الصراع العثمانى المملوكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ــــــــــــــــــــــ
سنة 700 هجرياً – 1300 ميلادياً فى مدينة أردبيل الأذربيجانية عاش واحد إسمه صفى الدين الأردبيلى .. الراجل ده كان شيخ لطريقة صوفية شيعية و كان له أسلوب كويس قدر عن طريقه فى كسب أتباع كتير لطريقته اللى فضلت تعامل على إنها دعوة روحية ملهاش أى غرض دنيوى ..
سنة 1460 إتولى مسئولية الدعوة واحد إسمه الشيخ حيدر بن الجنيد و ده ورث قيادة الدعوة من أبوه و معاهم بدأت الدعوة تاخد طابع سياسى بعد ما أسسوا تنظيم عسكرى إعتمدوا فيه على جنود من التركمان الشيعة إسمهم ( القزلباش ) أو ذوى الرؤوس الحمر لإنهم كانوا بيلبسوا قبعات حمراء مربوط حواليها عمائم ملفوفة 12 لفة كدلالة للأئمة الإثنى عشر اللى بيؤمن الشيعة بإمامتهم ..
مع الوقت بينجح التنظيم ده فى الإستيلاء على كام مدينة و بتبتدى تظهر أمارات الدولة الجديدة لحد ما بيتوفى الأب و من بعده الإبن فى معارك توسعيه مع مملكة الخراف البيض ( آق قوينلو ) و مملكة الخراف السوداء ( قراق قوينلو ) اللى كانوا بيفصلوهم عن الدولة العثمانية .. بوفاة الشيخ حيدر بتوصل قيادة الدولة لواحد من الجيل الخامس لأحفاد صفى الدين الأردبيلى و إبن الشيخ حيدر أخر حكامها .. شاب صغير عمره حوالى 15 سنة إسمه إسماعيل بن حيدر أو زى ما التاريخ ذكره بإسم .. إسماعيل الصفوى ..
ـــــ
إسماعيل الصفوى رغم صغر سنة إلا إنه كان متشبع بكراهية المذهب السنى و أتباعه .. كل معاركه كان بيهدف من وراها إنه يستولى على أراضى السنة و يخضعها لحكمه .. الشاب الصغير ده كان ذكى جداً و بسبب ذكائه قدر إنه يستغل إنهيار الدولة التيمورية و سيطر على جزء كبير من أراضيها شملت إيران بالكامل و أجزاء من أرمينيا و أذربيجان و العراق و أفغانستان لحد ما أصبح على تماس مع بلاد الأوزبك فى الشرق و الدولة العثمانية فى الشمال و كل ده تم فى 13 سنة بس ..
أكتر حاجة أرقت إسماعيل الصفوى خلال فترة حكمه هو عدم قدرته على إقناع الناس بالمذهب الشيعى و ده لإن الغالبية العظمى من أهل المناطق اللى سيطر عليها كانوا على المذهب السنى و بدون الظهير الشعبى مش هيقدر يحفظ الأمن داخلياً و مش هيقدر يوسع حدود دولته .. يعمل إيه فى الموضوع ده .. فى البداية إستورد علماء شيعة خاصة من لبنان و دعمهم بشكل كامل لتحبيب الناس فى المذهب الشيعى و الموضوع ده جاب نتيجة لكنها مكانتش نتيجة حاسمة لإن غالبية الناس فضلت متمسكة بمذهبها .. عندها قرر إنه يستخدم القوة ..
أعلن إن المذهب الرسمى للدولة هو المذهب الشيعى الإثنى عشرى .. هدم مساجد السنة و أباح دم المنتسبين له و أباح الإستيلاء على ممتلكاتهم .. عين لجان للسيطرة على الهيئات الدينية و أجبر مشايخها على تدريس المذهب الإثنى عشرى .. بإختصار كانت عملية إضطهاد دينى و مذهبى تمت بشكل دموى و ممنهج الهدف منها كان التمايز السياسى و المذهبى للدولة الصفوية عن كل الدول المحيطة بيها .. لو فضل أهل السنة داخل الدولة كان هيبقى صعب عليه جداً توحيد جهوده فى حرب الدول السنية اللى حواليه لإن فى النهاية هيحاربوا بحجة إيه إذا كانوا على نفس المذهب .. عشان كده كان لازم إجبار الناس قسراً على إعتناق المذهب الشيعى و اللى مش هيقبل فكان عليه مواجهة الإبادة و التهجير اللى منتظرينه ..
