الصراع العثمانى المملوكى ( جـ 6 )

الصراع العثمانى المملوكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء السادس :
ــــــــــــــــــــــــــ

سليم الأول طموحه مكانش له مثيل فعلاً و بالرغم من طموحه ده إلا إن الدخول لمصر مكانش من أولوياته .. كان شايف إن القضاء على الصفويين أهم و أولى .. بعد ما استولى على الشام بدأ يجهز نفسه عشان يخوض حرب طويلة فى إيران لولا إن ( خاير بك ) نصحه بدخول مصر و ضمنله الإستيلاء عليها .. خاير بك منصحوش النصيحة دى لله .. أولاً هو خاف من إنتقام المماليك منه بعد تأكد خيانته فى مرج دابق .. ثانياً الراجل كان حاطط عينه على عرش مصر حتى لو كان تحت وصاية العثمانيين و ده مش هيحصل إلا بالتخلص من المماليك تماماً ..

سمع سليم النصيحة و عجبته بس قرر إنه يبعت رسالة لطومان باى الأول قاله فيها :

( من مقامنا السعيد إلى الأمير طومان باى .. أما بعد .. فإن الله تعالى قد أوحى إلى بأن أملك الأرض و البلاد من الشرق إلى الغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين .. إنك مملوك مُنباع و مُشترى و لا تصلح لك ولاية .. و أنا ملك ابن ملك إلى عشرين جداً و قد توليت الملك بعهد من الخليفة و من قضاة الشرع .. و إنى أخذت المملكة بالسيف بحكم الوفاة عن السلطان الغورى فاحمل لى خراج مصر من كل سنة كما كان يحمل لخلفاء بغداد .. أنا خليفة الله فى أرضه و أنا أولى منك بخدمة الحرمين الشريفين .. و إن أردت أن تنجو من سطوة بأسنا فاضرب السكة فى مصر بإسمنا و كذلك الخطبة و تكون نائباً عنا بمصر و لك من غزة إلى مصر و لنا من الشام إلى الفرات .. و إن لم تدخل تحت طاعتنا أدخل إلى مصر و أقتل جميع من بها من الأتراك حيث أشق بطون الحوامل و أقتل الجنين الذى فى بطنها من الأتراك .. و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )

و بالمناسبة لفظ أتراك هنا كان مقصود بيه المماليك الشراكسة أما العثمانيين فكان إسمهم الروم على إعتبار إنهم كانوا عايشين فى أرض الإمبراطورية الرومانية ..

ـــــ

رسالة سليم سببت رعب فى صفوف المماليك لدرجة إن إبن إياس كتب إن طومان باى بكى لما قرأها .. المماليك خسروا الشام و قادتهم متربصين ببعض و الجنود مش بيتحركوا خطوة من غير ما يقبضوا نفقتهم و بيت المال مفيهوش فلوس يبقى هيقف إزاى قصاد سليم الأول فى الظروف دى .. وضع زى ده مكانش يدى لطومان باى مساحة كبيرة للتفكير .. قرر إنه يستجيب للرسالة و قال كده للى حواليه و خلال لحظات كان الخبر إنتشر .. إنتشر لدرجة إنه وصل لواحد من كبار قادة المماليك إسمه ( علان الدوادار ) اللى اتحرك و هو غضبان جداً تجاه ديوان طومان باى فلقى 3 من رسل سليم الأول واقفين بره الديوان و الناس واقفة بتبص عليهم .. إنبهار العوام بيهم ضايقه أكتر فطلع السيف بتاعه و قطع راسهم و دخل بعدها لطومان باى و قاله :

( أصحيح ما قيل ؟ )

قاله :

( نعم )

فقاله :

( فما الذى عولت عليه ؟ )

فقال طومان باى :

( أوافقه على ما أراد و أكون سبباً فى حقن دماء المسلمين و بقاء كل واحد فى وطنه فإنى علمت من كلامه أنى إذا لم أجبه يحصل فساد عظيم .. و على كل فهو قادم علينا و لا محالة و علمت أن العسكر كلهم مختلفين و ليس فيهم أحد مع أحد .. و ما أظن إلا أن الله سبحانه و تعالى أراد زوال ملك آل جركس من هذه الديار .. فما رأيك أنت ؟ )

فرد علان و قال :

( رأيى أن نقاتل عن بلادنا و حريمنا و أرزاقنا أو نقتل عن آخرنا )

