يسألونك عن غزة ماذا استفادت ؟
هل تسمى إستشهاد أكثر من 50 ألف نفس وتدمير أغلب المدينة إنجازاً ؟!!
ـــــ
الإجابة عن الأسئلة دى محتاجة مننا شوية تفصيل .. بس لازم نتفق على المقاييس اللى هنكمل بيها النقاش .. نوحد مقاس المسطرة اللى هنقيس بيها أى حاجة نختلف عليها ..
1 – أنا مسلم .. وكلامى بكتبه من منظور إسلامى .. لو موافق على ده فأهلاً وسهلاً ولو مش موافق فغالباً الكلام مش هيقنعك ..
2 – لازم تفرق بين الأهداف البعيدة والأهداف القريبة .. بين الإستراتيجية والتكتيك ..
تمام .. إتفقنا .. يالا بينا ..
ـــــ
فى البداية إحنا كمسلمين مؤمنين إن لكل أجل كتاب .. كلنا هنموت فى يوم ما وفى لحظة ما مكتوبة عند الله .. بأى سبب والأسباب هنا بتتساوى .. سواء بمرض أو بصاروخ نازل من طيارة مش هتفرق .. المهم إن الأجل حين يأتى فكل البشر لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .. وبناءاً عليه فكل من مات على أرض غزة فقد حان أجله وحانت لحظته وكان هيموت فى نفس اللحظة لو هو فى أى مكان على الأرض بخلاف غزة ..
هتقولى بس ده إحتمال ضعيف والناس تعبت جداً حتى قبل ما تتوفى !!
هقولك يا صديقى الدنيا دار بلاء وليست دار جزاء .. الدنيا مجرد ممر للآخرة .. كل الآلام والدماء اللى إنت شفتها دى فى ميزان أهل غزة إن شاء الله ولهم أجر الصابرين إذا ما احتسبوا تعبهم وألمهم لوجه الله تعالى .. النبى ﷺ بيقول :
(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه )
والشهيد يشفع لسبعين من أهله كما قال النبى ﷺ :
( يشفع الشهيد فى سبعين من أهل بيته )
فأى تعب أو شقاء بعد البشريات دى ؟
ـــــ
هتقولى إنك مش معترض على الإبتلاء .. إنت معترض على إن المقاومة أوردت أهل غزة المهالك وساقت شعبها للذبح بيديها ..
هرد عليك وأقولك إن حكمة الإبتلاء لا يعلمها إلا الله .. محدش يعرف الهدف منها أو مين اللى سخره ربنا عشان يتسبب فيها .. ده قدر الله وقدر الله نافذ حتى لو اجتمع أهل الأرض لمنعه أو تأخيره .. كلنا أدوات لتنفيذ إرادة الله فى أرضه .. وإوعى تقع فى فخ الشيطان وتلج بأقدامك بحر الفتن وتسأل أين الله من كل ما يحدث ؟ .. الله أعدل من أن يراجع فى ملكه وما علينا إلا التسليم .. ولو أردت التثبت فارجع إلى كل الإبتلاءات التى ذكرها التاريخ لتعلم أن ما حدث لأهل غزة لا يشذ عن سياق إبتلاءات الأمم السابقة بل ربما هو أهون والأمثلة كثيرة .. أصحاب الأخدود .. ماشطة فرعون .. بنى إسرائيل وما لاقوه من فرعون .. المسيحيين الأوائل فى كنف الإمبراطورية الرومانية .. صحابة النبى ﷺ .. وغيرهم من الأمثلة الأحدث وما أكثرها ..
حضرتك شايف إنهم جلبوا البلاء على شعبهم وغيرك شايف إن اللى حصل ما هو إلا مخاض فى عملية ولادة متعسرة .. ولادة وطن وخطوة على طريق التمكين .. النبى ﷺ خرج من مكة مطارد والصحابة هاجروا متخفيين ومن بقى منهم عذب وأوذى فى الله .. وسط كل ده النبى ﷺ كان بيبشرهم بالجنة فى الأخرة وبيبشرهم بالتمكين فى الدنيا .. تخيل بيبشرهم بفتح البلاد وهما مهزومين فى أُحُد ومحاصرين فى المدينة فى غزوة الأحزاب وهما رابطين الأحجار على بطونهم من الجوع .. أى حد فى الموقف ده صعب جداً يتقبل كلام النبى ﷺ لإنه مخالف للواقع تماماً .. لكن الناس دى غير .. الناس دى كانت فاهمة يعنى إيه سنة الله فى الأرض وإن التمكين لازم يمر بمخاض صعب فيه بذل ودفع أثمان غالية والعقبى للصابرين ..
