شبح الفقاعة العقارية ( 2 )

شبح الفقاعة العقارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
القطاع العقارى فى مصر قطاع كبير .. لو فى قطاع يعود ليه الفضل فى إستمرار وقوف ‏مصر على رجليها السنين اللى فاتت فهيكون بكل جدارة القطاع العقارى .. نسبة ‏مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى خلال عام 2017 ‎كانت 16.2 % ‎و دى نسبة ‏تعتبر ضخمة مقارنة بقطاع واحد .. خلال 6 ‎سنين من 2011 حتى 2017 ‎و برغم اللى ‏شملته السنين دى من اضطرابات سياسية و إجتماعية إلا إن النشاط العقارى نمى ‏بنسب تعد خرافية وصلت لخمس أضعاف على الأقل .. نمو هايل صب ‏فى النهاية لصالح الإقتصاد الكلى المصرى لكن بسبب إنهيار باقى القطاعات فالمحصلة ‏النهائية كانت إنخفاض نسب النمو عن فترة ما قبل الثورة .. كل اللى فات ده جميل إلا إنه ‏له سلبية وحيدة ..
 
إعتماد الإقتصاد – أى إقتصاد – على قطاع واحد له مخاطر كبيرة جداً ‏لإن مع أى هزة الإقتصاد كله بيتأثر بالسلب ..‏
 
ـــــ
 
و بالرجوع لموضوع المقال الأساسى و هو الفقاعة العقارية فأنا فى الجزء اللى فات ‏اتكلمت عن أسباب حدوثها و خدت الموضوع من زاوية واحدة و هى زاوية الشركات و ‏بسبب ضيق المساحة فمقدرتش أكتب عن دور المستثمرين الأفراد فيها .. اتكلمت عن ‏الشركات لإنها بسبب كياناتها العملاقة فهى عليها الدور الأكبر فى حدوث الفقاعة من ‏عدمها على عكس الأفراد و إن كانوا كتلة لا يستهان بيها إلا إن مفيش كيان بيجمعهم و كل واحد فيهم له توجهه الخاص اللى بيحركه فى إطار سعيه الفردى للربح ..‏
 
الأفراد عادة و فى حالة حدوث الفقاعة العقارية بيكونوا توابع للشركات فى عملية البيع ‏المكثف اللى بتأدى فى النهاية لإنهيار سعرى مهول فى ثمن العقارات .. و برغم إنهم على الأغلب بيبقوا توابع إلا إنهم فى أحيان كتير بيبقوا سبب من ضمن أسباب حدوث الفقاعة .. إزاى ؟
 
الشركات و فى الطبيعى بتلعب على مستوى كبير .. يعنى بتعمل كومباوندات و قرى ‏سياحية و لايف ستايل بيستهدف الشريحة ذات الدخل العالى و بكده فهما بيحطوا ‏شروط منزل الأحلام اللى الناس بتحلم بيه قبل حتى ما يبنوه .. طب ‏متوسطى و محدودى الدخل يعملوا إيه ؟ .. بيروحوا للى على قد إمكانياتهم ..‏
 
الموضوع بيبدأ غالباً بقطعة أرض مش مترخصة و بالتالى مفيهاش خدمات ‏حكومية زى المياه و الكهرباء .. الأرض بتتقسم بشكل عشوائى و يبتدى التجار يدخلوا ‏فى المصلحة دى و فى وقت قياسى تلاقى المنطقة دى بقت كلها عماير بلا تخطيط و ‏كلها بلا شك بتبقى مخالفة و أقصى حاجة ممكن تتعمل هناك هو إدخال الكهرباء و المياه ‏عن طريق الممارسة .. فى فترة البناء بتاعة المنطقة ‏دى التجار الأولانيين بيبيعوا لتجار تانيين و تبتدى الشقق تتحرك من تاجر لتاجر يمكن ‏حتى قبل ما البناء يكتمل و ده طبعاً بيرفع سعرها لحد ما توصل للمشترين النهائيين اللى غالبيتهم بيشتروا مش ‏للسكن و إنما للإستثمار .. مع الوقت المشترين للشقق دى بيكتشفوا إن المنطقة ‏متمش التخطيط لها بشكل سليم و العشوائية ضربت فيها .. أبراج عالية على شوارع ضيقة و حاجة صعبة جداً .. اللى اشترى ‏عشان يستثمر بيلاقى ان استمراره فى الإحتفاظ بالشقة هيخسره رأس ماله فبيعرضها ‏للبيع بسعر مناسب و غالباً بيبيعها بمبلغ أقل من اللى اشتراها بيه ..
 
احنا هنا بنتكلم عن منطقة واحدة فى ‏حى واحد فى محافظة واحدة ..
 
