الأوضاع السياسية عالمياً اليومين دول بتثبت للناس كلها إن الحرية خدعة وإن الشعوب اللى كانت فاكرة نفسها حرة وليها كلمة إتضح لها إن الحرية زيها زى أى شيء مادى .. ليها حدود .. ليها هامش مينفعش تتخطاه وإلا هتتقابل بالعنف اللى بيختلف من بلد للتانية .. النظام العالمى الحاكم للكرة الأرضية بيحب يدى لكل حاجة إسم .. يعنى عشان يقنعك بالحرية السياسية المزيفة دى لفهالك لفة هدايا وقالك دى إسمها ليبرالية .. فى الشق الإقتصادى لفلك نفس لفة الهدايا وقالك خد يا مواطن يا حر .. دى إسمها رأسمالية ..
خلينا نجنب الشق السياسى شوية لإن ده شرحه هيطول والأمثلة عليه هتبقى عاوزه كتاب مش مجرد بوست .. تعالوا نتكلم عن الرأسمالية .. الرأسمالية هى النظام اللى بيتم إدارة العالم إقتصادياً من خلاله أخر 100 سنة تقريباً .. وتطور الأمر وتأكد عالمياً بعد تفكك الإتحاد السوفييتى .. نظام قائم على الحرية المالية مع تقليل تدخل الدولة فى الشأن الإقتصادى لأقل درجة ممكنة .. حرية أهو يا معلم .. إشتغل واكسب واعمل فلوس زى ما انت عاوز وأنا مليش عندك إلأ الضرائب بس ..
لكن الحقيقة نظام زى ده يخليك تتسائل .. لما هو حلو بالشكل ده ليه غالبية البشر عايشة فى فقر ؟ .. ليه مش كل البشر أغنياء أو على الأقل الطبقة المتوسطة تبقى هى الغالبة ؟ .. ليه أصلاً بتحصل أزمات إقتصادية كل فترة وليه بتحصل إفلاسات وليه ديون الدول بتزيد ؟
ــــــ
الرأسمالية يا عزيزى رغم إن فكرتها براقة وبتجذب الناس بسهولة إلا إنها بتمثل مخاطرة كبيرة جداً .. ما هو بالعقل كده .. مين مبيحبش الفلوس ؟ .. الرأسمالية بتديلك الفرصة إنك تبقى غنى بشرط توفر شوية عوامل مساعدة زى الخبرة ورأس المال .. الإشتراكية مبتسمحلكش تبقى غنى إلا لو المجتمع كله بقى غنى وده برضه لازمله شروط أبسطها عدم فساد الحكومات .. عاوز تفهم مشاكل الرأسمالية بشكل أبسط .. خد عندك المثال ده ..
مصنع فى نظام رأسمالى شغال فيه 10000 عامل بينتج وبيصفى ربح مليون دولار .. العمال بتقبض كويس وقدرتهم الشرائية كويسة .. النتيجة .. إنتاج كبير .. نسبة بيع مرضية .. أرباح للشركة وبالتبعية للدولة .. أومال فين المشكلة ؟ .. المشكلة إن النظام الرأسمالى هدفه الأساسى تعظيم أرباح الملاك وليس المجتمع .. يعنى نظام بيغلب عليه النزعة الفردية .. بنظرة سريعة على ميزانية الشركة هيكتشف الملاك إنهم يقدروا يحققوا نفس الأرباح اللى بيحققوها بنصف عدد العمال بس وبناءاً عليه قرروا يطردوا الأقل كفاءة منهم ..
النص اللى إطرد كفاءته متسمحلوش بالتنافس فى سوق عمل قاسى بالشكل ده وبالتالى هيضطروا إنهم يقبلوا بوظائف أقل مهنياً ومادياً أو هيقعدوا فى البيت ويبقوا من غير دخل .. طبق بقى النموذج ده على كل شركات الدولة .. النتيجة .. بطالة أكبر .. قدرة شرائية أقل .. وبالتالى تدنى نسبة البيع لإن شريحة كبيرة من المجتمع مبقاش معاها فلوس تشترى .. نسبة بيع ضعيفة .. أرباح الشركات تقل فتقل معاها أرباح الدولة .. هنا بقى تتحقق معضلة الرأسمالية .. عشان الرأسمالية تنجح لازم يكون المجتمع صحى ومكوناته قادرة على الإستهلاك وعشان ده يتم لازم مرتبات الشريحة الأكبر منه تزيد .. لكن ده ضد مبدأ تعظيم الربح اللى قلناه من شوية .. إيه الحل ؟!