عارف إن الموضوع صعب تخيله على أغلبنا وفاهم إن الناس فى زماننا فكرها أصبح مادى بحت وكل شيء بيقيسوه بمقاييس الدنيا فخلينى أقربلك الصورة أكتر يمكن وقتها تقتنع .. هاتلى نموذج واحد فى التاريخ للتمكين بدون إبتلاء .. نموذج واحد لدولة واحدة نشأت بدون دفع الثمن .. بدون الصبر على الأذى ولملمة الجراح وقبول الخسائر المرحلية فى سبيل تحقيق الهدف النهائى .. متحاولش .. مفيش والله .. أمريكا والصين على سبيل المثال قبل ما يبقوا قوتين عالميتين مروا بحرب أهلية طاحنة .. حتى إحنا فى مصر ضحينا بآلاف الشهداء وخسرنا مادياً وبشرياً فى سبيل إستعادة سيناء .. تقدر تقولى كنا هنرجعها إزاى بدون الخسائر دى ؟
ـــــ
هتقولى إنت كل ده بتكلمنى عن الخسائر وبتحاول تبررها .. الخسائر وفهمناها .. فين بقى الإستفادة بعد كل ده ؟
جميل .. الإستفادة هنا مبتتحسبش بمين قتل أكتر ومين دمر أكثر .. الإستفادة هنا لها أوجه كثيرة .. عسكرية وسياسية ونفسية ودينية ..
* إستفادة عسكرية تمثلت فى أرقام قتلى جيش الكيان اللى تخطى كل خسايرهم فى حروبهم النظامية السابقة .. وده المعلن منهم وأنا على يقين إن اللى خسروه فعلياً أضعاف ما تم الإعلان عنه .. خايف أبالغ وأقول أن خسائرهم تقترب من خسائر فصائل المقاومة وربما أكثر ولكن معنديش دليل .. أنا هنا مش بتكلم عن خسائر المدنيين لإن الفوارق شاسعة .. أنا بتكلم عن الخسائر فى صفوف العسكريين ..
* إستفادة سياسية تمثلت فى خسارة الكيان كل مكتسباته اللى سعى لترسيخها من وقت تأسيسه .. الصورة الذهنية الوردية اللى حاولوا يرسخوها فى عقول سكان الكوكب عن إنهم مظلومين طول عمرهم وإن دولتهم هى واحة الديموقراطية فى الشرق الأوسط وإنهم كبشر أرقى وأكثر تمدن من الشعوب المحيطة بيهم .. كل ده تبخر بعد الفظائع اللى الناس شافتها منهم والمظاهرات ضدهم اللى منقطعش طول فترة الحرب خير دليل .. وأخيراً حكم محكمة العدل الدولية على المجرم رئيس وزرائهم ووزير دفاعهم ومساواتهم بمجرمى الحرب اللى سبقوهم وهذا لو تعلمون عظيم عظيم عظيم .. ده أول إعتراف دولى فى التاريخ إنهم مجرمين قانوناً ولسه اللى جاى أكثر بعد رفع دعاوى أخرى بعد الإستدلال بشهادات مؤسسات دولية محترمة زى هيومن رايتس ووتش .. إحنا بنتكلم عن شهادات وتقارير من مؤسسات الأمم المتحدة اللى أمريكا نفسها بتحتكم ليها ..
