الصراع العثمانى المملوكى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الأول :
ــــــــــــــــــــ
تاريخ الدول دايماً بيبقى فيه فترات حرجة .. منعطفات خطيرة بتمر بيها الدولة عادة
بتحصل مع تغيير أنظمة الحكم فيها .. تاريخ العالم كله إتكرر فيه المشهد ده آلاف
المرات .. إنهيار دول و تأسيس دول مكانها .. دول فتية صاعدة و دول تانية شاخت و
ضربها الفساد فى مقتل .. مسلسل ممالك النار إتعرض لواحدة من الفترات الخاصة بتاريخ
بلدنا و هى فترة إنهيار دولة المماليك و سطوع الدولة العثمانية ..
الحقيقة أنا مشفتش المسلسل و كنت قاصد ده عشان لما أجى أسرد الفترة دى يبقى كلامى
كله نابع من الكتب و المراجع بس و ملوش أى علاقة باللى إتقال فى المسلسل ..
المسلسل فى حد ذاته من خلال الآراء اللى قرأتها عنه مش بطال و متميز على مستوى
الدراما و الإخراج و لكنه – حسب كتير من الآراء – غير محايد و بيخفى بعض الحقايق
بهدف شيطنة العثمانيين .. ده الجزء اللى يخصنى كمهتم بالتاريخ .. أنا بحب التاريخ
يكون مجرد من الأهواء مع إعترافى إن ده مش سهل أبداً لإن المؤرخين فى الأول و
الأخر بشر و لهم آراء و توجهات بتظهر أحياناً فى كتاباتهم ..
على غير العادة الجزء ده مش هيبقى فى شكل سردى زى أى سلسلة تانية و لكن هيبقى فى
صورة أقرب للدردشة بينى و بين حضراتكم .. هحاول أشرحلكم طبيعة الوضع السياسى فى
المنطقة و الظروف المحيطة بيها فى الوقت ده و بالتالى يكون حكمنا على قضية
العثمانيين و المماليك أقرب ما يمكن للدقة و الصحة ..
ـــــ
1 – أول نقطة لازم نتكلم فيها هى إننا كمصريين ملناش أى علاقة بالحرب دى .. حرفياً
إحنا مكانش عندنا جيش وطنى مصري فى الوقت ده .. الحرب كانت بين الأتراك العثمانيين
و المماليك الشراكسة اللى كانوا بيحكموا مصر ساعتها .. فمن البداية كده إحنا كشعب
مصرى مكانش لينا ناقة و لا جمل فيها بل إننا تضررنا من الطرفين أشد الضرر ..
2 – العثمانيين أصولهم بترجع لقبائل الغز اللى هاجرت من تركستان الشرقية غرب الصين
حالياً و إستقروا فى بلاد ما وراء النهر و منها إبتدوا يأسسوا الدولة السلجوقية
اللى مع الوقت إتفرع منها فروع كتير من ضمنها فرع سلاجقة الروم و اللى من نسلهم
خرج عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية ..
3 – المماليك مقسومين جزئين .. الجزء الأول هما المماليك البحرية و دول أصولهم
ترجع للقبائل التركية اللى سكنت مناطق تركمانستان و طاجيكستان و التحقوا كعبيد بالدولة
السلجوقية فى عزها و إتربوا فيها .. جزء منهم عاش و إستقر فى مصر فترة الدولة
الأيوبية و مع الوقت كونوا مراكز قوى قدروا عن طريقها يسيطروا على الحكم بعد وفاة
الملك الصالح نجم الدين أيوب و دول اللى منهم مشاهير المماليك زى عز الدين أيبك و
أقطاى و قطز و بيبرس و المنصور قلاوون ..
الجزء الثانى هما المماليك البرجية و دول بينتموا للعرق الشركسى و أصولهم بترجع
لمنطقة القوقاز اللى ماسكة من أول أذربيجان جنوباً مروراً بجورجيا و أرمينيا
بالإضافة لجمهوريات الحكم الذاتى فى أقصى جنوب غرب روسيا زى داغستان و الشيشان و
أنجوشيا و غيرهم .. الشريحة دى سيطرت على مصر بعد ما قدر سيف الدين برقوق من عزل
الطفل الصالح حاجى أخر سلاطين المماليك البحرية و فضل الملك بيتداول بينهم لحد ما
وصل الأمر للأشرف طومان باى أخر سلاطينهم ..
