الظاهر بيبرس .. قصة قائد ( جـ 1 )

الظاهر بيبرس .. قصة قائد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول :
ـــــــــــــــــــ

المماليك هما العبيد اللى تم إستيرادهم للخدمة فى بلاد المسلمين .. مرتزقة يعنى .. أول من بدع فكرة الإستعانة بيهم كان الخليفة ( المأمون بن هارون الرشيد ) ولكن ده حصل فى نطاق ضيق جداً .. اللى توسع أوى فى موضوع الإستعانة بيهم كان أخوه الخليفة ( محمد المعتصم بالله ) وده لإنه مكانش بيثق فى العرق الفارسى ولا حتى العرق العربى اللى كان بدأ يضعف فقرر إنه يعتمد على العرق التركى لحمايته الشخصية .. مع الوقت وبسبب إثبات الجنود الأتراك لكفاءتهم تم التوسع فى ضمهم للجيوش وده لإن المعتصم كان بيواجه أكتر من فتنة وتمرد فى بعض أقاليم الدولة زى إيران وأذربيجان والعراق وبالفعل نجح الجنود الاتراك فى إخمادها وده شجعه على التوسع أكتر فى إستجلابهم ..

إستيراد المماليك كان بيتم بأكتر من وسيلة زى مثلاً أسرهم فى الحروب والأسلوب ده مبقاش مجدى مع الوقت لإن الحروب بين المسلمين والأتراك قلت تدريجياً بعد فتح بلاد ما وراء النهر .. الطريقة التانية هى الهدايا .. فى وقت السلم حكام ما وراء النهار لما كانوا بيحبوا يهادوا الخليفة أو أى حاكم تانى كانوا بيهادوه بشحنة من العبيد التركمان .. الطريقة الثالثة ودى تم إستحداثها مع الوقت هى تجارة العبيد .. الإعتماد على الجنود التركمان خلق رواج وإزدهار لتجارة العبيد وده شجع اللصوص إنهم يهاجموا القرى فى بلاد ما وراء النهر .. العصابة من دول يدخلوا على القرية التركمانية ويسرقوا العيال الصغيرة اللى فيها من أهاليهم واللى ميقدروش ياخدوه بالسرقة ياخدوه بالقوة ..

نجاح الجنود التركمان شجع أمراء وحكام كتير فى إستجلابهم وهما صغيرين والإهتمام بصحتهم وتدريبهم وبالتالى نتج مع الوقت أجيال من الأتراك أقوى وأصح جسدياً وكمان بيتميزوا بالولاء التام لإنهم ميعرفوش – حرفياً – حاجة عن بلادهم ولا أهاليهم ولا أى حاجة عن ماضيهم .. كل اللى يعرفوه هو الأمير اللى إشتراهم أو – أستاذهم – كما هو متعارف عليه .. هو اللى رباهم وأكلهم وشربهم وبيديهم أعطياتهم .. من ضمن الملوك اللى إعتمدوا على المماليك بشكل موسع ..

( الملك الصالح نجم الدين أيوب )

ـــــ

الملك الصالح هو الملك قبل الأخير فى عمر الدولة الأيوبية وتوسع فى إستجلاب المماليك بشكل كبير جداً وده لإنه حس بأهميتهم فى الدولة .. يكفى للتدليل على كده إن المماليك هما اللى نصبوه ملك وبدونهم مكانش هيشم الكرسى أساساً وبدل ما يخاف منهم ويضربهم بقوة تانية تحد من قوتهم زى ما عمل الخليفة العباسى المعتصم بالله عمل العكس وحط ثقته فيهم أكتر وبنالهم قلعة مخصوص فى جزيرة الروضة عشان يسكنوا فيها وبسببها إكتسبوا إسمهم المعروف عنهم .. المماليك البحرية ..

بعد 10 سنين من حكم الملك الصالح وتحديداً سنة 646 هجرياً بتخرج الحملة الصليبية السابعة بقيادة ( لويس التاسع ) ملك فرنسا وبتحط عنيها على مدينة دمياط .. طبعاً الملك الصالح أطلق النفير العام للجهاد لكن للأسف الحملة كانت أسرع وقدرت إنها تستولى على المدينة .. فى الفترة دى بيتوفى الملك الصالح وهو عنده 44 سنة بس وفجأة البلد بتدخل فى مرحلة فراغ سياسى كبير لإن البديل للملك الصالح كان إبنه توران شاه اللى كان لسه شاب وخبرته فى الحكم قليلة وكمان مكانش موجود فى مصر .. ده كان فى ( حصن كيفا ) جنوب شرق تركيا ..

