الظاهر بيبرس .. قصة قائد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ـــــــــــــــــــــــ
بعد الإنتصار فى معركة المنصورة بزغ نجم المماليك البحرية وارتفع شأنهم جداً وده تضارب بشكل ما مع طموحات السلطان ( تورانشاه ) .. الشعب إبتدى يبص لأقطاى وبيبرس وغيرهم من قادة المماليك بصة إحترام على إعتبار إنهم أبطال المعركة فى الوقت اللى تورانشاه كان شايف إنه لازم يبقى هو اللى فى الواجهة لإن الإنتصار الفعلى فى فارسكور حصل فى وجوده ..
تورانشاه كان جاى من الشام وهو ناقم على المماليك وشايف إنهم بيستولوا على حق مش بتاعهم وإنهم باصين على السيادة رغم إنهم مجرد عبيد .. كمان طبيعته الشخصية كانت بتمثل مشكلة إضافية .. المؤرخين لما حبوا يوصفوه قالوا عليه الآتى :
( كان سريع الغضب ولا يؤاخذ مقصر ولا يقبل معذرة ولا يراعى سالف خدمة )
الصفات دى خلته يتشدد ضد المماليك بدل ما يخليهم سند ليه فى بداية حكمه فبدأ بأقطاى ورفض يديله حصن كيفا رغم إنه وعده بيه قبل كده وبدأ يعتمد على الأمراء اللى جم معاه على مصر وعزل المماليك البحرية من مناصبهم بالتدريج .. ومش بس كده .. ده اتهم ( شجر الدر ) زوجة والده إنها استولت على أموال أبوه وطالبها بردها ولما قالتله إنها صرفت الأموال فى تجهيز الجيش لصد الصليبيين مقتنعش بكلامها ..
ـــــ
طبعاً كل ده خلى المماليك تحس بالخطر لكن برضه كانوا باقيين على خدمته لحد ما حصلت حاجة خلتهم يحسموا موقفهم منه .. تورانشاه كان ببحب يشرب خمرة وفى محرم سنة 648 هجرياً أمر بإقامة حفلة والواضح كده إنه تقل فى الشرب شوية وده خلاه صريح حبتين .. من قبل الحفلة دى هو كانت ليه حركة إتعرفت عنه وهى إنه بيجمع الشموع جنب بعض ويقوم ضاربها بالسيف وهو بيقول :
( هذا ما سأفعل بالبحرية )
وفى الحفلة دى وبسبب الخمرة كرر الحركة ده أكتر من مرة .. المماليك فى الأول إفتكروه بيهزر وكانوا هيعدوها لكن تكراره ليها خلى بيبرس دمه يفور ويرفع سيفه عشان يضربه بيه ولكن توران شاه خد باله فى أخر لحظة وحاول يتفادى الضربة بإيده فصوابعه إتقطعت وهرب من المجلس واستخبى فى برج خشبى على النيل وقال للى حواليه :
( من جرحنى ؟ )
فقالوله :
( الحشيشة )
وكانوا يقصدوا طائفة الحشاشين الباطنية فقالهم :
( لا والله إلا البحرية .. والله لا أبقيت منهم بقية )
طبعاً المماليك كانوا لسه واقفين ومتفقوش على رأى لحد ما واحد منهم قال :
( تمموه وإلا أبادكم )
فراحوا حاصروا البرج على طول .. أول ما توران شاه شافهم طلع لأعلى نقطة فى البرج وقفل على نفسه عشان محدش يقدر يوصله فقام المماليك ولعوا فى البرج وبدأوا يرموه بالسهام لحد ما يأس من النجاة فرمى نفسه من البرج .. لما وقع على الأرض لقى إن أقرب واحد ليه هو أقطاى فمسك رداءه وحاول يستعطفه ويستجير بيه لكن أقطاى مرضيش يساعده فهرب ورمى نفسه فى النيل وهو بيقولهم :
( ما أريد ملكاً .. دعونى أرجع إلى الحصن يا مسلمين – يقصد حصن كيفا – ما فيكم من يصطنعنى ويجيرنى ؟ )
بس طبعاً محدش رد عليه وقبل ما يبعد فى النيل نزل وراه مجموعة من المماليك وقطعوه بالسيوف وخرجوا جثته وسابوها على شط النيل لمدة 3 أيام لحد ما شفع فيه رسول الخليفة فأمروا بدفنه ..
ـــــ
بوفاة توران شاه رجعت السلطة تانى ل ( شجر الدر ) اللى كما العادة قدرت تدير المرحلة بحكمة رغم توتر أحداثها ولكن وجودها على رأس السلطنة قابل رفض من جهتين رئيسيتين .. بيت الخلافة فى بغداد بسبب رفض الخليفة العباسى ( المستعصم بالله ) لولايتها كونها إمراة .. ومن البيت الأيوبى فى الشام واللى رفضوا فكرة خروج مصر من تحت وصايتهم ..
