الأندلس وقت حكم ( المنصور بن أبى عامر ) كانت وصلت لأقصى إتساع جغرافى ممكن .. إنتصارات عسكرية مهولة متحققتش فى عهد أى حاكم أندلسى مهما بلغت قوته .. المنصور دخل بجيوشه برشلونة بعد ما خسرها المسلمين بحوالى 200 سنة .. وصل بجيوشه لأقصى شمال غرب إسبانيا ودخل كنيسة القديس يعقوب أقدس الأماكن المسيحية فى إسبانيا .. الراجل بكل أمانة أسس دولة قوية جداً لكنها بكل أسف كانت مرتبطة بإسمه هو بس .. الأندلس وقتها تحول لدولة الرجل الواحد .. تحول لدولة شمولية بالمعنى الحرفى للكلمة وارتبط مصيره بمصير الشخص القوى اللى بيحكمه .. بوفاة المنصور بن أبى عامر دخل الأندلس فى دوامة الإنقسام والتفكك لحد ما أصبح 22 دويلة أصغر فى الحجم والقوة ..
مرحلة تسمى تاريخياً بإسم ..
( عهد ملوك الطوائف )
ـــــ
طُليطلة .. الثغر الأوسط للأندلس وأحصن مدنه .. مدينة مبنية على مرتفعات جبلية بتحيطها الجبال من 3 جهات وليها مدخل واحد .. أسوارها عالية وقوية جداً وأرضها خصبة وفوق كده بيمر بيها نهر إسمه نهر تاجة .. يعنى تقدر تصبر على أى حصار لفترة طويلة جداً ..
طليطلة كانت عاصمة لدولة ( بنو ذى النون ) ودول كانوا الطائفة اللى بتحكم مساحة أرض كبيرة جداً فى وسط الأندلس واستمر الحكم فيها ينتقل من شخص للتانى لحد ما وصل لواحد إسمه ( يحيى بن إسماعيل ) ولقبه ( المأمون بن ذى النون )
ـــــ
( المأمون ) حكم الدولة 33 سنة وبحكم طول الفترة فكان أكثر واحد من حكام الدولة يتنازل للملوك الإسبان وبدأها سنة 436 هجرياً مع ملك قشتالة ( فرناندو الأول – Fernando I de Castilla ) عشان يساعده فى حربه ضد جيرانه ( بنو هود ) حكام سرقسطة مقابل دفعه للجزية وإقراره بالتبعية لمملكة قشتالة ..
الموضوع مبيقفش هنا .. إتفرجوا بقى على الكوميديا السوداء .. ( أحمد بن هود ) لما لقى ( فرناندو ) هجم على أراضيه قام تنازل هو كمان عن سيادته وبعتله هدايا وتحف ووعده بالتبعية ليه ودفع الجزية سنوياً فى مقابل هجومه على أراضى ( المأمون ) .. وافق فرناندو على العرض وهجم على أراضى المأمون فاضطر المأمون إنه يلجأ ل ( جارسيا سانشير – García Sánchez III ) حاكم مملكة نافارا وأخو ( فرناندو ) وبعتله هدايا وفلوس مع وعد بدفع الجزية فى مقابل إنه يهجم على أراضى ( بنو هود ) .. وافق جارسيا على العرض وهجم عليهم .. وبكده انتهكت أراضى المسلمين بشكل شبه مستديم بسبب تخاذل وسفه الحكام دول .. متخيلين حجم الشقاق والفرقة اللى كانوا فيه ..