فى الوقت ده السلطة إتركزت فى إيد ( شجر الدر ) زوجة الملك الصالح اللى قدرت تدير البلد فى المرحلة الحساسة دى وأسندت قيادة الجيش لكبير الوزراء ( فخر الدين يوسف ) بالإضافة لإبراز دور المماليك البحرية بقيادة ( فارس الدين أقطاى ) ودراعه اليمين ( ركن الدين بيبرس البندقدارى )

ـــــ

بيبرس إسم تركى معناه بالعربى الأسد أو الفهد .. أما عن بيبرس نفسه فهو تركى الأصل وتركى دى مش مقصود بيها تركيا الحالية ولكن مقصود بيها القبائل اللى شكلت أصل الأتراك زى القيرغيز والآذر والتتار والكازاخ .. أهو بيبرس بقى من الكازاخ وتحديداً من قبائل بدوية إسمها القومان .. أبوه وأمه كان مجرد فلاحين بسطاء من المنتسبين لقبائل القومان .. تاريخ ميلاد بيبرس غير معروف بشكل قاطع لكن المؤرخين قالوا إنه بين عام 620 إلى 625 هجرياً – 1223 إلى 1228 ميلادياً .. أما عن بداياته كمملوك فده حصل بعد غزو المغول لبلاد الكازاخ سنة 639 هجرياً فقبيلة بيبرس هربت واستجارت بملك إسمه أنس خان فسَكّنهم فى أحد الوديان لحمايتهم ولكن الواضح إن جنود الملك طمعوا فيهم فغدروا بيهم وقتلوا كتير منهم وسبوا الباقيين وطبعاً كان بينهم الشاب بيبرس اللى عمره وقتها كان أقل من 20 سنة ..

بيبرس إتباع فى الأول لتاجر عبيد فى حلب ومنه إتباع لتاجر تانى وهنا الروايات إختلفت .. رواية قالت إن التاجر ده باعه مباشرة فى مصر للأمير ( علاء الدين إيدكين البندقدارى ) اللى إكتسب منه إسمه .. الرواية التانية قالت إن التاجر راح بيه على حماة فى الشام وهناك حاول يبيعه لحاكمها الملك المنصور وكانت خلاص البيعة هتتم لولا إن والدة الملك رفضت بسبب إنها شافت الشر فى عين بيبرس فراح بيه لدمشق وهناك باعه لتاجر تانى ب 800 درهم ولكن التاجر ده رجعه فى نفس اليوم لإنه إكتشف بياض فى واحدة من عينيه .. تقريباً كان عنده مية بيضة أو ما شابه .. المهم خده التاجر مرة تانية وباعه لواحد إسمه العماد الصائغ والعماد هو اللى باعه للأمير ( علاء الدين البندقدارى ) .. يعنى الروايات إتفقت فى وصوله للأمير علاء الدين فى مصر ولكنها إختلفت فى طريقة الوصول مش أكتر ..

ـــــ

بيبرس قعد سنتين عند الأمير علاء الدين .. الطبيعى فى الفترة دى إنه قضى وقته فى التدريب وهو للأمانة كانت ظاهره عليه ملامح الفروسية .. يعنى كان جسمه رياضى وطويل وضخم البنية بالإضافة لإنه كان لماح وذكى وقرأ الواقع الجديد اللى عايشه .. ده واحد بعد عن أهله وبقى مملوك يباع ويشترى وحظه الحلو خلاه يبقى تابع لواحد من الأمراء المقربين للملك الصالح سلطان مصر والشام .. يعنى قريب من دايرة القرار .. يبقى ليه ميستفدتش من الوضع ده أقصى إستفادة ممكنة ؟

بيبرس زى ما قلنا كان ذكى وبالتالى فهم بسهولة إن مفتاح النجاح فى منظومة المماليك هو الطاعة الكاملة للأمير والتفانى فى التدريب والخدمة ولو أضفنا مقوماته البدنية المثالية يبقى إحنا هنا قدام جندى .. مقاتل .. شجاع .. مخلص .. متفانى .. وده خلاه يظهر بشكل مميز عن كتير من اللى حواليه والظهور ده مش بس كان واضح للأمير علاء الدين ولكن وصل كمان للملك الصالح نجم الدين أيوب ..

