الأندلس سقط فعلياً بعد تسليم مفاتيح غرناطة لفرناندو الثانى وإيزابيلا الأولى سنة 1492 ميلادياً رغم إنه نظرياً كان بينهار قبلها بعشرات السنين .. فى نفس وقت السقوط كانت الدولة العثمانية بتعلن نفسها أقوى دولة إسلامية فى المنطقة وبالتالى بقت هى الظهير لكل مسلمى العالم .. وضع زى ده يخلى أى حد يتسائل .. طالما كانت بالقوة دى فليه سمحت بسقوط الأندلس ؟
النهاردة أنا جاى أقولكم على الأسباب ..
ـــــ
فى البداية لازم نقول إن الدولة العثمانية وقتها كانت فعلاً دولة قوية .. دولة إتأسست قبل سقوط الأندلس بحوالى 200 سنة .. مختلف على تاريخ تأسيسها لإن المؤرخين قالوا إنها بين 1299 : 1306 ميلادياً .. المهم إن خلال ال 200 سنة دول الدولة اللى تأسست بمساحة مش كبيرة فى شمال غرب تركيا على يد عثمان بن أرطغرل كبرت مع الوقت وشملت أغلب دولة تركيا الحالية وبعدها توسعت فى دول اليونان وبلغاريا ورومانيا وصربيا وألبانيا والمجر والبوسنة .. وكل ده تم على يد 8 سلاطين بس ..
* عثمان غازى
* أورخان غازى
* مراد الأول
* بايزيد الأول
* محمد الأول
* مراد الثانى
* محمد الفاتح
* بايزيد الثانى
ـــــ
طب طالما الدنيا كانت حلوة كده .. ليه العثمانيين ممنعوش سقوط الأندلس ؟
بص يا سيدى .. فى أسباب كتير لكن أهم الأسباب من وجهة نظرى هى كالآتى :
1 – البعد الجغرافى :
أول الأسباب وأهمها .. الدولة العثمانية فى الوقت ده مكانتش تملك أى نقاط تماس مع دولة الأندلس .. من إتجاه أوروبا فأبعد نقطة وصلتلها وقتها كانت البوسنة وعشان توصل لإسبانيا كان لازم تحارب وتنتصر على دول كتير أبرزهم كرواتيا والنمسا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا .. وطبعاً مش محتاج أشرحلك مدى صعوبة المهمة دى .. يكفى إنى أقولك إن أبعد نقطة وصلتلها فتوحات الدولة العثمانية طوال تاريخها كانت النمسا ..
من إتجاه شمال إفريقيا فالدولة العثمانية مكانتش لسه سيطرت على أى دولة هناك وكانت يدوبك لسه بتحاول تسيطر على الشام عشان يبقى مدخلها للمنطقة دى .. ده معناه إن فرصتها الوحيدة لمساعدة الأندلس كان عن طريق البحر وده معناه إنها لازم تتجاوز الأسطول المملوكى والإيطالى كبداية عشان تواجه فى النهاية أساطيل إسبانيا والبرتغال مع بعض .. ولو إنت متعرفش فاسطول إسبانيا والبرتغال تحديداً كانوا من أقوى أساطيل العالم وقتها .. طبعاً دى كانت مهمة مستحيلة إذا ما وضعنا فى إعتبارنا إن الأسطول العثمانى بالأساس مكانش بقوة الأساطيل اللى ذكرناها ..
2 – صعوبة صد المخاطر الخارجية :
الدولة العثمانية فى الوقت ده وكأى إمبراطورية فتية كان ليها فتوحات كبيرة جداً خاصة فى أوروبا .. الفتوحات دى خلقت ضدها عداوات كتيرة .. يعنى بخلاف دول أوروبا فهتلاقيها كانت على خلاف مع الجماعات الشيعية المتمردة فى الداخل المدعومين من إيران وهتلاقيها على خلاف مع دولة المماليك والإمارات التابعة ليها فى الشام .. الوضع ده أجبرهم على التركيز على نقاط التماس المشتعلة فى دولتهم الواسعة دون الدخول فى أى مغامرة جديدة خاصة لو محفوفة بالمخاطر زى ما شرحنا فى النقطة اللى فاتت ..