ـــــ
هل الرأسمالية ممكن تعجز قصاد المعضلة دى ؟
لحد دلوقت لأ .. الحل عندهم تمثل فى تسهيل الإستهلاك .. زمان قبل الثورة التكنولوجية اللى عايشينها دلوقت كان البيع والشراء بيتم ( On The Spot ) .. يعنى معاك فلوس فى جيبك هتشترى المنتج اللى محتاجه .. إنت تتبسط والشركة تكسب والعمال تقبض فتشترى تانى وهكذا .. أول ما السلسلة دى تتكسر كان بيحصل أزمات إقتصادية ممكن تتطور لو متلحقتش وتتحول لإنهيار إقتصادى .. الكساد الكبير فى أمريكا فى الثلاثينات مثلاً .. أزمة جنوب شرق آسيا فى التسعينات .. أزمة الرهن العقارى فى 2008 .. كلها أزمات تطورت بالتدريج وانتشرت فى العالم كله مع الوقت ..
طيب نعمل إيه عشان السلسلة دى تفضل مستمرة ومتتكسرش ؟
بسيطة .. هنضحك على حضرتك وهنزرع فى عقلك اللا واعى حب الإستهلاك .. هنغيرلك موديلات العربيات كل كام سنة .. الموبايلات كذلك .. الموضة .. حتى الأكل والشرب .. هنخترعلك أصناف جديدة بمسميات ملهاش علاقة بمحتواها .. قشطوطة وزغطوطة وبرغوتة وأى حاجة .. المهم تشترى الجديد لإن القديم مبقاش عالموضة .. طب هشترى منين وأنا مش معايا فلوس تكفى ده كله .. بسيطة .. هنسلفك .. بس مش من جيبنا .. من جيبك .. هنعملك حاجة إسمها فيزا مشتريات .. كريديت كارد .. دى يا عزيزى قرض حسن .. مش هناخد عليه فوايد طول ما انت بتسدده فى مواعيده .. فى الظاهر دى فلوسنا لكن فى الواقع دى فلوسك إنت بس فى المستقبل .. أرباح تعبك وشقاك لسنين قدام .. لو حضرتك فكرت تشترى موبايل سعره 50 ألف جنيه وإنت مرتبك 5000 جنيه فأنا كشركة – وبصورة غير مباشرة – حطيت إيدى فى جيبك وأخدت كل ما تملك لمدة 10 شهور قدام .. وده بفرض إنك مش هتاكل ولا هتشرب يعنى .. يبقى إنت إتبسطت وأنا كشركة حققت أرباح من غير ما أدفع ولا مليم زيادة عن الطبيعى ..
ـــــ
الكريديت مش هو العنصر الوحيد لتنشيط الإستهلاك .. عندك مثلاً القروض .. سواء الفردية أو قروض الشركات أو حتى القروض الدولية .. كل الدنيا ماشية بالدين .. والدين ده عليه فوايد .. إلتزامات بتزيد كل سنة على كل البشر .. وكل ده ليه ؟ .. عشان النظام الرأسمالى لازم يستمر .. محدش فى الدنيا كلها قادر يعترض ويقول يا اخوانا النظام الربوى اللى قايمة عليه الرأسمالية هو اللى بيخرب الدنيا وهو اللى بيوقع المنظومة .. ليه ؟ .. لإن الأعباء اللى بتزيد كل سنة دى لازم هييجى عليها وقت والناس مش هتقدر تسددها لإن الزيادة فى الأجور لا توازى زيادة التضخم العالمى ..