فى الزمن ده الملوك كانوا بيحبوا يحاوطوا نفسهم بأفضل المماليك وأقواهم وأكثرهم إخلاصاً لإعتبارات السلامة الشخصية وبالتالى لازم الدايرة القريبة تبقى مكونة من جنود مخلصين .. سنة 644 هجرياً الأمير علاء الدين البندقدارى غلط غلطة خلت السلطان يغضب عليه ويعتقله ويسحب منه كل مماليكه وأمواله وطبعاً بيبرس كان من جملة المماليك اللى إتسحبوا منه ودى كانت بداية إتصال بيبرس بالملك الصالح لأول مرة ..

إعجاب الملك الصالح ببيبرس كان واضح وعشان كده مفاتش وقت كتير قبل ما يعينه فى وظيفة ( الجَمَدَار ) .. يعنى كان مسئول عن ملابس السلطان .. سنتين كاملين قضاهم بيبرس فى خدمة الملك الصالح وكل يوم الثقة فيه بتزيد وبيترقى فى الترتيب بين صفوف المماليك لحد ما بيوصل إنه يبقى الرجل الثانى فى ترتيب قادة المماليك البحرية بعد فارس الدين أقطاى ..

ـــــ

سنة 646 هجرياً – 1248 ميلادياً بتخرج الحملة الصليبية السابعة وبترسى سفنها فى قبرص وبتقعد هناك فترة طويلة وصلت ل 10 شهور قبل ما تكمل طريقها لدمياط وبالفعل بتوصل هناك فى يونيو 1249 ميلادياً وبتقدر إنها تستولى على المدينة بسلاحها وأموالها وكل شيء بعد هروب القادة العسكريين هناك ومعاهم العربان اللى كانوا بيساعدوهم .. ومش بس كده .. دول بيقعدوا فيها 6 شهور قبل ما يقرروا يتوجهوا للقاهرة ..

الفترة دى كانت حرجة جداً .. الملك الصالح بيتوفى فجأة زى ما قلنا وشجر الدر هى اللى بتدير الأمور وده كان شيء مش مقبول بالنسبة لشعب مصر وقتها إن تحكمهم واحدة ست وبالتالى الخبر كان لازم ميخرجش للعامة تلافياً للثورة وكمان عشان معنويات الجنود متتأثرش بموت السلطان .. زاد من صعوبة الأوضاع وفاة كبير الوزراء وقائد الجيش ( فخر الدين يوسف ) فى هجوم خاطف على معسكر المسلمين اللى كان منصوب قبل المنصورة بكام كيلو .. يعنى مصر فى الوقت ده كانت بلا سلطان وبلا كبير وزراء وبلا قائد جيش وكل ده بيحصل وسط حرب طاحنة ..

قيادة الجيش إتنقلت تلقائياً لأقطاى كبير المماليك البحرية وده كان أول ظهور بارز وموثق للمماليك فى قيادة مصر لإن ( فخر الدين يوسف ) كان محسوب على الدولة الأيوبية .. عبقرية بيبرس العسكرية بتظهر فى المعركة دى لإنه إستغل الهزيمة فى دمياط وفى المعسكر وكمان قتل قائد الجيش وحول ده كله لنقط قوة .. عرض خطته على أقطاى وقاله إحنا نتراجع لداخل المنصورة ونستخبى فيها ونوهم الصليبيين إننا سبنا البلد وهربنا بسبب هزايمنا الأخيرة وهنسيبلهم بوابة من بواباتها مفتوحة فى الوقت اللى هننصب جوه شوارعها أكمنة ملهاش عدد وأول ما يدخلوا نقفل الباب ونحاصرهم ..

وافق أقطاى على الخطة وبالفعل بيحصل كل حرف قاله بيبرس .. شوارع المدينة كانت ضيقة متستحملش حركة الخيول وفى الوقت اللى كان المماليك ومعاهم عامة الشعب خفاف الحركة كان الصليبيين بيلاقوا صعوبة كبيرة فى الهروب بخيولهم .. النتائج طبعاً كانت كارثية لجيش لويس التاسع .. أخوه وأغلب قادته إتقتلوا فى اليوم ده .. غالبية الجيش أبيد فى شوارع المنصورة ومقدرش يهرب معاه إلا قلة قليلة راحوا على فارسكور وإتحصنوا هناك لحد ما يشوفوا هيعملوا إيه ..

فى الوقت ده بيرجع ( توران شاه ) على مصر وبيتم إعلانه سلطان جديد للبلاد وبتدخل مصر مرحلة حاسمة جديدة فى تاريخها .. مرحلة مؤامرات وفتن وقتل .. مرحلة مخاض لإنتقال السلطة من الدولة الأيوبية لدولة المماليك .. فى المرحلة دى بيبرس هيكون له دور .. ودور مؤثر كمان ..

ـــــ