الوضع لما ساء جداً إضطر ( المأمون ) إنه يبعت رسالة جديدة لفرناندو يطلب فيها مساعدته لكنه المرة دى طلب أموال أكبر من طاقته فرد عليه وقاله إحنا لو نملك الأموال دى كنا صرفناها على البربر ومحتجناش ليكم فرد عليهم ( فرناندو ) رد كله إستعلاء قال فيه :
( أما استدعاؤكم البرابرة فأمر تَكثرون به علينا وتُهددونا به ولا تقدرون عليه مع عداوتهم لكم .. ونحن قد صمدنا إليكم ما نبالى من أتانا منكم فإنما نطلب بلادنا التى غلبتمونا عليها قديماً فى أول أمركم .. فقد سكنتموها ما قُضى لكم وقد نُصرنا الآن عليكم برداءتكم فارحلوا إلى عَدْوتكم واتركوا لنا بلادنا فلا خير لكم فى سكناكم معنا بعد اليوم .. ولن نرجع عنكم أو يحكم الله بيننا وبينكم )
ـــــ
تمر الأيام ويستمر ( المأمون ) فى حروبه ضد جيرانه لكن سبحان الله تجيله وتيجى لكل ملوك الطوائف فرصة تاريخية سنة 458 هجرياً – 1065 ميلادياً .. فرناندو الأول ملك قشتالة وليون بيموت .. الفرصة مكانتش فى موته لإنه مش أول ملك يموت .. الفرصة كانت فى إختلاف أولاده من بعده .. ( سانشو الثانى ) ملك قشتالة و ( ألفونسو السادس ) ملك ليون و ( جارسيا الثانى ) ملك جليقية .. حصلت حرب طاحنة بينهم أخدت حوالى 6 سنين ضاع معاها إتحاد الدولة وإتقسمت بين الإخوات لدرجة إن كان ليهم أخت إسمها ( أوراكا ) إستقلت بمدينة ( سمورة – Zamora ) واعتبرتها ورثها من أبوها .. 6 سنين بدون ما يحصل أى إتحاد بين المسلمين لحد ما نجح ( سانشو الثانى ) من هزيمة إخواته وطردهم من مملكته ووحد الممالك المسيحية فى الشمال تحت قيادته ..
( ألفونسو السادس ) بعد ما اتهزم فى الحرب ملقاش مكان يروحه غير مملكة ( بنو ذى النون ) فراح للمأمون واستأمنه على نفسه وفكره بالعلاقات اللى كانت بينه وبين أبوه فالمأمون وافق على طلبه واستقبله فى بلاده لمدة 9 شهور .. 9 شهور يا مؤمن والراجل بيلف فى المملكة بكامل حريته لحد ما حفظ كل شبر فيها وعرف نقاط ضعفها وطبع أهلها وقوة جيشها لحد ما فى يوم من الأيام وصل وفد من قشتالة للمأمون وقالوله إن حكم مملكة قشتالة وليون بقى من حق ( ألفونسو ) لإن أخوه ( سانشو ) إتقتل وهو بيحارب أخته ( أوراكا ) قرب مدينة سمورة ..
ـــــ
بعد سنتين من تولى ( ألفونسو السادس ) حكم مملكة قشتالة وليون بيموت المأمون وبيتولى مكانه حفيده ( يحيى بن هشام ) ولقبه ( القادر بن ذى النون ) وده لإن هشام بن المأمون كان توفى قبله فمكانش باقى غير الحفيد .. المهم .. الحفيد ده كان شاب ضعيف الشخصية وقليل الخبرة وده طَمّع فيه أعداؤه زى مملكة أراجون وبنو هود وكمان استقل نائبه فى ( بلنسية – Valencia ) بالمدينة وبدأت الهجمات على مملكته تزيد يوم بعد يوم وهو مش عارف يعمل حاجة فاضطر إنه يلجأ لألفونسو السادس ..
راح ( القادر ) لألفونسو وإترجاه يساعده وكان فاكر إنه هيحفظ الإحسان اللى عمله معاه جده لكن ألفونسو أجبره على دفع جزية كبيرة وخد منه حصون وقلاع كانت على أطراف مملكته قبل ما يوافق على مساعدته فاضطر القادر إنه يوافق لإنه مكانش قصاده حل تانى وبالفعل نجح ألفونسو فى صد هجمات ( بنو هود ) وساعده كمان يرجع على كرسى الحكم بعد ما ثار ضده أهل طليطلة وأجبروه على الهروب منها .. ألفونسو بصراحة كان داهية ومكانش بيساعده لله .. أولاً هو كان حابب يستنزف طليطلة مادياً وثانياً كان عاوز شوية وقت عشان يجهز خطة للإستيلاء عليها وأفضل سيناريو لتنفيذ خطته هو إستمرار حاكم ضعيف زى ( القادر ) على عرشها ..
بداية من سنة 474 هجرياً إبتدى ألفونسو يتنصل من تعهداته للقادر وجهز جيوشه وهجم على ضواحى دولته لحد ما وصل لضواحى طليطلة .. 4 حملات رئيسية خلال 4 سنين .. كل سنة يدخل جيش ألفونسو يخرب الأراضى ويفسد المحاصيل ويستولى على الموارد ويقتل الرجال ويسبى النساء لحد ما خسرت المدينة مواردها ودفاعاتها وضاقت الدنيا بأهلها ..
