فى خناقة كانت دايرة على صفحات الفيسبوك بقالها كام يوم لكنها مخدتش حقها أوى بسبب الخناقة اللى كانت دايرة على وفاة المراسلة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ..
الخناقة دى قامت لما انتشرت صور لمقام الإمام الشافعى مرمى جواه فلوس وهدوم وشمع وخلافه .. ومعاها بدأت التعليقات زى الرصاص من كل الأطراف ما بين مدافع عن اللى بيقوم بالأفعال دى وبين مهاجم وصل بيه الأمر لتكفيرهم .. خناقة خلت دكتور مهتم بالآثار زى د / مصطفى الصادق يمسح البوست اللى نشر فيه الصور دى .. أنا شخصياً لقيت كذا بوست عند أصدقائى إتكلموا عن الموضوع ده وبنفس الطريقة حصل خلاف قوى جداً فى التعليقات عندهم .. أنا بقى لا ههاجم ولا هدافع عن اللى بيعملوا كده .. أنا راجل بتاع تاريخ .. هحاول أكتب بوست سريع هركز فيه على الشق التاريخى وهسيب الباقى لحضرتك تحكم بنفسك ..
فياريت محدش يتخانق فى التعليقات بعد اذنكم ونوفر طاقة الخناق لموضوع الترحم على شيرين أبو عاقلة قبل ما يروح لحال سبيله ..
ـــــ
فى البداية كده مصر من بعد الفتح الإسلامى محصلش فيها إهتمام بموضوع الأضرحة ده نهائياً وعمره ما كان أولوية بالنسبة للشعب المصرى .. قبله أكيد طبعاً ومقابر الفراعنة خير دليل لكن بعد الفتح الإسلامى الموضوع شبه إنعدم رغم إن فى عدد كبير من الصحابة والتابعين توفوا على أرض مصر إلا إن مش كل الناس تعرف المعلومة دى أو حتى أماكن دفنهم ..
أومال إيه اللى حصل عشان يغير الفكرة دى ؟
اللى حصل إن بعد مئات السنين ومع ضعف الخلافة العباسية ظهرت ضدها حركات تمرد خاصة فى الأقاليم البعيدة عنها كان أبرزها الدولة العبيدية اللى نشأت فى إقليم المغرب الإسلامى وفضلت تتحرك ناحية الشرق لحد ما سيطرت على مصر .. الدولة دى حكامها كانوا شيعة وهدفهم طبعاً كان نشر المذهب الشيعى فى البلد لكنهم كانوا على قدر كافى من الذكاء بحيث إنهم ميتصادموش مع الشعب ويجبروه على اعتناق المذهب بالقوة فدخلوله من باب لا يمكن رفضه أو حتى إستنكاره .. اللى هو إيه ؟ .. باب حب آل بيت النبى ﷺ ..
بص يا شعب مصر الحبيب المهاود .. إحنا من آل البيت .. وانت أكيد بتحب آل البيت .. وعشان كده أنا محضرلك مفاجأة .. فى عشرات من آل البيت مدفونين هنا فى مصر .. إيه رأيك بقى ؟ .. فجأة وبدون سابق علم أو معرفة فوجىء المصريين بمئات الروايات اللى بتؤكد وفاة عدد كبير من آل بيت النبى ﷺ ودفنهم فى مصر .. زى الحسين بن على والسيدة زينب بنت على والسيدة رقية بنت على والسيدة سكينة بنت الحسين والسيدة نفيسة بنت الحسن وغيرهم كتير عليهم رضوان الله جميعاً ..
أنا هنا مش هتكلم عن صحة الروايات دى وهسيب لحضرتك الحرية عشان تدور فى مسألة صحتها لكن هوضحلك نقطة مهمة وهى إن المتوفين اللى تم ذكرهم من آل البيت كلهم وبلا إستثناء كانوا من نسل سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه دوناً عن باقى آل البيت الكرام .. كلهم .. نقطة غريبة شوية مينفعش نهملها ..