3 – الحرب العثمانية المملوكية الأولى :
هنا مش بكلمك عن الحرب التانية اللى إتعدم فيها طومان باى .. فى حرب قبلها بشوية حصلت تحديداً سنة 1485 فى عهد السلطان الأشرف قايتباى .. العثمانيين بقيادة بايزيد الثانى كان عندهم طموحات فى الشام لإنها كانت المدخل الرئيسى للسيطرة على إيران وشمال إفريقيا وعشان كده دخلت الحرب دى ضد المماليك .. للأسف الحرب استنزفت الطرفين بشكل كبير ومفيش طرف منهم قدر ينتصر على التانى وانتهت الحرب بينهم بتوقيع معاهدة سلام سنة 1491 .. يعنى قبل سقوط غرناطة بسنة واحدة بس .. طبعاً الطرفين مكانوش قادرين يمدوا يد المساعدة للأندلسيين بسبب الإستنزاف المادى والبشرى اللى تسببت فيه حربهم ضد بعض .. وبالمناسبة الأندلسيين طلبوا المساعدة من الطرفين مش من الدولة العثمانية بس ..
4 – الصراع على السلطة :
خلال عهد بايزيد الثانى بدأت مظاهر الفرقة بين أبناؤه تظهر بسبب صراعهم على ولاية العهد .. ورغم إن الصراع ده منتهاش فعلياً إلا سنة 1513 إلا إن بوادره كانت ظاهره قبل التاريخ ده بكتير ..
الموضوع ببساطة كان خلاف بين 3 من أبناء بايزيد هم أحمد وقورقود وسليم على مين يستحق ولاية عهد أبوه .. أحمد كان محبوب من أهل السياسة والحاشية القريبة من السلطان .. قورقود كان الأكثر علماً بين إخواته وعشان كده شاف إنه أحق بالمنصب .. سليم بقى كان شايف إنه الأجدر لإنه الأكثر حباً للجهاد والأقدر عسكرياً ..
أحمد حاول يثبت جدارته العسكرية فطلع بحملتين ضد الصفويين لكنه فشل فيهم وده عزز مكانة سليم كقائد عسكرى أبرز للدولة .. قورقود مكانش له أولاد وده أضعف موقفه فى طلب ولاية العهد .. بدون الدخول فى تفاصيل كتير فصراع الإخوة ده وصل بأحمد إنه يستقل بإحدى الولايات وخلى قورقود يخرج بدعوى الخروج للحج لكنه لجأ لمصر وقعد فيها سنة فى إشارة تهديد واضحة لوالده وخلى سليم يجهز جيش ويحاول يدخل إسطنبول بل إنه واجه مع أبوه فى معركة قوية خسرها سليم قبل ما يجمع شتات جيشه من تانى ..
بإختصار .. فى ظل التصدع الداخلى ده مكانش ينفع أبداً إن بايزيد يفتح جبهة قتال جديدة وبعيدة زى الأندلس وإلا انهارت الدولة ويبقى خسر المسلمين حصن جديد كان يعتبر الأقوى والأهم فى الوقت ده ..
5 – أوراق الضغط الخارجية :
السلطان محمد الفاتح كان له أكتر من إبن يهمنا منهم إثنين .. الأول هو بايزيد الثانى وده الكبير .. والأصغر منه وإسمه ( جيم – Cem Sultan ) .. الإتنين إخوات دول نشأ بينهم صراع على السلطنة بعد وفاة والدهم وبسبب مكائد سياسية وإنقسام الجند بينهم حصل صدام عسكرى انتصر فيه بايزيد الثانى وعليه هرب جيم من تركيا وراح على مصر ومنها راح على جزيرة رودس ولجأ لفرسان القديس يوحنا اللى أسطولهم كان قوى جداً بالمناسبة وكان فعلاً فيه إحتمال لمواجهة عسكرية بينهم وبين الدولة العثمانية ..
بايزيد نجح باتصالات دبلوماسية فى إقناعهم بالإحتفاظ بأخوه عندهم وعدم السماح ليه بالخروج مقابل مبلغ مالى سنوى ووعد منه بعدم غزو الجزيرة طوال فترة حكمه .. نجح المخطط وفضل جيم محدد الإقامة فى الجزيرة لحد ما تم خرق الإتفاق ده وتم تسليمه إلى ملك فرنسا اللى بدوره سلمه لبابا الفاتيكان ( إنوسنت الثامن ) اللى فضل محتفظ بيه كورقة ضغط ضد الدولة العثمانية ..
الملخص من ورا الكلام ده إن أى تحرك عثمانى لمساندة الأندلس كان هيتبعه بالضرورة إطلاق لجيم بل ودعمه مادياً وعسكرياً لزعزعة إستقرار الدولة وإسقاطها لو سنحت الفرصة ..
