سيرة صلاح الدين الأيوبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثانى :
ــــــــــــــــــــــ
الواقع فى آسيا كان أكثر ثراءاً من نظيرتها إفريقيا و لهذا أسبابه .. إتساع المساحة .. تعدد الأعراق .. وفرة الموارد .. وجه التشابه الأكبر بين القارتين كان الرغبة فى توسيع نطاق الحكم و شهوة السلطة التى اجتاحت بلاد المسلمين وقتها .. تلك الرغبة التى لم تترك عرقاً أو فصيلاً إلا و سيطرت عليه .. العرب فى جزيرة العرب .. الفرس فى إيران .. الآذريين و الكرد فى أذربيجان .. التركمان فى تركمانستان .. الأوزبك فى أوزبكستان ..
ـــــ
الدول و الممالك التى نشأت فى آسيا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– فى جزيرة العرب ظهرت دولة القرامطة فى بلاد البحرين على يد حمدان بن الأشعث الأهوازى الملقب بقرمط و سبب اللقب هو قصر قامته و ساقيه .. نشأت الدولة بالأساس على خلاف مذهبى داخلى بين الشيعة الإسماعيليين بعدما أعلن عبيد الله بن الحسين المهدى عن كونه الإمام الحادى عشر للشيعة و بدأ فى تكوين دولته العبيدية فى الغرب الإسلامى فعارضه الإسماعيليين فى الجزيرة العربية و كان على رأسهم حمدان بن الأشعث و الذى بدأ هو الأخر فى تكوين دولته عام 899 فى بلاد البحرين و بدأ فى الإنتشار فى ربوع الجزيرة العربية حتى وصل إلى بلاد اليمن فى أقصى الجنوب
من أسباب شهرة دولة القرامطة تاريخياً هى جريمتهم التى أحدثوها فى المسجد الحرام عام 908 عندما أغاروا عليه و سرقوا منه الحجر الأسود ثم أرسلوه إلى مناطق نفوذهم فى هَجَر فى أقصى شرق الجزيرة و الذى ظل فى حوزتهم لمدة 22 عام حتى أعادوه عام 930 .. جاءت نهاية دولة القرامطة عام 1074 بعد أن تحالفت ضدهم عدداً من القبائل العربية أبرزهم قبيلة عبد القيس الربعية و دولتها الوليدة الدولة العيونية و بدعم مباشر من الدولة السلجوقية و سلطانها ملك شاه
ـــــ
– ثانى الممالك كانت الدولة العيونية و التى تأسست فى منطقة العيون شمال الأحساء عام 1074 على أنقاض دولة القرامطة .. أسسها عبد الله بن على العيونى بعد أن سيطر على جزء كبير من جزيرة العرب و حكمها على مذهب الشيعة الإثنى عشرية حتى جاءت نهايتها على يد عصفور بن راشد مؤسس الدولة العصفورية عام 1253
ـــــ
– أما فى اليمن فقد تداخل الحكم بين أكثر من مملكة كل منها سعى لهزيمة الأخرى و كان أبرزهم الدولة الزيادية التى أسسها يحيى بن الحسين القاسم و قد سيطرت على مناطق واسعة من اليمن بدءاً من عام 819 و حكمتها على مذهب أهل السنة حتى استطاعت الدولة النجاحية السيطرة على أراضيهم و احتلال مدينة زبيد عاصمتهم السياسية عام 1019
الوضع فى اليمن تحديداً كان متشابكاً لأقصى حد حيث كانت المنطقة منقسمة إلى اليمن السفلى و مناطق الجبال فكانت هناك ممالك تحكم الجبال و أخرى تسيطر على مناطق السهول و هو ما يعنى تداخلاً فى مناطق النفوذ يتبعه إضطرابات و اشتباكات مستمرة فالدولة الزيادية و لاحقتها النجاحية خاضوا حروباً مستمرة مع ممالك عديدة حاولت إخضاعهم مثل الدولة اليعفرية و التى تأسست على يد يعفر بن عبد الرحمن الحوالى عام 839 .. الحروب أيضاً كانت مع الدولة الصليحية و التى تأسست عام 1047 على يد على بن محمد الصليحى و التى إستطاعت أن تفرض سيطرتها على أغلب مناطق نفوذ الممالك السابق ذكرها و وحدت اليمين كله تقريباً تحت رايتها و حكمته بالمذهب الشيعى الإسماعيلى
بخلاف الممالك السابق ذكرها فقد ظهرت عدة ممالك أخرى مثل بنو حاتم و بنو زريع و بنو مهدى مؤسسين الدولة المهدية و هكذا ظل اليمن متأرجحاً بين كل هؤلاء و كل منهم يسيطر على جزء منه و يحارب الباقيين على أساس قبلى و مذهبى بغيض
ـــــ