ـــــ
الدولة العثمانية فى نفس الوقت كانت تحت حكم السلطان بايزيد الثانى و ده كان راجل صوفى طيب ملوش فى الحرب لدرجة إن لما وصلته أخبار المذابح اللى عملها إسماعيل الصفوى فى بغداد و تبريز و غيرهم كان بيبعتله رسالة كلها مشاعر أبوية بيطلب منه فيها إنه يعامل أهل السنة بالحسنى و يراجع نفسه فى تصرفاته .. السلطان بايزيد كان عنده 3 أبناء هما أحمد و سليم و قورقود و كان ناوى يدى ولاية العهد من بعده لإبنه أحمد .. أحمد ده طلعت عليه إشاعات الله أعلم بصحتها إنه كان شبه أبوه فى الطبع و إنه ميال للصفويين و هيتحالف معاهم و مش ناوى يحاربهم و الكلام ده معجبش سليم ..
سليم كان دمه حامى و على طول واخد الدنيا جد و شايف إن الصفويين عدو خطير و اللى بيعملوه هيأثر على الدولة العثمانية سياسياً و عقائدياً و إن الحرب هى الوسيلة الوحيدة لإيقافهم .. بايزيد رغم كل ده كان شايف إن أحمد هو المناسب لولاية العهد و ده خلى سليم و أخوه قورقود يقفوا قدام أبوهم و يحاولوا ينقلبوا عليه .. كل واحد منهم استقل بولاية و أعلن نفسه سلطان و ده طبعاً أجبر أبوهم على محاربتهم و بالفعل هزمهم و أعلن أحمد كولى للعهد .. النقطة الفاصلة فى الموضوع هنا إن الجنود الإنكشارية كانوا فى صف سليم و كانوا بيحبوه لإنه راجل بتاع حرب و هما طبعاً أهل الحرب .. الإنكشارية دول يا جماعة فرق مكانتش تعرف حاجة فى حياتها إلا الحرب .. من ساعة ما اتجابوا من بلادهم و هما صغيرين و هما ميعرفوش إلا الفروسية و السلاح و القتال .. تقوم إنت يا عم بايزيد عاوزنا نبلط فى الخط و كمان تجيبلنا أحمد اللى عاوز يتحالف مع أعداءنا .. الكلام ده مينفعش ..
الإنكشارية شالوا سليم على كتافهم و دخلوا بيه لحد قصر أبوه و حطوه قدام الأمر الواقع .. يا سليم يبقى السلطان يا إما الدولة كلها هتدخل فى حرب أهلية .. بايزيد الثانى عشان كان راجل طيب و ملوش فى الدم قرر إنه يتنازل لسليم حفظاً للدولة من التفكك و ده تم سنة 1512 ميلادياً و معاها بتبدأ مرحلة دموية من حياة الدولة العثمانية ..
فى الأول إخواته بيحاولوا ينقلبوا عليه و يعزلوه لكن الكلام ده مكانش ينفع مع واحد زى سليم .. سليم يا جماعة كان فعلاً بتاع حرب مكانش عاوز السلطة عشان يقعد على الكرسى و بس .. لأ .. ده أنا جاى عشان أطير رقاب أعدائى حتى لو كانوا إخواتى .. قدر إنه ينتصر على إخواته فى كل المعارك اللى دخلها قدامهم و مكتفاش بكده .. ده قتل إخواته و قتل 5 من أبناء أخوه أحمد و قتل الوزير كوجا مصطفى باشا اللى كان بيتعاون معاهم فى السر و أعدم كل اللى شك فى ولاءه ليه لحد ما استقرت ليه الجبهة الداخلية تماماً و بدأ فى النظر لعدوه الخارجى .. الدولة الصفوية ..
ـــــ
مصر و الشام بقى كانوا تحت حكم المماليك .. واقع البلد ساعتها كان مزرى جداً .. دولة المماليك فعلياً كانت بتنهار ببطء من أكتر من 40 أو 50 سنة .. صراع دائم على السلطة .. سلاطين بتتقتل و أمراء كارهة بعضها و مؤامرات و دسائس بين الساسة و بعضهم .. الرشاوى و الفساد المالى كان للركب .. أى حد كان عاوز منصب و لا منحة سلطانية كان بيدفع و اللى بيدفعه كان بيلم أضعافه بعد كده من الناس المقهورة ..