* إستفادة نفسية تمثلت فى تراكم الخبرات .. عمر ما فى حرب بتحسم من أول معركة .. كلها بتبقى تراكمات وخبرات بتكتسب مع الوقت .. المسلمين فى بداية فتوحاتهم هل كانوا يعرفوا مين هما الفرس والروم ؟ .. هل كانوا على علم بأساليب قتالهم .. أبداً .. توفيق ربنا أولاً وما اكتسبوه من خبرات فى معركة بعد أخرى .. إسأل نفسك سؤال واحد بس .. هل هى دى المقاومة اللى كانت موجودة فى غزة فى بداية الألفية ؟ .. المقاومة اللى كانت بتجاهد برمى الحجارة وبضرب النبلة وبالسكاكين والمسدسات بقت دلوقت بتكبد الصه*اينة أكبر خسائر فى تاريخهم .. ده ملفتش نظرك لحجم التطور فى إمكانياتهم ؟
من الفوايد النفسية كمان معرفة الصه*اينة بالثمن الواجب عليهم دفعه لو قرروا دخول غزة تانى .. سنة وربع مقدروش يرجعوا أسراهم ومقدروش يقضوا على المقاومة والأهم مقدروش يكتشفوا خريطة الأنفاق اللى من دلوقت بقولكم إن طولها هيتضاعف وخريطتها هتتغير تماماً عن الموجودة حالياً وبكده فالكيان هيخسر حتى الورقة اللى كانت فى إيده والمعلومات اللى جمعها على مدار فترة الحرب .. لو الحرب دى إتكررت تانى فهما قبل غيرهم عارفين إنهم هيدخلوا عميان تماماً وبدون أى معلومات وهيواجهوا واقع أصعب لإن المقاومة هى كمان بتتعلم وبتكتسب خبرات ولو كانوا دخلوا الحرب دى وهما مجهزينلها لسنة أو سنتين فالحرب الجاية هيكونوا مستعدين لخمس سنين قدام .. الفايدة اللى عادت على المقاومة والمنطقة إن الكل قدر يفهم إن بشوية تخطيط وإيمان يقدروا يهزموا الأراذل دول .. الفايدة تمثلت فى إحياء الأمل فى غد أفضل .. إن مع البذل والصبر النتائج بتتحقق .. لو مش مصدق كلامى تابع التصريحات .. شوف الوشوش .. شوف مين الفرحان ومين الحزين .. مين اللى مبتهج بنتايج الحرب ومين اللى مجبر على التوقيع .. والألعن بالنسبة لهم هو إهتزاز صورتهم .. إهتزاز صورة الجيش الذى لا يقهر أقسى عليهم من طلوع روحهم ..
* إستفادة دينية تمثلت فى زيادة اليقين .. أنا متأكد أصلاً إن الناس فى غزة غير باقى الأمة .. الناس دى يقينها بنصر الله ملوش حدود ولكن مع كل بشرى بتزود يقينهم وبتزود إيمان باقى الأمة بعدالة القضية وإنها وإن كانت مش المعركة الفاصلة ولكنها خطوة على الطريق .. إستفادة بتزود إيماننا إن أهل غزة هم الفئة المنصورة اللى ذكرها النبى ﷺ فى الحديث الشريف لما قال :
( لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله )
خاصة بعد اللى شافوه من خذلان القريب وتآمر البعيد .. زيادة يقين إنهم الفئة التى سلطها الله على المغضوب عليهم فى هذا الزمان ليسوموهم سوء العذاب .. قال الله عز وجل فى كتابه العزيز :
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) { الأنعام – 167 }
زيادة يقين بموعود الله أن الأرض سيرثها عباده الصالحون .. وبالله لا أجد فى الأمة من هم أصلح من أهل غزة .. وليعلمن القاصى والدانى أن من هجروا من ديارهم مرغمين سيعودون إليها فاتحين إن شاء الله ولو طال الأمد .. ولنا فى أهل مكة على عهد النبى ﷺ أسوة حسنة حين هجروا وأخرجوا من ديارهم إلى حين فلما أتى أمر الله دخلوها فى وضح النهار من أبوابها الأربعة .. ووالله ليصلى أهل فلسطين صلاة الفتح فى باحات الأقصى يوماً ما ونسأل الله أن نكون منهم أو نكون من اللاحقين ..
ـــــ
أخيراً ..
إفرحوا لإخوانكم فإن هذه الساعة ساعة فرح ولا تكونوا عوناً لكلاب أهل الأرض عليهم ولا تسمعوا لمن ينتقص فعلهم فإنى والله لا أراهم إلا من المُخْذلين وحسابهم على الله ..
ـــــ