– و إذا إنتقلنا إلى أذربيجان فسنجد أن الدولة الساجية من أولى الممالك التى قررت الإستقلال عن الخلافة العباسية حيث أسسها القائد التركى محمد بن أبى الساج عام 898 و تدريجياً توحدت كل أراضى أذربيجان تحت حكم تلك الدولة حتى سقطت عام 941 على يد دولة السلاريين
– دولة السلاريين ( تعرف أيضاً بإسم بنو المرزبان ) هى دولة تأسست على أنقاض الدولة الساجية بعد أن كانت مجرد مقاطعة ضمن حدودها إلا أن زعيمها مرزبان بن محمد إستطاع التوسع فى أرمينيا حتى تمكن من تكوين جيش قوى أزإح بواسطته الساجيين و سيطر على أماكن نفوذهم .. إمتد حكم دولة السلاريين من عام 941 و حتى 983 حتى سقطت على يد الدولة الروادية
– الدولة الروادية ( تعرف أيضاً بإسم الدولة الهذبانية ) هى دولة تأسست من أحد بطون قبيلة هذبان الكردية و التى تركزت بالأساس بين مناطق أربيل العراقية جنوباً و تبريز شمال غرب إيران حالياً و قد سيطرت تلك المملكة على أجزاء واسعة من دول أذربيجان و أرمينيا و أجزاء من العراق و إيران حالياً و استمر ملكها حتى إستطاع السلطان السلجوقى طغرل أن يحاصر تبريز و يخضع الرواديين لسلطانه عام 1060 .. جدير بالذكر أن صلاح الدين الأيوبى تنحدر أصوله من قبيلة هذبان و تحديداً من مدينة دوين الواقعة ضمن حدود أرمينيا حالياً
ـــــ
– أما فى العراق و بلاد الشام فقد ظهرت الدولة الحمدانية فى الموصل و حلب بعد أن قام ناصر الدولة الحمدانى بتأسيسها عام 930 بعد أن ولاه الخليفة العباسى أمر الموصل و منه بدأت طموحاته فى السيطرة على بلاد الشام إلا أنه لم يستطع السيطرة سوى على حلب و حمص .. إستمرت الدولة قرابة الثمانين عاماً و بدأ مسلسل إنهيارها عندما توسعت الدولة الفاطمية و استولت على مصر ثم توغلت أكثر ناحية الشام فكان أول ضحاياها هناك هى الدولة الحمدانية حيث استطاعوا السيطرة على حلب عام 1003 بعد وفاة زعيمها سعيد الدولة حفيد المؤسس ناصر الدولة الحمدانى .. أما الموصل فقد خسرها الحمدانيون على يد الدولة العقيلية قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة قبل أن تسيطر الدولة السلجوقية على تلك المنطقة لاحقاً
– فى إيرانً عام 932 تأسست الدولة البويهية الشيعية على يد رجل يدعى بويه و كنيته أبو شجاع تعود أصوله إلى الديلم و هو إقليم قرب أذربيجان و شمال إيران إلا أن إزدهار الدولة تحقق على يد أبناءه الثلاثة على و الحسن و أحمد حيث إستطاعوا فرض نفوذهم على غالبية أقاليم إيران فى وقت قصير إمتد لاحقاً ليصل إلى بغداد حاضنة الخلافة العباسية إلا أنه و بسبب تنازع الملك بين الأمراء ضعفت شوكتهم فتمكنت الدولة السلجوقية من إستغلال الوضع و أسقطت دولتهم
– قائد أخر ينحدر من الديلم هو مرداويج بن زيار إستطاع عام 928 أن يؤسس دولة أخرى فى بلاد فارس هى الدولة الزيارية .. توسعت الدولة بالسيطرة على جزء كبير من أراض بلاد فارس و لكنها لم تستطع التوسع أكثر بسبب صدامها مع المملكة الغزنوية التى إنتصرت على الزياريين و ضمت مملكتهم لفترة من الزمن قبل أن تستطيع الدولة السلجوقية السيطرة عليهما معاً
ـــــ
و إذا تركنا بلاد فارس و العراق و اتجهنا شرقاً فإننا سنجد أن الدولة الطاهرية من أوائل الدول التى ذاع صيتها حيث بدأت أولى خطوات الإستقلال بعد أن تولى طاهر ببن الحسين الخزاعى أمر خراسان عام 820 و لكنه توفى بعد ثلاث سنوات فتولى المسئولية إبنه طلحه بن طاهر و معها بدأت ملامح الدولة فى الإتضاح و ظهرت إستقلاليتها بالتدريج .. تأسست الدولة الطاهرية بالأساس فى نيسابور شرق إيران ثم توسعت شرقاً ناحية أفغانستان و تركمانستان فاستولت على جزء من أراضيهم و ظل الحال كما هو حتى تدهورت أوضاع الدولة فى عهد محمد بن طاهر بسبب ضعف خبرته الإدارية فتجرأ عليهم الصفاريون و بدأوا فى إقتطاع المدن منهم و إخضاعها لسيطرتهم إلى أن فقدوا عاصمتهم نيسابور عام 872