المماليك عشان يخرجوا من الورطة دى ويوجدوا مبرر شرعى لحكمهم لمصر عرضوا حل لطيف جداً .. إحنا نجوز شجر الدر لواحد من المماليك وبعدها هى تتنازله عن منصب السلطان ونبقى راضينا الخليفة .. ونجيب أى أمير من أمراء الأيوبيين ونشركه فى حكم مصر بشكل صورى ونبقى كده راضينا الأيوبيبن .. بخصوص شجر الدر فوقع إختيارهم على ( عز الدين أيبك ) بإعتبار إنه واحد من أواسط المماليك سهل عليهم يعزلوه أو حتى يقتلوه فى أى وقت .. وبخصوص الأيوبيين فوقع إختيارهم على أمير صغير عمره متخطاش ال 10 سنين إسمه موسى فسلطنوه وسموه ( الملك الأشرف مظفر الدين موسى )
ـــــ
طبعاً الموضوع معداش عالأيوبيين بسهولة .. حاكم دمشق ( الناصر صلاح الدين يوسف ) قرر يدخل مصر ويشيل المماليك من حكمها وبالفعل إتقابل معاهم قرب محافظة الشرقية ونجح فى الإنتصار جزئياً لإن نص الجيش كان بيحارب فى الشرقية والنص التانى إنتصر ودخل القاهرة وأعلن تبعيتها للناصر الأيوبى ولكن بعد فترة قصيرة إكتشفوا إن باقى الجيش مش فى ضهرهم وإن مفيش دعم ليهم فخافوا وظنوا إن الملك الناصر توفى فسابوا القاهرة ورجعوا وعندها رجع عز الدين أيبك والمماليك للقاهرة وامتلكوها تانى ..
من هنا بدأت الخلافات بين المماليك .. عز الدين أيبك شاف إن ده وقت مناسب لعزل الملك الأشرف موسى والإنفراد بحكم مصر والمماليك البحرية قالوا لأ وشافوا إنهم مش مهيئين لحرب تانية خاصة إنهم فعلياً إتهزموا فى أخر مواجهة مع الأيوبيين لولا إنهم إنسحبوا .. أيبك معجبهوش الكلام وغضب عليهم وكانت هتبقى مجزرة وده خلى أقطاى يهرب ومعاه حوالى 2000 من المماليك البحرية ويلجأ للملك ( المغيث عمر ) حاكم الكرك فخاف ( أيبك ) من دعمه ليهم وقيام حرب جديدة وتراجع عن رأيه وأعلن ولاؤه للملك الأشرف فرجع البحرية تانى للقاهرة ..
إعتراف أيبك بالملك الأشرف مغيرش شيء من نظرة الأيوبيين فى الشام وفضلت المناوشات بينهم مستمرة لمدة سنتين لحد ما الخليفة العباسى قرر يتدخل ويصلح بينهم وده حصل بعد ما أرسل مندوب من عنده لعقد الهدنة وإنتهى الموضوع بإن مصر تبقى للمماليك ومن اول غزة لنهاية بلاد الشام تبقى للناصر الأيوبى .. بكده إنتهى أيبك من العدو الخارجى .. فاضل مين ؟ .. العدو الداخلى طبعاً .. المماليك البحرية ..
ـــــ
الصلح ده قوى موقف ( أيبك ) جداً ورفعه فى نظر كتير من المماليك وبدأ ينتمى ليه عدد مش قليل منهم وعلى رأسهم ( سيف الدين قطز ) وسموا نفسهم المماليك المعزية نسبة إليه والحقيقة ده مكانش إختراع وقتها لإن كل مجموعة من المماليك كانت بتسمى نفسها نسبة لأستاذها .. زى المماليك الصالحية أو المماليك الكاملية وهكذا ..
المهم الخلاف بين الطرفين زاد وبصراحة البحرية كانوا بيتطاولوا على عامة الناس وبيستولوا على أموالهم وأقطاى نفسه مكانش بيفوت فرصة يقدر يثبت فيها منافسته لأيبك إلا وكان بيستغلها وكان دايماً بيتزعم جبهة المعارضة .. ده خلى أيبك يحسم قراره ويخطط لقتل أقطاى وبالفعل دعاه للقلعة يوم 2 شعبان سنة 652 هجرياً ودبرله كمين وفصله عن حرسه وبعدين أمر مماليكه بالهجوم عليه ..
