دولة المرابطين ( جـ 10 )

دولة المرابطين :
ــــــــــــــــــــــــــ

الجزء العاشر :
ــــــــــــــــــــــ

محمد بن تومرت لما قرر إن يسافر عشان يتفقه فى الدين كان متشبع بالتاريخ المذهبى فى المغرب العربى .. زى ما قلنا فى أول السلسلة و قبل ما تبدأ حركة المرابطين فى الإنتشار المغرب العربى كان منقسم سياسياً و مذهبياً بشكل كبير .. يعنى دولة الأغالبة مثلاً كانت بتطبق المذهب السنى .. الدولة العبيدية كانت بتطبق الإتجاه الرافضى .. دولة الأدارسة كانت بتميل للإتجاه الإعتزالى .. الدولة الرستمية كانت بتميل للإتجاه الخارجى .. و هكذا .. فالراجل كان مسافر أساساً و هو محمل بكم كبير من التشويش .. عاوز يتعلم أه بس الفروق و الإختلافات كبيرة أوى و الحل من وجهة نظره إنه ياخد من كل مذهب اللى يتناسب مع شخصيته و طموحه ..

النتيجة كانت خليط عجيب من المذاهب و الإتجاهات المشهورة فى الوقت ده ..

ـــــ

إتحرك محمد بن تومرت من بغداد عشان يرجع تانى للمغرب .. رجع على الإسكندرية و منها على ليبيا و بعدها مدينة المهدية فى تونس و طول رحلة رجوعه كان بيرفع شعار واحد .. الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر .. المشكلة إنه كان بيطبق الشعار ده بفظاظة شديدة جداً .. يعنى مكانش بيشرح للناس عواقب المنكرات و يطرح لهم بدائل صحيحة تتفق مع الكتاب و السنة .. ده كان بيدخل يغير المنكر بإيده طالما كان قادر على ده .. لو حبينا نقرب الصورة فى زماننا الحالى فتخيل نفسك قاعد فى أمان الله بتشرب سيجارة و فجأه دخل عليك واحد بدل ما يوضحلك مخاطر التدخين و إن ده فيه خسارة مادية و صحية ليك قام شادد السيجارة من بقك و رماها على الأرض و داس عليها .. فى الحالة الأولى كان ممكن تقبل منه أما فى الحالة التانية أكيد مش هتقبل .. دى كانت قناعة محمد بن تومرت .. التغيير الجذرى الشامل لكل المنكرات فوراً و بدون أى تأخير ..

الطريقة دى بناها محمد بن تومرت على أكتر من أساس :

أولاً : دعوة التوحيد .. إن الله واحد لا شريك له و إن ده أساس العقيدة و الدفاع عنه و القتال عليه واجب .. و دى من أساسيات أهل السنة ..

ثانياً : الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و إعتمد على حديث النبى صلى الله عليه و سلم من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان .. و إبن تومرت إختار إنه يغير بإيده ..


ثالثاً : إعمال العقل .. يعنى تقييم النصوص و فلترتها بعد التفكر فيها و من ثم قبولها أو رفضها و إن وسيلة إثبات التوحيد لازم تكون عن طريق العقل فقط .. و بالمناسبة محمد بن تومرت رغم إنه من أسباب إنتشار المدرسة الأشعرية فى المغرب و دى مدرسة سنية سليمة تماماً إلا إنه فى موضوع إعمال العقل ده مال للمعتزلة أكتر من الأشعرية .. الفارق بين المدرستين فى النقطة دى إن الأشعريين استخدموا العقل كوسيلة لفهم النص لا حاكماً عليه أما المعتزلة فتطرفوا فى إستخدام العقل فجعلوه حاكماً على النص .. يعنى كل حاجة نفكر فيها و نقيمها بعقلنا البشرى و منقبلهاش لمجرد إنها نتاجاً لنص شرعى ..

رابعاً : نفى التشبيه و التصوير عن الذات الإلهية و عدم جواز تجسيمه و اعتبر ده كفر و كل من يؤمن به فهو كافر و سحب ده حتى على رؤية الله جل و علا فى الآخرة لإن ده فيه توصيف و تجسيم لله سبحانه و تعالى و ده من ضمن أساسيات فكر المعتزلة بالمناسبة ..

خامساً : الإعتقاد فى الإمامة و إن أمة المسلمين لابد و أن يكون لها إماماً و الإيمان بالمهدى المنتظر فرض عين و أي شك فيه أو معارضه له يفضى للكفر و إن الإمام المهدى هو خلاص الأمة و بسببه ستفتح الدنيا شرقاً و غرباً و ستملأ عدلاً بعدما ملئت ظلماً و جوراً .. و دى من أساسيات الشيعة الإثنى عشرية ..

