الظاهر بيبرس ..قصة قائد ( جـ 5 )

الظاهر بيبرس .. قصة قائد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الخامس :
ـــــــــــــــــــــــــ

زى ما فى ناس عجبها سلطنة بيبرس فى ناس تانية رفضتها عشان كده أول سنة ونص من فترة حكمه حصل فيها أكتر من تمرد .. أولهم حصل بعد فترة قصيرة جداً وقام بيها واحد إسمه الكورانى والكورانى ده راجل شيعى فارسى الأصل كان ساكن فوق جبل المقطم ودايماً كان بيمشى وهو شايل سبحة فى إيده عشان يظهر للى حواليه الزهد والورع لحد ما اتجمع حواليه عدد كبير من الشيعة خاصة من الجنود السودان اللى كانوا بيشتغلوا ( ركبدارية ) فى الجيش المملوكى .. يعنى كانوا مسئولين عن الخيول والإسطبلات وكانوا بيمشوا قدام السلطان فى المسيرات الرسمية وكده ..

الكورانى كان منتمى للدولة العبيدية اللى زالت على يد صلاح الدين الأيوبى وكان هدفه إنه يرجعها تانى وعشان كده إستغل تجمع الناس حواليه وبدأ يحرضهم على قتال المماليك وإزاحتهم من السلطة وبدأ يوعدهم بتغيير حالهم للأفضل لدرجة إنه كتبلهم مناشير بالإقطاعات اللى هتبقى ليهم فى حالة إنتصارهم على المماليك وبالفعل خرجت الجنود فى أحد الليالى فى أواخر سنة 658 هجرياً وهما بيهتفوا : ( يا آل على ) ودخلوا على الإسطبلات وخدوا منها الخيول وبعدين هجموا على سوق السيوفيين فى بين القصرين وسرقوا السلاح اللى قدروا عليه وكانوا ناويين يسيطروا على القاهرة قبل ما يدخلوا القلعة لكن بيبرس والمماليك كانوا أسرع وأجهز منهم فقدروا إنهم يحاوطوهم وقضوا عليهم وقبضوا كمان على كل قادتهم وعلى رأسهم الكورانى اللى بعد كام يوم إتصلب على باب زويلة عشان يبقى عبرة لأى حد يفكر يعمل زيه ..

ـــــ

التمرد الثانى ضد بيبرس قام بيه أمير مملوكى إسمه ( سنجر الحلبى ) والراجل ده كان فى مصر وقت وفاة ( عز الدين أيبك ) وكان بيأمل إن السلطنة تبقى ليه من بعده لكن وقتها تم الإستقرار على ( سيف الدين قطز ) فالراجل رضى إنه يكون حاكم على دمشق لكنه فضل مستنى الفرصة عشان يحكم مصر ولما إتقتل قطز شاف إن دى فرصته المناسبة ومبايعش بيبرس ولكن فى المقابل ما أعلنش العصيان ضده .. يعنى فى دمشق كانت الخطبة ليهم هما الإتنين ( سنجر وبيبرس ) والعملة بتتسك بإسمهم هما الإتنين برضه وفوق ده سمى نفسه الملك المجاهد علم الدنيا والدين .. حاجة كده زى إنه يمسك العصاية من النص ..

بيبرس هنا إستخدم الشدة واللين فى نفس الوقت فبعت رسالتين لسنجر الحلبى مع واحد من الأمراء إسمه ( جمال الدين أقوش ) .. الرسالة الأولى فيها تحذير وتهديد بالحرب فى حالة عدم التراجع وإعلان الطاعة للظاهر بيبرس .. سنجر شاف الرسالة ركبه العفريت وأعلن الإنشقاق التام وقال لجمال الدين إن من النهاردة دمشق واللى حواليها هيبقوا تابعين ليه لوحده وهنا مكانش قدام جمال الدين غير إنه يستخدم الرسالة التانية واللى كان فيها وعود بمكافآت كبيرة جداً موجهة لأمراء دمشق فى حالة إنشقاقهم عن سنجر ..

الكلام عجب بعض الأمراء فخرجوا بره دمشق وإنضموا لجنود جمال الدين .. ومش بس كده .. بيبرس كان مأمن نفسه بزيادة .. بعد ما بعت جمال الدين بعت وراه جيش من مصر وجيش تانى خرج من الساحل الشامى .. سنجر جمع الجنود اللى لسه باقية معاه وخرج لقتال الجيش المملوكى لكن طبعاً خسر المعركة فرجع على قلعة دمشق عشان يتحامى فيها وفى نفس اليوم بلليل خرج منها متخفى ولجأ لقلعة بعلبك .. الناس صحيت الصبح ملقتش سنجر ففتحوا الأبواب لجيش الظاهر وبكده استتب ليه الأمر فيها .. بعدها إتوجهت الجيوش الظاهرية لبعلبك وهناك قبضوا على سنجر الحلبى وبعتوه للقاهرة لكن بيبرس عفا عنه وسامحه وفوق ده ولاه حلب .. الغريب إن سنجر بعد ده كله حاول إنه يستقل بحلب بعد فترة لكنه فشل وده موضوع تانى مش هينفع نستفيض فيه عشان المساحة متسمحش ..

