الحاجب المنصور .. ما له وما عليه ( جـ 6 )

الحاجب المنصور .. ما له وما عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء السادس :
ــــــــــــــــــــــــــ

بداية من 368 هجرياً كانت أغلب المناصب المهمة فى إيد المنصور .. قيادة الجيش والشرطة وولاية قرطبة وإتحولت الدولة على إيده لدولة الرجل الواحد .. دولة شمولية زى دى بطبيعة الحال لازم يكون ليها أعداء لإن حكم الفرد مهما كان ناجح لازم يكون ليه كارهين خاصة من الحرس القديم للدولة .. الطبيعة البشرية كده .. طبعاً هو كان فاهم كده كويس فابتدى يخاف من إغتياله أو التآمر عليه وهو فى قصر الزهراء محل إقامة الخليفة عشان كده إدى أمر سنة 368 هجرياً ببناء مدينة جديدة خاصة بيه وسماها ( الزاهرة ) و أشرف على بناءها بنفسه لمدة سنتين .. عاصمة إدارية جديدة يدير منها البلد بعيد عن معارضيه ..

بعد الإنتقال للعاصمة الجديدة بص للمنصب الوحيد اللى كان ناقصة .. منصب الحجابة .. أعلى منصب فى الدولة بعد الخليفة .. سنة 371 هجرياً رقى محمد بن أبى عامر نفسه لمنصب الحاجب بعد موافقة الخليفة هشام على كده فأصبح رسمياً ( الحاجب المنصور ) وهو اللقب المعروف عنه تاريخياً .. عندها إتحول لراجل تنين بكل معنى الكلمة .. مفيش خطوة ولا نفس ولا قرار كان بيتاخد فى الدولة بدون علمه وموافقته عليه ..

كده فى سلطة إضافية ممثلة فى منصب الحجابة .. فى عاصمة جديدة للدولة متأمنة كويس جداً .. ومفيش أى خطر داخلى من الأعداء خاصة أنصار الحاجب المصحفى .. فاضل مين ممكن يشكل عليك خطورة يا منصور .. بالظبط كده ..

الخليفة هشام المؤيد بالله ..

ـــــ

الزاهرة كانت مدينة مبنية على أحدث طراز .. قصر ملوكى فاخر .. مسجد كبير .. دواوين للإدارة ( وزارات ) .. مساكن للوزراء والحاشية .. سور ضخم جداً محاوطها من كل الإتجاهات .. فيها بيت المال ومخازن السلاح وإسطبلات الخيول .. خطوات زى دى خلت الإهتمام بالمدينة الجديدة يزيد بالتدريج فاتفتح فيها أسواق كبيرة وبدأ كبار التجار والأعيان ورجال الدولة ينقلوا حياتهم لهناك لحد ما بقت هى العاصمة الفعلية للدولة وإتحولت مدينة الزهراء لمكان منبوذ محدش بيروحه إلا للضرورة وإتحول الخليفة الشرعى لمجرد شاب مقيم فى قصر مهجور لا حد بيزوره ولا بياخد رأيه فى أى شيء ..

الحاجب المنصور مكتفاش بكل اللى فات .. حاصر قصر الخلافة بجنود من البربر والصقالبة تابعين ليه شخصياً .. محدش يدخل على الخليفة ومحدش يخرج من عنده إلا بإذن .. ومش بس كده .. ده بنى سور وحفر خندق حوالين القصر عشان يضمن عدم زيارة حد للخليفة .. وفوق ده أشاع فى الأندلس إن الخليفة هشام فوضه فى إدارة شئون الدولة بالكامل وده طبعاً محصلش .. الخطوات دى كانت لازم تضايق صبح البشكنجية والدة الخليفة المحاصر وكان طبيعى إنها تحاول تشوف حل ..

ـــــ

صبح البشكنجية يا جماعة كانت بتحب المنصور فعلاً وده لا خلاف عليه .. هى لما خلفت هشام من الحكم المستنصر كانت فى عز شبابها وفارق السن بينها وبين ” الحكم ” كان كبير جداً .. بعد وفاة ” الحكم ” كان طبيعى إنها تتعلق بحد غيره .. المنصور كان شاب وحسب الروايات فهو كان وسيم وملامحه جميلة .. يعنى كان بيجمع بين الشباب وجمال الهيئة والتميز العلمى والإدارى .. كان طبيعى إنها تحبه خاصة إنه كان بيتودد ليها وبيقرب منها بكل الطرق الممكنة وفوق ده وعدها بالحفاظ على ملك إبنها الصغير .. دلوقت المعادلة إتغيرت .. هى قربت على الأربعين وبدأت تعقل وتفهم حجم الخدعة اللى عيشها فيها الحاجب المنصور وإينها أصبح محاصر وخسر كل سلطاته فى عمر 16 سنة وهى مبقاش ليها كلمة نهائياً ومبقاش حد يستشيرها فى أمور الدولة زى الأول ..

