الحاجب المنصور .. ما له وما عليه ( جـ 7 )

الحاجب المنصور .. ما له وما عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء السابع :
ـــــــــــــــــــــــ

المنصور بن أبى عامر كان عنده سياسة واضحة فى التعامل مع أى حد ممكن يشكل خطر على سلطانه وهى إنه يقتله بدون تردد .. بعد ما قضى على حماه ( غالب الناصرى ) وإستعان على ده بواحد من أبطال البربر الأمازيج هو ( جعفر بن على بن حمدون ) قرر إنه ينقلب على جعفر نفسه ..

بعد فترة مش طويلة شاف المنصور إن نجم جعفر بدأ يلمع .. ده وزير الدولة والقائد الثانى فيها دلوقت بخلاف إن تحت إيده كتائب من البربر اللى تم إستجلابهم من الشمال الإفريقى وده ممكن يخلى الشيطان يلعب بعقله ويخليه يفكر فى الإنقلاب عليه .. بس إزاى المنصور يتخلص منه والراجل مش باين منه غير الولاء التام ليه ؟

المنصور كان ذكى جداً وعارف إنه لو قتل ( جعفر بن على ) علناً بدون أى سبب واضح فهو بكده هيدخ فى خصومة مع البربر وبالتالى يفتح جبهة حرب هو فى غنى عنها .. يبقى الحل إيه ؟ .. الحل طبعاً كان فى إستخدام الحيلة وإن القتل يُقيد ضد مجهول .. والمنصور طبعاً مكانش هيلاقى صعوبة فى كده ..

ـــــ

فى 3 شعبان سنة 372 هجرياً جهز المنصور وليمة كبيرة دعا ليها كل أمراء الأندلس ووزراءها وكبار رجال الدولة وطبعاً كان منهم ( جعفر بن على ) .. وسط الحفلة نادى المنصور على الساقى المسئول عن المشروبات وصب كأس وإداهوله وقاله :

( إسقها أعز الناس على )

طبعاً كل الحضور وقف مستنى يعرف مين هو أعز الناس على المنصور والساقى الغلبان يا عينى ماسك الكاس ومش عارف يعمل بيه إيه وخايف يدى الكاس لواحد منهم وميطلعش هو اللى يقصده المنصور .. بعد حوالى دقيقة شخط فيه المنصور وقاله :

( ناولها الوزير أبا أحمد عليك لعنة الله )

وكان يقصد ( جعفر بن على ) طبعاً .. كده المنصور أثبت لكل رجال الدولة إن جعفر هو أعز الناس ليه وأقرب واحد لقلبه .. جعفر شرب الكاس وإتبسط أوى .. بعد شوية قام يرقص .. بعدها بشوية الكل قام يرقص معاه .. كاس ورا كاس لحد ما صاحبنا راسه تقلت وبقى ماشى بيطوح هو وكل حراسه فطلب المنصور منه إنه يرجع لقصره لإن شكله كده هيبقى وحش ..

بالفعل يخرج ( جعفر ) ورجالته وقبل ما يوصل القصر بتاعه بشوية يطلع عليهم مجموعة من الفرسان الأندلسيين على قيادتهم واحد إسمه ( أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبى ) ويقتلوا ( جعفر بن على ) وكل اللى معاه .. تانى يوم وصل الخبر للمنصور فأظهر للجميع حجم صدمته ومدى حزنه عليه وطبعاً مكانش فى حد يجرؤ يشك فيه بعد اللى عمله معاه فى الحفلة ..

اللطيف فى الموضوع بقى إن المنصور قتل ( أبا الأحوص ) نفسه بعد فترة قصيرة عشان يدفن سره معاه وكل الكلام ده محدش عرفه غير بعد وفاة المنصور وعندها كل أسراره طلعت على لسان رجال قصره اللى كانوا على علم بكل البلاوى اللى عملها فى حياته ..

ـــــ

بقتل ( جعفر بن على ) و ( أبا الأحوص ) إستقرت السلطة كاملة للمنصور لفترة طويلة وصلت ل 14 سنة تقريباً .. خلال الفترة دى كانت صبح بتحاول قدر إستطاعتها إنها ترجع السلطة الفعلية لإبنها المحاصر لكن محاولاتها مكانتش بتجيب نتيجة ومكانتش بتأثر فى المنصور أبداً ..

