النادى الأهلى هيلعب إنهاردة مع نادى الهلال السودانى وبعد ما كان مقرر إقامة المباراة بحضور جماهيرى صدر قرار من الإتحاد الإفريقى بعدم حضور الجماهير لأسباب أمنية حفاظاً على حياة البعثة المصرية هناك خاصة بعد أحداث السنة اللى فاتت واللى تم فيها الإعتداء على لاعبى الأهلى فى نفس الإستاد ..
السؤال هنا إيه اللى يوصل الجماهير السودانية للحالة دى رغم إن الواقع بيقول إن الشعب ده من أطيب شعوب الأرض .. الإجابة السهلة هى التناقس والتعصب الكروى ولكن لو ده السبب الوحيد فليه مبيحصلش بنفس الحدة مع فرق المغرب أو الجزائر أو تونس .. من وجهة نظرى أعتقد إن الموضوع له شق تاريخى ..
ـــــ
السودان فى بعض الفترات من تاريخها كانت جزء من المملكة المصرية اللى كانت بتضم مصر والشام والسودان وجنوب السودان وجزء من ليبيا وأحياناً بلاد الحجاز وبلاد اليمن .. وده عادة كان بيتم بالسلم أو ببعض المعارك المحدودة اللى كانت بتحسم بسرعة لصالح حكام مصر .. مرة واحدة بس هى اللى تم فيها ضم السودان بشكل دموى مبالغ فيه .. حصل الكلام ده فى عهد ( محمد على باشا )
ليه السودان ؟
لإنه أولاً إمتداد جغرافى لمصر .. ثانياً لإنه كان المأوى المفضل لفلول أى قوى مهزومة من النظام الحاكم المصرى من وقت الدولة العبيدية مروراً بصلاح الدين والمماليك وصولاً لمحمد على .. ثالثاً لإن كان فى إشاعات كتير بتحكى عن مناجم ذهب منتشرة فى السودان .. رابعاً لإنه كان الرافد الأساسى لتجارة الرقيق .. وموضوع الرقيق ده هيفرق فى إيه ؟! .. لأ يفرق كتير .. وهقولك ليه ..
( محمد على باشا ) بعد ما خلص على المماليك مبقاش تحت إيده فصيل عسكرى يتسند عليه غير الجنود الأتراك والشركس والأوروبيين ودول جنود أجورهم عالية ومطالبهم كتير ومشاكلهم أكتر .. يبقى ليه منحكمش السودان ونشحن العبيد اللى محتاجينهم على مصر وهناك ندربهم عشان يبقوا عساكر مهمتهم تحقيق أحلام الباشا التوسعية وبتكلفة تكاد لا تذكر ..
ـــــ
سنة 1820 جهز ( محمد على ) فرقة عسكرية قوامها 4000 عسكرى من الأتراك والأوروبيين وكان معاهم مجموعة من الشوام والمغاربة وخلى على قيادتهم إبنه ( إسماعيل كامل ) .. شاب عنده 25 سنة .. قاسى .. عنيف .. متسرع .. مغرور .. طموح جداً وعاوز يثبت للى حواليه إنه قادر على إتمام المهمة بنجاح وبسرعة .. كل دى مقومات تقول إن النتيجة لازم متبقاش مثالية حتى لو نجحت ..
يوم 20 يوليو سنة 1820 إتحرك الجيش من أسوان ودخل أراضى السودان .. فى البداية الأمور كانت سهلة .. إنصاع ليهم بدون قتال كاشف النوبة وحاكم جزيرة صاى ولما دخلوا مدينة دنقلة استسلم ليهم عدد كبير من المماليك اللى كانوا هربانين هناك ..
أول مقاومة قابلت الحملة كانت يوم 4 نوفمبر فى معركة ( كورتى ) مع ( مملكة الشايقية ) ودى مملكة صغيرة لكنها كانت مشهورة بالفروسية .. فرسانها كانوا مهرة فعلاً وأقرب ما يكونوا لمهارة المماليك وده اللى شجعهم على دخول المعركة أساساً لكن الواقع كان عكس طموحاتهم .. جيش محمد على كان جيش حديث فعلاً بمقاييس زمانه .. بارود ومتفجرات وأسلحة نارية ومدفعية فى الوقت اللى فرسان الشايقية كانوا بيحاربوا بالسيوف والرماح ..