حاول بيبرس إنه يطمن على أقطاى لكن مقدرش فخرج وجمع انصاره ورجع وقف عند القلعة وطالب بخروج زعيمهم لكن مكانش فى رد وفجأة وهما بيتشاوروا هيعملوا إيه يتحدف حاجة من على أسوار القلعة وتتدحرج لحد ما توصل لبيبرس .. يرفعها ويبص عليها يلاقيها رأس أقطاى .. بصوا لبعض وخدوا قرارهم بالخروج من مصر فوراً لإنهم توقعوا ده ممكن يكون مصيرهم هما كمان .. بعد ساعات خرجوا على 3 أقسام .. إتنين منهم راحوا لسلاجقة الروم فى تركيا والقسم الثالث راح على الشام ولجأ للملك الناصر وده اللى كان فيه بيبرس ..
ـــــ
بيبرس فى المرحلة دى عاش سنين من عدم الإستقرار إلا إن هدفه الأساسى كان الرجوع لمصر والسبطرة عليها .. كراهيته لأيبك ومن وراه المماليك المعزية كانت فى زيادة مستمرة وكان عنده أسبابه .. دول قتلوا أستاذه ونفوه وسحبوا منه إقطاعه واستولوا على ممتلكاته وده بخلاف اللى شافه فى رحلته للشام .. هو و 700 مملوك مكانوش لاقيين أكل فى سكتهم واضطروا إنهم يدخلوا أراضى الصليبيين وينهبوا القرى هناك عشان ميموتوش من الجوع .. كل ده طبيعى إنه يخليه يفكر فى الإنتقام ..
الملك الناصر الأيوبى إستقبلهم فى الشام وأكرمهم بل إنه منح بيبرس الإقطاع اللى اختاره وفى المقابل بيبرس أخلص ليه ولكن كراهيته للمعزية خلته دايماً يشجع الملك على غزو مصر لحد ما استجاب ليه وجهز الجيش مرتين .. الأولى فى 652 هجرياً والثانية فى 653 هجرياً لكن فى المرتين محصلش مواجهة مباشرة بين الطرفين خاصة بعد تدخل الخليفة للمرة الثانية للصلح ببن الطرفين .. الصلح اللى جه على حساب بيبرس ومماليكه لإن من شروطه إن الملك الناصر يطرد كل المماليك البحرية اللى على أرضه .. للمرة الثانية بيتسبب المعزية فى نفى بيبرس ..
ـــــ
للمرة الثانية الإنتقام كان هو اللى بيحرك بيبرس .. خرج من دمشق وأول حاجة فكر فيها هو أذية الملك الناصر .. راح على القدس واستولى عليها ومنها طلع على غزة واستولى عليها وخطب فيهم للملك ( المغيث عمر ) حاكم الكرك والمدينتين كانوا تابعين للملك الناصر وده أجبر الملك الناصر على تجهيز جيش لمحاربته وبالفعل قدر يهزمه وللمرة الثالثة بيبرس بيلاقى نفسه منفى .. فى المرحلة دى بيخسر بيبرس نص رجالته اللى بتسيبه وبترجع على مصر أما النص التانى مبيلاقيش مكان أنسب من الكرك عشان يستقر فيه الفترة دى ..
أى حد فى الوضع ده كان هيقول إن الإستسلام ضرورة وإن الرجوع لمصر والتسليم للمعزية أفضل خاصة بعد الهزايم المتتالية ونقص المال والرجال .. لكن بيبرس كان وضعه مختلف .. الكراهية هى الحاجة الوحيدة اللى كانت بتحركه .. فى نفس السنة اللى وصل فيها للكرك أقنع الملك المغيث إنه يمول جيش لإحتلال مصر .. بعد كام شهر وتحديداً فى ذى القعدة سنة 655 هجرياً بيخرج الجيش الأول بقيادة بيبرس وبيتقابل مع جيش مصر قرب الشرقية وببتهزم بيبرس وبيرجع تانى للكرك .. بعدها بكام شهر بيقنع الملك المغيث للمرة الثانية بتجهيز جيش وبيوافق فعلاً وببخرج بنفسه ومعاه بيبرس على رأس الجيش وللمرة التانية بيتهزم بيبرس وبيرجع هو والمغيث على الكرك ..
بعد الهزيمتين دول دارت شوية مفاوضات بين الملك الناصر والملك المغيث على تسليم المماليك البحرية ولكن انتهت المفاوضات بضرورة الصلح وإحتواء بيبرس ورجالته بدل عداوتهم فرجع بيبرس لخدمة الملك الناصر وهناك حاول يغريه سنة 657 هجرياً بدخول مصر مرة تانية لكنه رفض .. فى الوقت ده المغول كانوا على الأبواب وأخبارهم وصلت مصر وعرف بيبرس إن قطز بيجهز جيش لحربهم فوقف مع نفسه فى لحظة صدق وقرر إن العودة لمصر دلوقت أفضل وإن التوحد لصد خطر المغول أولى ..
بيبرس هيرجع مصر تانى ..
ـــــ