بخلاف الحادثتين دول اللى كانوا الأبرز فى بداية حكم بيبرس كان فى كذا تمرد يمكن نرجعلهم لو الوقت سمح زى محاولات الأمراء ( شمس الدين البرلى ) و ( سيف الدين الرشيدى ) و ( عز الدين الصقلى ) و ( المغيث عمر ) حاكم الكرك لكن كلها كانت محاولات فاشلة ومتمش الإعداد ليها كويس ويحسب للظاهر بيبرس إنه لما كان بيتمكن من القضاء عليها كان بيعفو عن اللى دبرها ما عدا ( المغيث عمر ) اللى إستخدم الحيلة للقبض عليه وفضل حابسه لحد ما مات وده لإنه كان خايف من مطالبته بالسلطنة بحكم إنه منتمى للبيت الأيوبى .. وللأمانة فالمماليك كان عندهم نقص شوية فى الحتة دى لإنهم دايماً كانوا حاسين إنهم مش أصحاب حق فعلى فى حكم البلاد عشان كده كان أكبر همهم القضاء على أى منافس سياسى ممكن يهدد وجودهم ..

ـــــ

إحساس المماليك بعدم شرعية حكمهم رغم التضحيات اللى قدموها كان مضاعف عند بيبرس وده لإن الإنتصار فى المنصورة على الصليبيين إتحسب لتوران شاه والإنتصار على المغول فى عين جالوت إتحسب لقطز رغم إنه كان بطل المعركتين فكان حاسس دايماً إنه مسابش أثر كبير يساعده على الإحتفاظ بمنصبه وعشان كده قعد يفكر فى طريقة تأكد شرعية حكمه لحد ما توصل لفكرة إحياء الخلافة العباسية مرة تانية .. المسلمين من أوائل 656 هجرياً لأوائل 659 هجرياً فضلوا عايشين من غير خليفة بعد ما هولاكو دخل بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله .. 3 سنين والمنصب شاغر رغم مكانته السامية وده شيء كان مستهجن عند المجتمع الإسلامى اللى كان متعود على وجود الخليفة فى حياته ..

الملك الناصر الأيوبى حاول قبل كده ينصب واحد من العباسيين اللى هربوا من بغداد لكن تطور الأحداث مع المماليك مسمحلوش بده .. قطز بعد عين جالوت كان هينصب برضه واحد من البيت العباسى لكنه إتقتل قبل ما يطبق الفكرة لحد ما قدر بيبرس إنه يحكم قبضته على منصب السلطان وبدأ يدور على وسائل تدعم شرعية وجوده فقرر تطبيق الفكرة .. فى نفس الوقت ربنا بعتله هدية لحد عنده .. رسالة من دمشق بعتها الأمير علاء الدين البندقدارى – أول من اشتراه فى مصر لو تفتكروا – بيقوله فيها إن وفد وصل من بغداد فيه 50 شخص على رأسهم رجل وسيم الطلعة شديد القوة ذا شجاعة وإقدام وبيدعى إنه أحمد بن الإمام الظاهر .. يعنى من نسل الأسرة الحاكمة العباسية ..

ـــــ

بيبرس أول ما قرأ الرسالة رد عليها بضرورة إكرام الوفد وإحضاره للقاهرة فى أقرب وقت وبالفعل بيوصل الوفد للقاهرة يوم 9 رجب 659 هجرياً وبيكون فى إستقبالهم السلطان والوزير وقاضى القضاة وأعيان الدولة والأئمة والقراء والمؤذنون ومعاهم كمان وفود من اليهود والنصارى المقيمين فى مصر غير طبعاً أهل البلد العاديين اللى اصطفوا على جوانب الطريق عشان يشوفوا الخليفة لأول مرة من سنين .. شاب .. 35 سنة .. يلبس السواد وده كان شعار بنى العباس .. دخل من باب النصر وشق القاهرة كلها بالطول وخرج من باب زويلة وبعدها طلع على القلعة فى موكب مهيب ..

