروده .. ليس بيننا و بينك إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك .. و جلاد تبصره فى ليلك و نهارك .. و بالله و ملائكته المسومين نتقوى عليك و نستعين .. ليس لنا سوى الله مطلب و لا لنا إلى غيره مهرب .. و ما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين .. نصر عليكم فيا لها من نعمة و منة أو شهادة فى سبيل الله فيا لها من جنة .. و فى الله العوض مما به هددت و فرج يفرج بما نددت و يقطع بما أعددت )
تخيلوا إن المتوكل لما بقى له من إسمه نصيب و توكل على الله حق التوكل و بعت الرسالة ألفونسو مقدرش يحاربه و تراجع لقشتالة بدون ما ياخد منه الجزية .. المملكة الوحيدة فى الأندلس اللى مكانتش بتدفع الجزية فى الوقت ده هى مملكة بطليوس و ده بسبب لمحة بسيطة من العزة لجأ له المتوكل على الله بن الأفطس ..
ـــــ
لمحة بسيطة تانية من العزة لجأ لها المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية .. فى رواية بتقول إن المعتمد أرسل الجزية لألفونسو لكنه مقبلهاش و طلب منه إنه يتخلى عن كل الحصون المنيعة فى مملكته و يعيش المسلمين فى السهول بس و بعت وفد من 500 فارس عشان يتسلموا الحصون و يشرفوا على عملية الإجلاء إلا إن ابن عباد رفض و قتل الوفد كله ما عدا 3 قدروا يهربوا و حكوا اللى حصل لألفونسو اللى طبعاً قرر إنه يحرك جيشه و يحاصر إبن عباد ..
و فى رواية تانية بتقول إن إبن عباد إتأخر فى إرسال الجزية لألفونسو بسبب إنه كان بيحارب إبن صمادح حاكم ألميريا فألفونسو إتضايق و قرر إنه يزيد فى إبتزاز المعتمد فطلب منه التخلى عن حصونه و كمان طلب منه إن زوجته تولد فى مسجد قرطبة الكبير لإن فى بعض الأساقفة قالوا إن ده فأل حسن و فوق ده كمان طلب منه إنها تقضى فترة نقاهتها فى قصر الزهراء اللى بناه عبد الرحمن الناصر أشهر و أعظم حكام الأندلس و بعت زوجته و معاه وفد كبير على رأسهم وزيره الأول و كان يهودى بالمناسبة .. لما وصل الوفد عرض الوزير مطالب ألفونسو فغضب المعتمد و أخدته الحمية و رفض و قالهم إزاى زوجة ألفونسو تولد فى المسجد يعنى .. ده الناس تاكل وشى .. من هنا لهنا إحتد النقاش بين المعتمد و الوزير فقام المعتمد حادف الوزير بمحبرة كانت فى إيده فجت فى دماغه قتلته .. بعدها أمر رجالته إنهم يصلبوا الوزير بالمقلوب فى قرطبة و رد باقى الوفد لألفونسو اللى أول ما سمع الخبر إتضايق جداً و حرك جيشه ناحية قرطبة و عسكر داخل حدودها و بعت للمعتمد رسالة كلها إستهزاء بيه و قاله فيها :
( كثر بطول مقامى فى مجلسى الذباب و اشتد على الحر فأتحفنى من قصرك بمروحة أُروح بها عن نفسى و أطرد بها الذباب عن وجهى )
وصلت الرسالة للمعتمد فغضب جداً منها و خد الرسالة و كتب على ضهرها الآتى :
( قرأت كتابك و فهمت خيلاءك و إعجابك .. و سأنظر لك فى مراوح من الجلود اللمطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله تعالى )
و كلمة اللمطية هنا نسبة لمدينة لمطة – فى تونس حالياً – و دى مدينة من مدن البربر كانت مشهورة بنقع الجلود فى اللبن لمدة سنة لحد ما يبقى يابس جداً لدرجة إن السيوف مبتخترقهوش و الكلام كان كناية عن إستعانة المعتمد بجيش المرابطين المتواجدين فى الجنوب .. المهم إن الرسالة أول ما وصلت لألفونسو خاف من إن المعتمد يكون بيتكلم بجد و إنه هيتعاون بالفعل مع المرابطين فسحب جيشه و رجع تانى لقشتالة ..