المحاولة الوحيدة اللى سببت بعض القلق للمنصور كانت سنة 386 هجرياً لما قررت صبح إنها تستعين بحاكم المغرب ( زيرى بن عطية ) اللى كان من المناصرين لبنى أمية .. صبح فى الوقت ده قررت تنفذ خطتها على محورين .. الأول تأليب الوضع الداخلى ضد المنصور بتذكير الناس بأفعاله ضد هشام والمحور الثانى كان تهريب جزء من أموالها وأموال هشام لتوصيلها لزيرى بن عطية لإقناعه بتجهيز جيش وغزو الأندلس للقضاء على المنصور .. بالمناسبة قيل إنها كانت بتهرب الفلوس دى فى جِرار العسل اللى خارجة من القصر ..

ـــــ

( زيرى بن عطية ) كان أمير المغرب والمغرب وقتها كانت تابعة للأندلس و ( زيرى ) مكانش راضى بالتبعية دى وشايف نفسه وبلاده أكبر من إنها تكون مجرد تابع .. فى سنة 382 هجرياً راح ( زيرى بن عطية ) للأندلس عشان يقابل المنصور وبالفعل إتقابل بحفاوة كبيرة ورفعه المنصور لرتبة الوزارة فقبلها زيرى ولكن أول ما رجع المغرب بدأ فى إحتقار الهدايا اللى خدها من المنصور ورفض الوزارة وبقى أى حد يجيله من الأندلس ويخاطبه بصفة الوزير يقوم رادد عليه وقايله :

( أصلحك الله .. أنا أمير إبن أمير ولست وزيراً )

عشان كده أول ما وصلت أموال صبح ليه وافق على عرضها وبدأ فى التشهير بالمنصور على منابر المغرب وفضح تصرفاته ضد هشام المؤيد بالله وطالب برد الأمر للخليفة الشرعى وعزل المنصور من منصب الحجابة وابتدى يجهز جيش عشان يواجه بيه جيش المنصور ..

ـــــ

طبعاً الأخبار وصلت للمنصور بسهولة لكنه كان مريض فى الوقت ده فبعت إبنه عبد الملك لقصر قرطبة عشان يواجه هشام باللى حصل .. أول ما هشام شاف الوفد إترعب وأنكر كل التهم دى وقالهم إنه مؤيد لسياسات المنصور .. لكن الكلام لوحده مكانش ينفع .. لازم الإثبات يكون بالدليل .. المنصور أمر إبنه بنقل كل أموال الخليفة وأمه من قصر الزهراء لقصره فى مدينة الزاهرة .. هو بالفعل كان نقل بيت المال من سنين طويلة ولكن أموال الخليفة وأمه الشخصية مكانش نقلها ودلوقت جه معاد نقلها ..

طبعاً هشام وافق لإنه ببساطة مكانش يقدر يرفض .. خلال ساعات كانت كل أموال قصر الخلافة إتنقلت لقصر المنصور ومتبقاش فيه غير اللى يعيشهم وبس .. محدش أحصى الأموال بالظبط لكن كل الروايات أجمعت إنها كانت ملايين الدنانير .. طبعاً صبح حاولت تعترض وهددت عبد الملك بتهديدات كتير لكن فى الحقيقة هى مكانتش تقدر تعمل أى حاجة والأموال دى كانت أخر أمل ليها لإستعادة ملك إبنها ..

المنصور مكتفاش بكل اللى حصل ده لإنه فى سنة 386 هجرياً كان الشارع الأندلسى إنقسم عليه ومفضلش فى صورة البطل اللى كانت الناس شايفاه بيها من حوالى 20 سنة .. عشان كده أصر إنه يعمل حاجة يوصل بيها للناس إن كل اللى بيحصل ده بيتم بالإتفاق مع الخليفة هشام وإن كل اللى بيتردد ده مجرد إشاعات مش أكتر .. بعد ما شفى من مرضه راح بنفسه لقصر قرطبة وقابل هشام فعاد عليه نفس الكلام اللى قاله لعبد الملك وأثنى على أسلوب إدارته للدولة وإنه بيأيده فى كل شيء .. هنا بقى جه وقت طلب المنصور ..