فى البداية بدأت بتأليب إبنها ضد المنصور برفض توقيعه على طلباته عشان متديش أى شرعية لقراراته وبعدها نشرت بين العامة عن طريق بعض أتباعها إن المنصور حابس إبنها وساحب منه كل سلطاته .. الكلام وصل للمنصور طبعاً فابتدى ياخد إجراءات أشد قسوة ضد هشام فمنع خروجه من القصر نهائياً والمرات القليلة اللى قدر هشام يخرج فيها كان المنصور بيحاوطه من كل الإتجاهات بفرقة من الجنود وكان بيلبسه بُرنس مغطى جسمه بالكامل فمكانش بيقدر يشوف الناس ولا حد من الناس يقدر يشوفه ..

كل ده خلى صبح تكثف محاولاتها لردع المنصور ..

غالب الناصرى هو الأداة اللى هتستخدمها ..

ـــــ

الروايات فى الجزء مش واضحة أوى لكن الأقرب إن صبح نشرت إشاعة عن طريق بعض أعوانها بتقول إن الناس شايفة إن ( غالب الناصرى ) هو الأحق بمنصب الحجابة من المنصور لكونه بطل قديم فى الدولة ويزيد على المنصور بفروسيته المعروفة للكل .. طبعاً غالب الناصرى مكانش فيه حاجة فى دماغه لإن المنصور يبقى جوز بنته وأساساً هو كان قانع بكونه قائد على جيوش الثغور وإنه حاكم ل ( مدينة سالم – Medinaceli ) .. لكن مين قال إن غالب رأيه مهم .. المهم رأى المنصور ..

المنصور أول ما الكلام إبتدى يكتر فى الأندلس عن أحقية غالب الناصرى فى مناصب القيادة فى الدولة حس بالخطر وقرر إنه يعمل حاجة يحد بيها من خطورة غالب عليه .. عشان تبقوا فاهمين دماغ المنصور فى صراعه مع معارضيه فهو كان بيعمل حركة لطيفة أوى لما بيخاف من حد .. كان بيجيبله منافس .. عمل كده فى الحاجب المصحفى وإستعان عليه بغالب نفسه .. ودلوقت قرر يستعين على غالب بواحد تانى من فرسان الأندلس ..

جعفر بن على بن حمدون ..

ـــــ

جعفر واحد من أبطال الأمازيج من بنى برزال ودى واحدة من فروع قبائل زناتة الأمازيجية .. جعفر كان عايش فى العدوة ” المغرب ” فاستدعاه المنصور للحضرة ” قرطبة ” وعينه وزير فى الدولة فكسب بيه قلوب البربر أكتر من الأول .. تدريجياً زاد عدد البربر فى الجيش وإتكونت منهم فرق جديدة بالكامل بسبب وجود جعفر بن على قيادتهم .. وطبعاً قابلهم المنصور بكل حفاوة وأنفق عليهم ببذخ لكسب ولائهم لحد ما بالفعل بقوا أحد أعمدة المنصور فى الحكم ..

كل ده كان بيحصل وغالب بتوصله الأخبار فى مدينة سالم .. الراجل حط الصورة كلها قدامه وابتدى يستشف نوايا المنصور حتى لو مفيش حاجة ظهرت منه لحد دلوقت وعليه قرر إنه يتغدى بيه قبل ما المنصور يتعشى بيه ولكنه قرر يعمل ده بطريقة ذكية متشككش المنصور فيه ..

غالب إستغل مشاركته مع المنصور فى أحد الغزوات على أراضى قشتالة ودعاه لوليمة معمولة على شرفة فى مدينة ( أتيينثا – Atienza ) فوافق وحضر ومعاه عدد مش كبير من فرسانه .. بعد الوليمة بدأ النقاش بين الإتنين عاتبه فيه غالب على تعيين جعفر بن على فى الوزارة وإنه بكده بينتقص من سلطاته ومن ولائه ليه فرد المنصور عليه بالعتاب هو كمان وإتهمه إنه سبب الإشاعات اللى بتقول إنه أحق بالملك منه .. المهم كلمة من هنا على كلمة من هنا إتنرفز غالب ورفع السيف على المنصور وأصابه فى صوابعه وصدغه ولكن المنصور قدر إنه يفلت من الكمين ده وهرب هو وفرسانه وخرجوا من المدينة ..