6 – ضعف الشعب الأندلسى بشكل عام :
المسلمين عاشوا فى الأندلس حوالى 800 سنة نصهم فترات عز وقوة ونصهم فترات ضعف وأفول .. اللحظة الفارقة فى تاريخ الأندلس كانت وفاة الحكم بن عبد الرحمن الناصر لإن بعدها تمكن الحاجب المنصور من السيطرة على البلاد وتم تحجيم دور الخليفة رسمياً ولأول مرة .. ورغم إن الأندلس عاش أزهى فتراته العسكرية فى عهد الحاجب المنصور إلا إن اللى عمله ده أضعف سلطة الدولة تماماً من بعده لإن من سمات الحكم الفردى ضعف وتجريف كل الشخصيات المهمة فى الدولة لصالح الحاكم ده وعشان كده بعد وفاته دخلت الدولة فى دوامة الصراعات والفتن وابتليت بقادة دون المستوى إختلفوا وتنازعوا لحد ما اتقسم الأندلس لدويلات صغيرة ضعيفة ..
الضعف ده كان نتيجته إن القادة فشلوا فى إدارة ممالكهم الضعيفة أصلاً .. والشعب نفسه فشل فى مقاومة الحكام الظلمة دول واستبدالهم بحاكم واحد قوى يجمع كلمتهم زى ما حصل أيام عبد الرحمن الناصر مثلاً .. طب الحل كان بييجى منين ؟ .. من بلاد المغرب الإسلامى .. لما كانت البلاد دى قوية كانت بتقوم بدورها فى حماية الأندلس وقدرت فعلاً تصد غزوات الإسبان لحوالى 300 سنة تقريباً عن طريق دولة المرابطين وبعدها دولة الموحدين لحد ما الدول دى ضعفت هى كمان وبالتالى فقد الأندلسيين الداعم الأول ليهم ..
وضع زى ده لا يمكن يكون صح لإن مفيش دولة ممكن تعيش بالشكل ده .. مفيش دولة بتعتمد إعتماد كلى على غيرها فى الدفاع عن حدودها .. ده وضع كان لازم ينتهى بزوال الدولة دى بالتأكيد ..
ـــــ
السؤال المهم بقى .. رغم كل العوامل اللى فاتت دى .. هل الدولة العثمانية تخلت تماماً عن الأندلس ؟
لأ طبعاً .. حاولوا فى حدود إمكانياتهم .. بدأ الموضوع بمراسلات دبلوماسية لإيضاح الصورة الكاملة للحكام الإسبان وإن المعاملة يجب أن تكون بالمثل لإن فى مسيحيين عايشين فى كنف الدولة العثمانية ويتم معاملتهم بالحسنى .. بعدها تطور الأمر لحملات بحرية خفيفة على الموانىء الإسبانية لكنها كانت حملات سريعة هدفها التهديد مش الدخول فى حرب حقيقية زى ما قلنا .. وأخيراً انتهى الموضوع بتسخير الأسطول العثمانى لنقل مسلمى الأندلس وحتى اليهود لأى مكان يحبوه بما فيهم الدولة العثمانية نفسها .. غالبية اليهود إختاروا يعيشوا فى إسطنبول أما المسلمين فكان عندهم حنين للعودة فاختار أغلبهم الإستقرار فى دول شمال إفريقيا ..
الخلاصة إن الدولة العثمانية لم تتخلى أبداً عن الأندلس ولكن كان فى عوامل كتير تمنعها من الإنخراط فى حرب كبيرة وبعيدة عن حدودها .. إحنا بنتكلم عن حرب عالمية بمقاييس زمانها .. تخيل إن أمريكا نفسها فى زماننا الحالى بتحاول تبعد عن الإشتراك فى أى حرب رغم إنها تملك أضعاف أضعاف ما كانت تملكه الدولة العثمانية فى زمانها .. وده ليه ؟ .. لإن أى حرب خاصة لو عالمية بالشكل ده فالكسبان فيها هيطلع خسران لإن حجم الخسائر المادية والبشرية هيكون أكبر من قدرة أى شعب على تحملها ..
أخيراً .. سقوط الأندلس أساساً كان من سنين طويلة قبل تمكن الدولة العثمانية ولما قدرت إنها تثبت أقدامها تزامن ده مع تراجع دول شمال إفريقيا العسكرى والإقتصادى وإنهيار قدرات الأندلسيين نفسهم بعد تناحرهم وتفرق كلمتهم على مدار عشرات السنين فمكانتش تقدر تقدم أكتر من اللى هى قدمته ..
ـــــ