دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأخير :
ـــــــــــــــــــــ
عبد المؤمن بن على حس بإن إستمرار المعارك فى الجنوب مش هيحسم الحرب .. مدن الشمال مؤثرة أكثر .. قبائلها أكتر و ليها سواحل بتمثل نقطة إتصال مع الأندلس و ده هيمثل نقطة ضغط كبيرة على المرابطين و هتبقى عاملة زى الكماشة اللى هتفصل مراكش عن أى دعم ممكن يوصلها ..
دى كانت خطة عبد المؤمن بن على ..
و مش هتتخيلوا خطته هتنجح إزاى ..
ـــــ
إستراتيجية الموحدين هدفها كان السيطرة على أكبر مساحة أرض ممكنة فى وسط و شمال المغرب أما تكتيكه فكان تكتيك هايل الحقيقة قدر عن طريقه إنه يتغلب على معضلة قلة أعداد جيشه مقارنة بالمرابطين .. من بداية الحرب و عدد المرابطين كان دايماً أكبر خاصة فى المعارك الكبيرة .. المعادلة دى بدأت تختلف مع دخول الموحدين لوسط المغرب و ده بسبب تكتيك عبد المؤمن الفعال ..
التكتيك كان متقسم لشقين .. الشق الأول هو إختيار أرض المعركة .. الموحدين زى ما قلنا مكونهم الأساسى القبائل البدوية من ساكنى الجبال و ده معناه إنهم أكثر خبرة بالحرب فى المناطق الوعرة و الصخرية فى المقابل المرابطين كانوا من سكان السهول .. لو قدر الموحدين إنهم يستدرجوهم للمناطق الجبلية دى فالنصر غالباً هيبقى حليفهم و عبد المؤمن كان عارف كده فكان دايماً بيتحصن فى القرى الجبلية و يكتسب منهم حلفاء و يتزود بالمؤن الكافية فى حين كان المرابطين بيمشوا بمحازاتهم و لكن فى الصحراء فميلاقوش قرى كافية يتزودوا منها و لا جنود يستعينوا بيهم على حرب الموحدين و بكده خسر المرابطين ميزتهم العددية ..
الشق التانى هو أسلوب القتال نفسه خاصة طريقة الدفاع .. فى حالة مواجهة المرابطين فى أرض منبسطة الموحدين كانوا بيلجئوا لطريقة مميزة للدفاع .. كانوا بينظموا الجيش على هيئة مربع و المربع ده متقسم لصفوف .. الصفوف الأولى من الأربع إتجاهات بيكون فيها حملة الرماح و الهراوات و فى الصف الثانى حملة الحراب و الدروع و فى الصف الثالث الجنود المشاة حملة الحجارة و فى الصف الرابع رماة السهام و فى وسط المربع بيبقى موجود الفرسان ..
اللى كان بيحصل إن كل ما المرابطين تهجم عليهم بالخيول يلاقوا الرماح و الحراب الطويلة فى وشهم فيا يموتوا يا يتراجعوا و لو قرروا الهجوم بالمشاة فبيقابلهم اللى فات بالإضافة للهراوات و السيوف و السهام فمكانوش بيقدروا يكسروا الدفاع القوى ده فيتراجعوا .. و هما راجعين بيفتح الموحدين ممرات فى المربع ده يخرج منها الفرسان اللى فى النص يهجموا عليهم من ورا فيصطادوهم بسهولة .. عشان كده كنت بقولكم إن عبد المؤمن بن على هو صاحب الفضل الأكبر فى نشأة الدولة الموحدية بسبب حسن إدارته ..
ـــــ
خسائر المرابطين موقفتش عند المواجهات العسكرية أمام الموحدين و لكن إمتدت كمان لعوامل قدرية ساهمت فى تسريع وتيرة إنهيارهم .. سنة 532 هجرياً حصل سيل مائى كبير فى مدينة طنجة .. السيل ده دمر معظم المدينة و مات فيه عدد مهول من سكانها و دوابها .. بعدها بسنة حصل حريق ضخم فى سوق مدينة فاس و ده كان سوق تجارى محورى كانت معظم تجارة المغرب بتمر عليه بشكل موسمى و بالتالى ضاعت فيه أموال كتيرة و افتقر الناس بسببه ..
فى بداية سنة 535 هجرياً كانت جيوش الموحدين دخلت مدن الشمال خاصة من ناحية مدن وهران و تلمسان فى الشمال الشرقى لدولة المرابطين و معاها بدأ السكان فى الهجرة بالتدريج فكسدت التجارة و قل البيع و الشراء و إفتقر الناس و قلت المؤن و طبعاً المرابطين مقدروش يغيروا الواقع ده بسبب إن مواردهم إتوجهت للحرب مع الموحدين .. الموحدين فى الوقت ده كانت قوتهم بدأت تزيد و عدد جيشهم بيتضاعف بسرعة و بدأوا يتبنوا أسلوب الهجوم أكتر من الدفاع و التحصن فى الجبال ..