الوضع ده بطبيعة الحال لازم ييجى فى نقطة ما وينهار .. أفراد تتعثر فى سداد ديونها .. فالبنوك تتعثر هى كمان فى الوفاء لعملاءها .. الشركات متلاقيش سيولة عشان تصرف أمورها .. المستوردين يوقفوا طلبياتهم لعدم توفر السيولة .. المصدرين تتكدس سلعهم فى المخازن .. الأرباح تقل .. الضرائب اللى بتجمعها الحكومات تقل فمتقدرش توفى إلتزاماتها سواء الداخلية تجاه شعوبها أو الخارجية تجاه الدول الدائنة .. عندها تنكسر السلسلة اللى كل البشر بيدوروا فى فلكها وهما مغميين عنيهم ..
فى اللحظة دى لازم الدول تضحى شوية وتصرف من موازنتها على شركاتها العملاقة .. كإنها بتشترى إنتاجها حتى لو هى مش محتاجاه لإن هدف الحفاظ على الكيانات دى بيبقى أهم من أى شيء حتى لو كان ده معناه تخفيض الإنفاق المجتمعى على شعوبها .. وكل واحد وحظه بقى .. لو إنت عايش فى أمريكا مثلاً فإنت أكيد هتتأثر لكن مش زى المواطن اللى عايش فى دولة عالم ثالث .. أمريكا هتصرف ببذخ عشان تنقذ شركاتها وبالتالى تستمر عجلة الرأسمالية فى الدوران وبالتالى يكونوا أول الخارجين من الأزمة وأقل المتأثرين بيها .. لكن الغلابة التانيين دول هيجيبوا منين .. مفيش غير ضرائب إضافية وتقليل إنفاق وبالتالى فقر زيادة وضعف إستهلاك .. وحلنى بقى على ما يقدروا يقفوا على رجليهم تانى .. مأساة ..
ـــــ
الملخص يا سيدى الفاضل إن الحرية المزعومة دى مش موجودة .. أو موجودة بشكل نسبى حسب إنت عايش فين .. فى السياسة مثلاً نص الكوكب حالياً بيطلع فى مظاهرات أسبوعية بيطالبوا فيها بوقف الحرب ورغم كده محدش إستجاب مع إن دى رغبة شعوبهم الحرة .. فى الإقتصاد بقى فالشعوب هتفتكر إنها حرة وبتشتغل فى نظام صحى لكن فى الواقع هما شغالين فى نظام إستعبادى بيمص دمهم وبيرسخ لإفقارهم .. نظام هدفه الرئيسى تركيز الثروة فى يد أقلية وترك الأغلبية لمصيرها المجهول .. البعض منهم ربنا بينجيه والبعض الأخر بيسقط فى الإمتحان وبيلاقى نفسه تدريجياً بينزل فى الطبقات الإجتماعية بدون ما يرتكب أى خطأ .. قرار إقتصادى واحد غلط ممكن يضيع تعب سنين لمجرد إنه بيتماشى ” نظرياً ” مع النظام الرأسمالى .. قرار زى تخفيض قيمة العملة مثلاً نظرياً بيتماشى مع معايير الإقتصاد العالمى الحر لكنه فى الواقع بيخفض مدخرات الناس وبيقلل قدرتهم الشرائية وبيغلى تكاليف الحياة على الجميع ..
كل ده بيحصل وإنت فاكر إنك حر .. تقدر تسيب شركة ” س ” وتروح لشركة ” ص ” عشان مرتبها أفضل .. فى حين إنك يدوبك بتحاول تحسن شروط عبوديتك .. بساعات عمل أقل أو بمرتب أعلى .. بتحفر فى الصخر حرفياً عشان تحافظ على موقعك فى طبقتك الإجتماعية .. وبخصوص النقطة دى يحضرنى مقولة للكاتب الراحل د / أحمد خالد توفيق بيقول فيها :
( أنا من الطبقة الوسطى التى تجاهد كى لا تنزلق لأسفل وتكافح كى تصعد لأعلى فلا تكسب إلا تحطيم أظفارها على الغبار الذى يبطن الحفرة .. لست فقيراً بحيث أحتمل شظف العيش .. ولست ثرياً إلى حد يجعلنى أطمئن على أطفالى يوم أموت )
ـــــ