ـــــ
الموقفين دول خلوا المتوكل بن الأفطس و المعتمد بن عباد تتفق وجهة نظرهم فى إن إستمرار السكوت هيخلى ألفونسو يتمادى فى إبتزازه ليهم و مش هيسكت غير لما يسلبهم ممالكهم و قرروا دعوة كل ملوك الطوائف لمؤتمر قمة يتشاوروا فيه بخصوص المسألة دى .. إجتمع الملوك كلهم و إجتمع معاهم العلماء و الفقهاء و وجهاء الدولة .. بعد عرض المشكلة العلماء و الفقهاء قالوها صريحة .. لازم الممالك تتوحد و تجاهد فى سبيل الله .. أما الملوك و التجار و أصحاب الثروات تعللوا بضعفهم و قلة حيلتهم و إنهم مش هيقدروا على ألفونسو لوحدهم .. عرض الفقهاء إنهم يطلبوا المدد من دولة المرابطين خاصة إنها أقرب دولة إسلامية ليهم .. إعترض ملوك الطوائف مرة تانية و قالوا إن لو المرابطين دخلوا الأندلس هيستولوا عليها .. الحقيقة حكام الأندلس فى الوقت ده ياخدوا جايزة نوبل فى الخذلان .. كانوا متشبعين بحب الدنيا بشكل مرعب ..
فجأة و فى لحظة صدق مع النفس يقف المعتمد بن عباد وسطهم و يخطب خطبة عصماء قال فى جزء منها :
( يا قوم .. إنى من أمرى على حالتين .. حالة يقين و حالة شك .. و لابد لى من إحداهما .. أما حالة الشك فإنى إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الأذفونش – ألفونسو – فيمكن أن يفى لى و يبقى على وفائه و يمكن ألا يفعل فهذه حالة شك .. و أما حالة اليقين فإنى إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أُرضى الله و إن استندت إلى الأذفونش أسخطت الله تعالى فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأى شيء أدع ما يرضى الله و آتى ما يسخطه )
و نهى خطبته بواحدة من أشهر أقواله على الإطلاق :
( و الله لا يسمع عنى أبداً أننى أعدت الأندلس دار كفر و لا تركتها للنصارى فتقوم على اللعنة فى منابر الإسلام مثلما قامت على غيرى .. تالله إننى لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى و أن أؤدى له الجزية .. و الله لإن أرعى الأبل فى المغرب خير لى من أن أرعى الخنازير فى أوروبا )
ـــــ
إتحرك وفد ملوك الطوائف ناحية دولة الرابطين و قابلوا يوسف ابن تاشفين و شرحوله الوضع و إزاى إن الأندلس فى طريقه للسقوط و سلموه رسالة موقعة من 13 ملك من ملوك الطوائف و رسالة خاصة من المعتمد بن عباد اللى قاله فيها :
( إلى حضرة الإمام أمير المسلمين .. إنا نحن العرب فى هذه الأندلس قد تلفت قبائلنا و تفرق جمعنا و توالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفونش .. أسر المسلمين و أخذ البلاد و القلاع و الحصون و ليس لنا طاقة على نصرة جاره و لا أخيه .. و قد سائت الأحوال و انقطعت الآمال و أنت أيدك الله ملك المغرب .. استنصرت بالله ثم بك و استغثت بحرمكم لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر .. و السلام على حضرتكم السامية و رحمة الله تعالى و بركاته )
و قاله فى رسالة تانية :
( إن كنت مُؤثراً للجهاد فهذا أوانه فقد خرج الأذفونش إلى البلاد فأسرع فى العبور إليه )
طبعاً هو كان عنده علم باللى بيحصل هناك و كانت بتوصله الاخبار عن طريق الوفود التجارية لكنه كان منتظر الخطاب الرسمى من حكام الأندلس و أول ما وصلته رسالة الإستغاثة فرح جداً و قال للوفد :
( أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين )
و بعت رسالة للمعتمد مع الوفد قاله فيها :
( من أمير المسلمين إلى المعتمد بن عباد .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. أما بعد .. فإنه وصل خطابكم المكرم فوافقنا على ما تضمنه من استدعائنا لنصرتك .. و ما ذكرته من كربتك فنحن يمين لشمالك و مبادرون لنصرتك و حمايتك .. وإنه لا يمكننا الجواز إلا أن تسلم لنا الجزيرة الخضراء تكون لنا لكى يكون جوازنا إليك على أيدينا متى شئنا .. فأن رأيت ذلك فأشهد به نفسك و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته )
بعد فترة قصيرة جداً هيقف أول جنود المرابطين على أرض الجزيرة الخضراء فى أقصى جنوب الأندلس .. جيش مكون من 7000 جندى بس .. على رأسهم قائد عظيم عمره 79 سنة إسمه يوسف بن تاشفين ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور : https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