ـــــ
خسائر المرابطين موقفش لحد كده .. سنة 537 هجرياً يتوفى أمير المسلمين على بن يوسف اللى برغم خسائر المرابطين فى عهده إلا إنه كان الحاكم اللى عاصر نشأة الموحدين و اللى اكتسب خبرة فى إدارة الأمور قدامهم .. ولى عهده كان إبنه تاشفين بن على و اللى هيبدأ حكمه بأزمة ساهمت هى كمان فى تسارع إنهيار المرابطين ..
مع تراجع المرابطين و كثرة هزائمهم ظهرت الخصومة فى صفوفهم .. المرابطين كانوا مكونين بشكل رئيسى من 4 قبائل .. لمتونة و جدالة و لمطة و مسوفة .. الخصومة حصلت كانت بين قبيلتى لمتونة و مسوفة و بحكم إن قبيلة لمتونة كانت الأكبر و هى اللى بتحكم فخرج عدد من زعماء مسوفة على طاعتهم و هربوا للموحدين و إنضموا لصفوفهم فحدث شرخ نفسى كبير بين القبيلتين و بدأ اللمتونيين فى إضطهاد الباقيين من أهل مسوفة و ده أثر طبعاً على الروح المعنوية للمرابطين ككل ..
ـــــ
خسائر المرابطين مش هتقف لحد كده .. سنة 538 هجرياً و فى الوقت اللى المرابطين مشغولين فى معارك الموحدين إستغل نصارى أوروبا الوضع و هجموا على ميناء سبتة بأسطول مكون من 150 سفينة .. الأسطول المرابطى نجح إنه يردهم و لكن بعد خساير مادية و بشرية كبيرة جداً .. سنة 539 هجرياً حصلت أزمة نفسية تانية ليهم .. ريفيرتر القائد الكتالونى لجيش الروم الموالى للمرابطين مات و بموته رجع غالبية جيشه لأوروبا لإن ولاءهم الأساسى كان لقائدهم مش للمرابطين ..
طبعاً بعد كل الظروف دى مش محتاج أشرحلكم حالة المرابطين النفسية كان شكلها إيه .. الحل الوحيد كان فى إطلاق النفير العام و حشد أكبر عدد ممكن لمعركة حاسمة مع الموحدين .. الأمير تاشفين بن على بعت رسايل لكل الأقطار لحشد الجيوش فجاله جنود من سجلماسة و بجاية و غيرهم لدرجة إنه بعت جاب إبنه و ولى عهده إبراهيم بن تاشفين على رأس جيش من الأندلس و إبراهيم ده كان لسه طفل صغير عمره 14 سنة ..
مع وصول الدعم إستمرت المعركة مايلة لكفة الموحدين بسبب الإنشقاقات اللى حصلت فى صفوف المرابطين و اللى كانت بتعرف الموحدين نقاط ضعف خصومهم .. لما لقى تاشفين بن على إن الوضع مش مستقر و الهزيمة هتحصل لو إستمر فى القتال قرر إنه يتحرك بجيشه تجاه مدينة وهران و ده لإن كان فيها حصن على البحر يقدر عن طريقه يسافر للأندلس فى حالة الهزيمة .. الموحدين مضيعوش وقت و إتحركوا وراه و حصلت بينهم معركة كبيرة جداً قرب وهران إتهزم فيها المرابطين كالمعتاد ..
مع الهزيمة إتراجع عدد كبير من المرابطين داخل الحصن على رأسهم الأمير تاشفين بنفسه و لكن للأسف سفن النجدة مكانتش وصلت من الأندلس فاستغل الموحدين الموضوع و حاصروا الحصن و ولعوا فيه و بدأت النار تزيد لدرجة إن اللى جوه الحصن بدءوا يهربوا منه من شدتها فقرر الأمير تاشفين إنه يهرب هو كمان و لكن الواضح إن الليلة دى القمر مكانش طالع فيها و الدنيا كانت ضلمة فوقع تاشفين بن على بالفرس بتاعه فى أحد الأخاديد اللى بين الجبال و مات فى الحال ..
ـــــ
بموت تاشفين بن على حصل إنهيار شبه كامل للمرابطين و فى المقابل حصل توحش للموحدين .. الإنتقام كان مهول .. تقريباً مدخلوش مدينة إلا و أفنوا أغلب أهلها .. دخلوا وهران و قتلوا أغلب السكان حتى اللى دخلوا الحصن و استسلموا مقابل الأمان .. دخلوا مدينة تاجررت أول يوم العيد و قتلوا أهلها .. دخلوا مدينة تلمسان و قتلوا رجالها و سبوا حريمها و نهبوا أموالها .. موحدين منصرين و عددهم فى إزدياد مقابل مرابطين عددهم بيقل و أميرهم مات و بديله طفل عمره 14 سنة ..
