دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الرابع :
ــــــــــــــــــــ
الأندلس كانت ضمن فتوحات الدولة الأموية .. دخلها طارق بن زياد سنة 92 هجرياً – 710 ميلادياً و فضلت تحت سيطرة الدولة الأموية حتى سقوطها عام 132 هجرياً – 750 ميلادياً على إيد الدولة العباسية .. العباسيين فى بداية عهدهم كانوا دمويين جداً فى حق بنى أمية و كان عندهم رغبة فى إفناؤهم تماماً .. تتبعوا كل الباقيين من الأمويين بهدف قتلهم إلا إن البعض منهم قدر يهرب .. واحد من اللى هربوا كان له أخوال من البربر و تحديداً من قبيلة إسمها نفزاوة و دى القبيلة اللى منها زينب بنت إسحاق النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين و قبله أبو بكر بن عمر اللمتونى اللى إتكلمنا عنها فى الجزء الثانى من السلسلة دى .. الأمير الأموى اللى تمكن من الهروب ده كان إسمه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام .. و لقبه اللى إتعرف بيه تاريخياً هو عبد الرحمن الداخل ..
ـــــ
هرب عبد الرحمن الداخل و إستنجد بأخواله فى المغرب الإسلامى .. الخلافة الأموية سقطت فى المشرق و لكن فى المغرب كان لسه ليها رجالها .. الأندلس فى الوقت ده كان مليان قلاقل و نزاعات على الحكم خاصة بعد سقوط الأمويين .. عرب و بربر و أندلسيين كلهم عايشين فى نفس المكان و كل طرف فيهم ليه طموحاته السياسية الخاصة و حتى العرب وقتها كانوا منقسمين و الصراع القبلى بينهم كان فى أسوأ مراحله .. إختلاف على أفضلية العرب اليمانية على العرب المضرية و العكس و دى قضية قبلية جاهلية لا تمت للإسلام بصلة .. المسلم بيفضل على المسلم بتقواه و تدينه و لكن فى الوقت ده العرب فى الأندلس التفضيل بينهم كان بالقبيلة و النسب و هكذا .. وسط ده كله قدر عبد الرحمن الداخل إنه يستغل الوضع ده و إستمال البربر فى الأندلس و معاهم العرب اليمانية و قدر إنه يدخل الأندلس و هزم الولاة الأمويين اللى حبوا يستأثروا بالحكم و هزمهم لحد ما تمكن سنة 138 هجرياً – 756 ميلادياً من توحيد الأندلس تحت قيادته و إنفصل بيه عن الخلافة العباسية و أعلن إن عاصمته هى قرطبة ..
ـــــ
دولة الأمويين فى الأندلس وصلت لأفضل فتراتها سنة 316 هجرياً – 929 ميلادياً لما أعلن عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله نفسه خليفة على الأندلس بعد ما كان المسمى الرسمى بتاعه أمير الأندلس و ده فيه مفارقة تامة للخلافة العباسية اللى كانت دخلت عصر إنحطاطها و ذبولها و بدأ القادة العسكريين يسيطروا على مراكز القوى فيها .. الدولة الأموية إستمرت بالنهوض فى الأندلس لمدة 16 سنة كمان قبل ما يتم تولية هشام المؤيد بالله و ده عمره وقت إستلامه للسلطة كان 12 سنة بس و دى كانت أحد أكبرأخطاء الدولة الاموية فى الأندلس ..
تحديداً من سنة 366 هجرياً – 976 ميلادياً بدأت الدولة الأموية مرحلة الإنحطاط و بدأ رجال الدولة فى إستصغار خليفتهم الجديد و خلوه تحت وصاية أمه اللى طبعاً إنبسطت و ردت الجميل ده لقادة الدولة و على رأسهم محمد بن أبى عامر اللى هيبقى لقبه بعد كده الحاجب المنصور بسبب إنها هتفضل ترقيه لحد ما يوصل لمنصب حاجب الدولة و ده أعلى منصب قيادى بعد منصب الخليفة .. الحاجب المنصور هيرد الجميل بأسوأ رد ممكن و هينقلب على الخليفة الشرعى و هيحدد إقامته و هيمسك مفاصل الدولة بيد من حديد و هيحكم البلد فعلياً لفترة تزيد عن 10 سنين على الرغم من إن السلطة نظرياً فى إيد الخليفة الأموى ..
سنة 390 هجرياً – 1000 ميلادياً الحاجب المنصور هيسيب مكانه طواعية لإبنه عبد الملك الملقب بالحاجب المظفر اللى هيموت بعد 9 سنين و هيمسك مكانه أخوه عبد الرحمن الملقب بالحاجب المأمون و اللى مكملش فى الحكم 5 شهور قبل ما تحصل حاجة هتنهى وجود الدولة العامرية للأبد ..