ـــــ

أخبار قتل الرسل وصلت لسليم و بناء عليه خد قراره بكل أريحية .. خلال 3 أيام كان الجيش جاهز و بيتحرك تجاه القاهرة .. فى الناحية التانية طومان باى لقى نفسه فى وضع لا يحسد عليه .. ( علان الدوادار ) فتح صدره و قاله نحارب لكن فعلياً بيت المال مفيهوش فلوس و العسكر مش هيتحرك خطوة واحدة من غير نفقته .. كل اللى قدر عليه طومان باى هو إنه يدفع للمماليك 30 دينار لكل فرد و ده طبعاً معجبهومش و ابتدت تظهر بينهم حالات تمرد .. تخيلوا .. البلد بتقع و سليم هيدبحهم واحد واحد كمان أيام و دول قاعدين يفاصلوا طومان باى على الفلوس .. كبار المماليك نصحوا طومان باى إنه يلم الخراج من الناس بشكل مقدم لكنه رفض إنه يشق على الناس و ده من أسباب حب الناس ليه بالمناسبة .. من هنا لهنا كان فى فلوس عند ( محمد بن الغورى ) سابهاله أبوه إتقال إنهم 60 ألف دينار فطومان باى أخدهم منه على وعد بردهم بعد ما الحرب تخلص ..

سيبك بقى من كل اللى فات ده .. المماليك إختاروا مين عشان يبقى قائد العسكر .. إختاروا ( جان بردى الغزالى ) .. تصوروا .. إختاروا الراجل إلى إنسحب بجنوده فى مرج دابق و كان من أسباب الهزيمة .. إختاروا الراجل اللى طلب إنه يبقى سلطان و لسه دم الجنود منشفش على الأرض .. حاجة عجيبة جداً .. تحس إن المماليك فى الفترة دى ربنا كان مغمى عنيهم و كل خطواتهم كانت غلط ..

يعنى رسالة سليم على الرغم من كونها مليانة كلمات إستعلائية إلا إنها كانت تعتبر مخرج مؤقت من الأزمة دى .. المماليك كانوا هيحافظوا على كيانهم و يحفظوا دمهم و بلادهم برضه كانت هتبقى تحت إيديهم .. حتى قيادة الجيش فكان فى 100 واحد على الأقل ينفعوا كقادة للجيش إلا إنهم إختاروا الغزالى اللى عليه شبهات .. بس برضه للأمانة فى المرحلة دى خيانة الغزالى مكانتش وضحت زى خاير بك و يمكن ده اللى خلاهم يميلوا ليه ..

ـــــ

إتحركت كتيبة من 10 آلاف جندى تحت قيادة الغزالى و قابلوا العثمانيين قرب غزة و هناك حصلت معركة قوية جداً إتهزم فيها المماليك هزيمة منكرة لدرجة إنهم خسروا خيولهم و كل ممتلكاتهم و رجعوا القاهرة على حمير و بغال و منهم اللى رجع مشى و مات فى الطريق .. بعد كام يوم دخلوا على طومان باى فى مجلسه و هما على الحالة دى و شرحوله اللى حصل و إن العثمانيين معاهم أسلحة تعتبر متطورة مقارنة باللى معاهم و ده طبعاً خلى الحالة النفسية تحت الصفر .. الأسوأ بقى إن الأخبار إنتشرت و وصلت للعوام و ده خلى ثقة الناس فى المماليك إتهزت و بدءوا يرفضوا يدوهم الخراج على إعتبار إن محدش عارف اللى جاى إيه و إلا هيطلعوا الخراج مرتين .. مرة ليهم و مرة لسليم الأول فى حالة إنتصاره ..

ضعف الخراج و قلة الفلوس وصل نفقة الجنود ل 25 دينار بس بعد ما كانت 130 فى عهد الغورى و ده طبعاً زود الإحتقان بين الجنود و إداهم إحساس إن البلد بتقع خلاص .. حاول طومان باى إنه يضغط على المماليك عشان يخرجوا لمواجهة العثمانيين بره القاهرة إلا إنهم رفضوا و فضلوا إن مكان المعركة يبقى فى منطقة الريدانية قرب العباسية حالياً فوافق طومان باى و هو مجبر و أمر بحفر خندق من الجبل الأحمر لحد المطرية و نشر مدافعه فى إتجاه الطريق اللى كان متوقع ييجى منه جيش العثمانيين ..