بعد 4 أيام عقد السلطان بيبرس اجتماع مهم دعى ليه وجهاء الدولة وفقهائها وفى الاجتماع ده تم التأكد من نسب الخليفة وأطلق عليه ( أحمد المستنصر بالله ) وإكتسب صفته الشرعية قدام كافة المسلمين .. خلال الأسبوع ده خرج الخليفة مع بيبرس قدام الناس وصلى الجمعة بيهم ودعى للسلطان وفى المقابل أرسل بيبرس رسايل لكل أقاليم الدولة فى مصر والشام يؤكد على شرعية ( المستنصر بالله ) ودعى الناس لمبايعته وكمان كافىء مماليك الخليفة وإدالهم إقطاعات كبيرة فى نابلس فى فلسطين .. كل ده ليه بقى ؟ .. عشان الحاجة اللى بيبرس كان دايماً بيدور عليها .. الشرعية ..

فى أول شعبان سنة 659 هجرياً جمع بيبرس أهل القاهرة فى إحتفال كبير تم فيه مبايعة الخليفة رسمياً وشعبياً وفى المقابل وقف الخليفة وأعلن للناس كافة إن الظاهر بيبرس هو الحاكم الشرعى لمصر والشام وكتب ده فى وثيقة رسمية .. ومش بس كده .. ده أمر بصنع عباءة سوداء وطوق وأساور ذهبية على مقاس الظاهر بيبرس وأمر بنصب خيمة كبيرة فى أحد البساتين المشهورة وفى اجتماع مهيب لبس العباية والطوق والأساور لبيبرس وتم قراءة وثيقة التقليد الرسمية على الناس وخرجوا كلهم ومشيوا فى شوارع القاهرة والناس شافت بيبرس بالهيئة الجديدة .. وبكده يكون بيبرس قفل أى باب ممكن يدخل منه الطاعنين فى شرعيته ..

ـــــ

وهكذا يا جماعة إستمر الغزل بين الطرفين من ساعة ما وصل الخليفة لمصر ولمدة 5 شهور تقريباً .. الخليفة يعمل حركة حلوة يأكد بيها سلطنة بيبرس وبيبرس يرد بإقطاعات وهدايا لرجالة الخليفة ويعينله حراس وخدم ويتحمل تكاليفهم عنه .. فضلت الدنيا جميلة بينهم لحد ما الخليفة أعلن إن لابد من جهاد التتار وإن مقر الخلافة لازم يرجع لبغداد تانى .. الكلام ده كان فى أواخر ذى القعدة سنة 659 هجرياً .. بيبرس أظهر دعمه للخليفة وأعلن عن تخصيص مبلغ مليون و 60 ألف دينار تكفى لتجهيز 10 آلاف جندى عشان يعاونوا الخليفة اللى هيطلع بنفسه على رأس الجيش .. لحد هنا لطيف جداً .. اللى حصل بعد كده كان عكس اللى تم الإعلان عنه ..

اللى حصل فعلياً إن جيش الخليفة مزادش عن ألف جندى وبدون أكابر أو وجهاء المقاتلين حتى كان مفترض يكون ضمن الجيش إتنين من أبناء حاكم الموصل وخرجوا معاه من الشام بالفعل لكن جم عند الموصل ومرضيوش يكملوا بحجة إن بيبرس مأمرهومش بكده فكمل الخليفة وخاض معركة غير متكافئة وإتهزم فيها .. ناس قالت إنه مات فى المعركة وناس قالت إنه إختفى ومبقاش ليه أثر .. هنا لازم نسأل نفسنا أسألة مهمة .. ليه بيبرس مجهزش ال 10 آلاف جندى كلهم ؟ وليه أمر أبناء صاحب الموصل بعدم الإستمرار مع الخليفة للنهاية ؟ والأهم ليه مخرجش بنفسه على رأس الجيش ؟

بصراحة هو مفيش إجابة مؤكدة عن الموضوع ده رغم إن الروايات بتأكد إن بيبرس أنفق كتير فعلاً من وقت وصول الخليفة لحد خروج الحملة ومحدش برضه أكد هل المليون وستين ألف دينار شاملين كل اللى إتصرف على الخليفة من وقت وصوله ولا اللى إتصرف على الحملة بس .. لكن التفسير اللى لجأ ليه البعض هو إنه رفض دعم الخليفة لإن فى حالة نجاحه فى إستعادة بغداد هيتنقل مركز القوة من القاهرة لبغداد والخليفة هيبقى أقوى منه لدرجة إنه ممكن يعزله من منصب السلطنة بخلاف إن المعركة هتصب فى كفته هو ويبقى إتكرر معاه اللى حصل فى المنصورة وعين جالوت ..

طبعاً الله أعلم بالحقيقة ومفيش تأكيد على صحة الرأى ده لكن كارهى بيبرس روجوا ليه وتعاملوا معاه بسوء نية عشان يأكدوا على طبيعته الغدارة واللى ظهرت فى مشاركته فى قتل توران شاه وقطز ..

ـــــ