على المستوى الشعبى الوضع كان ألعن .. الناس حرفياً مكانتش لاقية تاكل و السلع أسعارها بقت فلكية و ده لإن البرتغاليين زى ما قلنا إكتشفوا رأس الرجاء الصالح و بالتالى قلت التجارة اللى داخلة البلد و معاها قلت السلع المتوفرة بالأسواق .. المماليك عشان يعوضوا خسارتهم المادية زودوا الضرايب على الناس لحد ما كتير منهم طفش و ساب أرضه و زرعه و ده اتسبب فى كارثة إضافية على المستوى الزراعى فنقصت السلع أكتر و جاع الناس و إفتقروا أكتر و أكتر ..
المماليك فى العادة كانوا بيشتروا مماليكهم فى سن صغير و يربوهم و يعلموهم لحد ما يكبروا و يبقى ولائهم لأميرهم اللى إشتراهم و ده طبعاً شيء مكلف و بياخد وقت .. قلة الأموال و ضعف الحصيلة الضريبية أجبر أمراء المماليك إنهم يشتروا مماليك جاهزة سموهم المماليك الجِلبان .. يعنى المملوك مجلوب كبير فى السن و جاهز للدفاع عن سيده .. ده كان أوفر و أسرع و لكن كان وحش جداً على مستوى الولاء .. المماليك الجلبان عددهم زاد بالتدريج لدرجة إنهم بقوا يشكلوا خطر على المماليك القدام و بدء الصراع بين الفريقين لدرجة إن المماليك القدام كانوا بيشككوا فى السلطان الغورى – و ده هنتكلم عليه فى الجزء الجاى إن شاء الله – بعد ما حاوط نفسه بالجلبان و مبقاش يخليهم يشاركوا فى المعارك فى حين إنه كان بيخليهم هما فى الصفوف الأولى .. صراع كبير أضعف الجيش و خلى الغورى مشغول بحماية نفسه و أهمل فى تطوير الجيش اللى كان أقل قوة من جيوش الدولة العثمانية و الدولة الصفوية ..
ـــــ
فى ظل الوضع ده و مع رغبة سليم المحمومة فى إنه يحارب الصفويين كان طبيعى جداً إنه يتواصل مع المماليك عشان يساندوه ضدهم .. إحنا الإتنين على نفس المذهب و إحنا الإتنين بنواجه نفس الخطر و إحنا الإتنين مصلحتنا واحدة فى تأمين حدودنا و توسيعها كمان .. سليم الأول بعت رسالة بالمعنى ده للسلطان الغورى و مكانش منتظر إلا إجابة واحدة متوقعة و بديهية من وجهة نظره .. أيوة إحنا معاك و فى صفك لحد ما نقضى على عدونا المشترك .. لكن الحقيقة مش ده اللى حصل ..
السلطان الغورى مردش عليهم رد جازم خاصة إن إسماعيل الصفوى بعتله رسالة هو كمان عشان يخوفه من العثمانيين اللى ممكن أوى يغزوا أرضه لو مبقاش فى صفه .. الروايات بتقول إنه كان ميال للصفويين حتى رغم إختلاف المذاهب .. ليه .. لإن دولة المماليك كانت هى حاضنة الخلافة العباسية حتى لو كانت خلافة صورية .. هى اللى تحت سيطرتها المقدسات الإسلامية فى مكة و المدينة .. هى اللى مفترض إنها تواجه الأخطار و تقوم بدور المدافع عن الإسلام .. إنما الواقع كان بيقول إن المماليك مكانوش قادرين على ده و مشاكلهم الداخلية سواء السياسية أو الاقتصادية كانت منعاهم من تأدية الدور ده ..
فى نفس الوقت الدولة العثمانية كانت بتتوسع فى أوروبا و إنتصاراتها كانت مسمعة فى ربوع الدولة الإسلامية ككل و تدريجياً بدأت الناس تبص لها على إنها الدولة اللى خدمت الإسلام و نشرت رسالته .. مع كل إنتصار للعثمانيين سلطان و أمراء المماليك بيحسوا بإحراج كبير و صورتهم فى عيون أهل مصر و الشام كانت بتتهز أكتر و أكتر ..
يبقى حرب العثمانيين مع الصفويين هيدخلها المماليك تحت أى توصيف .. هما مدعوش للحرب أساساً .. دول متحركوش خطوة واحدة لوقف مجازر السنة فى بغداد رغم إنهم كانوا أقرب لها من العثمانيين .. لو دخلوا الحرب بالشكل ده يبقى كأنهم توابع لسليم الأول و ده طبعاً هيهز صورتهم أكثر .. يبقى الحل إننا نقف على الحياد و اللى هيكسب الحرب منهم نكسب وده و الدنيا تمشى .. قرار الغورى كان نقطة فاصلة فى علاقته بسليم الأول ..
سليم مش هيعديها لقنصوة الغورى أبداً ..
ـــــ