عمم بقى ده على البلد كلها و شوف حجم مشتريات ‏الأفراد اللى بالشكل ده قد إيه ..‏
 
ـــــ
الأفراد و الشركات مش هما بس اللى ممكن يتسببوا فى حدوث الفقاعة العقارية .. ‏أحياناً الحكومات بقرار غلط منها بتتسبب فيها .. ده اللى حصل من الحكومة الصينية فى 2008‏‎ ‎و ‏اللى للصدفة حصل تزامناً مع أزمة الرهن العقارى فى أمريكا .. الحكومة فى الصين وقتها ‏افترضت إن الحل عشان يتغلبوا على أزمة الركود و ضعف الطلب هو زيادة السيولة فى ‏الأسواق و بالتالى السوق ينتعش .. و دى بالمناسبة رؤية إقتصادياً سليمة .. زود فلوس فى إيد الناس .. الناس تشترى .. يحصل رواج .. بيع و شراء .. ضرايب تتحصل و إقتصاد ينتعش .. الخطأ الوحيد اللى حصل وقتها إن خطتهم دى تزامنت مع خطة تانية كانت بتهدف لزيادة نسبة الإسكان فى المناطق الحضرية و بنوا بالفعل بعض المدن و كان عندهم شعار رددوه كتير وقتها هو ‏‏( ابنى و سيأتون ) يعنى ابنوا المدن و الناس هتيجى .. فى الوقت ده كانوا خدوا قرار ضخ السيولة و بالفعل ضخوا 4 ‎تريليون يوان فى البنوك و البنوك طبعاً ما ‏صدقت و اتوسعت فى الإئتمان و القروض غرقت الدنيا .. الناس اتأثرت بحملة الحكومة و أغلب القروض ‏اللى أخدوها وجهوها لشراء شقق فى المدن الجديدة دى .. زيادة الطلب أغرت ‏الشركات لبناء مشاريع جديدة .. وحدات سكنية و إدارية اتضاعفت أسعارها بشكل ‏مرعب فى فترة زمنية قصيرة بسبب حجم الطلب الكبير اللى نتج من القروض .. مع ‏الوقت حصلت الفقاعة و لكن بصورة مختلفة عن اللى حصل فى أمريكا .. الناس اللى حجزت سددت فعلاً و لكن ‏أغلب اللى حجز مسكنش فى المدن دى .. اشتروا الشقق للإستثمار المستقبلى مش لحاجتهم الفعلية للسكن .. يعنى معاهم فلوس أهو .. و سددوا القروض اللى عليهم كمان .. لكن برضه حصلت الفقاعة .. نسبة الإشغال فى المدن الجديدة كانت كارثية .. تقريباً ‏محدش سكن فيها .. المدن دى اشتهرت بعد كده و لحد يومنا الحالى بإسم مدن الأشباح أو ( ‏Ghost Cities ‎‏ ) .. عشرات المدن باستثمارات وصلت النهاردة لأكثر من 30 مليار دولار .. النتيجة إن ‏أسعار العقارات فى المدن دى نزلت لأقل من النص و الإيجارات تقريباً بقت ببلاش و رغم كده مفيش حد عاوز يشترى فيها ..
 
ـــــ
 
طب نسيبنا شوية من أسباب حدوث الفقاعات العقارية و خلينا نتكلم عن حالتنا المصرية ‏‏.. هل إحنا معرضين لحدوث الفقاعة فعلاً و لا دى مبالغات ؟
 
الحقيقة و كما هى عادتنا فى مصر الموضوع مختلف عليه جداً و فى إتجاهين عكس ‏بعض تماماً و كل واحد منهم عنده أسبابه اللى بتدعم موقفه ..‏
 
أسباب الرفض :
ـــــــــــــــــــــــــ
 
‏1 – أول سبب و أهم سبب بيعتمد عليه أصحاب التوجه ده هو عدم إعتماد السوق ‏العقارى على القروض ..
 
القطاع المصرفى المصرى بيحجم تماماً من عملية التمويل ‏العقارى و محدد نسبة للبنوك لا تتجاوز ال 5 % من إجمالى محفظتهم الإئتمانية للتمويل العقارى .. ‏التمويل الفعلى من البنوك حالياً 2 % بس .. يعنى لو البنك معاه 100‏‎ ‎مليون جنيه مخصصهم ‏للقروض ميقدرش يخصص للتمويل العقارى أكتر من 5 مليون جنيه .. تقليل الإعتماد ‏على التمويل العقارى ده هو اللى مديهم إنطباع بإستحالة حدوث الفقاعة لإن مفيش حد ‏بيقترض ( سواء أفراد أو شركات ) و بالتالى مفيش حد هيتعثر و بالتالى مش هيحصل ‏وفرة فى المعروض من الشقق ..
ـــــ
 
‏2 – ثانى الأسباب كان إعتقادهم إن معدل الطلب على العقار هيفضل فى تزايد مستمر و عددوا أسبابهم بالآتى :
 
– الشعب المصرى بيزيد بمعدل 2.5 % سنوياً ..
 