خلال الفترة دى أعلن طومان باى إن اللى هيجيبله راس جندى عثمانى هيديله اللى هو عاوزه فده شجع كتير من الفرسان و الجنود و كمان العربان على مهاجمة العثمانيين فكانوا بيصطادوا منهم اللى يقدروا عليه و يدوا الرؤوس لطومان باى فيكافئهم و يبعت الرؤوس عشان تتعلق على باب النصر فترتفع الروح المعنوية للجنود .. المكافآت دى عززت من مكانة طومان باى بين الناس و ده زعل واحد من المماليك .. واحد كان عاوز يبقى سلطان قبل منه و كان بيمنى نفسه بفشل طومان باى فى إدارة الأمور .. بتكلم هنا على ( جان بردى الغزالى )

ـــــ

نجاح طومان باى فى إدارة الأمور و إلتفاف الناس حواليه خلى ( الغزالى ) ياخد قراره .. بعد ما كان متردد فى خيانته للمماليك قرر إنه يميل لصف سليم الأول يمكن ينول منصب فى المستقبل .. كتب رسالة لخاير بك كشفله فيها خطة طومان باى بالكامل .. قاله إن الجيش حوالى 40 ألف فرد نصهم عسكر مماليك و النص التانى من أهل مصر و ده معناه إن القوة الحقيقية للمماليك أقل من الواقع لإن المدنيين مش زى العساكر .. قاله إن المدافع عددها 200 مدفع و قاله على أماكنها و قاله كمان إنها متغطية بالرمل عشان متبانش .. قاله على أماكن الخنادق و حواجز الخيول و أسلحة المماليك من الألف للياء .. قاله على أماكن تجمع الجنود و نقط الحراسة و نصحه إن العثمانيين لو عاوزين يدخلوا القاهرة بأقل الخسائر فلازم يدوروا حوالين معسكر المماليك و يدخلوا من ناحية الجبل فى الجهة المعاكسة للمدافع ..
وصلت الرسالة لسليم الأول و نفذ اللى فيها بالحرف .. تانى يوم كان جيشه مقسوم جزئين .. جزء فى مساره الطبيعى و الجزء الأكبر جاى من ناحية الجبل زى الجراد و إتأكد طومان باى من خيانة جان بردى الغزالى لإنه صاحب فكرة دفن المدافع فى الرمل .. المدافع أساساً كانت ثقيلة لوحدها و تحريكها فى وقت قصير مستحيل فما بالك لو كانت متغطية بالرمل ..

الأمل الأخير لطومان باى كان قتل سليم الأول على أمل إن العثمانيين يتفرقوا بموته عشان كده قرر يعمل عملية فدائية هو و مجموعة من المماليك الثقة على رأسهم ( علان الدوادار ) و ( كرتباى الوالى ) .. الحقيقة طومان باى ضرب مثل عظيم فى الشجاعة .. دخلت فرقة المماليك و قضوا على كل اللى قابلوهم و توغلوا فى الجيش لحد ما وصلوا لسنجق ( راية ) سليم الأول و هناك لقى طومان باى واحد باين عليه الهيبة فظن إنه سليم فمسكه و شاله من على حصانه و رماه على الأرض كسر ضلوعه فمات .. مات كمان فى الوقت ده ( على بن شاه سوار ) حاكم إمارة ذى القدر و عدد كبير من جنود العثمانيين .. بعد كده إكتشف طومان باى إن اللى قتله ده مش سليم الأول و لكن كان وزيره الأول ( سنان باشا الخادم ) و إن سليم كان فى المجموعة الثانية اللى على الجبل ..

لما رجع طومان باى و فرقته إكتشفوا إن العثمانيين إجتاحوا معسكر المماليك و قتلوا أغلب الجنود .. خسائر المماليك كانت 25 ألف جندى تقريباً .. حاول يعمل أى حاجة لكن البنادق مكانش ليها حل بالنسبة لهم .. البنادق و المدافع الخفيفة للعثمانيين كانت عامل الحسم فى المعركة .. فى الوقت ده اتشتت المماليك تماماً و بقى قلة قليلة مع طومان باى إتحركوا ناحية حى طرة .. أما سليم الأول فدخل القاهرة لأول مرة و دخل قلعة صلاح الدين بدون أى مقاومة و بعدها رجع عسكر بجنوده فى جزيرة المنيل ..

اللى جاى صعب جداً على المماليك عامة و على طومان باى خاصة ..

ـــــ