النتيجة الطبيعية كانت هزيمتهم ومع الهزيمة يأتى العقاب .. قرار عجيب من ( إسماعيل كامل ) بيوعد فيه جنوده بمكافأة 50 قرش على كل زوج آذان من جنود الشايقية .. 50 قرش يا اخوانا فى الزمن ده كان مبلغ محترم جداً .. مبلغ جنن الجنود الأتراك والأوروبيين حرفياً وخلاهم يهجموا على القرى ويقطعوا آذان المدنيين العزل عشان يقبضوا المكافأة .. فهم إسماعيل إن قراره كان غير مدروس فوقف القرار لكن للأسف متأخر جداً بعد ما عانى أهل السودان من مجازر واعتداءات مرعبة ..
ـــــ
استمرت بعدها الحملة فى حصد المكاسب واستسلمت مدن ( بربر والدامر وسنار وفازوغلى ) فى شرق ووسط السودان حالياً .. أما فى الوسط الغربى فكان فى سلطنة إسمها ( سلطنة دارفور ) ودى عشان يستولى عليها ( محمد على باشا ) جردلها فرقة عسكرية خاصة ليها لوحدها قوامها 3000 جندى بخلاف المدافع والمتفجرات وحط على قيادتها جوز بنته ( محمد بك الدفتردار ) اللى نجح فى السيطرة على شمال كردفان وعمل فيها نفس اللى عمله ( إسماعيل كامل ) فى الشايقية .. نفس المكافأة لتقطيع الآذان ونفس الإعتداءات وحاجة فى منتهى القسوة ..
بعد أقل من سنة ونص نجحت الحملة فى السيطرة على غالبية مدن السودان الكبرى فى شماله ووسطه وشرقه وغربه وقسموا البلد لأربع أقاليم .. عابدين أغا على دنقلة .. محو بك على بربر .. محمد بك الدفتردار على كردفان .. إسماعيل كامل نفسه على سنار لإنها كانت أكبر المدن وكان فيها ( سلطنة الفونج ) اللى كانت أكبر الممالك السودانية القديمة ..
إسماعيل كامل زى ما قلنا فى الأول كان مغرور وقاسى ومتسرع .. ده راجل جاى يستعبد أهل البلد ويشحنهم على القاهرة بالقوة فأكيد مش هيطبطب عليهم فى السودان .. أول ما استقر فى سنار فرض ضرائب مهولة وده طبعاً خلى أهل البلد يثوروا ضده وبدأوا فى الهجوم على الحاميات المصرية والواضح إنها كانت ثورة قوية فعلاً لدرجة إن ( إسماعيل كامل ) ساب مدينة سنار وتراجع لمدينة تانية إسمها ( ود مدنى ) وقيل إنه كان خلاص ناوى يرجع على مصر ويكتفى باللى حققه هناك لولا إن الثوار هجموا على قافلة عبيد قرب مدينة ( شندى ) كانت رايحة على القاهرة وحرروا اللى كانوا فيها ..
ـــــ
طبعاً حركة زى دى مست كبرياء إسماعيل فقرر البقاء والإنتقام .. شندى وقتها كانت تحت حكم ملك إقليمى إسمه ( المك نمر الجعلى ) والمك هنا بمعنى الملك .. أى حاكم إقليمى كانوا بيسموه ( مك )
( المك نمر ) كان من الحكام اللى أعلنوا طاعتهم للدولة المصرية .. يعنى الراجل مكانش معارض ولا حاجة لكن الواضح إن كان فيه بعض الإشاعات وبعض ولاد الحلال اللى وصلوا لإسماعيل كامل إنه معارض لحكمه وحكم أبوه خاصة إنه مراحش بنفسه لإعلان الطاعة وبعت مكانه إبنه .. فضل إسماعيل شايلهاله لحد ما حصل اللى حصل فى شندى وعليه استدعاه عشان ينتقم منه ..
أول لما دخل عليه ( المك نمر ) بدأ إسماعيل فى إهانته والتقليل منه ولامه على اللى حصل هناك وفى النهاية فرض عليه ضريبة خيالية عبارة عن 15000 دولار و 6000 من العبيد وألزمه بتحضيرهم خلال 3 أيام بس .. طبعاً ده كان جنان ومستحيل أى حد يقدر يحققه وعليه بدأ نمر فى الإعتراض ورفض الإلتزام بالكلام ده فغضب ( إسماعيل كامل ) وضربه على وشه بغليون طويل كان معتاد يشرب فيه تبغ ..