ـــــ
كنت قلت لحضراتكم من فترة إن فى فريقين من المختلفين حوالين الفترة دى عموماً و
المسلسل خصوصاً .. الفريق الأول هما القوميين اللى شايفين إن لكل دولة الحق فى
إدارة شئونها بنفسها دون وجود قوة قاهرة تتحكم فيها .. الفريق التانى هما المؤمنين
بالإمبريالية و اللى شايفين إن وجود كيان جامع لمجموعة من الدول و القوميات شيء مش
وحش و إن الإتحاد قوة و دول طبعاً أنصار الإمبراطوريات و الممالك الكبرى و هنا فى
نقطة مهمة أحب أوضحها ..
دايماً بقرأ مقولة بتقول إن دخول العثمانيين لمصر إحتلال صريح .. و رغم إن المقولة
صحيحة نظرياً إلا إن مرددوها بيحكموا بمقاييس زماننا الحالى اللى القومية شعاره
الرسمى .. دلوقت فى حدود للدول و أى خرق ليها يعتبر إحتلال إنما بمقاييس الزمن ده
مكانش فى مسمى إحتلال بالمعنى المتعارف عليه دلوقت .. وقتها كان فى إتفاقيات سلام
طبعاً لكن السمة الغالبة للعصر ده هو الحروب .. حروب بلا نهاية فى العالم كله
لدرجة إن مكانش فى مكان واحد فى العالم القديم إلا و كانت فيه صراعات دموية على
السلطة .. على العكس دلوقت .. إحنا لما بنسمع إن فى حرب قامت بيبقى حدث جلل
بالنسبة لنا و بنتابع أخباره فى شغف .. الموضوع وقتها كان طبيعى جداً و كان عادى
أوى إنك تسمع عن قيام دول و سقوط دول كل فترة .. طبيعى إنك تسمع عن إغتيال ملوك و
صعود غيرهم و عن توسع حدود أى إمبراطورية بشكل شبه شهرى .. ده كان العادى و الله و
مكانتش الناس بتعتبره إحتلال ..
اللى بيحصل كان عبارة عن رغبة ( جماعية ) من كل ملوك الأرض فى القضاء على أعداءهم
و السيطرة على أراضيهم و بالتالى توسيع رقعة ممالكهم .. رغبة من الجميع .. اللى
يقدر على التانى هيقتله و يستولى على أرضه .. و الموضوع هنا ملوش علاقة بدين أو
بمذهب عشان محدش ينسب ده للدين .. فى الغالب دى كانت طموحات سياسية بالأساس لو
توافقت مع الدين فمفيش مشاكل أما لو تعارضت فالأولوية للطموح السياسى .. طبعاً كان
فى ملوك هدفهم دينى واضح و لكن ده مكانش الأغلب ..
ـــــ
لو ركزنا فى الواقع الإقتصادى و السياسى فى منطقتنا وقتها هنلاقى الآتى :
– دولة عثمانية بدأت فى التوسع فى عهد محمد الفاتح و من بعده إبنه بايزيد لحد ما
وصلت لإبنه سليم الأول بتحكم مساحة لا يستهان بيها من الأناضول شرقاً للبوسنة و
الهرسك غرباً
– مملكة مصرية تحت حكم المماليك بتحكم من صعيد مصر لحد سوريا و كام إمارة صغيرة
لهم الحق فى الحكم الذاتى و لكن تحت رعاية المماليك كانت بتمثل الحد الفاصل بينهم
و بين العثمانيين زى إمارة ذى القدر و إمارة بنو رمضان ..
– دولة صفوية شيعية وليدة فى إيران ليها طموح سياسى هى كمان و عاوزة تسيطر على كل
الدول اللى حواليها و على رأسهم الدولة العثمانية
– ممالك إسبانيا و البرتغال فى غرب أوروبا سيطروا على الأندلس و بدأوا فوراً فى
توسيع ملكهم عن طريق أسطولهم البحرى العملاق اللى بيلف بحار العالم عشان يكتشف
أراضى جديدة يضمها لتاجهم الملكى ..
– الهند وقتها كانت متقسمة لممالك برضه و كانت بتمثل للعالم القديم اللى بتمثله
إفريقيا للعالم دلوقت .. منجم ذهب .. سلة غذاء العالم .. خيرات ربنا كلها موجودة
هناك .. كل اللى كان مطلوب من إمبراطوريات العالم وقتها هو تأمين ممر تجارى آمن
للتجارة معاهم ..