قبل ما يرجع المنصور على قرطبة هجم على مدينة سالم بجيشه واستولى عليها وهجم على بيت غالب اللى كان مستخبى وقتها فى قلعة أتيينثا واستولى على الأموال والأسلحة اللى كانت فيه ووزعها على الجيش وبعدها رجع لقرطبة وهو ناوى على قتل غالب ..

ـــــ

غالب  الناصرى مكانش قائد صغير .. ده كان فارس الأندلس الأول لعقود و كان عنده جنود كتير ولائهم التام ليه هو مش للمنصور .. خرج بالجنود دى وحصلت كام معركة صغيرة بينه وبين جيش المنصور كانت الغلبة فيهم ليه وده خلاه يتأكد إنه لو جمع كل جيشه فى معركة فاصلة قصاد المنصور هيقدر ينتصر عليه .. الراجل مكدبش خبر وراح تحالف مع ملك ليون ( راميرو الثالث – Ramiro III de León ) وتجمع الجيشين واتحركوا ناحية حصن إسمه ( شنت بجنت – San Vicente ) وهناك حصلت معركة عظيمة بين الطرفين كانت الغلبة فى بدايتها لجيش غالب برضه ..

فى الأول هجم غالب على ميمنة جيش المنصور وكان فيها جعفر بن على بن حمدون ورجالته من البربر فقتل منهم كتير وأجبرهم على التراجع .. بعدها هجم على الميسرة وكان فيها الوزير ابن حزم وكبار قادة الدولة فهزمهم وأجبرهم على التراجع .. بعدها إستعد للهجوم على المنصور فى القلب فوقف بفرسه فى المنتصف وقال :

( اللهم إن كنت أصلح للمسلمين من ابن أبى عامر فانصرنى .. وإن كان هو الأصلح لهم فانصره )

الغريب إن قبل ما الهجوم يبدأ فعلياً إكتشف الجنود إن غالب مات .. والحقيقة قصة موت غالب الناصرى غريبة شوية .. الفيلسوف ( على بن حزم ) بيرويها عن والده الوزير ابن حزم اللى هو كان قائد الميسرة فى جيش المنصور فوصف غالب فى الأول وقال :

( وهو شيخ كبير قد قارب الثمانين عاماً وهو على فرسه وفى رأسه طرطور عال وقد عصب حاجبيه بعصابة )

وبعدها دخل فى تفاصيل الوفاة فقال :

( فهز فرسه وترك جبهة القتال وأخذ ناحية إلى خندق كان فى جانب عسكره فظن أصحابه أنه يريد الخلاء .. فلما أبطأ عليهم ركبت طائفة منهم نحوه فوجدوه قد سقط إلى الأرض ميتاً وقد فارق الدنيا بلا ضربة ولا رمية ولا أثر وفرسه واقف بجانبه يعلك لجامه ولا يعلم أحد سبب موته .. فلما أدرك أصحابه سُقط فى أيديهم وطلبوا حظ أنفسهم فبادر مبادر منهم بالبشرى إلى ابن أبى عامر فلم يصدق حتى وافى مواف بخاتمه ووافاه آخر بيده ووافاه آخر برأسه )

المنصور كان قاسى جداً يا جماعة .. وزى ما عمل فى الحاجب المصحفى فى حياته وبعد وفاته عمل مع غالب الناصرى .. الرواية بتقول إن بعد وفاة غالب أمر بإحضار جثته والتمثيل بيها فحشاها بالقطن فى إجراء أشبه بالتحنيط و بعدين علق الجثة على باب قصر الخلافة فى قرطبة وعلق راسه على باب قصره فى مدينة الزاهرة وفضلت الجثة والرأس متعلقين لمدة 28 سنة ومنزلوش غير بعد وفاة المنصور وسقوط دولته سنة 399 هجرياً ..

ـــــ

المنصور إنتقم من الصقالبة .. ومن الحاجب المصحفى .. ومن الخليفة هشام المؤيد بالله .. ومن غالب الناصرى .. وإستعان على كل واحد منهم بالتانى .. كده مش باقى قدامه غير صبح البشكنجية وجابر بن على بن حمدون ..

أيوة .. هو جابر اللى إستعان بيه عشان يقضى على غالب ..

متستغربوش .. هو ده الحاجب المنصور وهى دى طريقته فى الحفاظ على ملكه ..

ـــــ

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى‎ : https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost

لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور‎ :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