( وجب التنويه إن النقط السابقة هى فهمى أنا لمنهج محمد بن تومرت و أنا لا أملك العلم الكافى للمقارنة بين المدارس الفقهية و المجال مفتوح لمن هو أقدر منى و أعلم بتلك الأمور لإبداء رأيه و التصحيح فى حالة وجود أخطاء )

ـــــ

نرجع تانى لرحلة رجوع محمد بن تومرت .. فى طريقه للمغرب قابل فى مدينة بجاية الجزائرية راجل إسمه ( عبد المؤمن بن على ) و ده كان راجل عاوز يتعلم برضه فلما سمع منه إقتنع بكلامه و قرر إنه يتبعه و خلال كام يوم تبعه 5 كمان فبقوا 7 أفراد قرروا الإرتحال لمراكش عشان يغيروا المنكر اللى تفشى فى بلاد المرابطين .. محمد بن تومرت يا جماعة كان دارس كويس جداً بالمناسبة .. يعنى مكانش مجرد شخص عادى كده .. ده كان تقيل أوى أوى يعنى .. و فى الزمن ده اللى زى محمد بن تومرت كان بكل بساطة يقدر يبقى من أعلام المجتمع .. و ده حصل فعلاً أول ما وصل لمراكش ..

بدأ الموضوع في الأول على الضيق .. 7 أفراد بينتشروا فى أسواق مراكش و المدن المحيطة يكسروا المحلات اللى بتبيع أدوات العزف أو الخمور .. يقفلوا الملاهى بالقوة .. يأمروا الناس بالصلاة .. يأمروا السيدات بالتستر و عدم إبداء الزينة .. فى واحد من المواقف دى لقى هو و جماعته مجموعة من السيدات راكبين خيول و بيتمشوا فى المدينة كاشفين وجوههم فاتضايقوا جداً و أمروهم يغطوا وجوههم فالسيدات رفضت فبدأ ابن تومرت و اللى معاه يضربوا الخيول دى لحد ما واحدة منهم وقعت على الأرض .. اللى وقعت دى كانت أخت أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين .. يسكت محمد بن تومرت على كده و يلم الموضوع .. أبداً .. يوم جمعة و فى المسجد الجامع و فى حضور على بن يوسف بن تاشفين شخصياً و بعد الصلاة راح له محمد بن تومرت و سلم عليه و قال له بصوت مسموع :

( غير المنكر فى بلدك فأنت المسئول عن رعيتك )

تحدى صارخ أهو قدام الناس كلها .. يعمل إيه على بن يوسف بن تاشفين .. يأمر بقتله .. يحبسه .. يعذبه .. أبداً .. قرر إنه يسيبه و يمشى من غير ما يتعرض له .. شايفين الوضع كان شكله إيه وقتها .. لا و إبن تومرت يقولك الأرض ملئت ظلماً و جوراً ..

ـــــ

تصرفات محمد بن تومرت دى خلت عوام الناس تسمع بيه و اللى بيعمله و على الرغم من فظاظته و شدته فى تعديل الأوضاع الغلط إلا إن بعض الناس شافت فيه الصلاح و إن اللى بيعمله ده هو الصح فانضموا ليه و بدأ أتباعه يكتروا يوم ورا التانى لحد ما على بن يوسف حس بخطورة الموقف فقرر إنه يعمل مناظرة بين محمد بن تومرت و بين علماء دولة المرابطين يمكن يقدروا يأثروا على الناس اللى إتبعته ..

زى ما قلنا فى الجزء اللى فات أغلب علماء المرابطين إنشغل بالفروع و تركوا الأصول أما محمد بن تومرت فقضى 14 سنة فى البحث و التنقيب و دراسة كافة المذاهب و المدارس الإسلامية .. النتيجة كانت محسومة تماماً و محمد بن تومرت تفوق عليهم .. على بن يوسف بن تاشفين لما شاف اللى حصل بكى من شدة المفاجأة .. بكى من الخوف .. الخوف من الحساب على كثرة الخطايا اللى تفشت فى الدولة و مكانش يعرف عنها حاجة أو كان عارف بعضها و مغيرهاش .. بكى على إهتمامه بالجهاد بس على حساب المتابعة الدقيقة لحال البلاد و العباد إدارياً و إجتماعياً و دينياً .. موقف زى ده يبين قد إيه على بن يوسف بن تاشفين كان فيه خير و إن علاج الوضع كان ممكن و متاح و بتكلفة قليلة جداً لو إن محمد بن تومرت كان مؤمن بالأساس بإمكانية الإصلاح .. محمد بن تومرت رجع المغرب و هدفه الأساسى إزالة دولة المرابطين و إفناء ملكها ..