ـــــ
أكتر من 200 سنة يا مؤمن والمصريين بيشوفوا كل فترة مقام جديد لواحد من آل بيت النبى ﷺ لدرجة إن اللى مات منهم بره مصر ووفاته هناك مؤكدة كانوا بيعملوله حاجة إسمها مشهد عشان الناس لما تشوف المشهد تترحم عليه لحد ما مصر كلها بقت أضرحة ومقامات ومشاهد .. 200 سنة ومعدل فخر المصريين بيزيد بوجود هذا النسل الكريم على أرضه دوناً عن باقى بلاد الله الواسعة .. مصر حرفياً كانت نسخة من إيران وبعض محافظات العراق دلوقت ..
المشكلة بقى يا سادة مكانتش فى الأضرحة نفسها قد ما كانت فى الممارسات اللى بتحصل فيها .. مع الوقت الناس بدل ما كانت بتزور المقامات عشان تدعى ربنا لأنها بتتبارك بآل البيت المدفونين فيها بقت تزورهم عشان تستنجد بيهم وتتوسلهم هما .. ممارسات زى ذبح الذبائح ودفع الأموال والتمسح بالقبور كلها ظهرت تدريجياً بين الناس وكل ما الشخص بالغ فى تصرفاته دى كان أكثر ورعاً وحباً وتعلقاً بآل البيت .. اللطيف بقى إن أى حد كان بيفكر يوعى الناس لخطورة ممارساتهم الغلط دى كان بيتحبس على طول .. ليه ؟ .. لإن نظام الدولة العبيدية كان بيستمد شرعيته من إيمان الناس بالكلام ده .. إنت مش بتحب آل البيت ولا إيه ؟ .. لاااااا .. ده انت مجرم بقى ولازم تتسجن عشان تعرف إن الله حق .. أى حد كان بيحاول يفتح عيون الناس كان بيروح ورا الشمس حرفياً ..
استمر الوضع كما هو لحد ما الدولة العبيدية ضعفت وتحللت من الداخل بسبب الفساد وتغول الوزراء وحب الدنيا والتكالب عليها فى الوقت اللى الدولة الزنكية فى الشرق كانت دولة سنية فتية بتستعد عشان تورث كل ده ..
ـــــ
بعد عدة حملات على مصر من السلطان ( نور الدين محمود ) وقائده ( صلاح الدين الأيوبى ) نجح الزنكيين فى السيطرة على مصر .. فجأة إكتشف صلاح الدين إن المصريين عايشين على الله وكلهم قايمين نايمين بيتمسحوا بالقبور ويتوسلوا وناسيين إن النفع والضر بإيد ربنا سبحانه وتعالى وحده .. طبعاً خطته كانت تحويل أهل البلد للمذهب السنى ونسف كل المظاهر دى لكنه فى النهاية كان قائد عسكرى مش رجل دين ومكانش قدامه غير إنه يستورد – ده إن جاز التعبير – رجال دين من بغداد بحكم إنها كانت عاصمة الخلافة العباسية عشان يعلموا الناس دينهم بشكل صحيح عشان يتفرغ هو لمعاركه فى الشام ضد الصليبيين ..
المشكلة اللى صلاح الدين معملش حسابها هى إن 200 سنة وزيادة مش سهل تمحيها من نفوس الناس بالسهولة دى .. المصريين مكانش عندهم مشكلة فى تغيير نظام الحكم وكان واضح إن الدولة العبيدية مكانتش بتعاملهم أحسن معاملة .. لكن نظام الحكم حاجة وحب آل البيت حاجة تانية .. الكارثة إنهم مكانوش حاسين إنهم ماشيين غلط .. هما كانوا فاكرين إن هو ده الصح ومفيش صح غيره رغم إن ده تم برعاية ودعم العبيدين عشان يسيطروا عليهم بسهولة .. الصورة كانت ضبابية جداً بالنسبة لهم ..