ـــــ
الأمويين كانوا كارهين سيطرة محمد بن أبى عامر و أولاده على مقاليد الأمور خاصة بعد ما الحاجب المأمون ضغط على الخليفة هشام المؤيد بالله عشان يعينه ولى للعهد و بالفعل وافق المؤيد بالله على كده لإنه ببساطة مكانش يقدر يرفض .. خروج ولاية العهد من بنى أمية كانت صعبة جداً عليهم فبدأوا يفكروا إزاى يقدروا يرجعوها ليهم مرة تانية ..
زى ما قلنا عبد الرحمن الحاجب المأمون كان له أخ غير شقيق إسمه عبد الملك الحاجب المظفر و ده كان على رأس الدولة قبل منه .. عبد الملك لما مات طلعت إشاعة إن اللى قتله هو أخوه عبد الرحمن عشان يستولى على السلطة و الإشاعة دى وجدت صداها عند الذلفاء أم عبد الملك فبدأت هى كمان تدور على اللى يقدر ينتقم منه .. الذلفاء و الأمويين تلاقت أهدافهم و بشوية إتصالات سرية قدرت تعقد صفقة مع أمير أموى إسمه محمد بن هشام و دعمته بالمال و قالتله جمع جيش و تعالى شيل عبد الرحمن و رجعوا سلطانكم اللى إتاخد منكم و بالفعل الراجل مكدبش خبر و جمع جيش سنة 399 هجرياً – 1008 ميلادياً و استولى على قصر قرطبة و عزل الخليفة الضعيف هشام المؤيد بالله و عين نفسه مكانه و سمى نفسه المهدى بالله أما عبد الرحمن الحاجب المأمون لما حاول إنه يرجع ملكه مرة تانية منجحش و إتقبض عليه و إتقتل و بموته رجع حكم الأندلس مرة تانية للأمويين ..
ـــــ
الحكم فى الفترة دى كان بيتسم بعدم الإستقرار .. 23 سنة من الحروب و القتال .. ناس بتتقتل و ناس مبتكملش شهور فى الحكم قبل ما يتم الإنقلاب عليها و الأمثلة كثير أوى .. يعنى مثلاً محمد المهدى بالله اللى هو الخليفة الجديد إنتقم من البربر أتباع العامرين فهربوا منه ناحية الشرق و إستقروا فى فالنسيا و أسسوا إمارة كده عالسريع .. إنتقم حتى من العرب اللى ظن إنهم بيتأمروا عليه زى ولى عهده سليمان بن هشام اللى قتله هو و أبوه .. الأمويين لما لقوا كده إتقسموا و بدأ بعضهم يميل للبربر و تواصلوا مع أمير أموى تانى إسمه سليمان بن الحكم اللى طلب مساعدة سانشو جارسيا ملك قشتالة عشان يعزل محمد المهدى بالله من السلطة و بالفعل سانشو ساعدوا و نجح سليمان إنه يبقى الخليفة الجديد .. اللطيف فى الأمر إن سليمان بن الحكم بعد كده هيسمى نفسه المستعين بالله ..
محمد المهدى بالله بعد الهزيمة هرب من قرطبة لطليطلة و الراجل الحقيقة مسكتش .. يعنى لو كان سليمان وسخ و إستنجد بملوك النصارى عشان يستولى على الحكم فأنا هطلع أوسخ منه و هستنجد بيهم عشان أرجع لمكانى تانى .. كام رسالة على كام إستغاثة بملوك مقاطعات برشلونة و أورجل و دول ضمن إقليم كتالونيا حالياً بيطلب منهم مساعدته لإرجاعه للعرش مرة تانية و قصاد ده عرض عليهم التنازل عن بعض المدن و الحصون بالإضافة لمبالغ كبيرة من المال و بالفعل ساعدوه إنه يرجع تانى لمكانه ..
سليمان المستعين بالله و جنوده من البربر بعد ما خسروا معركتهم قدام المهدى بالله نظموا صفوفهم و رجعوا هاجموه تانى و بسبب إن مركز المهدى بالله المالى إتأثر فمقدرتش يدفع للملوك الإسبان تانى فاتخلوا عنه و بالتالى خسر المعركة .. بعد هزيمته رجع تانى لقرطبة و حاول ينظم صفوفه لكنه مقدرش و ده اللى سمح لأتباع العامريين إنهم ينصبوله كمين و يقتلوه و يزيدوا على كده إنهم يخرجوا هشام المؤيد بالله من السجن اللى هو الخليفة الضعيف اللى إتكلمنا عليه من شوية و يعينوه خليفة تانى و رغم كل اللى عملوه إلا إنهم مقدروش يدافعوا عن قرطبة اللى حاصرتها قوات سليمان المستعين بالله لحد ما تمكنوا من دخولها و إضطر هشام المؤيد بالله إنه يهرب منها و رجعت السلطة فى إيد سليمان المستعين بالله تانى ..