– معدلات الزواج اللى وصلت لمليون حالة زواج ‏سنوياً ..
 
– 60 % من الشعب تحت سن الثلاثين و بالتالى إحتمالية زيادة ‏معدلات الزواج فى المستقبل أكبر ..
 
– حسب إحصاءاتهم فحجم الطلب السنوى على العقارات يساوى 3 ‏أضعاف حجم المعروض ..‏
 
ـــــ
 
‏3 – ثالث الأسباب هو المصريين العاملين فى الخارج ..
 
المغتربين سافروا و تعبوا و ‏بطبيعة الحال بيفكروا فى حاجة تحفظ لهم قيمة فلوسهم و بحكم طبيعة المصريين اللى ‏بتؤمن إيمان كامل بالإستثمار فى العقارات فأول حاجة بيفكروا فيها هى انهم يشتروا ‏عقار و ده حسب وجهة نظرهم هيخلق طلب متزايد فى المستقبل ..‏
 
و بالطبع الكلام يسرى على الإخوة العرب المقيمين فى ‏مصر و كمان بيسرى على المستثمرين العرب بالخارج اللى ممكن يكون الإستثمار فى العقار ‏مجزى بالنسبة لهم خاصة بعد إنخفاض قيمة العملة المصرية ..‏
 
ـــــ
 
‏4 – رابع الأسباب هو معدل التضخم المرتفع و سياسة الدولة فى رفع الدعم ..‏
 
معدل التضخم بيتسبب فى رفع الأسعار و بحكم إن سعر العقار مرتبط بعناصر كتير كلها بلا ‏استثناء سعرها بيزيد باستمرار فمن المنطقى و الطبيعى إن سعر العقار يزيد هو كمان ‏‏.. من أول سعر متر الأرض مروراً بإيجار معدات البناء و أسعار المواد الخام وصولاً للأجور .. ‏كل ده و أكتر من شأنه يحفظ للعقار قيمته ..‏
 
سياسة الدولة فى رفع الدعم كمان بتؤدى لنفس النتيجة .. رفع الدعم يعنى زيادة الأسعار ‏يعنى تكلفة أعلى بتتحملها الشركات يعنى سعر أعلى للعقار بعد إضافة هامش الربح ‏على الوحدة ..‏
ـــــ
كل الأسباب اللى فاتت بلا إستثناء خرجت من كبار رجال المجال العقارى فى مصر .. ‏مفيش تصريح واحد شذ عن القاعدة دى إلا تصريح سميح ساويرس رئيس مجلس إدارة أوراسكوم و اللى قاله على استحياء كده فى نوفمبر 2016 .. قال إن القطاع العقارى ممكن يدخل فى أزمة بحلول عام 2019 ‏‏.. بخلاف التصريح ده مفيش ولا تصريح واحد من المطورين العقاريين قالوا فيه إن فى ‏إحتمال لأزمة و ده طبعاً مفهوم عشان ميضروش منتجهم زى ما شرحنا فى الجزء الأول ..
الغريب فى الأمر إن تصريحاتهم رغم إنها كانت وردية جداً إلا إنهم فى نهايتها كانوا بيشتكوا ‏من معوقات كتير بتقابلهم زى تدخل الدولة مثلاً فى المجال العقارى و طرحها لأراضى و ‏مشروعات سكنية فى المدن الجديدة بأسعار أعلى من الطبيعى و ضربوا مثال بسعر المتر فى العاصمة الإدارية الجديدة اللى وصل ل 15000 جنيه و المتر فى مدينة العلمين و دمياط الجديدة اللى وصل لأرقام أعلى من كده كمان .. ده أدى لرفع سقف الأسعار و أدى لإرتفاع فى ‏التكاليف أجبرهم على رفع أسعارهم هما كمان لدرجة إن أحد المطورين العقاريين قالها ‏صريحة كده إن حتى لو واجهنا صعوبات فى القطاع السكنى فإحنا ممكن نطور نفسنا و ‏نركز على القطاع الإدارى أو الصحى فى إشارة لعدم قدرتهم مستقبلاً على منافسة ‏الدولة فى مشاريعها الجديدة ..
ـــــ
هنقف لحد هنا مؤقتاً و إن شاء الله فى الجزء الجاى هتكلم عن رأى المؤيدين لفكرة ‏حدوث فقاعة عقارية و هكتب أسبابهم و كمان هكتب وجهة نظرى المتواضعة طبعاً فى الوضع الحالى و المستثمرين فى العقارات ممكن يعملوا إيه فى الظروف دى من ‏قبل حتى ما نتأكد إذا كان فى فقاعة و لا لأ ..
ـــــ
 
رابط الجزء الأول :
http://cutt.us/HUI8T
 
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