ـــــ
على جانب أخر ( المعتمد بن عباد ) كان بيحكم إشبيلية وكان فى تار قديم بينه وبين ( المأمون ) بسبب السيطرة على قرطبة .. ما أنا زى ما قلتلكم .. الطوائف كلها كانت ضد بعض وكلهم تقريباً حاربوا بعض .. ما علينا .. المأمون قبل ما يموت كان عاوز يستولى على قرطبة لكن حاكمها وقتها ( عبد الملك بن جهور ) إستغاث بالمعتمد فى إشبيلية فالمعتمد ساعده فى طرد المأمون لكنه خلف عهده معاه واستولى هو على المدينة وعين إبنه ( سراج الدولة ) حاكم عليها .. سبحان الله .. الخيانة بينهم وقتها كانت أسلوب حياة مش مجرد حدث عارض ..
المأمون مستسلمش وتواصل مع واحد إسمه ( حكم بن عكاشة ) وده كان من أعوان حاكم قرطبة السابق ودبر معاه خطة لغزو المدينة .. وفعلاً .. نجحوا إنهم يدخلوا المدينة بعد ما اتفق ( الحكم ) مع بعض أعوانه اللى كانوا لسه جوه المدينة وكمان نجحوا فى قتل إبن المعتمد وقائد جيشه وكل جنوده اللى فى المدينة ..
خسارة المدينة وقتل إبنه خلى ( المعتمد بن عباد ) مستنى أى فرصة عشان ينتقم من ( بنو ذى النون ) ولو كان المأمون مات فحفيده لسه عايش .. المعتمد لما حس إن طليطلة خلاص هتقع فكر إنه ينتقم لموت إبنه وكمان يستفيد حتى لو كان ده على حساب ضياع المدينة من يد المسلمين فراح عمل معاهدة مع ألفونسو كتب فيها إنه هيرفع مبلغ الجزية السنوية مقابل إنه يسيبه هو وذريته على حكم المدينة ..
المعاهدة كانت مخزية جداً والله يا جماعة .. الجزية زى ما قلنا وفلوس وهدايا وتحف وجواهر هتتشحن لقشتالة مقدماً وفوق ده إشبيلية متعترضش على غزو ألفونسو لطليطلة ومتحركش لنصرتها عسكرى واحد .. وكل ده مقابل حاجتين .. أولاً عدم غزو إشبيلية .. وثانياً السماح للمعتمد بإجتياح أراضى طليطلة الجنوبية .. يعنى مش بس هتغمض عنيك عن غزو ألفونسو لطليطلة .. لأ .. ده انت بكل خسة وندالة هتاخد أراضيها الجنوبية لنفسك .. ورغم كم الخيانة دى إلا إن ألفونسو فضل محاصر المدينة ل 15 شهر متتالى قبل ما يدخلها .. 15 شهر يا حكام الأندلس ومفيش واحد منكم حرك ولو جندى لنصرة المسلمين المحاصرين بالمدينة .. ـــــ
طب إيه اللى حصل للقادر بن ذى النون بعد سقوط طليطلة ؟
ألفونسو عشان يراضيه وعده إنه يساعده على غزو ( بلنسية ) فتكون بديل ليه عن طليطلة .. بعد فترة قصيرة إتحركت قوات القشتاليين ودخلوا بلنسية وخربوها تماماً ونصبوا القادر حاكم عليها .. وطبعاً ده مكانش ببلاش .. صورة طبق الأصل من اللى فات .. جزية وقلاع وحصون وأبراج تم التنازل عنهم لألفونسو ..
بعد سنة بيحصل حدث تاريخى بيقلب موازين القوى فى الأندلس .. ملوك الطوائف بيتفقوا لأول ولأخر مرة وبيطلبوا مساعدة ( يوسف بن تاشفين ) أمير دولة المرابطين بالمغرب وبالفعل بيستجيب لهم وبيهزم ألفونسو فى معركة فاصلة هى معركة الزلاقة .. هزيمة بتضعف موقف القشتاليين وبتجرأ شعب بلنسية على الثورة ضد ( القادر )
الثوار طلعوا على قصره وقبضوا عليه وقطعوا راسه وعلقوها على عصاية وطافوا بيها شوارع المدينة .. أما جثته فرموها فى أحد المصارف أو المستنقعات لحد ما لقاها واحد من التجار كان معدى بالصدفة فاستخرجها ودفنها من غير كفن ولا حتى صلاة ..
ـــــ