طب يالا يا سيدى .. حل بقى الأزمة دى وغير قناعات الناس ..
للأسف الحل بتاع رجال الدين السنى مكانش فى منع المظاهر دى ولو حتى بالقوة .. لأ .. ده الحل من وجهة نظرهم كان التوسع فيها .. يعنى بدل ما هى قبور وأضرحة شيعية بإمتياز احنا هنزود عليها قبور أولياء وفقهاء وعلماء من السنة إستغلالاً لإرتباط المصريين بالحالة القبورية دى .. ومع الوقت ظهرلنا بقى مئات من المساجد اللى جواها أضرحة لأولياء الله الصالحين وأصحاب الكرامات .. يعنى الحل بدل ما يبقى دينى وشرعى بما يرضى الله ورسوله بقى حل سياسى فيه مراعاة لاعتياد الناس على المذهب اللى كانوا عايشين بيه ..
ـــــ
مع الوقت الدنيا باظت بزيادة .. بعد ما بدأ الأمر بحب آل بيت النبى ﷺ والدعاء لله فى حضرتهم تطور للتوسل والتمسح بالأضرحة ثم وصل فى النهاية إلى طلب المدد والعون من أصحاب القبور .. ومش بس كده .. ما ده كان موجود أساساً من الأول .. كثرة قبور الأولياء أفرزت عادة كانت رائجة جداً فى الزمان ده ألا وهى الموالد .. موالد فى كل ركن من أركان البلد مع ازدهار التجارة المصاحبة ليها .. ما هو مولد يعنى أكل وشرب وبيع وشراء وازدهار وكله فى حب أولياء الله الصالحين .. انتشر الدراويش والمجاذيب فى الشوارع وبقت الناس تعاملهم معاملة أهل الله وبقوا يتباركوا بيهم .. انتشرت مهنة حملة المباخر وخدام المقامات وأمناء صناديق الأولياء اللى بيجمعوا التبرعات المادية والعينية من الناس بحجة قضاء حوائجهم وحاجة أخر سبهللة بصراحة ..
المجتمع المصرى يا جماعة كان عايش الأجواء دى بصورة يومية لمئات السنين لحد ما شربها تماماً وتوارثها كمان فاعذروا الناس اللى مش فاهمة وحاولوا توعوهم بالحسنى .. حاولوا تعرفوهم الفرق بين حب آل البيت والصحابة والتابعين والفقهاء والعلماء والصالحين وبين طلب معونتهم ومساعدتهم وهم بين أيادى الله عز وجل .. حاولوا تفهموهم إن النفع والضر بإيد ربنا سبحانه وتعالى بس وإن هو صاحب المدد ومصدر الإستعانة الوحيد .. عرفوهم إن ديننا مفيهوش وسيط بين العبد وربه .. إنت تقدر تناجى الله عز وجل فى أى وقت وأى مكان بدون الحاجة لأى شخص سواء حى أو ميت .. عرفوهم كلام ربنا عز وجل فى سورة البقرة :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )
عرفوهم حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما اللى رواه الترمذى وفيه أن رسول الله ﷺ قال :
( إذا سألت فاسأل الله .. وإذا استعنت فاستعن بالله )
إحنا ولله الحمد فى زماننا الحالى أفضل ألف مرة بل يمكن مليون مرة من الزمن اللى عاش فيه أجدادنا .. أيوة لسه فينا بعض الناس اللى بيمارسوا الطقوس دى وشايفين إنهم بكده بيتقربوا لربنا أكتر لكنهم بقوا أقلية دلوقت والناس بقت تتلقى المظاهر دى بإستغراب .. إحمدوا ربنا إننا عايشين فى الزمن الحالى وإلا كان ممكن نلاقى نفسنا شايلين مباخر ومعلقين سبح فى رقابنا ولابسين جلاليب ملونة وماشيين فى الشارع نقول حى ومدد وشيء لله يا فلان ..
ـــــ