مسيرة الموحدين لمراكش بعد كده كانت سهلة لإن الناس سمعت باللى حصل فكان كل ما يعدوا على مدينة يخرج أهلها يبايعوا عبد المؤمن بن على عشان يجنبوا نفسهم القتل و ده حصل فى كل المدن فى إتجاه مراكش .. حصل فى وجدة و كرسيف و فاس و مكناس .. الدولة المرابطية وقتها مكانتش دولة بالمعنى المعروف .. دولة بلا جيش حقيقى يقدر يحمى حدودها اللهم إلا الجيش الأخير اللى إتمركز فى مراكش لحمايتها .. و حتى الجيش ده كان عارف إنه مش هيقدر يهزم الموحدين إن مكانش عشان الفارق العددى فيبقى بسبب إنشقاق الصف الداخلى .. تخيلوا إن وسط كل اللى بيحصل ده و الدولة بتنهار حرفياً يخرج إسحق بن على شقيق الأمير تاشفين و يطالب بالإمارة من إبن أخوه الصغير و بالفعل بيعزله من منصبه و بيتولى هو الأمور .. كل ده بيحصل و الموحدين بيزحفوا على مراكش ..
ـــــ
فى محرم سنة 541 هجرياً وصل الموحدين مراكش و بنوا مدينة صغيرة على جبل إيجليز و بدأوا فى الحصار اللى هيستمر لمدة 10 شهور تقريباً .. خلال الفترة دى كانت بتحصل معارك طبعاً و لكنها كانت معارك صغيرة نسبياً كانت بتنتهى فى العادة بتراجع المرابطين للتحصن فى المدينة لإنهم مكانوش بيقدروا يكسروا الحصار بسبب كثافة أعداد الموحدين .. 10 شهور من الحصار الكامل لحد ما الناس استنفذت كل إحتياطيات الحبوب فى المدينة و انتشرت المجاعة بين السكان و بدأ الناس و الدواب يقعوا فى الشوارع من كتر الجوع ..
فى 18 شوال سنة 541 هجرياً و بعد ما ضعفت الحراسة على أسوار المدينة أمر عبد المؤمن بن على أتباعه بإستخدام السلالم لإقتحام الأسوار و بالفعل نجحوا و اشتبكوا مع المرابطين و استمرت المعركة لمدة ساعات بعدها كان المرابطين ما بين قتيل و جريح .. إستباحة كاملة للمدينة .. حوالى 75 ألف قتيل شملوا الجنود و كل الذكور البالغين بخلاف نهب البيوت و الممتلكات لمدة 3 أيام متتالية و بعدها عفى عبد المؤمن عن الباقين من أهل المدينة بعد ما اشتراهم من الموحدين و أطلق سراحهم ..
أما عن الأمير إبراهيم بن تاشفين اللى كان عمره وقتها 16 سنة فتم القبض عليه هو و أهل بيته و باقى أمراء المرابطين و تم ترحيلهم لجبل إيجليز عشان يقضى فيهم عبد المؤمن بن على .. لما وصل الأمراء لهناك إنهار الأمير إبراهيم و بدأ يبكى أمام عبد المؤمن و يقوله :
( يا أمير المؤمنين .. ما لى فى الرأى من شيء )
فصعب عليه خاصة إنه لما إتقبض عليه كان مستخبى فى كومة فحم فكانت حالته صعبة جداً لا تليق بأمير .. بص عبد المؤمن لأبو الحسن بن وجاج و ده واحد من أهل الخمسين و طلب منه إطلاق سراحهم إلا إن أبو الحسن رفض و إتهم عبد المؤمن بالإرتداد على الموحدين فغضب عبد المؤمن من الكلام و ساب المكان و أول ما خرج مسك أبو الحسن الأمير إبراهيم و قتله و أمر بقتل باقى الأمراء ..
بسقوط مراكش و بموت الأمير إبراهيم بن تاشفين و عمه إسحق بن على إنهارت دولة المرابطين العظيمة اللى أسسها الشيخ عبد الله بن ياسين و اللى ساهم فى توسعة رقعتها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين و الأمير أبو بكر بن عمر اللمتونى و غيرهم من أبطال المسلمين عشان تحل محلها دولة الموحدين و تتقفل بكده صفحة من صفحات تاريخنا الإسلامى عشان تتفتح بعدها صفحة جديدة ..
و لكن كما تعلمون ..
فتلك قصة أخرى ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