الروايات هنا اختلفت .. بعضها قال إن ( المك نمر ) كان خلاص هيرفع سيفه ويقتله لولا إنه كان معاه حاكم تانى إسمه ( المك مساعد ) منعه وكلمه بلغة محلية مفهمهاش إسماعيل وقاله إن معاد الإنتقام مش دلوقت .. رواية تانية قالت إن نمر بعد ما انضرب بالغليون مغضبش وأظهر الطاعة وقبل بالشروط المفروضة عليه ..
فى الحالتين الروايات اتفقت إن إثباتاً لحسن النوايا فالمك نمر عرض على ( إسماعيل كامل ) حضوره حفلة على شرفه وإكرامه بما لذ وطاب والراجل قبل الدعوة فعلاً .. بلليل جهز نمر قصره المصنوع من القش وأثناء إنهماك إسماعيل فى الأكل والشرب زعق ( المك نمر ) فى رجالته وأمرهم بإكرام خيول الباشا كمان .. خلال دقايق تم محاوطة القصر بأكوام من التبن بحجة إن ده طعام الخيل وخلال ثوانى كان خرج المك نمر ورجالته من القصر وبعدها تم إشعال النار فيه ..
ـــــ
بعد لحظات اكتشف إسماعيل الكمين اللى إتنصبله وحاول يهرب لكن النار كانت حاوطته بالفعل فمات محروق .. بره القصر وقف رجالة نمر مترصدين للى جوه واللى كان بينجح فى الخروج كانوا بيقتلوه بالسهام .. خلال دقايق كان مات إسماعيل وكل رجالته إما حرقاً أو خنقاً أو رمياً بالسهام ..
خبر قتل ( إسماعيل كامل ) وصل ل ( محمد بك الدفتردار ) فى كردفان فاتحرك مباشرة لمدينة شندى عشان ينتقم من ( المك نمر ) و ( المك مساعد ) اللى كانوا معسكرين على أبواب مدينة بربر بيحاولوا يقتحموها لكن ملحقوش ووقعوا بين طرفى الكماشة وبسبب الفوارق العسكرية انهزموا ومات من جنودهم حوالى 1000 جندى ونجح ( المك نمر ) فى الهروب لبلاد الحبشة وعاش هناك لحد ما مات ..
أما ( محمد بك الدفتردار ) فأذاق السودانيين مر الإنتقام .. قتل منهم آلاف وسبى آلاف تانية فيهم نساء وأطفال وشحنهم عالقاهرة .. قيل إن عدد القتلى وصل ل 30 ألف قتيل والقرى المدمرة كانت بالمئات أو تزيد .. تنكيل تام بأهل السودان اللى عاشوا وقتها أيام صعبة جداً ودفعوا ثمن ملهومش إنهم يدفعوه خاصة إن الإنتقام مكانش بيفرق بين العساكر والمدنيين العزل .. مكانش بيفرق بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ .. اللى طالته سيوف الباشا جابت رقبته لمجرد الشك فيه ..
ـــــ
أخيراً حابب أوضح إن ده سرد تاريخى للى حصل فى فترة زمنية ما ومش بأكد إن ده سبب الإحتقان الحالى رغم إنه وارد جداً يكون كده خاصة إن التاريخ ده بيتم تدريسه فى المدارس السودانية فى مراحل تعليمية مختلفة ..
الظلم والقتل بلا سبب لتحقيق طموحات شخص ما مستهجن ومرفوض فى زماننا الحالى بعد إنتشار القوميات وتأسيس الجمهوريات لكن فى زمان ( محمد على باشا ) كان السيطرة على الأراضى وإخضاع الشعوب بالقوة هو المتبع والسائد ..
إعتذارى لأهل السودان الشقيق على ما عانى منه أجدادهم رغم أننا كمصريين مكانش لينا ذنب فى ده أبداً .. فلا الحاكم كان مصرى ولا الجيش كان فيه مصريين .. ده حاكم ألبانى معاه جيش فيه خليط من المرتزقة .. لكن رغم كده فلكم كل التعاطف والإحترام واعلموا أنكم إن دفعتم ثمناً باهظاً يوماً ما فقد دفع المصريون أثماناً والحديث فى تلك النقطة يطول ..
المهم بالله عليكم الأهلى محتاج ال 3 نقط النهاردة فياريت متعزهومش عليه وانتوا أهل الطيبة والكرم .. تحياتى 😊❤️
ـــــ