الفرق بين منهج المرابطين و بين منهج الموحدين فى بدايتهم إن المرابطين بدءوا من القاعدة العريضة لعوام الناس .. بنوا الأربطة و علموا الناس دينهم لحد ما نشأ جيل قوى إيمانياً و عسكرياً قدر إنه يشيل الراية و يفتح البلاد .. الموحدين بدءوا قلة برضه و لكنهم توجهوا مباشرة لرأس الدولة و عادوه و حرضوا الناس عليه و حتى لو كان فيه خير زى ما ذكرنا فكان تقويمه مسألة غير مطروحة أساساً عندهم .. التحريض و التجييش و جمع الأتباع و بعدين تغيير المنكر من وجهة نظرهم .. المنكر اللى هو أسلوب إدارة المرابطين للدولة ..

ـــــ

اللى حصل بعد المناظرة كان عجيب .. بمقاييس زماننا الحالي مكانش هيبقى فى مناظرة أساساً و لكن بما إنها حصلت فالطبيعى إننا نتخيل إن على بن يوسف بن تاشفين ممكن يأمر بقتل أو سجن محمد بن تومرت على إعتبار إنه خارج عن القانون و بيهدف لهدم إستقرار البلاد لكن اللى حصل كان عكس كده خالص .. إجتمع على بن يوسف مع وزراءه و قضاته .. بعضهم أفتى عليه بسجنه و بعضهم حذره من سجنه فمال الرجل لتركه خشيه أن يأثم بسبب سجنه بدون ذنب .. و فعلاً سابه يمشى و إنتشر الخبر بين الناس إن محمد بن تومرت إنتصر فى المناظرة و بدأ إسم الموحدين ينتشر بين الناس و هو إسم خطير بالمناسبة لإن إذا كان ابن تومرت و أتباعه موحدين فيبقى المرابطين و غيرهم غير موحدين و العياذ بالله .. من هنا بدأت الأمور تاخد طريق مختلف .. من هنا بدأت عجلات الحرب فى الدوران ..

ـــــ

مع زيادة عدد المنضمين لدعوة إبن تومرت نصحه أتباعه بالإنتقال من مراكش لمدينة محصنة نسبياً و تكون أقرب لأغلبية أتباعه من قبائل مصمودة .. بالفعل وافق و إتجه لمدينة إسمها ( تينمل ) و ده إسم أمازيجى معناه المزار .. و من هناك بدأت رحلة الإنتشار الحقيقى .. السمعة اللى اكتسبها فى مراكش و إتقانه للغة قبائل مصمودة سهلوا عليه كتير .. خلال شهور كانت البعثات بتجيله من كل مكان يسمعوا منه و هو كان مفوه و متبحر فى العلم بجد فيقنعهم فينضموا ليه لحد ما بقوا عدد لا يستهان بيه ..

مع الوقت و مع إحساس ابن تومرت إنه أصبح زعيم روحى لعدد كبير من الناس بدأ أسلوبه يتغير و ياخذ منحى تانى خالص .. نوعية العلم اللى تلقاه خلاه يطوع كل المعطيات اللى تحت إيده لصالحه هو شخصياً .. بدأ فى سرد أحاديث المهدى المنتظر على الناس و يحببهم فيه لحد ما الناس إشتاقت لرؤيته .. الناس فى الوقت ده تحس إنهم كانوا أشباه مخمورين .. نفوس كانت بدأت تضيع بسبب إبتعاد الناس عن الدين و محتاجة اللى يوجهها و مع تخلى المرابطين عن دورهم المجتمعى و الدينى الناس لاقت ضالتها فى محمد بن تومرت .. عندها بدأت الإنحرافات العقائدية تظهر بوضوح على محمد بن تومرت و رغم وضوحها إلا إن الناس كانت إتشربت بفكرة المهدى المنتظر خلاص و إنهم هما بس اللى على الحق و ما دونهم على الباطل .. وسط ده كله يقف محمد بن تومرت وسطهم و يقول ..

أنا الإمام المعصوم ..

أنا المهدى المنتظر ..

ـــــ
 ‏‎

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

‏ ‏‎

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ : https://itunes.apple.com/app/id1432249734