بعدها بدأ المستعين بالله يدفع فاتورة الكرسى .. أغلب جيشه من البربر و بالتالى كان لازم يراضيهم و إلا هينقلبوا عليه .. ولاهم أغلب المناصب القيادية و كمان ولاهم المدن على أساس قبلى فبقى كل قبيلة أو طائفة مسيطرة على مدينة بجيشها بأسواقها بمالها بكل شيء فأصبح الملك فى إيده أه و لكن فى المقابل ضعفت الدولة إتفككت و بقى لكل قبيلة منهم طموحها الخاص و ده كان نذير للى هيحصل بعد كده ..
ـــــ
على بن حمود .. واحد من اللى هو عينهم بنفسه كوالى على مدينة سبتة إحدى مدن المغرب حالياً .. وصلته رسالة من الخليفة المخلوع هشام المؤيد بالله بتقول إنه بيوصى ليه بالخلافة من بعده و عليه طموح السلطة تسرب لنفسه .. الرسالة مشكوك فيها و محدش عارف هل هى من الخليفة المخلوع و لا لأ و بعض الأراء بتقول إنها من البربر أتباع سليمان اللى كانوا عاوزين ينقلبوا عليه .. المهم إن الرسالة وصلته و الراجل عاوز حقه الشرعى من وجهة نظره .. عمل إتصالاته بأتباعه فى الأندلس .. جهز جيش .. عدى البحر و هاجم سليمان المستعين بالله و نجح فى هزيمته و مكتفاش بكده .. ده قتله و قتل أخوه و قتل أبوه .. المهم إنه بعد كده سمى نفسى الناصر لدين الله .. كانوا لطاف أوى حكام الأندلس وقتها بصراحة ..
بتولى على بن حمود خرجت الخلافة مرة تانية من إيد الأمويين و بقت فى إيد البربر .. يسكت الأمويين ؟ .. إزاى .. أتباع الدولة العامرية يدوروا تانى على أمير أموى يلبسوه الليلة فأختاروا واحد إسمه عبد الرحمن بن محمد المرتضى بالله .. الراجل الصراحة طلع عنده شخصية و رفض سيطرة العامريين عليه و رفض إنه يبقى مجرد شخشيخة فى إيديهم و ده ضايق العامريين جداً فاتفقوا على خيانته و هربوا منه ساعة المواجهة مع بنى حمود فالراجل لقى نفسه لوحده و مقدرش يقاوم فاتقبض عليه و إتقتل .. فى نفس الوقت أو قبلها بشوية إتقتل الخليفة على بن حمود بسبب الخيانة برضه بعد ما إتفق 3 من العبيد على إنهم يقتلوه فى الحمام الخاص بيه .. بعدها طالب البربر إن أخوه القاسم بن حمود يمسك الحكم مكانه و ده زعل يحيى بن على بن حمود إبن الخليفة المقتول و شاف إنه الأحق بالحكم من عمه .. اختلفوا الإتنين و جهزوا جيوشهم و لكنهم لقوا إن الجيشين متكافئين فقرروا إنهم يصطلحوا و كان أغرب صلح فى التاريخ الإسلامى كله .. الإتنين إرتضوا إنهم يبقوا خلفاء فى نفس الوقت .. القاسم يمسك الخلافة فى إشبيلية و يحيى يمسك الخلافة فى قرطبة .. و رغم إن ده ضد النظام الإسلامى اللى بيقضى بخليفة واحد إلا إن ده مش مهم .. المهم الحفاظ على الملك ..
ـــــ
الأمور فى الأندلس فضلت فى إضطراب مستمر لحد سنة 422 هجرياً – 1031 ميلادياً و اللى أصاب الخلافة العباسية فى المشرق أصاب الخلافة الأموية فى المغرب و أصبح إستمرار الوضع كما هو عليه شبه مستحيل ..
الحل إيه ؟
إن طالما كل قبيلة و طائفة ماسكة مقاطعة و متمكنة منها و مفيش خلافة مركزية قادرة تحكمهم إذاً يبقى الوضع على ما هو عليه و تتحول الأندلس اللى كانت مساحتها فى الوقت ده 450 ألف كيلو متر مربع ل 22 دويلة صغيرة يحكمها 22 حاكم .. كل حاكم فيهم همه الاول و الوحيد الحفاظ على الكرسى ..
أهلاً بيكم فى عصر ملوك الطوائف ..
ـــــ