ـــــ
– الدولة الصفارية تأسست عام 861 على يد يعقوب بن الليث الصفار و الذى إكتسب لقبه من مهنته حيث كان صانعاً للصُفر أو النحاس .. يعقوب نشأ كرجل عادى من عامة الشعب لكنه مع الوقت اشتهر فى الأوساط السياسية بعد أن ذاع صيته بين صفوف المتطوعين لقتال خوارج سجستان و بسبب قدراته القتالية و الإدارية ذاع صيته أكثر فتولى إقليم بست و مع الوقت بدأت الناس تميل إليه بسبب عدله و شجعوه على الإستيلاء على إقليم سجستان بالكامل و بالفعل تمكن من إنتزاعها من واليها درهم بن الحسين .. مع الوقت زادت شهيته و مد سلطانه إلى وادى كابل و مكران فتوجهت إليه وفود المدن ترغبه فى الإمارة عليهم مثل مدن هراة و بوشنج و هو ما جعل الدولة تسيطر على رقعة جغرافية تمتد من شرق إيران و حتى وسط أفغانستان .. إستمرت الدولة فى حكم مناطقها قرابة الخمسون عاماً قبل أن تبدأ فى التراجع ففقدت بعض أراضيها لصالح الممالك الصاعدة جوارها مثل المملكة السامانية قبل أن تفقد كامل سلطانها على يد محمود بن سبكتكين قائد الدولة الغزنوية عام 1003
ـــــ
– من الممالك المشهورة فى ذلك الوقت كانت المملكة السامانية و التى يعود جذور مؤسسيها إلى رجل من بلاد فارس يدعى سامان .. سامان هذا أنجب ولداً أسماه أسد و أسد أنجب أربعة أبناء هم أحمد و نوح و يحيى و إلياس .. برز من هؤلاء الأربع أحمد بن أسد بن سامان و الذى سيتولى حكم أقاليم فرغانة و الشاش و جزء كبير من سمرقند ..
أنجب أحمد بن أسد سبعة أبناء برز منهم إثنان هما نصر بن أحمد و شقيقه إسماعيل بن أحمد و هو الذى وصلت الدولة فى عهده لأقصى إتساع لها .. بعض المصادر تعتبر عام 819 هو عام تأسيس الدولة لأنه العام الذى تولى فيه أبناء أسد بن سامان الأربعة ولاية الأقاليم لأول مرة و لكن الأقرب للواقع أن دولة السامانيين المستقلة تنتسب لنصر بن أحمد الذى تولى إمارة جميع بلاد ما وراء النهر بموجب منشور من الخليفة العباسى المعتمد عام 892 و عليه فالتاريخ الأدق لتأسيس الدولة هو عام 892 ..
أحد أول قرارات نصر بن أحمد كان توليه أخاه إسماعيل على بخارى و لكن بسبب بعض الخلافات بين الشقيقين ثارت العداوة بينهما بالتدريج إلى أن تواجها عسكرياً و انتصر إسماعيل على أخاه فتبدلت الادوار و صار إسماعيل ملكاً و غدا نصر والياً على سمرقند و يحسب لإسماعيل إكرام أخاه و عدم تهميشه بعد الإنتصار عليه .. مع الوقت إتسعت رقعة الدولة و سيطرت على أجزاء من أراض الدولة الصفارية السابق ذكرها و إستمرت الدولة فى صعود مستمر إلى أن بدأت فى التدهور خاصة مع بروز الدولة البويهية و أيضاً بسبب صغر سن حكام الدولة السامانية و ضعف خبرتهم و هو ما استغله محمود بن سبكتكين الذى سيطر على بخارى و سمرقند من جهة خراسان و سيطرت دولة القراخانات الأتراك على باقى دولتهم من جهة ما وراء النهر و انتهت بهذا دولة السامانيين عام 999
ـــــ
فى الجزء القادم نتعرف أكثر على باقى الممالك التى برزت فى الشطر الشرقى للدولة الإسلامية فى ظل الخلافة العباسية .. دولة القراخانات و الدولة الغزنوية و الدولة الأرتقية و أخيراً أكبرهم و أهمهم الدولة السلجوقية و أتباعها من الأتابك ..
إستعدوا فعماد الدين زنكى قارب على الظهور ..
ـــــ
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على جوجل بلاى :
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.amkamel.arabyhost
لقراءة الموضوع على التطبيق الخاص بالكاتب على آب ستور :
https://itunes.apple.com/app/id1432249734
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