المنصور طلب من هشام إنه يخرج معاه فى موكبه عشان عامة الشعب يشوفوا بعينهم إنهم زى السمن عالعسل وطبعاً هشام وافق فوراً .. فى نفس اليوم خرج المنصور من قصر الخلافة وجنبه هشام وحواليهم كل رجال الدولة والوزراء والحاشية والصقالبة و جنود غفيرة من الجيش .. موكب كان بيحصل لأول مرة من وقت وفاة الحكم المستنصر بالله .. بعد الموقف ده يئست صبح من محاولاتها فى عزل المنصور واستسلمت لمصيرها فقعدت فى القصر 4 سنين تقريباً قبل ما تتوفى فى هدوء سنة 390 هجرياً .. موكب المنصور مع هشام كان أكبر وأوضح دليل على إن مفيش قوة داخل الأندلس تقدر تحرك المنصور من مكانه ..

طب ده بالنسبة للى جوه الأندلس ..

إيه أخبار اللى بره ؟

ـــــ
المواجهة بين المنصور و ( زيرى بن عطية ) حصلت سنة 387 هجرياً بعد ما جهز المنصور جيش بقيادة واحد من مواليه إسمه ( واضح ) وأمره بالعبور للمغرب لمواجهة زيرى والقضاء عليه .. حصلت بين الجيشين كام معركة صغيرة كده إنتهت بهزيمة جيوش الأندلس .. ده خلى المنصور يبعت جيش إضافى بقيادة إبنه عبد الملك وفوق ده أقام المنصور بنفسه فى أرض الجزيرة الخضراء فى أقصى الجنوب عشان يدير الحرب من هناك ..

رغم كل الإعدادات دى إلا إن جيش المغرب كان أقرب للإنتصار على جيش الأندلس لولا إصابة ( زيرى بن عطية ) الغير متوقعة .. إصابة ( زيرى ) مكانتش خلال المعركة ولكن حصلت عن طريق الخيانة .. ضمن جيش زيرى كان فى عبد حبشى إسمه ( سَلَّام ) و ( سلام ) ده كان له أخ زيرى أمر بقتله من فترة فلقاها ( سلام ) فرصة مناسبة عشان ياخد بتار أخوه فطعن ( زيرى ) فى رقبته وكتفه 3 طعنات وهرب لجيش عبد الملك عشان يبلغه بالبشرى بعد ما افتكر إنه مات .. الحقيقة ( زيرى ) مماتش وقتها ولكن إصابته أربكت جيشه فاستغل عبد الملك الفرصة وهجم عليهم وهزمهم .. بعدها نجح ( زيرى ) فى الهروب تجاه قبائل صنهاجة بعد ما رفض أهل مدينة فاس مساعدته ..

جمع زيرى فلول جيشه وراح على صنهاجة فلقى أهلها مختلفين على أميرهم ( باديس بن منصور ) فاستغل الفرصة وهزمهم وسيطر على أرضهم وجمع جيش قدر عن طريقه السيطرة على مدن ( تاهرت ) و ( تلمسان ) ودعى على منابرهم لهشام المؤيد بالله ولكن فى نفس الوقت بعت رسالة للمنصور بيسترضيه فيها ويطلب منه السماح لو أقره على ما كان عليه وقبل ما يجيله رد المنصور توفى ( زيرى بن عطية ) بسبب ال 3 طعنات اللى أخدهم على إيد ( سلام ) .. ده كان أخر خطر على المنصور خلال حكمه للأندلس اللى استمر بشكل منفرد لمدة 21 سنة ..

ـــــ

أعتقد بالأجزاء اللى فاتت فأنا غطيت أغلب الألاعيب السياسية اللى نفذها المنصور بن أبى عامر من وقت دراسته فى قرطبة ومن قبل حتى ما يدخل قصر الخلافة لحد ما وصل إنه يبقى الحاكم الوحيد للأندلس بعد تصفية أو تنحية كل خصومه أو حتى مناصريه اللى كان خايف من خطرهم عليه ..

فى الأجزاء اللى باقية إن شاء الله هيكون التركيز أكبر على الغزوات العسكرية للمنصور وإزاى قدر إنه يوصل بجيوشه لمناطق مقدرش يوصل ليها أى حاكم من حكام الأندلس اللى قبله ولا هيقدر يوصلها أى حاكم بعده وصولاً إلى يومنا الحالى ..

المنصور زى ما قلنا فى عنوان السلسلة ..

له ما له وعليه ماعليه ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ :
https://play.google.com/store/apps/details…

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