ـــــ
الوضع السياسى كان بيقول إيه بقى .. سليم أول ما بقى سلطان الدولة العثمانية إبتدت
رسل الدول تجيله للتهنئة و كمان لعقد إتفاقيات سلام معاه .. ما هو الزمن ده كان
كده زى ما قلتلكم .. سلطان جديد بطموح جديد عاوز التاريخ يكتب عنه فيبتدى يجهز
جيوشه و يتلكك لأى حد من أعداءه و تقوم الحرب و هكذا .. المهم مين اللى راحله ..
سفراء من روسيا القيصرية و المجر و مصر و مملكتى البندقية و جنوة و بالفعل عمل
معاهم معاهدات سلام .. مين بقى اللى مراحلوش .. سفراء الدولة الصفوية و المملكة
البرتغالية .. دى دلالة كبيرة بمقاييس الزمن ده .. طالما مفيش تهنئة يبقى مفيش
محبة .. و طالما مفيش محبة يبقى فى عداء و يبقى لازم نتجهز للحرب .. و فجأة بعد ما
فتوحات العثمانيين كانت متوجهة لأوروبا بشكل أساسى إتوجهت للجنوب ناحية الصفويين
لإنهم العدو الأقرب ..
من ناحية تانية المماليك فى مصر كان ليهم مصدرين أساسيين للدخل .. الضرائب و
المكوس اللى بتدفع على مرور القوافل التجارية بأرضهم .. مصر موقعها إستراتيجى
فعلاً .. نقطة إتصال بين الهند و ممالك آسيا و إفريقيا و ده غير الموانىء اللى
بتوصلها بأوروبا .. إيه اللى حصل عشان يغير المعادلة دى .. البرتغاليين إكتشفوا
رأس الرجاء الصالح و عرفوا إن فى طريق مائى يوصل بين أوروبا و الهند بعيد عن
المرور فى الأراضى المملوكية .. الطريق البحرى كان أطول أه و لكن كان أأمن و بخلاف
الأمن فكان بيمثل فرصة عسكرية ذهبية مكانتش متوفرة قبل كده .. إحنا نقدر عن طريقه
نوصل لحلفاء جدد فى المناطق دى و بالتالى نحاوط الدولة العثمانية من إتجاهين ..
الحليف ده كان الدولة الصفوية ..
بخلاف التحالف اللى بيضر بمصالح العثمانيين بلا شك ففى ضرر أكبر وقع على المماليك
.. مصالحهم التجارية إتأثرت بشدة و كان لازم يشوفولها حل .. السفن البرتغالية كانت
عمالة تلعب فى المحيط الهندى و على حدود البحر الأحمر و بتستولى على السفن الهندية
اللى رايحة لمصر .. الحل كان حرب بحرية مصرية برتغالية إنتهت بإنتصار البرتغال و
ده خلى المماليك تتحالف مع العثمانيين .. تخيلوا .. أه و الله .. التحالف ده إستمر
لنهاية 1516 .. يعنى قبل شهور من دخول العثمانيين لمصر .. و الخشب اللى كانت
بتتبنى منه سفن المماليك كان بييجى من إسطنبول و إدرنة و غيرهم من ولايات
العثمانيين .. مش هتصدقوا بقى التحالف ده تم بدعم من مين .. من مملكة البندقية
المسيحية الكاثوليكية .. أه و الله العظيم .. البنادقة كانوا خايفين من تطور
الأسطول البرتغالى و بالتالى خسارتهم لمكانتهم التجارية فبعتت رسل لسليم الأول
تزين ليه فكرة التحالف مع المماليك ضد العدو البرتغالى المشترك ..
عشان لما أقولكم إن الحرب أساسها سياسى و إقتصادى مش دينى تصدقونى .. الصفويين
بيتحالفوا مع البرتغاليين ضد العثمانيين و المماليك اللى هما مفترض مسلمين زيهم ..
و مملكة البندقية المسيحية بتدعم تحالف المسلمين ضد مملكة البرتغال اللى هى
كاثوليكية زيها و الحياة جميلة خالص زى ما انتوا شايفين .. ده كان الوضع السياسى
فى المنطقة دى بشكل مبسط و سريع ..
إيه اللى هيحصل بعد كده بين المماليك و العثمانيين و الصفويين ..
ده اللى هتعرفوه إن شاء الله فى الأجزاء الجاية ..
ـــــ